-

-

"رغم تقدمك في العمر يا سعيد إلا أنك استطعت تمييز ابنه من نظرة واحدة، نعم هذا هو ابن القائد السابق، وقوته ليست بالشيء الهين غير أنها تحتاج للصقل"


دنى المحارب سعيد من الفتى ووضع يده على كتفه ثم نطق بكلمات حفظها قاسم عن ظهر قلب وجعلها كالمنارة حينما تشتد عليه الظلمة، قال والثقة تعلو وجهه


:- ستغدو محارب قوياً وقائد حكيم كوالدك"


فيه هذه اللحظة لم يصدق قاسم بأنه التقى بأحد أصدقاء والده، فقد كان غريباً في قريته بسبب ان والده غالباً ما كان يرتحل ولا يبقى في مكان واحد لمدة طويلة.


شد على قبضته ثم قالها بحماسٍ شديد


:- أعدك بأني سأكون رمز فخرٍ لا وصمة عار"


"إذن عليك ألا تهمل تدريبك أبداً وتستغل كل ثانية طالما انت بجانب منير، وحتما ستصل لما تسعى له"


وبعدما انهى كلامه وضع القائد منير يده الكبيرة على راس قاسم


:- لا تقلق عليه يا سعيد، سأجبره إن لم يستطع تحمل التدريبات"


وفي تلك اللحظة كان قاسم يصرخ


:- افلتني ستحطم رأسي، أفلتني بسرعة"


ضحك الجميع على مظهر قاسم المضحك، فقد احمر وجهه تماماً وفي الحقيقة لم تكن قبضة منير مجرد مزحة، في المعارك الحقيقية يستطيع سحق عنق العدو بقبضته فقط، ثم وقف شاب وسيم يرتدي عباءة بيضاء غطت جسده كله، كان ضعيف البنية قليلاً، بدأ بتعريف نفسه


:-أنا وليد وتخصصي هو سحر العلاج ولذلك قد لا استطيع المشاركة في القتال بشكل مباشر، غير أنني أستطيع دعمكم قليلاً من الخلف، وأيضاً سأكون طباخ هذه المجموعة، سررت بلقاءكم"


بعدها تقدم شاب تبدوا عليها ملامح الجدية، ذو بشرة سمراء وشعر أحمر قصير


:- اسمي خالد وتخصصي سحر النار، وأستطيع استخدام السيف أيضاً ولكني لستُ بتلك المهارة تشرفت بكم"


وهكذا بدأ الجميع يقدم نفسه حتى وصل دور عزان ثم قال ساخراً


:-عرّفت بنفسي سابقاً وأنا لديّ سحر خاص ومهارة فريدة، أما سحري فهو العناية بالأطفال ومهارتي الفريدة هي الأم الحنون"


وقف شامخاً وكأنه يتفاخر بكلامه، وتماشى الجميع مع سخريته وصفقوا له ساخرين ثم تحدث قاسم والضحكة تعلو وجهه


:-اعتني بي أيتها الأم الحنون"


لم يتوقفوا عن الضحك لعدة دقائق حتى ندم عزان لقوله هذا الكلام فقد تم تلقيبه بهذا اللقب وأصبح ملازماً له.


تقدم الجميع في جيادهم وركب قاسم مع القائد ثم انطلقوا من الطريق الخلفي للقرية.
إن القرية وبالرغم من أنها وسط الغابة وبين وحوش خطرة، إلا أن السلام دائم فيه ولم تستطع الوحوش فعل شيء لأهلها، وذلك بسبب وجود المحاربين الأشداء، سواءً من طبقة النبلاء او العامة، وبعضهم يعد من أقوى المحاربين في المملكة، وهذا بالتحديد سبب تسمية القرية بهذا الاسم"قرية البواسل" فقد كانت على نهاية حدود مملكتهم، فمن اليسار جرف كبير وعميق جداً، يقال بأن معركة بين أشد الأقوياء حدثت في ذلك المكان مما أدى لتشوهات كثيرة، والغابة محطية بهم من باقي الجهات، وفوق كل هذا فقد صنعوا من كل جهة طريق يربطهم بباقي القرى، تاركين في كل طريق تحذيرات مختلفة بحسب طبيعة وقوة الوحوش الموجودة فيها، ولم تكن القرية صغيرة ولا الغابة المحطية بها، بل كانت كبيرة جداً لدرجة أن الحصان يستغرق عدة ايام ليقطعها ولهذ السبب بالتحديد مهمتهم ستستغرق مدة طويلة.


بعد تحركهم مباشرة تحدث منير إلى قاسم وأمره بتوزيع طاقته وهو راكب، وعليه ألا يتوقف حتى يأمره بذلك، وفعل بالضبط ما أمره به ولكنه لم يستطع المحافظة على صفاء ذهنه ولا مقاومة الحركات المفاجأة بسبب الطريق الوعرة، لكنه لم يستسلم أبداً بل ظل يحاول ويحاول حتى استطاع أخيراً جعل الطاقة تستقر لمدة ساعة وفي منطقة واحدة فقط، في صدره، وانقطع تأمله بعدما صفعه عزان على ظهره ليبارك له على هذا التقدم


:- لقد فعلتها يا فتى"


وفي تلك الأثناء الشمس شارفت على المغيب وقرروا التخييم والراحة حتى صباح اليوم التالي، فمن الخطر الترحال أثناء الليل وذلك بسبب أن بعض الوحوش تستمد قوتها من الظلام أساساً وستكون معضلة إن واجهوا بعضها في الطريق...
وما إن انتهو من تجهيز المكان حتى توجه رجل ضخم البنية وجلس بجانب قاسم، ويبدوا بأن قاسم تعرف عليه جيداً وفي نفس الوقت لم يتحدث وتذكر تلك الحادثة عندما استطدم به، خيم الصمت مدة ساعتين حتى نطق قاسم بقوله


:-لا داعي أن تعتذر، وأنا من يجب عليه الاعتذار لأني تحدثت إليك بتلك الطريقة يا عمر"


ابتسم عمر ثم ربّت على رأس قاسم


:-قبل يومين عندما اصطدمت بي، كنت قد وقعت عقداً مع والد يزن، الفتى الهزيل الذي رأيته وكنا نحميه، وتعلم جيداً بأننا نتم المهمة الموكلة إلينا بكل صدقٍ وإخلاص ونفعل ما يتوجب فعله. وبشأن عذرك فقد قبلته مسبقاً، اعلم جيداُ مقدار كرهك للنبلاء ولذلك لا بأس لا أحمل ضغينة اتجاهك"


"أعلم مقدار إخلاصكم وتفانيكم في المهام، ولهذا اعتذرت، وعلى كل حال ما خطب ذلك الفتى المغرور الشبيه بالفتيات؟!"


نظر عمر للسماء ثم تنهد تنهيدة طويلة وبدا عليه شيء من الحزن


:-في الحقيقة بعدما ولد بفترة قصيرة لا تتجاوز الشهر، أصيب بمرض غريب مما أدى لتغير مظهره وضعف جسده كثيراً وطاقته أصبحت قليلة جداً وبسبب هذا كله تلقى معاملة غريبة في عائلته وكأنه لعنة فأصبح منبوذ من قبل الجميع، ولكن ما عليك أن تعلمه يا قاسم بأن يزن فتى صالح ولا يضمر الشر لأحد ومجتهد جداً في تدريباته بالرغم من ضعف جسده فقد وصل لمرحلة جديرة بالثناء في سنه..."


قاطعه قاسم والدهشة تغمره


:-ماذا حقاً؟ ولكنّ الأمر لم يكن بيده، في النهاية يبقى جزء من عائلتهم... وعليّ بألا أتكاسل ابداً وأطور من نفسي، فإن كان يزن كما قلت ذو جسد ضعيف ووصل لهذه المرحلة، فأنا أستطيع أن أفعل الكثير"


ظهرت ملامح الرضى من كلام قاسم في وجهه


:-هكذا هم بعض النبلاء ينبذون الأضعف فيهم ولكن لا عليك من هذه النقطة، عندما تكبر سيتضح لك كل شيء، دعنا نركز في العلاقة بينك وبين يزن، عليك أن تصبح صديقه وتضمه لصفك، فالأخيار أمثاله ليسو كثر"


:-صديق أو عدو، هذا سيتحدد لاحقاً ولكني سأفعل ما بوسعي!"


بعدها ناداهم الطباخ ليتناولو العشاء، ولم يستطع احد منهم مقاومة لذة طبخه، ولهذا أكثروا لدرجة انه لم يتبقى شيء مما طبخه، وأثنو على سعيد لأنه اختاره في هذه المهمة ليكون طباخهم، وفي تلك الأثناء قام القائد من مكانه واتجه لقاسم ثم أخذه معه وانعزلوا عن المجموعة ليدربه قليلاً، وبعدما توقف منير لمس شجرة ثم توهجت قليلاً ثم سحب يده وأخرج سيفان خشبيان من الشجرة التي لمسها، فقد كان بارع في استخدام سحر الخشب، اعطى واحد لقاسم


:-لديك المهارة التي ورثتها من والدك يا قاسم وأنا أشهد لك بهذا وجسدك أيضاً يملكه القلة فقط وهذا بسبب انك حافظت عليه طوال تلك السنوات وبقيت تدربه كل يوم وليلة بلا كلل وفي نفس الوقت كنت تقطع كمية كبيرة من الأخشاب، ولذلك لن أقلق بشان قوتك البدنية ولكنك لا تملك الخبرة في المعارك الحقيقية ولم تفتح الأوردة السحرية والتي من المفترض ان تفتح في سن الخامسة من عمرك، ولهذا السبب أغمي عليك عندما حاولت توزيع طاقتك للسيف وغفوت أثناء تأملك لمدة طويلة"


قاسم كان يحدق في القائد وهو يتحدث، وكان يحاول استيعاب كلامه وفي نفس الوقت صدم عندما أخبره بشان اوردته ثم تحدث


:- ولماذا لم يفتح والدي اوردتي عندما كنت طفلاً؟!"


:-لست متاكد من السبب ولكنا سنعلم بعد مدة، وسيتضح كل شيء حينها، ولآن واجهني بالسيف الذي أعطيتك إياه"


-
-
-
-
-
-
-
-
-


2020/12/31 · 218 مشاهدة · 1112 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024