-

-

:-لست متاكد من السبب ولكن سنعلم بعد مدة، وسيتضح كل شيء حينها، والآن واجهني بالسيف الذي أعطيتك إياه.


أغمض قاسم عينيه ثم أخذ نفس عميق وقال في نفسه"لا بأس، سأنتظر لأجد الجواب" تراجع للوراء ثم نطق بصوت عالٍ
:-انا قادم"


بعدها اندفع بقوة كبيرة لدرجة أن القائد تفاجأ من سرعة اندفاعه وتفادى متأخر قليلاً وخدشه السيف الخشبي في درعه الذي على صدره، تعجب منير من القوة التي وضعها قاسم وابتسم من الحماس الذي تملكه وفكر في نفسه للحظات" سيغدوا أقوى منك يا زياد، وستشهد هذه الأمة ولادة محارب مخضرم عما قريب"


ونسي نفسه من فرط الحماس وهاجم بقوة كبيرة و بالرغم من أن الفتى تصدى للضربة إلا أنه طار مسافة وارتطم بالشجرة، ثم استوعب منير وانطلق باتجاهه ليتفحصه ولكن قاسم قام على قدميه وهو يضحك
:-وأخيراً أستطيع مبارزة كأئن حي!"


"يبدوا أنك بخير يا قاسم"


"نعم وأرجوك أكمل يا عمي"


"لن اتساهل معك"


ثم رجع للخلف ليعطي قاسم مجالاً للتقدم وفعلاً اندفع قاسم مرة أخر ولكن في هذه المرة لم يتحرك القائد كثيراً بل انتظر اللحظة المناسبة ثم ضربه على ظهره
:"ظهرك مكشوف، لا تندفع هكذا دون أن تحميه!"


تجاهل قاسم واستمر بالإندفاع ولكن في كل مرة تزداد سرعته وردود فعله قليلاً وبعد مرور ساعتين على التدرب سقط الفتى منهك ولم يستطع تحريك جسده جيداً، حمله منير على كتفه وأخذه حيث بقية المجموعة ثم تقدم وليد وبدأ بعلاجه، الجميع كانو صامتين وكأن وحش هاجم قاسم ولكنهم كانو يعلمون بأنها تدريبات القائد له وليست بالشيء الهين، فطريق السياف محفوف بالمخاطر ولا بد من التدريبات الشاقة حتى تصل إلى طريق المجد.


استمرت رحلتهم هكذا ولم يواجهوا أي وحوش في الطريق وفي كل ليلة يتواجه في فيها قاسم والقائد، وبعد مرور شهرين استطاع الفتى باذلاً كل جهده في مواكبة منير وهو يستخدم عشرون بالمئة من قوته الجسدية، وفي الحقيقة استغل منير وجود وليد بينهم لكونه معالج ولهذا لم يتساهل أبداً في مواجهة قاسم وكان يبرحه ضرباً كل ليلة، وبالرغم من هذا، المعالج كان سعيداً جداً لأنه أثناء علاجه يطور من قدراته شيء فشيئا.
مرت الأيام وانقضت خمسة أشهر من بداية رحلتهم، والبعض أصابه الضجر فلم تهاجمهم الوحوش ولم يفعلو شيء جديد خلال تلك المدة، وأخيراً وبعد طول انتظار وقبل طلوع الفجر صرح القائد بشيء لم يكن في الحسبان أبداً ولم يخطر على بال أحدهم، بل أنهم سخروا في بداية الأمر ولكن ملامح منير كانت توحي بالجدية التامة ولم يتخللها شيء من الدعابة، واكثرهم دهشة حينها قاسم وكأنه صدم بعدما قال منير بتصريحه
:-إن هذه المهمة أنا من طلبها في بداية الأمر وأنا من أخبر سعيد أن يجمعكم في يوم واحد، وكل هذا لأجل وضع حواجز أثناء فتح أوردة هذا الفتى، فقد تحسست طاقته سابقاً ولو أني فعلتها في القرية، ستشعر بها وحوش كثيرة والكثير من البشر الذين يسعون لسرقة الطاقة من أجساد الأطفال وفي النهاية ستكون القرية هي الضحية"


تحدث عزان والدهشة مرتسمة في وجهه لدرجة أنها تبدو طبيعية
:- ولكنه استطاع تجميع الطاقة أثناء ركوبه للحصان، كيف فعلها وأوردته مغلقة؟"


:-في ذلك الوقت كنت أوزع له القليل من طاقتي لكي يعتاد على توزيعها ولا تنفجر أوردته أثناء فتحها!"


تحدث شاب يبدوا من ملاح وجهه بأنه في العشرين من عمره، شعر مجعد اشقر ووجه ناصع البياض، وشكله يوحي بمظهر أنيق
:- أستطيع صنع حواجز كثيرة أيها القائد، فهذا تخصصي، أفضل من الحواجز العادية، ولكن هل أنت متأكد من أننا سنحتاج لكل هذه القوة؟"


تنهد القائد ثم نظر في وجه قاسم
:-هذا ما سنعرفه بعد قليل!"


وفي أثناء حديثهم قاسم كان كالأبله لانه لم يستطع فهم شيء من كلامهم، ولأنه في كل مرة كان يحاول فهم السحر أم ما يخصه من معلومات، يشعر بصداع شديد وكان حاجز يمنعه وبالرغم من هذا كان يقرأ المخطوطات التي وضعها له والده بيد أنه لم يستوعبها، وهذا بسبب أن أوردته السحرية كانت مغلقة ولقراءة المخطوطات السحرية، يجب عليه فتح وريد واحد على الأقل.
توجه القائد للمساحة الفارغة ثم رسم دائرة وعليها نقوش كثيرة ثم طلب من قاسم الجلوس وسطها، وبعد جلوسه أمره بان يتحمل وألا يفقد وعيه مهما حدث وإن اشتد عليه الأمر ولم يستطع المقاومة، أن يقف على قدميه ويمسك السيف الذي ورثه من والده ليشاركه الطاقة التي قد تدمره، ثم وضع منير يده على ظهر قاسم وأمر الجميع بتشكيل حاجز اسطواني الشكل، لأنه لم يكن يريد ان يحتوي الطاقة مخافة أن ينكسر الحاجز ويتضرر الجميع، ثم تشكلت الحواجز جميعها وكان في البداية الحاجز الذي وضعه مخلد المتخصص في صنعها، ثم رتل منير تعويذة بسيطة وبعدها أمر الفتى أن يرددها معه، لأنه لن يستطيع فتحها بلا إذن منه، وبعدما انتهو خرج القائد من الحواجز ثم شاركهم بإنشاء حاجز أيضاً وبعدها عم الهدوء للحظات ثم نظروا في وجوه بعضهم البعض إلى ان تحدث عزان بقوله
:- يبدوا بأنك بالغت بتق..."
لم يكمل كلمته حتى فرقع رعد ليتعبه وميض أصفر على شكل برق من الأسفل إلى الأعلى وأصابتهم قشعريرة، بعدها بدأت صواعق كثيرة تخرج من جسده لونها أصفر غامق وأخرى باهت، وما إن هدأت حتى ظهرت عواصف صغيرة وكثيرة ذات لون أسود قاتم وفي تلك اللحظة كانت الحواجز تتصدع قليلاً ثم يرمموها مرة أخرى ببعض التعاويذ واستمر الوضع هكذا بعض دقائق ثم تجمعت سحب كثيرة جداً ذات لون أسود كأن كارثة ستحل بهم، وبينما العواصف بداخل الحاجز مستمرة ظهرت هالة سوداء ابتلعت كل شيء ثم امتدت للسماء ومن هول المنظر سقط ثلاثة منهم مغشياً عليهم فقد بذلوا كثيراً للمحافظة على الحواجز ولكنهم لم يستطيعوا مقاومة الطاقة المتسربة من خلالها ، ثم وقف قاسم على قدميه وبدأ يصرخ بحدة، فقد كان الألم يقطعه إلى أشلاء من الداخل وفي تلك اللحظة استخدم القائد تعويذة أخرى ضخم بها صوتها ثم صرخ باعلى ما يمكن
:-أمسك السيف يا قاسم بسرعة، هيا أمسكه"


وما إن انتهى من صراخه حتى حاول الفتى رفع يده قليلاً ليستل السيف الذي وضعه على خصره، وكلما يقترب أكثر تزداد حدة الكهرباء التي خرجت من أصابعه فور رفعه ليده، ثم أمسك السيف بيده اليمنى وتبعته اليسرى وحاول توزيع الطاقة بداخل السيف وفجأة حدث هدوء رهيب لدرجة أن العواصف اختفت والهالة التي كانت تضغط عليهم تبعثرت، ثم ظهرت طاقة ذات لون أصفر وأخرى تبدو شفافة محملة بسحر الرياح، اندفعتا من الأسفل حتى وصلتا للسماء ثم تبددت السحب السوداء التي تجمعت وأشرقت الشمس معلنة مولد فارس سحرياً جديد قد يكون الخلاص للمعاناة ونهاية للوحوش التي في كل سنة تزداد أكثر وأكثر، أختفت الطاقة كلها ثم سقط ولكنه استند على السيف وقاوم السقوط، ارتسمت ابتسامة عريضة عليه
:-لقد فعلتُها يا عمي الحداد"


لم يتمالك منير نفسه، فقد أخذت الدموع مجراها وكأنه ينظر لفرد من أفراد عائلته، بعدها توجه إليه وحمله بيديه، واما البقية لم يفيقوا بعد من الصدمة التي حدثت لهم، بالرغم من كل المعارك التي مروا بها والمهام التي وكلوا بها، لم يشهدوا أبداً طاقة كهذه في حياتهم كلها، وبعد نصف ساعة أفاق الثلاثة الذين أغمي عليهم.
وبالرغم من أن التعب قد نال منهم غير أن منير أمرهم بالتحرك فوراً، مخافة تجمع الوحوش والقضاء عليهم.
انطلقوا جميعهم ولكن هذه المرة استخدموا السحر ووزعوه في أحصنتهم لتكون أسرع بكثير ولم يفعلوها في بداية المهمة وذلك بسبب أن منير أراد تدريب قاسم على مهل حتى يستوعب جسده تلك الطاقة ولا يتضرر كثيراً أثناء تسربها، واصلو مسيرهم حتى قطعوا نصف المسافة تقريباً. ولأنّ الخيول السحرية بالرغم من شكلها العادي ولكنها تعتبر خاصة ولا يستطيع اي أحد التعامل معها، سوى الخبراء، وذلك بسبب أن من أراد الإستفادة من سرعتها المدهشة، عليه أن يوزع الطاقة بتساوٍ بينهما وكأنهما كيان واحد.
وأخيراً قرروا الراحة قليلاً حتى طلوع الفجر، وقاسم لا زال نائم والطبيب يعالجه بسحره، فقد كان يتأوه من شدة الألم، كأن طاقته السحرية تخترق عضلاته البارزة التي صقلها ثم تمتزج بها، وفي تلك اللحظة كان المعالج سعيد بالرغم من ملامح التعب البادية عليه، غير أن الحماس أخذه، فمثل هذا الجسد لا يُرى إلا نادراً جداً ومن المئة ألف ربما شخص واحد، فقد كان جسده كجسد محارب قوي ولآن بعد امتزاج تلك الطاقة السحرية في جسده كله، أصبح مقدر له أن يكون فارساً سحري من الطراز الأول وقد تتسابق القارات عليه بل يتبناه كل النبلاء إن عرفوا حقيقة ما يشاهده المعالج في تلك اللحظة، وما إن غرق في تأمله حتى سال لعابه من شدّة إعجابه، ثم أراد تسريع وتيرة العلاج ليرى قاسم واقف على قدميه، زاد الطاقة ثم شعر بها القائد بعدما تذبذبت قليلاً وأوقفه ثم جلس منير بجانب قاسم ووضع يده على صدره المكشوف، وتحسس جسده كله عن طريق السحر؛ ليتأكد انه شفي تماماً، لأن الذبذبات التي صدرت تدل على أن جسده تشبع بسحر العلاج وأصبح غير محتاج لها ولهذا رفضها طبيعياً لا إرادياً، ثم أمر بألا يقترب منه أحد حتى يستيقظ بنفسه، ثم جهزوا كل ما يلزمهم فقط، من فرش للنوم وطعام وماء، وفي تلك الأثناء كان قاسم غارقاً في حلمٍ جميل ولطيف، شاهد والده أمامه وكان يبتسم له، لم يفعل قاسم شيء سوى أنه وقف في مكانه وابتسم واستمر الوضع هكذا مدة حتى ظهرت امرأة خلفه ذات حسن وجمال ثم همست في أذنه
:-إذن أخيراً فتحت الاوردة يا صغيري وأتمنى أن تقبل الطاقة الصغيرة التي أهديتك إياها... لقد اشتقت لرؤيتك!"


وبعدها تحدث والده:-هذه أمك"...


ثم استيقظ الجميع على صراخه وهو ينادي بقوله:"أمي"


في البداية ظنوا بأنهم في خطر لدرجة أن مخلد وضع حاجزاً حولهم تحسباً لأي شيء قادم، وسعيد استل سيفه وأحاط المنطقة بهالته السحرية وكذلك فعل منير، وبعد لحظة صمت دامت عدة ثوان، استوعبوا جميعهم الموقف بعدها نطق منير بشيء من الدعابة
:-يبدوا بأنكم مستعدين تماماً، ما رأيكم أن نذهب في مهمة اخرى؟"


-
-
-
-

2021/01/04 · 218 مشاهدة · 1485 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024