إقترب من أذنها وأتبع بهمس" حين أضع شيئاً نصب عيناي..لايمكن حتى للشرطة إيقافي من إمساكك وإقتلاع روحك من جسدك"

بلعت شارلوت ريقها وإزدادت سرعة ضربات قلبها حتى شعرت بالسخونة تسري في جسدها، بينما إبتعد هو وعاد لنفس وضعيته يشاهد الأخبار بوجه جامد...

***

تناولوا العشاء، ثم وقفت شارلوت تساعد جدتها في جلب الأفرشة وترتيب مكان خاص للنوم لها ولمايسون..فجهزت مكاناً لها بجانب جدتها بينما إتخذ مايسون موضعاً تحت النافذة بعد أن وضعت له شارلوت فراشاً خاصاً هناك...

لم تنم شارلوت تلك الليلة ولاهو، كل منهما يفكر بالمصير الذي ينتظره الأيام المقبلة...

***

في تلك الأثناء وفي مكانٍ آخر، دخل كارل منزله سكيراً بعد معاناة لفتح القفل وهو يرى الأرض تدور حول قدميه..رمى نفسه على الأريكة مغمضاً عينيه، ثم رفع جفنيه بخمول ينظر لباب غرفة إبنه المغلق ونادى بصوت عميق وكأنه يأتي من بعيد" موزيس"

رمش بعينيه بنفس الخمول..وتذكر تلك اللحظة لوم شارلوت له كيف يهمل إبنه بتلك الطريقة..لم يره ليومين كاملين بسبب بعده الزائد عنه، وتذكر نفسه وهو يعدها أنه سيحاول التغير من أجل إبنه...

أخرج الهول من فمه بنفسٍ طويل ثم وقف ومشى مترنحاً نحو الحمام..إستحم سريعاً وخرج منه وقطرات الماء تقطر من شعره وجسده حتى بللت الأرض لنسبة ليست بالكثيرة، إرتدى ملابس قطنية مريحة وفتح باب غرفة إبنه في هدوء...

ثم دخل وشغل الإنارة ليفاجأ بسرير إبنه فارغاً، حك عينيه بيده وعاد ينظر إليه لربما يتخيل الأمر وأنه لايزال تحت تأثير الكحول لكنه فعلاً لم يكن في سريره...

أخذ نظرة سريعة في الغرفة ثم ركض نحو بقية الغرف وهو ينادي بعدم إستيعاب" موزيس..موزيس!!"

فتح أبواب المنزل على مصرعيها وأخذ يبحث عنه كالمجنون يصرخ وينادي..ثم تأكد أنه ليس في المنزل، أسرع إلى هاتفه يتصل بشارلوت..يرن ويرن لكن لا أحد يجيب، صك على أسنانه بغضب ظناً منها أنها تتعمد تجاهله وتمتم بعصبية" ليس في وقت كهذا!"

إرتدى معطفه خرج من المنزل ينزل السلالم راكضاً ومازال يحمل الهاتف ينتظر منها أن تجيب، فور خروجه من العمارة إصطدم بجيسيكا أمامه..وقف ينظر إليها بإستغراب ما الذي تفعله أمام العمارة التي يسكن فيها، لتقطع ذلك الصمت بقولها" نسيتَ محفظتك..أتيت لك بها خشية أن تحتاجها في وقت قريب"

إلتقط المحفظة من يدها وقال" شكراً.."

ثم همّ ليغادر فإستوقفته قائلة" إلى أين في مثل هذا الوقت؟"

ثم نظرت إلى ملابسه المنزلية وكيف يرتدي المعطف فوقها وكأن ما أخرجه من منزله أمر طارئ، قبل أن يتحدث قالت" يبدو أمراً مهماً..سأوصلك بسيارتي"

هز رأسه إيجاباً وركض خلفها دون أي تردد...

***

وصلا إلى منزل شارلوت وقد صدمت جيسيكا من إحضاره لها إلى بيت صديقتها والتي لم تود مطلقاً أن تراها رفقة كارل، والذي باشر هو بطرق الباب فور وصولهم وهو ينادي" شارلوت..إفتحي الباب"

يطرق ويطرق ودون جدوى..لتخرج الجارة نانسي وتقاسيم وجهها توحي مدى غضبها من صراخه هكذا في منتصف الليل، صرخت في وجهه" ماكل هذه الجلبة؟ أتدري كم الساعة الناس نائمون!"

نظر إليها لوهلة ثم إقترب منها وسأل بقلق" أتدرين أين هي شارلوت؟"

نظرت إليه بسخرية وقالت" تقصد قليلة التربية التي تجلب الرجال ليبيتوا في منزلها؟ خرجت قبل ساعات رفقة رجل طويل القامة"

أغمض كارل عينيه بقوة محاولاً تمالك أعصابه والتي كان سببها غيرته ليس إلا، ولم تبعد جيسيكا نظرها عنه تراقب كل حركة يقوم بها وقد علمت أنه إنزعج حين ركض أمامها نحو الخارج دون أن يتفوه بكلمة...

ركبا اليسارة من جديد وكارل يمسح وجهه بعنف يتأفف ويتمتم بكلمات غير مفهومه بتوتر..فسألته جيسيكا" ما الذي يجري؟؟"

وضع يده على عينيه وقال بعد صمت دام دقائق" إبني مفقود.."

عقدت حاجبيها تنظر إليه بصدمة، ثم رفع هو رأسه فجأة وكأنه قد إتخذ قراره الأخير" رجاءً..أوصليني لمركز الشرطة فقط"

-" بكل تأكيد" قالت وشغلت محرك السيارة منطلقة نحو وجهتهما...

آخر ماكان يتوقعه كارل هو أن يدخل مركز الشرطة مجدداً والذي أصبح أكره مكان بالنسبة له على وجه الأرض منذ أن رأى النذالة بعينها في بعضٍ من رجالها...

***

وصلا بعد دقائق ودخلا المركز، قدم بلاغاً بفقدان إبنه وأخبرهم آخر مرة رآه فيها والتي كانت قبل يومين، أخذت الشرطة تسأله عدة أسألة لعلها تمسك خيطاً يوصلها إلى الطفل المفقود، والعجيب في الأمر أن جيسيكا لم تبرح مكانها رفقة كارل بالرغم من تأخر الوقت فقد حلت الساعة الرابعة صباحاً وهما لايزالان داخل المركز...

***

خرجا بعد عدة ساعات بدت سنوات بالنسبة لكارل..أوصلته جيسيكا لمنزله كجثة هامدة ينظر في فراغ..شارد في التفكير، يلوم نفسه كيف أهمل إبنه لدرجة أنه ضاع منه دون أن يلاحظ!

دخل ورمى جسده ليجلس على الأريكة بإرهاق وقد كانت جيسيكا واقفة أمام الباب تنظر لحالة المنزل المزرية، لم يعرها كارل أي إهتمام وكأنها لم تكن واقفة تنتظر منه دعوتها للدخول...

لكن المفاجأة كانت في دخولها من تلقاء نفسها بحجة أنها تود مساندته وتنظيف المنزل من أجله على أقل التقدير، وماكان يزعجها كثيراً تجاهل كارل المستمر لها..حتى أنه لم يشكرها على الوقوف بجانبه ومساندته في أكثر الأوقات صعوبة له بل كان عقله وتفكيره كله بين إبنه المفقود وفيما تفعله شارلوت الآن رفقة مايسون في مثل هذا الوقت...

ظل شارداً متكئاً بيده على حافة الأريكة حتى ثقلت جفونه وغط في نومٍ عميق...

***

إستيقظ ظهر صباح اليوم التالي وأطرافه تؤلمه بسبب نومه بوضعية خاطئة، حك عينيه بتعب ثم نظر في أرجاء المنزل كيف أصبح مرتب ويشع كأنه من ذهب، لاتوجد حتى حبة غبار على الأثاث...

إبتسم متذكراً شارلوت حين كانت تأتي لمنزله تنظفه وتحوله من مكب قمامة لقصر راقي فقط من أجل إرضاء إبنه موزيس..كان الوحيد الذي يعاني من الفوضى في حياة والده...

ثم زالت إبتسامته حين مرت جيسيكا أمامه حاملة كيس مشتريات مبتسمة وقالت فور رؤيته ينظر إليها" آسفة..هل أيقظتك؟ الإفطار جاهز، أنت جائع بالتأكيد"

عوج فمه بعدم رضى ثم قال" ما الذي تفعلينه هنا؟"

لم تقصر هي في إرتداء قناع البراءة وقالت بإبتسامة خلابة" رأيتك ليلة البارحة منهكاً وخطر ببالي لربما ترتاح قليلاً إن نظفت المنزل..فحين يكون جحرك غير مرتب تتعب نفسيتك..أو هذا ما أظنه أنا على الأقل" ثم ضحكت بخفة ودخلت المطبخ...

تثائب كارل ووقف بينما يحك شعره، دخل المطبخ وجلس على طاولة الطعام المستديرة ينظر لتلك الأطباق الشهية التي لم يرها منذ فترة، ثم جلست جيسكا أمامه بعد أن أزالت المئزر من عليها...

كان الصمت سيد المكان ولايعلى صوت فوق صوت الملاعق كيف تلتقي بالأطباق الفخارية، حتى كسر ذلك الصمت كارل بقوله" شكراً على ليلة البارحة..كانت مساعدة كبيرة"

إتسعت إبتسامة جيسيكا وقد كانت سعادتها صادقة هذه المرة، فقالت" لاداعي للشكر..إنه واجبي"

ثم واصلت تناول إفطارها...

***

في تلك الأثناء، كانت شارلوت ترتب بيت جدتها الريفي وتكنس الأرضية، وكان مايسون جالساً عاري الصدر يتفحص جرحه بمرآة صغيرة كان يحملها، توقفت هي لوهلة تنظر إليه متكئة على طرف عصا المكنسة وشردت تفكر..وفجأة قالت بتردد" لما تستهدف ذوي المناصب العليا فقط؟"

توقف هو عن التحرك وأنزل المرآة بهدوء..وبعد صمت دام لحظات تمتم قائلاً" إنتقاماً..ليس إلا.."

لكن شارلوت لم تكتفي بذلك القدر من الجواب فلم تلبث عدة ثوانٍ أخرى وسألت مجدداً بفضول:

-" إنتقاماً لمن..؟"

هنا رمقها مايسون بنظرة ساخطة جعلت ساقيها ترتعشان لوحدهما..لكنها وعلى عكس خوفها عادةً حاولت الوقوف في وجهه بقولها" تنتقم لأجل كارولين؟؟"

وقف مايسون مكانه وتوجه نحوها بسرعة وبخفة أمسكها من ياقتها وسحبها نحوه مصطكا على أسنانه، وذراعه الأخرى ممددة للخلف مستعداً للكمها بأقصى قوة مشوهاً ملامح وجهها الناعمة..لكنه توقف، توقف لسبب واحد وهو السبب الذي يقف حاجزاً بينه وبين جعلها جثة هامداً منذ أول مرة رآها.. كان ذلك كارل...

أجل كارل يحبها فهو بالتالي لايمكنه قتلها..لن يسامحه كارل على فعلته تلك طيلة حياته، وهو لن يتحمل خسارته لصديق مثله...

أمسكت شارلوت يده التي أحكم قبضتها على ياقتها وترقرقت الدموع في عينيها..ووسط ذلك الخوف قالت" أريد أن أعلم! لما تقوم بكل هذا..ما الذي غيرك؟ أتذكرك حين كنت إنساناً محبوباً بنظارتك اللطيفة تلك..ما الذي غيرك؟ كنت أقرب الناس لكارل وها أنت قمت بإختطاف إبنه والله وحده يعلم السبب..فما الذي غيرك؟؟"

أغمضت عينيها وأتبعت بصوت هادئ وسط شهقاتها" أتذكرك حين كنت جالساً أمام المشفى..وترجوتني أن أدخل وأسأل الممرضات عن كارولين لورانس..وقد ماتت ذلك اليوم، إسمعني..أعلم أن الشرطة فاسدة، لن تصدق ما اخبرني به كارل عن النذالة التي رآها في بعض من رجالها، لكن أن يصل الأمر لدرجة القتل.."

رفعت رأسها تنظر داخل عينيه بعزم قائلة" أريد أن أعلم.."

ظل مايسون على وضعيته لثوانٍ ثم تركها بهدوء ومشى بعيداً عنها قليلاً، وبعد تفكير عميق قال" اليوم التاسع من شهر شباط..كان هنري إدينغتون يمشي بسيارته ومر على الطريق السريع، حينها هاجمه إرهابيون فجأة ملاحقينه حاملين بندقياتهم...

حاول الهرب بسيارته وحراسه يغطون عليه..لكن عددهم كان كبيراً وأوشك موته أن يكون محتماً..ثم رأى حافلة مدنيين تمشي وسط الطريق وكانت الخلاص بالنسبة له، وماكان منه إلا أن يأمر تابعيه أن يرموا رصاصهم على عجلات تلك الحافلة لتنقلب وتسد الطريق على من يلاحقونه..وقد نجى من ذلك بالفعل"

وضعت شارلوت يديها على فمها غير مصدقة لما تسمع..فإستدار مايسون ينظر إليها وأتبع" أعتقد أنكِ قد حزرتِ من كان على تلك الحافلة.."

صمتت هي تنظر إليه وبدأت دموعها بالنزول بحرارة متذكرة وجهي والدتها وأختها، فطأطأ هو رأسه ونظر نحو النافذة متبعاً حديثه" وتم تسجيل الحادث على أنه من صنع أولائك الإرهابيين..دون أن يعلم أحد من كان الإرهابي الحقيقي"

أخذت شارلوت نفساً عميقاً وكتفت يديها على صدرها وسألته" من أين لك بالمعلومات؟"

-"مصادري الخاصة"

-" هل كان لديك دليل؟ إن كنت تملك فلم لم تذهب إلى الشرطة وترفعـ-

قاطعها بإنفعال" أطلب المساعدة منهم؟ الم تقولي للتو أنكِ تعرفين نذالتهم؟ إن ذهبت إليهم بدليلي لن يكون أمامهم خيار سوى دفني مع تلك السجلات لن يصدقني أحد ولا يمكنني الثقة بأحد!"

هزت شارلوت رأسها إيجاباً وواصلت كنس الأرضية، ولم تتكلم بعدها أو تسأل سؤالاً مطلقاً..تفكر فقط في كل حرف من كلامه...

(هل معه حق فيما فعل ويفعل؟ كلا..بالتأكيد هناك طريقة أخرى غير القتل، القتل لن يعيد من أحببنا إلينا ولن يغير شيئاً مما حصل..)

جلس مايسون على الأرض من جديد يراقب التلفاز وقد بدى عليه الإنزعاج، حيث بات يطرق بأصابعه على الطاولة بعدم إرتياح وبشكل مستمر...

إلى أن دخلت عليهم الجدة تحمل أكياس المشتريات بيديها ونادت شارلوت لتأتي وتساعدها في أمور المطبخ دون أن تلاحظ ذلك الجو المشحون...

***

في تلك الأثناء، وقف كارل بعد إنتهائه من طعامه فتسأله جيسيكا على الفور" إلى أين؟"

عدل ملابسه وأجاب" لا أدري.."

هزت جيسيكا رأسها أيجاباً وسألت مجدداً" اليس عندك دوام؟"

حرك يده نفياً وقال بكراهية" لم أذهب للعمل فترة ولن أذهب إليه مجدداً"

ثم توقف مكانه وتمتم" موزيس.."

أسرع بدخول غرفته يغير ثيابه في عجل بينما ركضت جيسيكا تجهز نفسها للخروج هي الأخرى، خرج من الغرفة ونظر إليها بإستغراب وقال" لست مضطرة للمجيء"

لتجيب هي بإبتسامة" الأمر متعلق بإبنك صحيح؟ أريد أن أقدم كل مالدي من مساعدة.." رفعت يدها محركة مفتاح سيارتها في الهواء وأتبعت بحزم" ومن بينها سيارتي"

هز هو رأسه إيجاباً دون أن يبدي ردة فعل وأسرع بإرتداء معطفه وخرجا سوياً...

***

وصلا إلى الشركة التي يعمل بها كارل وترجلا من السيارة، وقد سبق جيسيكا داخل الشركة بضع خطوات..وفور دخوله إصفر وجه موظف الإستقبال وقد كان زميلاً سابقاً له، بينما الجميع ينظرون إليه نظرات لم يفهمها وكأنهم ينتظرون حدثاً مهماً، حتى قال العامل معاتباً" ما الذي فعلته بحق..جنيت على نفسك ياصاح! لم يتجرأ قط أحد وفعل فعلتك هاته.."

قضب كارل حاجبيه بإستفهام، في حين نزل المدير من المصعد ولم خبر دخول كارل الشركة لم يستغرق دقيقة واحدة حتى وصله، مشى المدير خطوات متزنة أمامه في حين ركض كارل إليه راغباً بسؤاله عن إبنه..إن كان قد مر عليهم أم لا، ليصعقه المدير بقوله" بنيت علاقة مع زوجتي ها؟"

تجمد كارل مكانه وصمت، فأتبع مديره بثلاث كلمات همس بها في تهديد" حياتك قد إنتهت"

ومشى عائداً لمكتبه وسط نظرات وتهامس العاملين هناك..بعضهم يشمت والآخر مصدوم، وكان أكبر أعداء كارل يقف على الزاوية يضحك من قلبه فقد تمكن من تدمير حياة عدوه المهنية ومستقبله بخطوة واحدة صغيرة دون تكبد أي عناء، وقد شهدت جيسيكا كل ماحدث هناك...

***

خرج كارل في صمت وركب السيارة رفقة جيسيكا بعد أن سأل العامل الذي حذره سابقاً إن كان قد أتى إبنه أم لا وأجابه بـ"لا أعلم"، حركت جيسيكا السيارة وسألت" أين وجهتنا التالية؟"

لم يجبها، كان غارقاً في التفكير كيف وصلت تلك المعلومة إلى مديره، لم يعلم أحد قط عن ذلك غير شارلوت..فكيف وصلت إليه المعلومة؟ هل يعقل أن شارلوت قد فعلت ذلك؟ ولما قد تفعل مثل هذا الشيء الفظيع؟ هل لكي تعطيه درساً؟ كانت الأسئلة تدور بخلده دون توقف، إلى أن قالت جيسيكا مواسية" لابأس..سيمر"

-" خذيني إلى الحانة.." قال كارل دون أن يرفع رأسه أو ينظر إليها حتى، فما كان منها إلى أن تنطلق بسيارتها نحو الحانة آملة أن يخفف عنه ذلك ولو القليل...

***

في تلك الأثناء..كان كل من مايسون وشارلوت وصاحبة البيت قد تناولوا إفطارهم وهاهي شارلوت تغسل الأطباق، تغسل وهي منغمسة بداخل أفكارها..قلقة على جدتها من هذا المجرم أكثر من قلقها على نفسها دون أن تعلم بأنها معرضة للخطر أكثر...

لتشعر بيد تلامس كتفها جعلتها تفز من مكانها بخوف..فإذا به مايسون يحمل علبة أدويتها وأشار بيده ناحية جرحه قاصداً أن تقوم بفحصه من جديد، لتدخل جدتها إلى المطبخ قائلة بأنها ذاهبة لجنازة إحدى جيرانها في الحي..ثم خرجت...

قامت شارلوت بتفحص جراحه وقد شفيت بنسبة كبيرة ولم يتبق سوى القليل، ثم جلست في زاوية تشاهد فيلماً بعيداً عن مايسون الذي يتكئ على المائدة ويشاهد التلفاز هو الآخر دون تركيز، كان يفكر في شارلوت..قد أدت مهمتها حتى النهاية وقد قارب على الشفاء تماماً...

لم يعد بحاجة إليها بعد الآن، يجب عليه المضي قدماً وتحقيق إنتقامه فقد تبقى له شخص واحد فقط..لكنه لايستطيع تركها خلفه فهي تعلم أنه القاتل ناهيك عن أنها رأت وجهه، لايوجد حل سوى قتلها...

لكنه لايود أن يفعل..كارل لن يسامحه على ذلك، ووسط تفكيره يظهر وجه زوجته الراحلة تؤنبه على ماقتل من أناس بالرغم من أنهم كانوا يستحقون..فماذا سيحدث لو قتل شارلوت البريئة؟

أدار رأسه يحدق فيها بشرود لدقائق، حتى لاحظت أنه ينظر إليها فشعرت بالعرق ينزل على جبينها وتوترت..حاولت أن لاتصطدم عيناها بخاصته فذلك سيخيفها أكثر من ماهي عليه الآن، لكن الأمر لم يفلح ونظرت إليه..تغير لونها وإبتلعت ريقها..ثم سألت بتردد" ماذا؟"

لم يجبها أو يحرك ساكناً وذلك بث الرعب داخلها فأتبعت بتسرع وبات صوتها يرتجف معها" ما الذي فعلتُهُ هذه المرة؟ أقسم أنني لم أفعل شيئاً ولن أفعل!"

رمش بعينيه وتغيرت نظرته مع تعابير وجهه..لكن هذه المرة لم تكن نظرات عتاب، نظرات عجيبة لم تستطع هي تفسيرها وقد رأت تعابير على وجهه لم ترها قط من قبل مع ملامحه الحادة ووجهه الجامد..بدى محتاراً ومشتتاً لأول مرة...

فوقف في صمت وخرج من الغرفة بخطوات كادت تهشم أرض المنزل الخشبية قاضباً لحاجبيه محتاراً فيما يجب عليه أن يفعل...

***

في تلك الأثناء وفي مكانٍ آخر، جلس كارل على إحدى كراسي الحانة مغطياً وجهه بيديه وجيسيكا جالسة بجانبه، في حين أتت الساقية السمراء حاملة زجاجة لكارل بينما ترمق جيسيكا بنظرات إستغراب وصدمة...

كيف يقوم كارل بمرافقتها بعد أن أهانها؟ أو إن صح القول..كيف مازالت رفقته بعد إهانته لها!؟ هل هي رخيصة إلى هاته الدرجة؟ أم أن هناك سبب آخر يمنعها من تركه؟...

شرب كارل الكثير وثمل..وبدأ يشكي ويتمتم بكلمات بعضها مفهوم والآخر لا: كيف قامت شارلوت بفعل ذلك لي؟ وكيف طاوعها قلبها..هل أرادت الإبتعاد عني بهذا القدر؟

كل هاته كانت كلمات مبعثرة تخرج من فمه، يشرب مرة ويتكلم مرة أخرى..حتى قالت جيسيكا أخيراً وبعد صمت دام طويلاً" هل شارلوت التي تتحدث عنها هي نفسها شارلوت غارسيا؟"

يتبع...

شكراً على القراءة..أنرتم❤️ °بقلم إيمان إيدا°

2020/03/28 · 240 مشاهدة · 2371 كلمة
47ImaneEdda
نادي الروايات - 2025