في عالم تختلف قوانينه عن عالمنا، وزمن حل فيه هدوء امريب، كانت هنالك قرية صغيرة تدعى روريم(rorrim).

عند النظر إلى مياه النهر الزرقاء التي تشق منتصف الغابة، و بين أوراق الشجر الملتحفة بأشعة شمس ما قبل المغيب، ترى فوق صخرة صغيرة رجلا و فتى صغيرا يصطادان بينما تعلو أصوات ضحكاتهما التي تعكس و بصدق قوّة العلاقة بينهما، لوّهلة يعتقد المرء أنهما أب و إبنه, إلا انه بعد أن يسمع الفتى الصغير ينادي من يفترض به ان يكون والده بجدي ينصدم بواقع أن الرجل لا يبدو عجوزا بما فيه الكفاية ليكون جدا، فهو كما يبدو رجل لم يطأ بعد منطقة الكهولة حتى! ربما هذا لا يعدو عن كونه خطأ لفظيا بالغ الفضاعة!

يتوج إنتظار الإثنين أخيرا بصيد "الجد المزعوم" لسمكة غير مألوفة الشكل، ينظر لحفيده مبتسما و يسأله سؤالا غريبا:

"ها نحن ذا! و أخيرا سمكة!
إذا كم تريد منها يا صغيري؟"

إلا أن رد الصبي كان أكثر غرابة، إذ أجاب بعد أن أخذ لحظة للتفكير:

"أريد ثلاثمئة و عشرين منها يا جدي، أعتقد أن هذا يكفي"

"حسنا!"

هكذا رد الجد، يبدو و كأنه يعتزم حقا صيد هذا العدد المهول من الأسماك من النوع المشابه لما إصطاده، لكن ليس كل شيء كما يبدو، فقد إرتفعت السمكة في الهواء بهدوء، لوح بيده لتظهر نسخ كثيرة جدا من نفس السمكة!

حدث هذا بطريقة تتعارض مع قواعد التفكير السليم، حسنا... ليس و كأنه هنالك طريقة يمكن ان تحدث وفقها حتى لا تتعارض معها.

في الواقع، كان الجد مكررا.. يستطيع مضاعفة عدد الاشياء كلما اراد.

قام الإثنان بجمع السمك و إنطلقا نحو قريتهما " روريم" حيث وجدا أهلها بإنتظارهم و كأنهم عائدون من رحلة طويلة.

وعلى ما يبدو فتلك القرية تعتمد على ذلك "الجد" في كل شيء حتى في أمر بسيط كالعشاء، الذي يبدو أنه سيكون سمكا هذا اليوم.

نفض الجد يده لتسقط الاسماك من السابق على خشبة عريضة "اليوم، سنشوي سمكا".

"رائع" ابتهج الاطفال بالارجاء.

وحالا شرع سكان القرية بتحضير السمك واعداد مادبة للليلة.

ومجددا، انتهى يوم اخر وسكان القرية متخمون.

ظلت الايام تمر بسلام على القرية..

ذات يوم، دخل رجل متسرعا الى القرية.

"اوي، اهلا.. انت زيكس، لا؟" قال الرجل بصوت هادء.

"بلى، انا هو". اجابه زيكس بحيرة.

"اين هو الزعيم؟"

"جدي؟ انه بالبيت.. لما؟"

"لدي امر هام لاتحدث معه عنه"

"ما هو"

"الفضول ليس امرا جيدا ايها الصغير" ربت على راس زيكس وقال "حسنا انا ذاهب الان ايها العاكس"

"العاكس؟ ما هذا؟" اجابه زيكس متعجبا.

لكن، الرجل لم يجبه وغدا في طريقه.

فكر زيكس قليلا فيما قاله الرجل ولكن لم يسعه سوى تجاهل الامر واكمال عبثه.

**************************

في الليل.

فتحت باب منزل ما ودخل زيكس تعبا.

نظر بالارجاء ليرى جده يقرا كتابا.

"ما الذي قلته لك عن الدخول متاخرا" قال له جده بينما استمر في التحديق بالكتاب.

"اسف" اعتذر زيكس واتجه ليجلس امام جده "جدي، ما هو العاكس"

نظر الجد نحو زيكس، اغلق الكتاب وتحدث "هل سمعت احد يتحدث عنه؟"

"اجل، الرجل الذي سال عنك في الصباح!"

"حسن، لا عجب انك سمعت عنه، القرية تمر من ازمة حادة، والجميع يرجوا ظهور العاكس.." قال الجد بتاثر.

"ومن هو؟" سال زيكس متحمسا.

"حسن، يبدو انك قد نضجت كفاية لاطلعك على بعض الاشياء... الم تتساءل يوما لماذا لا يوجد في قريتنا اي شخص ذو ميزة؟"

"همم؟ ماذا تقصد؟ هنالك انت!"

"..." تامل الجد توفور لوهلة في زيكس ولم يسعه سوى التنهد "انا لست من القرية، انا من عشيرة النصف حياة الخالدة"

"عشيرة النصف حياة الخالدة؟" بدا زيكس محتارا.

"اجل، يحكى انه كان هنالك عشيرة تسمى عشيرة النصف حياة، اشتهرت العشيرة بالعمر القصير، الانسان الطبيعي يستطيع العيش مائة سنة كعمر متوسط؟ ولكن عشيرة النصف حياة كان افرادها لا يتجاوزون الخمسين سنة، مضى الحال معهم كذلك الى ان حل اليوم الاسود، اليوم الذي اكتسبوا فيه ميزة التكرار، ثم بعد ذلك ضاعفوا فترة حياتهم باستمرار الى ان اكتسبوا الخلود، ومن بين كل العشائر التي ظهرت لديهم الميزات بعد اليوم الاسود، عشيرة النصف حياة الخالدة خاصتي قررت دعم عشيرتكم، التي لم يظهر فيها اي شخص ذو ميزة، ما عدا طفلا كان صغيرا ادرك ميزة العكس فاخذ يعكس تدفق الاشياء، وقيل انه مات بسبب قوة ميزته.
الطفل ترك وراءه كوارث هائلة، اهونها عكسه لاسم عشيرة روريم الاصلي.
فاسم العشيرة الاصلي قد كان ميرور (بمعنى مرآة mirror )، وذلك اننا قد اشتهرنا ببيع المجوهرات والمعادن اللماعة سابقا، ولكن وبطريقة غير مفهومة، اضحى الجميع يعتقد ان اسمها روريم" نظر الجد نحو زيكس المتحمس واكمل:

"واخطر ما سببه هو عكسه لتدفق الضوء، جاعلا الضوء ينطلق من الخارج الى مصدر الضوء، فعرف العالم ليلة سوداء دامت عشر سنين متتالية.
بعد تخطي هذه الازمات، اعلن الكثير ان عشيرة روريم هي وجود يجب ابادته، غير ان عشيرة النصف حافظت على تضامنها الكامل مع عشيرة روريم."

"اذا انت خالد! هذا يفسر بقاءك بمظهر الشاب... اذا، الم ياتي من عشيرة النصف سواك؟"

"لقد اتى العديدون الى هنا، ولكني الوحيد المتبقي منهم هنا"

"اين ذهبوا؟"

"القرية تواجه هجمات مستمرة مؤخرا، معظم المكررين الاخرين الذين اتوا برفقتي قد قضوا نحبهم، اما الاخرون فقد قرروا الاستسلام وغادروا، ولكن لسبب ما فان الهجمات توقفت منذ مدة، غير ان ذلك لن يدوم طويلا.." قال الجد بنظرة معقدة.

"قضوا نحبهم؟ اليسوا خالدين؟" سال زيكس بفضول.

"بلى، هم خالدون، ولكن فقط لان عمرهم لا ينتهي، اما اذا تعرضوا للقتل، فلن يسعهم سوى الموت." اجاب الجد.

"وماذا عن العاكس؟" تساءل زيكس.

"العاكس شخص تنتظر عشيرة روريم ظهوره مجددا، حيث للعشيرة اسطورة تقول انه في يوم ما سيستطيع شخص ما ايقاظ ميزة العكس من رقودها، وانه سيقلب موازين القوى في هذا العالم، وتقول ايضا ان السبب لعدم امتلاككم ميزة هو كون ميزتكم اقوى من ان توقظوها او تستوعبوها، لذلك، الناس تخاف اليوم الذي يظهر فيه العاكس مجددا...
حتى ان البعض يقول انه لن يمر على العالم سوى 3 ايام هي الاسوء على الاطلاق؛
اولا، اليوم الاسود، وهو اليوم الذي اسودت في السماء، واصبح للجميع ميزة خاصة بعشيرته.
ثانيا، اليوم المظلم، وهو اليوم الذي استيقظ فيه العاكس الاول؛ اليوم الذي سقط فيه الظلام ولم ينقشع، اليوم الذي ظهر فيه السحر، كالتقنية التي علمتك اياها من تقنية الطيران و الاستشعار.
واخيرا، اليوم الثالث، او اليوم الاخير، يقال انه سيكون عندما يظهر العاكس الثاني...
اليومين الاولين سببا ظهور الميزة والسحر، اما الثالث، فيعتقد الناس انه سينفي الوجود"

"اذا، هل ساكون العاكس؟" سال زيكس بحماس وتطلع.

"من يعلم" اجابه الجد بابتسامة.

بعد وهلة، لمعت عينا زيكس لوصوله لفكرة مفاجئة:
" مهلا، انت لست من العشيرة! أليس هذا يعني منطقيا بما اني حفيدك اني لست منها أيضا؟"

نظر الجد توفور إلى عيني حفيده الملتمعة بالبراءة، لم يكن يريد قط إخباره بالحقيقة، لكنه يشعر بأنه قد لا تسنح له فرصة أخرى:

"حسنا!" أخذ نفسا عميقا مستجمعا شجاعته الخائرة، ثم نطق بكلمات ترتعد خوفا مما ستكون عليه ردّة فعل الجاثم أمامه "زيكس، انا حقا لا أدري كيف يفترض بي ان أقول هذا لك... لكن عليك ان تعرف جيدا اني أحبك كثيرا، فأنت نبراسي الصغير الذي أشاع السعادة في حياتي التي كانت بائسة ومظلمة يوما"

هنا بدأ التوتر يلعب بعقل هذا الصغير التائه في تفاصيل تلك الكلمات المريبة، تكلم بصوت منخفض مستفسرا:

"ماذا؟ ج..جدي ما الذي تعنيه؟"

إنتهى الأمر، لا مجال للإنسحاب، قال الجد معلنا:

"زيكس، في واقع الأمر انت لا تمتني بأي صلة" نظر نحو الصغير امامه بذنب واكمل "انا فقط ربيتك"

لقد قال هذا بصوت هادئ، لكن زيكس سمعه هديرا قويا قادرا على تحطيم أعتى القمم الجليدية، ولذلك، لعله حقا تحطم شيئ ما في نفسه وذلك تجلى حقا في كلماته التالية المبعثرة و بالكاد مفهومة:
" انت؟ كيف هذا؟... لماذا؟..لماذا؟... هذا غير معقول!.. غير معقول!" إنه حقا يحب جدّه كثيرا، كان يبكي بغزارة و هو ينظر إليه بترجي، يأمل ان يفند إدعاءاته السابقة، لكن صمت الرجل امامه دمر كل شيء.

" إنها الحقيقة، أنا آسف" اخيرا هو اكد كلامه.

نهض زيكس من مجلسه بسرعة و إنطلق جاريا نحو النهر بينما تتعالى شهقاته، ذلك الضيق الشديد في صدره و هذا الشعور المقيت بالخيانة كم يكره هذا!

امام نهر، كانت هنالك شجرة مرتفعة، كانت شجرة خضراء ومتينة، وقد اعتاد زيكس الجلوس اعلاها حينما يحزن.

بعد تامله النجوم لمدة، فكر فيما قاله جده.. هو اخبره انه قد نضج كفاية ليعرف هذه الاشياء، مما زرع فيه القليل من الفرحة.

بتذكر ذلك، هو اخذ يتذكر الاوقات السعيدة التي امضاها مع جده.. هو لم يجعله يشعر يوما بانه لا يملك ابا او اما... بعد مدة من التفكير غفت عيناه وسقط في نوم هادئ.

تدفق النهر كان يصدر صوتا مريحا يجعل المرء يسقط في نوم اعمق، ولكن، فجاة، استيقظ زيكس مفزوعا وقفز من فوق الشجرة واتجه بسرعة نحو القرية.

حينما وصل، وجد بحرا من الرماد، النار قد اكلت القرية باكملها، ولم تترك سوى تماثيل الوجود التي كانت موجودة منذ فتح عيناه.

خطى ببطء نحو مكان قريب ليجد مجموعة من الرجال يحيطون عدة فتيان بنفس عمر زيكس..

كان اولائك الفتيان اصدقاءه الذين لطالما لعب معهم، لذلك، ومن دون تفكير؛ هو اندفع للامام وهاجم احد الرجال، ولكن بركلة واحدة تم دفعه نحو مجموعة الفتيان.

"فلتقتلهم" امر احدهم.

وبينما هو على وشك فقدان حياته مع اصدقاؤه، ظهر رجل غامض امامهم وحملهم بسرعة خاطفة الى مكان بعيد عن القرية.

البعض ظن ان ذلك الرجل ملاك، والبعض اعتبره ساحرا عظيما، ولكن لم يعلم اي من الفتيان لما قد قام الرجل بانقادهم.

****************
اشكر امل لانها ساعدتني كثيرا بتعديل هذا الفصل 💖


2017/07/18 · 504 مشاهدة · 1456 كلمة
zikox
نادي الروايات - 2024