تأكد أن الكون لديه نظام محاسبة دقيق، ربما ليس فوريًا، لكنه أكثر كفاءة من أي نظام ضرائب! فما تأخذه بلا حق، سيعود ليأخذك بلا سابق إنذار!
***
بعد أن عادت الإضاءة فجأة إلى القطار، لم يكن الضوء وحده هو ما جذب أنظار الركاب، بل كان ظهور كائن صغير مخلوق من الظلال يطفو بهدوء فوق رؤوسهم. لم يتخيل أحدٌ أن هذا المخلوق، الذي بدا للوهلة الأولى غير مؤذي وكأنه دمية ، سيقلب موازين الأمور رأسًا على عقب.
لكن كان هناك شخص واحد فقط لم يكن مجرد متفاجئ؛ بل بدا وكأن الزمن تجمد حوله، جالسًا على مقعده وفمه مفتوح كأن الكلمات خانته. كان ذلك الشخص هو بارك يون جي.
همست لنفسها بصوتٍ مرتعش يكاد يختفي:
"هذا مستحيل! لا يمكن أن يحدث هذا حقًا!"
بدأت قطرات العرق البارد تتصبب على جبينها، وقلبها يخفق بجنون، كأن الهواء لم يعد له طريق لرئتيها. في داخلها تصارعت الشكوك بلا هوادة. هل هو حلم أم واقع؟ كيف يمكن لشيء كهذا أن يحدث؟ تتدافع تساؤلات لا تنتهي، تتركها غارقة في دوامة من الارتباك.
رفعت نظرتها نحو ذلك الكائن مرة أخرى، واستحضرت في ذهنها الكلمات التالية:
「بقرنين معقوفين وعيونٍ متوهجة كالنيران في ظلامٍ دامس، كائن قد خلق من ظلالٍ حية، تتراقص حوله كأنها تموجات بحرٍ أسود.」
「ليس شبحًا رغم شفافيته، وليس شيطانًا رغم هالته المظلمة، وليس مخلوقاً أرضيًا رغم حضوره الملموس」
「ولهذا، أطلق عليه أومبراكاي」
كان هذا الوصف قد ترسخ في ذاكرتها من الرواية التي قرأتها يومًا. تفجرت ضحكة قصيرة من بين شفتيها، مزيج من الصدمة وعدم التصديق. إذ كان عقلها يرفض الاعتراف بواقعية ما تراه؛ بدا كل شيء أمامها أشبه بحلم غريب لا يمكن تفسيره.
همست:
"نعم، بالتأكيد هذا حلم... سأستيقظ منه قريبًا، لا شك في ذلك."
حاولت إقناع عقلها بما لا يستطيع قلبها تقبله، لأنه لو كان هذا الواقع حقًا فأن النهاية حلت!!
᜴احم، عمتم مساءٍ أيها البشر، أعتذر عن تأخري؛ كان هناك خلل فني ما، ولكن تم التعامل معه، لذا لا داعي للقلق ... استرخوا فقط.
تحدث كائن الأومبراكاي وكأنه يقدم عرضًا ترفيهيًا وسط دهشة الجميع.
" ماهذا؟ "
" أهو واقع معزز؟ "
" أراهن على أنه برنامج كاميرا خفية! هاهاها! "
" أمي، اريد دُمية مثل هذه! "
بينما كان الركاب يثرثرون، ظلت بارك يون جي صامتة، عينيها معلقة على الكائن، وكأن الوقت قد تجمد حولها. كانت تنتظر فقط انتهاء هذا "الحلم" – أو ربما الكابوس، لا يهم. لم ترد ان تعترف للحظة واحدة بواقعية ما يحدث حولها. لأن الحقيقة التي كانت تدركها تمامًا، إن كان هذا الأومبراكاي حقيقيًا بالفعل، فالمأساة على وشك أن تبدأ هنا.
ثم انفجرت الكلمات من الكائن كما لو أنه يواجه الجمهور في مسرحية:
᜴الآن، جميعكم! استرخوا في مقاعدكم واستمعوا جيدًا. ما سأقوله الآن مهم جدًا!
قبل أن يسترسل حديثه قاطعه أحدهم قائلاً:
"اوي... أنت انتظر!"
᜴هاه؟
تقدم رجل ذو بنية ضخمة، ذلك الذي كان قد ركل باب المقطورة سابقًا بغضب، نحو الأومبراكاي قائلاً:
"ما اللعنة التي تفعلها الآن؟ أهذه مزحة؟
᜴ماذا؟!
" أتظن أن لدي وقت لسماع هرائك؟ أي من يفعل هذا، عندما أخرج سآقاضيكم، لذا أفتح باب المقطورة ودعني اخرج"
" هذا صحيح، أنت تؤخرنا، أغلبنا هنا يعمل لكسب قوت يومه. هل ستتحمل مسؤولية ما يحدث إن تأخرنا وطردنا من وظائفنا؟"
صاح رجل آخر ذو بدلة ويبدو أنه موظف في شركة و أخذ صف الرجل ذو البنية، ثم تلاه عدة اشخاص آخرين تعالت أصواتهم بالتذمر والأعتراض.
" معه حق، ماذا يفعل هؤلاء دون تعاون المواطنين؟"
بدأت المقطورة تتحول إلى بؤرة للفوضى؛ تداخلت الأصوات، واشتدّت الصيحات. كان وجه الأومبراكاي كئيبًا ومشحونًا بالغضب، وانبعث منه دخان أسود كثيف. فجأة، فتح فمه وتحدث بصوتٍ ساخط:
᜴أنتم.. يالكم من طفيليات مزعجة حقاً!
رفع إحدى يديه المظلمة المصنوعة من الظلال وفرقع أصابعه. لم تمضِ سوى لحظات حتى دوى صوتٌ حاد، فسقط رأس الرجل الضخم من مكانه، متدحرجًا على أرض المقطورة ككرة مكسورة، تاركًا خلفه أثرًا من الدماء التي ما زالت تتدفق بغزاره من عنقه المقطوع قبل أن يستقر عند قدمي بارك يون جي. اتسعت عيناها من الرعب، واضعة يدها على فمها لتمنع صرخة كادت تفلت منها.
حلّ صمتٌ خانق داخل المقطورة، لم يدم طويلاً، إذ انطلقت صرخات متقطعة تلتها فرقعة أخرى، وحلقت رأس الموظف بجانب جسده. ثم تبعته رؤوس أخرى، تطايرت واحدة تلو الأخرى كالألعاب النارية حتى أصبحت المقطورة بركة من الدماء.
᜴أما زلتم تضنون أن ما يحدث الان مجرد لعبة او محاكاة؟ أفتحوا عيون الكلب خاصتكم وابصروا جيداً ايتها الكائنات الوضيعة.
حلق الاومبراكاي فوق رؤوس الجميع ثم تابع كلامه:
᜴لقد كنتم تقتاتون منذ القدم و تحتكرون كل ماتقع عليه ايديكم، مثل الحشرات، دون أن تدفعوا ثمن ما تحصلون عليه. أتظنون أن كل شيء في هذا الكون ملكٌ لكم؟
حدق الاومبراكاي في وجوه الناجين داخل المقطورة واحداً تلو الآخر، لم يستطع أحدًا ان يرفع بصره وينظر اليه، كأنهم فرائس صغيرة أمام مفترساً ضخم.
᜴أنتم مخطئون، لقد كنا نراقبكم منذ زمن بعيد، تركناكم على هواكم، لكي تعرفوا قيمة ما تمتلكون. أما الآن، فسيحتسب كل ما حصلتم عليه مقابل أرواحكم. من اليوم، لن يكون هناك شيء بالمجان؛ ستدفعون أغلى ما تملكون لتستمروا بالعيش.
خيم صمتٌ قاتم داخل المقطورة، ولم يُسمع سوى صدى كلمات الأومبراكاي، كان الموقف يتطور بسرعة بالنسبة لــ بارك يون جي، كانت لاتزال تغطي فمها بكف يدها، مع أنها اعتقدت أن كل هذا حلم، لكن جزء منها كان يعرف أنه لم يكن كذلك.
الرائحة المقززة للدماء الطازجة، المشاعر المضطربة التي تشعر بها، والأحساس بواقعية كل هذا! يجعلها تدرك أن كل ما تراه وتشعر به ليس حلماً بل أنه الواقع الذي تعيش فيه.
تذكّرت فجأةً عنوان الرواية التي قرأتها مرارًا:
” حاصد تحت ضوء القمر “
وتجلّت أمام عينيها صور تلك الصفحات؛ توقف القطار المفاجئ، ظهور الأومبراكاي، تلك الكائنات المسؤولة عن النظام والتي فتحت الباب أمام مأساة الآلاف الأرواح في حاصد تحت ضوء القمر.
لم تعد تستطيع أنكار كل هذا، حلم؟ لا يمكن ان يكون كذلك.
مايحدث الآن شيئاً اكبر واخطر من ان يكون مجرد حلم. لم تكن ترغب في أن تكون جزءًا من هذا الكابوس، لكن يبدو أنها لا تملك الخيار. لهذا، استعادت رباطة جأشها و عقدت حزمها. لطالما كانت جيدة في التكيف مع كل المتغيرات، حتى لو كان الأمر غير طبيعي مثل الآن، فهي تمتلك الآن ورقة رابحة، وهي الرواية التي قرأتها!
ثم استأنف الأومبراكاي حديثه بنبرة تهكمية:
᜴بسببكم أضعت الكثير من الوقت. كان من الأفضل أن تكونوا هادئين منذ البداية. والآن، بدلاً من الشرح وإضاعة وقت أكثر، سيكون من الأفضل أن تروا بأنفسكم.
أرتفعت قرون الأومبراكاي السوداء و توهجت بلون أبيض مبهر. بعد لحظة سمعت رسالة.
[قناة # LL-3563 مفتوحة.]
[الكوكبات دخلت.]
ظهرت نافذة زرقاء ثلاثية الأبعاد محلقة فوق رؤوس الجميع، حدقوا فيها بعيون فارغة. فانهمر الركاب بنظرات خاوية، قبل أن يتبع الإعلان:
[ تم أعداد الأختبار الرئيسي!]
[الأختبارالرئيسي رقم 1 - إثبات القيمة]
الفئة: الرئيسية
الصعوبة: F
شروط واضحة: اقتل مخلوقًا واحدًا أو أكثر.
الوقت المحدد: 30 دقيقة
التعويض: 300 قطعة نقدية
الفشل: الموت
ابتسم الأومبراكاي بصوتٍ منخفض، ثم اندمج مع الظلام حتى اختفى، مخلفًا خلفه صدى كلماته الأخيرة:
᜴اذًا ، حظا سعيدا للجميع.
***
مرحبا يا اعزائي~
هذا هو الفصل الثاني، ما رأيكم به؟
استتوقعون ما سيحدث بالفصل القادم؟
شاركوني ارائكم ~