4 - الفصل الرابع: بين الظلال والضوء

الفصل الرابع: بين الظلال والضوء

استيقظ كانوي على شعور غريب، وكأن جسده عالق بين الحلم والواقع. كانت الغرفة لا تزال مظلمة، الستائر مسدلة، والبرد يملأ الهواء من حوله. رغم ذلك، لم يكن الشعور بالبرد ما أزعجه، بل الفراغ الذي يتردد صداه داخل صدره، وكأنه يقف على حافة شيء مجهول.

جلس في سريره، يحدق في الفراغ أمامه، مسترجعًا تفاصيل الحلم الذي راوده الليلة الماضية. لم يكن حلمًا عاديًا، بل أشبه برسالة غامضة من عالم آخر. صور ضبابية لوحوش بعيون مشتعلة، ظلال تتحرك عبر الجدران، وأصوات هامسة بالكاد تُسمع، لكنها محفورة في ذهنه. كان هناك شيء في ذلك الحلم يشعره بالخوف، ليس من الوحوش، بل من الحقيقة التي تخفيها.

أطلق تنهيدة ثقيلة، ثم نهض من سريره متجهًا إلى المطبخ. أعد فطوره المعتاد: بيض مسلوق، توست، وعصير برتقال. لم يكن الطعام يهمه كثيرًا، لكنه اعتاد على هذا الروتين البسيط. بعد انتهائه، ارتدى معطفه وخرج من المنزل متجهًا إلى المدرسة.

الشارع كان هادئًا، الرياح تهب برفق، والشمس مشرقة لكن برودتها كانت تخترق جلده. أثناء سيره، مر بجانب الحديقة التي اعتاد على الجلوس فيها. كانت مليئة بالنباتات والحياة، لكن كانوي لم يكن ينتمي لهذا العالم. عقله كان في مكان آخر، في ذلك الفراغ الذي يسكن داخله.

عندما وصل إلى المدرسة، كانت الفوضى تعم المكان. طلاب يضحكون، آخرون يركضون هنا وهناك. هذا الضجيج لم يكن شيئًا جديدًا بالنسبة له، لكنه شعر أنه أكثر إزعاجًا من المعتاد.

رأى سيلفين يقف عند المدخل، كعادته يبدو واثقًا بنفسه، بملامحه الحادة وشعره الأشقر الطويل. عندما التقت عيناهما، ضيّق سيلفين عينيه قليلًا، وكأنه يدرس ملامح كانوي.

سيلفين بصوت جاد:

– "أنت تبدو... غريبًا اليوم."

كانوي بابتسامة باهتة:

– "أنا دائمًا غريب."

سيلفين بتنهد:

– "لا، هذه المرة مختلفة."

لم يرد كانوي، بل سار بجانبه نحو الفصل. هناك، لاحظ أن إيسلا لم تكن في مقعدها المعتاد. شعر بانقباض خفيف في صدره، لكنه لم يسمح له بالظهور على وجهه. توجه إلى إحدى الفتيات وسألها بطريقة غير مباشرة:

كانوي بصوت هادئ:

– "إيسلا ليست هنا اليوم؟"

الفتاة بابتسامة لطيفة:

– "أوه، إنها مريضة اليوم. لماذا تسأل؟ هل أنت قلق عليها؟"

هز كانوي رأسه نافيًا بسرعة، لكنه شعر بسيلفين ينظر إليه بمكر من الجانب. تجاهل الأمر وجلس في مقعده.

لحظات من الهدوء قبل العاصفة

مرّ اليوم الدراسي ببطء، وكأن الوقت يرفض التحرك. عندما انتهت الحصص، عرض أرون عليهما الذهاب إلى أحد الفنادق الفاخرة التي يملكها والده، لكن كانوي رفض بلطف.

أرون مستغربًا:

– "منذ متى وأنت ترفض الخروج معنا؟"

كانوي بابتسامة هادئة:

– "لدي شيء أريد فعله."

ودّعهما وسار بمفرده إلى الحديقة، حيث اعتاد على قضاء وقته. جلس على مقعد خشبي تحت شجرة قديمة، يراقب القطط التي تتجول بحرية. كان هذا المكان يريحه، بعيدًا عن فوضى العالم، قريبًا من أفكاره الخاصة.

لكن الليلة لم تكن كأي ليلة...

الطريق المختصر إلى المجهول

عندما حلّ الظلام، قرر العودة إلى المنزل. لكنه هذه المرة، اختار طريقًا مختلفًا، طريقًا لم يسبق له أن جربه. كان ضيقًا، بالكاد يكفي لشخص واحد، والجدران الحجرية على جانبيه كانت تبدو قديمة بشكل مخيف.

كلما تقدم، زادت البرودة، وكثف الضباب من حوله. لم يكن هناك أحد، فقط صوت خطواته يتردد بصدى غريب. شعر بضيق في صدره، وكأن الهواء أصبح أثقل.

وفجأة، رأى ظلالًا تتحرك على الجدران...

توقف مكانه، جسده متوتر، عيناه تراقبان الظلال وهي تتراقص أمامه. لم تكن مجرد ظلال بشرية، بل كانت أشكالًا غريبة... غير طبيعية.

ثم، ظهر ظل عملاق، طوله تجاوز الثلاثة أمتار، رأسه رأس ذئب، جسده مغطى بشعر كثيف، ومخالبه طويلة وحادة. كان يبتسم، لكن تلك الابتسامة لم تكن بشرية...

المستذئب بصوت عميق ومخيف:

– "أخيرًا وجدتك..."

تجمد كانوي في مكانه. هذه الجملة... سمعها من قبل... في حلمه.

لكن هذه المرة، لم يكن حلمًا.

قبل أن يتمكن من التفكير، انقضّ عليه المستذئب بسرعة، ومخالبه تلمع في الظلام. بالكاد تمكن كانوي من تفادي الهجوم الأول، لكنه لم يكن سريعًا بما يكفي للهروب من الثاني.

شعر بألم حاد على وجهه، وسقط أرضًا، عينيه تلمحان دماءً تسيل على الأرض. كان الألم حقيقيًا، الجرح كان حقيقيًا، وهذا الوحش... لم يكن مجرد كابوس.

قبل أن يفقد وعيه، رأى السماء... كانت تبدو وكأنها تنفتح على عالم آخر.

ثم، غرق في الظلام.....

بعد أن استيقظ كانوي بسبب لعق القطة، شعر ببرودة شديدة في جسده، ليس فقط بسبب الطقس، ولكن أيضًا بسبب الشعور الغريب الذي اجتاحه. تحسس الجرح على وجهه، وكان أثره لا يزال واضحًا. هاتفه كان يضيء بعشرات المكالمات الفائتة من والديه، فشعر بانقباض في قلبه. لم يكن معتادًا على أن يشعر أحد بالقلق عليه، لكنه الآن أدرك أن هناك أشخاصًا يحبونه حقًا، رغم بروده الدائم معهم.

ركض نحو المنزل، وعندما فتح الباب، لم تمضِ ثانية حتى اندفع والده نحوه ليحتضنه بقوة، بينما وقفت والدته وهي تبكي. لأول مرة، شعر كانوي بأن قلبه يرتجف، وكأن جزءًا منه كان يحتاج لهذا الدفء لكنه لم يكن يدرك ذلك.

والدته بصوت مرتجف:

– "أين كنت؟! لقد فقدنا عقولنا من القلق عليك!"

كانوي بصوت خافت، بينما لا يزال في حضن والده:

– "أنا آسف... لم أكن أقصد أن أقلقكما..."

أحاطت والدته وجهه بين يديها، وعندما رأت الجرح على خده، شهقت بقلق:

– "ماذا حدث لوجهك؟!"

تردد كانوي قليلًا، لكنه سرعان ما ابتسم ابتسامة باهتة:

– "لقد تعثرت وسقطت، لا تقلقي."

رمقته والدته بنظرة مليئة بالشك، لكن والده وضع يده على كتفها ليهدئها، ثم سحب كانوي إلى الداخل.

بعد أن هدأت الأجواء قليلًا، أرسل كانوي رسالة إلى سيلفين وأرون يخبرهما أنه بخير. لم تمضِ سوى لحظات حتى تلقى مكالمة فيديو من سيلفين، وبمجرد أن فتحها، رأى وجه سيلفين الغاضب.

سيلفين بحدة:

– "أنت تملك وجهًا وقحًا! أتجعلنا نقلق عليك طوال الليل ثم ترد ببرود؟!"

كانوي مبتسمًا بخفوت:

– "كنت متعبًا، آسف."

تنهد سيلفين ثم نظر إليه نظرة مختلفة، وكأن شيئًا ما يجول في خاطره. وبعد لحظة صمت، تحدث بنبرة أكثر هدوءًا:

– "هل أنت بخير حقًا؟"

توقف كانوي قليلًا عند هذا السؤال. هل هو بخير؟ هل يمكنه حتى تعريف هذا الشعور؟ نظر إلى شاشة هاتفه، إلى وجه صديقه الذي رغم قوته المعتادة، كان يعبر عن قلق حقيقي. شعر كانوي للحظة أن هناك شخصًا يراه بوضوح، رغم كل البرود الذي يُظهره.

كانوي بعد لحظة صمت:

– "لا أعرف..."

لم يقل أكثر من ذلك، لكن سيلفين فهمه. لم يكن بحاجة إلى المزيد من الكلمات.

في اليوم التالي، عندما وصل إلى المدرسة، وجد إيسلا قد عادت. قلبه خفق قليلًا عندما رآها، لكنه تجاهل الشعور وسار نحو مقعده. ومع ذلك، قبل أن يجلس، رفعت إيسلا رأسها ونظرت إليه بعينيها العسليتين.

إيسلا بابتسامة دافئة:

– "سمعت أنك كنت مفقودًا بالأمس... هل أنت بخير؟"

لأول مرة منذ فترة، شعر كانوي بدفء حقيقي في صوته وهو يرد:

– "أنا بخير الآن."

راقبته إيسلا قليلًا، ثم همست:

– "إذا احتجت إلى شيء... لا تتردد في إخباري، حسنًا؟"

نظر إليها للحظة طويلة، ثم أومأ بهدوء، لكنه في داخله كان يشعر بشيء غريب... شيء يشبه السعادة، لكنه لم يكن متأكدًا.

2025/03/22 · 5 مشاهدة · 1067 كلمة
Kanoy
نادي الروايات - 2025