5 - الفصل الخامس: ظلال الماضي وأصداؤه

الفصل الخامس: ظلال الماضي وأصداؤه

جلس كانوي في الظلام، مستلقيًا على سريره، يراقب السقف بعينين خامدتين. كانت الغرفة هادئة، لكن داخله… كان هناك صخب لا يمكن إسكاته. أفكاره تدور كإعصار هائج، تصطدم ببعضها البعض، تجرحه ثم تعود لتطارده من جديد.

"هل يجب أن أكون مثلهم؟ هل يجب أن أفتح قلبي؟ هل كان يمكن أن يفهموني لو فعلت؟"

لكن الحقيقة كانت واضحة أمامه مثل مرآة مكسورة تعكس شظايا من واقع مؤلم.

لقد حاول من قبل… ولم يجد سوى الألم.

أغمض عينيه، وغاص في ظلام ذاكرته، حيث كانت البداية… حيث بدأ كل شيء يتحطم.

---

حلم الطفولة: الأمل الأخير

عندما كان صغيرًا، كان العالم بالنسبة له مليئًا بالألوان، بالحكايات التي تحكي عن الخير، بالقصص التي تنتهي دائمًا بنهاية سعيدة.

كان يعتقد أن البشر طيبون، أن قلوبهم نقية، وأن الجميع يحب بعضهم البعض. كان يرى الحيوانات كرموز للسلام، حتى المفترسة منها… كان يؤمن أن لكل مخلوق قلبًا، وأن الحب قادر على تغيير أي شيء.

كانوي لم يكن مجرد طفل يحلم… بل كان يرى نفسه "البطل"، الشخص الذي سيجعل العالم مكانًا أفضل.

لكن سرعان ما بدأت الألوان تتلاشى.

---

التحطم الأول: عيد الميلاد المنسي

كان يوم ميلاده… يوم كان من المفترض أن يكون سعيدًا.

أخذته أمه إلى الخارج، واشترت له كعكة جميلة، ورأى في عينيها حبًا صامتًا، لكنه كان كافيًا ليملأ قلبه بالسعادة.

عاد إلى المنزل، متحمسًا، منتظرًا لحظة الاحتفال.

لكن والده كان هناك.

كان غاضبًا، متعبًا، يحمل عبء العالم على كتفيه، وعندما رأى الكعكة… لم يرَ سوى تفاهة لا تستحق الاهتمام.

لم ينظر إلى عيون كانوي المتحمسة، لم يسمع نبضات قلبه المتسارعة، لم يشعر بشيء سوى الإزعاج.

وفي لحظة…

تحطمت الكعكة.

رُميت أرضًا، سقطت كما سقطت فرحة كانوي، تناثرت كما تناثرت أحلامه الصغيرة.

نظر إلى القطع المتناثرة، إلى الحلوى التي كانت قبل لحظات رمزًا لسعادته… ولم يستطع فهم شيء.

ثم جاء الصراخ.

ثم جاء الضرب.

وحينها… تعلم كانوي أول درس له في الحياة:

مشاعره لا تهم.

---

التحطم الثاني: لعبة البشر السخيفة

كلما كبر، كلما بدأ يرى العالم كما هو… بلا أقنعة زائفة.

رأى كيف يتعارك البشر على أتفه الأسباب، كيف يكرهون بعضهم، ثم يعودون وكأن شيئًا لم يكن، ثم يكررون الدورة نفسها مرارًا وتكرارًا.

"لماذا؟ لماذا يفعلون ذلك؟ هل هم بهذا الغباء؟"

حتى عائلته لم تكن كما تخيل.

أمه، التي كان يراها مصدرًا للدفء، كانت أحيانًا تنسى وجوده. عندما كانت غاضبة، لم تصرخ أو تضرب… بل كانت تعاقبه بالصمت.

كانت تطبخ للجميع، لكنه كان يعلم أن الطعام لم يكن له.

أما أخته، التي كانت تحميه في صغره، فقد تحولت مع الوقت إلى شخص آخر. كانت تتعارك معه على كل شيء، كانت تكذب، وعندما حاول الدفاع عن نفسه، لم يكن أحد يستمع.

في يوم ما، تعارك معها بسبب شيء تافه، لكنه لم يكن يعلم أن هذه المرة ستكون مختلفة.

كذبت عليهما، وصدقها الجميع.

"أنا لم أفعل شيئًا!"

لكن الكلمات لم تكن كافية.

كانت يد والدته أسرع، وحذاؤها ارتطم به، ثم تبعها ضرب والده، ثم تبعها صمت العالم بأسره.

وحينها، تعلم كانوي درسًا آخر:

الحقيقة لا تهم… بل من يرويها.

---

التحطم الثالث: الطعنة من الخلف

ثم كان هناك "صديقه".

ذلك الشخص الذي ظنه سندًا، الذي ظنه مختلفًا عن الآخرين.

كانوي كان بريئًا، يثق بسهولة، وكان يظن أن الجميع يحملون قلبًا نقيًا مثله.

لكنه لم يكن سوى شخص آخر أراد استغلاله.

جعله أضحوكة، جعله هدفًا للتنمر، ثم يعود إليه وكأن شيئًا لم يحدث.

وعندما أدرك كانوي الحقيقة… لم يصرخ، لم يغضب، لم يسأل حتى "لماذا؟".

فقط… انسحب.

لم يكن يشعر بالغضب، بل بشيء أعمق، شيء أكثر قسوة.

لقد تحطمت آخر قطعة من الحلم الذي كان يتمسك به.

---

حافة الهاوية

الآن، وهو جالس في الظلام، يشعر أن كل شيء يحيط به ضبابي.

هل كان يجب أن ينسى؟ هل يجب أن يسامح؟ هل يجب أن يفتح قلبه مجددًا؟

لكن كيف يمكنه أن يثق بالبشر بعد كل هذا؟

إن كان هناك شيء واحد تعلمه من كل هذا، فهو أن البشر… أغبياء.

لا يفهمون، لا يتعلمون، يكررون الأخطاء نفسها مرارًا وتكرارًا، وكأنهم لا يملكون ذاكرة.

لكنه في الوقت نفسه… لم يستطع كرههم تمامًا.

لم يستطع أن ينسى اللحظات الصغيرة، عندما احتضنته أمه في ليلة باردة، عندما ضحكت أخته على نكتة قالها، عندما شعر للحظة أن العالم ليس مكانًا سيئًا تمامًا.

كان يمزق نفسه من الداخل.

"أنا لست مثلهم… لكنني واحد منهم."

---

النهاية… أم البداية؟

كل شيء مر به، كل ألم، كل خيبة، كل جرح، صنع الشخص الذي هو عليه الآن.

لكنه الآن، وهو يجلس في الظلام، شعر بشيء يتحرك بداخله. شيء صغير، لكنه قوي.

أغمض عينيه، فرأى ذلك الطفل الصغير، يقف وسط ا

لعاصفة، لكن هذه المرة… لم يكن خائفًا. لم يكن يهرب.

ذلك الطفل… كان هو.

فتح كانوي عينيه، وتنفس بعمق.

"ربما، فقط ربما، لم ينتهِ كل شيء بعد."

---

2025/03/26 · 5 مشاهدة · 745 كلمة
Kanoy
نادي الروايات - 2025