الجبل قد تحول للون الأبيض حتى الصخور والمنحدرات قد دفنت تحت الثلوج مما يجعل أي خطوة خاطئة هي النهاية , رغم الارتفاع الذي وصلت له طبقات الثلج إلا أنه مازال يتساقط من السماء فالأماكن المرتفعة كالجبال يصل الشتاء لها قبل السهول وتكون الحرارة فيها منخفضة بشكل هائل وأيضاً كانت الرياح قوية لدرجة أنك قد تصطدم بغصن كبير طائر, ففي مثل هذا الجو كل ما يمكنك سماعه هو دوي الرياح العنيف

وسط ذلك البياض الذي غطى كل شيء مشت الفتاة مترنحة على ذراعها قطعة قماش مربوطة عل الجرح , مع كل خطوة يزداد الألم من ذراعها فمشكلة تلك الأسهم القصيرة أنها تنفذ عميقا داخل الجسم مما يصعب من إخراجها وبقائه حتى الآن يزيد من حجم الجرح مع كل حركة

رغم برودة الجو تساقطت بضع قطرات من العرق على جبهتها نتيجة الألم الذي تشعر به ولكن تعبير وجهها لم يبدوا كشخص بداخل جسده سهم إنما بدت كشخص قد سقط وجرح يده وحسب , كل نفس تأخذه كان بارداً جداً وعندما يخرج يبدوا كضباب أبيض لامع , الزرقة في أطراف أصابعها بدأت تزداد

شيئاً فشيئاً أصبح تنفسها أبطأ ويصدر صوت من رئتيها كصوت آلة قديمة , شفتاها متشققة والثلج متراكم على شعرها بينما تصبح رؤيتها ضبابية أكثر , يبدوا أن عضلات قدمها قد بلغت حدها بالفعل من مصارعة الرياح الشديدة فسقطت أرضاً على ركبتيها ثم ألقت بجسدها على الثلوج لتلتقط أنفاسها

بينما بدأت عينيها المتجمدتان تغلقان ببطء وإذ تظهر أمامها امرأة صورتها كانت ضبابية ولكن قليلاً من ملامحها كانت واضحة تلك العينان المشرقتان شفتاها المزينتان بأحمر شفاه زاهي ترسمان ابتسامة بهيجة ثوبها المطرز بالأخضر يرفرف مع الهواء كانت تقول شيئاً بينما تبتسم وتمد يدها نحوها كما لو كانت ستربت على رأسها لكن تلك اليد لم تصل أبداً ورويداً رويداً بدأت تبتعد لتذهب بجانب تلك الظلال الأخرى البعيدة بينما ترسم على وجهها مزيج من الحزن والقلق

لي جين : (( أعلم حتى أنتي ستذهبين بعيداً عندما ترين أبنتك تحولت لوحش... لطالما فكرت أني سوف أموت في الشتاء مردومة تحت الثلوج .. ولكن الآن عندما أموت أنا ربما لن أكون قادرة على الوصول لنفس المكان الذي أنتم فيه أنا في الغالب سأسقط في أعماق الجحيم ...ألا يمكنني ولو ليوم واحد أن أعود إلى جانبكم مجدداً ؟ يا للسخرية لا أستطيع حتى أن أبكي فهذه الأعين التي لدي لم تعد قادرة حتى على أن تذرف الدموع ))

أغلقت عينيها ببطء بينما تباطأت أنفاسها أكثر شيء ما ناعم جداً تحرك بجانب أصابعها المجمدة ,فتحت عيناها بتثاقل لترى ذلك الفرو الرمادي الذي يلمع بسبب الثلج أقترب الذئب منها أكثر ليجلس بجانبها ويوصل حرارته لها

ذلك الدفء الذي انتقل إليها وانتشر في جسدها مكنها من النهوض مرة أخرى ولكن بصعوبة ,بينما وقفت وسارت بضع خطوات بتثاقل سار الذئب أمامها وكأنه يرشدها لمكان ما كان يسير خطوات ثم يلتفت يتحقق من كونها ورائه ثم أخيراً وصلت لكهف بالنسبة لجسدها المجمد كان الكهف شديد الدفء لدرجة أنها ألقت بنفسها على جانب الكهف بينما سندت ظهرها للجدار وأخذت تلتقط أنفاسها

في تلك اللحظة انتبهت أن ذلك الذئب لم يعد موجوداً لقد اختفى تماماً , عندها نهضت للبحث عنه هو بالتأكيد دخل في الكهف أمامها . لم يكن الكهف عميقاً فسرعان ما وصلت لنهايته ولكن ما وجدته كان ذئباً صغيراً فضي اللون بعيون زرقاء رغم كونه قد تخطى مرحلة الرضاعة ولكن يبدوا أنه لم يتمكن من الصيد بسبب الأجواء المثلجة في الخارج كان يجلس بجانب تلك الجثة والتي يبدوا أنها لوالدته !

لي جين : (( لحظة ذلك الذئب هو في الواقع ميت !! هل كنت أرى روحه أم ماذا ؟ ))

اقتربت من الجثة لفحصها ولكن ذلك الصغير هجم عليها بينما غرس أنيابه الصغيرة في ذراعها تجاهلته فهو بالكاد قد يسبب جرحاً صغيراً فيها بسبب أنها قد لفت القماش حول ذراعها لحمايته ثم قامت بفحص الذئب الميت

لي جين : (( جسدها لم يتعفن بعد لقد ماتت منذ وقت قريب ربما .. ولكن بالتأكيد أنها نفس الذئب الذي رأيته ...على كل من الجروح على جسدها يبدوا أنها كانت تصارع حيواناً أقوى منها ))

بينما تفكر في ماذا قد يكون ذلك الحيوان الذي قتلها قد أبعدت الذئب الصغير عن يدها ثم أشعلت النيران وبدأت تحاول إخراج ذلك السهم القصير الغارق داخل جسدها وبعد جهد طويل تمكنت أخيرا من إخراجه ولكن لقد نزفت كثيراً من الدماء لحسن الحظ كان معها بعض الأوراق الجافة لنباتات تساعد على وقف النزيف رغم أن مفعولها ليس قوياً جداً ولكنها تفي بالغرض

لي جين : (( تلك الأم لا شك أنها كانت تدافع عن صغيرها ..لقد أرادت أن تحميه حتى بعد موتها ,لا شك أن كل الأمهات هكذا ... ولكن الحيوان الذي هاجمها هل هو دب يا ترى ؟؟ يفترض أن تكون الدببة في سبات الآن إلا إن كان دب بلا مأوى! سمعت أنهم لا يتمكنون من النوم في الشتاء وهم شرسون جداً, لكن لم يسبق أن رأيت واحداً ))

أخرجت لي جين بعض الخبز الصلب من حقيبتها فهذا فقط ما تمتلكه من طعام الآن تناولت قطعة وأعطت قطعة للذئب الصغير الذي ما زال حذراً منها ولم يقترب من قطعة الخبز إلا عندما أغلقت لي جين عينيها لتنام

من هذا الكهف يمكنك سماع صوت الرياح في الخارج تشتد قوة ومع ذلك الضجيج بالتأكيد يصعب النوم مهما حاولت ولكن فجأة نهضت لي جين بسرعة مما أفزع الذئب الصغير الذي كان قد بدأ في الأكل , أغمضت لي جين عينيها ووضعت يداها عند أذنيها محاولة الإصغاء لما بالخارج . صوت خافت جداً كان مختلفاً عن صوت الرياح , هناك شيء ما يقترب

أسرعت وأمسكت بسيفها وأخرجته من غمده ووقفت في وضعية تأهب بينما يقترب الصوت أكثر وبعد قليل دخل دب ضخم أسود اللون وجهه مغطى بندوب حديثة , كان الدب تقريبًا في حجم مدخل الكهف أي أنه من المستحيل مقاتلته لوحدك ولكن نظراً لأن سقف الكهف ليس مرتفعا فلن يتمكن من الوقوف على قدميه والمهاجمة فقط سيهاجم في وضعيته تلك وهو واقف على قوائمه الأربع هذا ربما يعطي فرصة لهزيمته

أقترب الدب بينما عيناه تلمع بشراسة مكشراً عن تلك الأنياب الحادة معلناً استيلاءه على هذا الكهف بعد قتله للذئبة الأم ولكنه الآن وجد عدواً جديداً , قامت لي جين بتحريك سيفها حتى يسقط انعكاس الضوء على عيني الدب وبالفعل أنزعج الدب وتراجع لخطوات قليلة مكنتها من الوصول للنار والإمساك بشعلة في يدها الأخرى بينما وقف الذئب الصغير عند جثة والدته محاولاً حمايتهاً

بدأ الدب في الزئير بقوة بينما يقترب محاولاً الهجوم فقابلته لي جين بشعلة النار لإخافته بدأ الدب في التراجع ثم العودة للهجوم ولكن أخيراً يبدوا أنه قد أنزعج تماماً فتقدم بخطوات قوية مهاجماً غير مبالي لشعلة النار تلك , أدركت لي جين ذلك بسرعة فقامت برمي الشعلة عليه تألم الدب قليلاً ولكن تمكن من إطفائها ثم عاد للهجوم , نهاية الكهف مسدودة والمدخل يسده الدب الطريق الوحيد للخروج هي قتله

ربما يكون سيف لي جين طويلاً عن أي سيف أخر مما يجعل لها اليد العليا في أي قتال ولكن هل سيستطيع اختراق جسد الدب الضخم ؟ وهل ستتمكن من استخدام كامل قوتها وسرعتها مع تلك الإصابة التي قد استنزفت طاقتها بالفعل ؟

لي جين : (( فقط كيف تمكنت والدة الذئب من الهجوم على الدب ؟؟ ... سيكون علي جمع قوتي كلها في ضربة واحدة ولكن إن فشلت سينتهي الأمر بكوني وجبة عشاء ربما ؟ ))

بينما تنظر للدب في عينيه أخذت نفساً عميقاً وبكل قوتها هجمت مستهدفة رقبته , تمكنت من إصابته ولكن يد الدب متوجهة نحوها بالفعل

**********

2020/07/21 · 192 مشاهدة · 1161 كلمة
DoKaEnory
نادي الروايات - 2024