“الإمبراطور مات! أكرر! الإمبراطور مات!”
اخترق الصوت القاعة كإنذار مكسور، مما أثار الذعر في نفوس كل من كان حاضرًا. توقف الضجيج المحيط تمامًا في تلك اللحظة، بينما تحولت كل الأنظار نحو الشخصية المبعثرة التي دخلت القاعة فجأة.
“…إنه ميت! لقد مات.”
ساد الصمت.
وظلت الأنظار كلها مركزة عليه.
ثم– بوم!
انفجرت القاعة في فوضى عارمة.
“الإمبراطور مات؟ ما هذا الهراء؟”
“هل هذه مزحة؟ الإمبراطور قوي للغاية! كيف يمكنه أن يموت بهذه الطريقة؟”
“…هذا لا يُعقل إطلاقًا.”
“هل هذه مزحة؟ إنها سيئة جدًا إن كانت كذلك.”
“هذا خيانة!”
غادر الكثيرون بالفعل المكان، لكن بقي عدد مماثل تقريبًا. وكان الضجيج الناتج عن الخبر المفاجئ يهز الأرض، بينما شحبت وجوه الجميع.
لم يصدق البعض ما حدث، بينما امتلأ الآخرون بالغضب.
لكن بعدها…
“إنه حقيقي! لقد تلقيت للتو تأكيدًا من عائلة ميغرايل! الإمبراطور مات، وكذلك الأمير الأول!”
“ماذا-!!”
“كيف يمكن أن يحدث هذا!؟”
لم أتفاجأ حقًا بالخبر الأول. كنت قد توقعت هذا الموقف منذ وقت طويل. يبدو أن نويل نجح في تنفيذ خطته. لكن في الوقت نفسه، لم أكن أتوقع الخبر الثاني.
الأمير مات؟
“أليس ذلك شقيق إيف؟ كيف يمكن أن يكون هذا ممكنًا؟”
“هذا…”
تحولت ملامح كيرا وإيفلين إلى الجدية وهما تنظران إلى بعضهما البعض. كانت تلك النبرة المرحة المعتادة لديهما قد اختفت تمامًا، وحل محلها القلق في أعينهما.
عرفت السبب على الفور.
إيف…
وبينما كنت أفكر في شعورها في تلك اللحظة، غاص قلبي.
هذا لم يكن جزءًا من الخطة…
لماذا مات شقيقها أيضًا؟
كنت أستطيع بطريقة ما أن أبرر ما حدث مع والدها، بالنظر إلى أنه لم يكن بالضبط من ادّعى أنه هو… لكن شقيقها…؟
الجميع كان يعلم مدى إعجابها به وتعلقها به.
وإن اكتشفت أن من تسبب في مقتله ربما يكون شقيقي…
“يا إلهي.”
شعرت وكأن صداعًا هائلًا بدأ يتشكل في رأسي.
سأحتاج للتفكير في كيفية التعامل مع الوضع إن اكتشفت الحقيقة.
هل سأضطر لإخبارها بالحقيقة؟ أم عليّ أن أختلق عذرًا من نوع ما؟ لم أكن متأكدًا، لكن ذلك لا يهم الآن.
أنا لم أخطط أبدًا لأن تعرف عن تورطي في الأمر.
هذا كان أسوأ سيناريو ممكن.
“وماذا الآن؟”
“ما الذي سيحدث بعد موت الإمبراطور؟”
بعد الفوضى، ساد صمت قصير في الغرفة. مات الإمبراطور، وانتشر عدم اليقين بين الحشد حيث بدأ الناس يتساءلون عما سيحدث بعد ذلك. لكن في خضم ذلك السكون، شعرت بتحول هادئ.
لقد تغير شيء ما في الهواء.
كان صغيرًا، لكنه كان ملحوظًا.
...وشعرت بأنه شرير للغاية.
عندها تذكرت النظرة على وجوههم... وأدركت بالضبط ما هو الشعور الغريب الذي كان يخيم على المكان.
الجشع.
كمية لا نهاية لها من الجشع.
"إذا سمحت لي، سيتعين عليّ المغادرة إلى منزلي. الآن وقد توفي الإمبراطور، سأحتاج إلى إيجاد شيء أقدم به احترامي."
"وأنا أيضًا."
"...سأغادر أيضًا."
استقر شعور ثقيل في صدري وأنا أحدق في كل من يغادر.
في تلك اللحظة، لم يتطلب الأمر عبقريًا لفهم ما كان يحدث
الآن وقد مات الإمبراطور، وتوفي أيضًا أول من في ترتيب ولاية العرش، أصبح مقعد العرش فارغًا.
كان لا يزال هناك العديد من المرشحين على استعداد للوصول إلى السلطة، ومع تحالف العديد من العائلات النبيلة معهم، استطعت بالفعل أن أشعر برائحة البارود في الهواء.
هذا الوضع.
كل شيء...
كان كل شيء يتكشف تمامًا كما تصوره نويل.
وفي الوقت نفسه-
إمبراطورية نورس أنسيفا،
إمبراطورية لطالما افتخرت بوحدتها وغياب الصراع الداخلي،
كانت تشهد الآن أول صراع داخلي حقيقي لها.
***
ما كان يجب أن أستمع إلى نفسي أبدًا.
وقفت آويف بتيبس، تحدق في الجثث أمامها.
وقفت هناك في صمت.
أرادت أن تُصدر صوتًا، لكن لم يخرج شيء من فمها.
بدا أن العالم من حولها قد تباطأ تمامًا. تحرك الناس بجانبها، يهرعون نحو الجثث ويبذلون قصارى جهدهم لفعل شيء ما، لكن آويف عرفت ذلك.
عرفت أنه لا سبيل لإنقاذهم.
حدقت في رأس والدها، ثم في جسد أخيها المثقوب، وظلت متجمدة في مكانها.
كان يجب أن أستمع لنفسي. كان يجب أن أكون فضولية. كان يجب أن أذهب معهم. كان يجب أن...
توقفت أفكارها.
أدركت آويف جيدًا أنه حتى لو ذهبت، فلن يتغير شيء.
في الواقع، كانت ستموت على الأرجح مع والدها وشقيقها. الشخصان اللذان اهتمت بهما أكثر من أي شيء آخر في حياتها.
الشخصان اللذان لم يحكما عليها مثل أي شخص آخر.
...الشخصان اللذان كانا بجانبها في أصعب أوقاتها. الشخصان اللذان يمكنها أن تسميهما عائلتها.
"ها-ها."
كان هذا الإدراك هو ما جعل كل شيء يستقر في ذهنها حيث بدا أن العالم قد عاد فجأة.
"بسرعة! أحضروا المسعفين إلى هنا!"
"...ابدأوا العمل بسرعة!"
وضعت آويف يدها ببطء على صدرها.
ولأول مرة، شعرت بذلك.
الألم الناتج عن الإدراك.
"هاها."
لم تبكي.
لم تستطع البكاء.
كان الألم ببساطة لا يطاق بالنسبة لها.
تركها لاهثة.
امتص الطاقة التي كانت لديها.
"هاها."
شعرت آويف بالألم يزداد وضوحًا، وارتجف جسدها بالكامل وهي تغلق عينيها، مما سمح للظلام بالسيطرة على عقلها.
"إذا كان هذا كابوسًا... من فضلك أوقف هذا."
هذا...
ذلك...
هاك."
خرجت شهقة أخيرًا من شفتيها، وعندما خرجت، تعثرت آويف إلى الوراء، ووجدت الألم والحزن يمزقان جدران صدرها.
وفي تلك اللحظة أيضًا خرجت.
صرختها المؤلمة.
"هاااااا-!"
أحدهم...
أوقفوا هذا.
***
على الرغم من الاضطرابات المستعرة في العالم الخارجي، داخل حدود كاتدرائية معينة، ظل كل شيء صامتًا تمامًا.
كان الأمر كما لو أن ضجيج العالم الخارجي قد تم عزله تمامًا.
في ذلك الصمت الثقيل، اخترق صوت خافت ولكنه مميز-
ارتعاش!
جلس شخص وحيد على أرضية الرخام المصقولة، ونظراته هادئة بشكل مثير للقلق بينما ارتعش جسده على فترات غير منتظمة. تسللت عروق زرقاء عبر جلده، الذي بدأ يذوب ويتحرك، ويتقشر فقط ليتشكل ببطء مرة أخرى.
ارتعاش! ارتعاش!
استمر جسده في الارتعاش، يذوب بسرعة في مناسبات متعددة.
ولكن حتى ذلك الحين، ظل الشخص ساكنًا.
احتضن الصمت.
تجاهل الألم.
هو...
فتح عينيه ببطء، وسقطت نظرة تورين على الشخص الذي كان يقف ليس بعيدًا عنه. يراقبه.
يراقبه.
"..... ما زلت هنا يا إيميت؟"
"مجرد تفكير."
أجاب إيميت، وسقطت نظراته نحو تورين.
نظر إليه بشفقة.
"ستفشل."
...أعلم،"
"استسلم."
"لن أفعل."
"ما زلت عنيدًا."
"...لست أنا العنيد." ابتسم تورين، وارتعش جسده مرة أخرى بينما بدأ البخار يتصاعد من جلده. "إذا كان العناد هو المقياس، فأنت الأكثر إصرارًا على الإطلاق. بعد كل ما فعلته، ما زلت تُصر. لماذا لا يمكنك ببساطة أن تموت؟"
"لأن لدي أشياء لأفعلها."
"وأنا أيضًا."
أجاب تورين، وعيناه تفقدان بريقهما.
"أنت أناني."
"هل أنا كذلك؟"
"أنت تُقاتل من أجل أخيك بينما أُقاتل من أجل حرية العالم. ألا تفهم مدى أهمية ما أفعله لهذا العالم؟ من أجل الأشخاص الذين نجوا حتى هذه اللحظة؟"
أصبح صوت تورين أجشًا بعض الشيء وهو يتحدث
كما ازداد صوته مع كل كلمة تخرج من فمه.
ارتجاف… ارتجاف!
عضّ على أسنانه بقوة.
“…أخوك خالد!”
ارتفع صوته.
“لن يموت أبدًا! لماذا أنت مهووس بما يحدث له؟ أنا أفعل كل هذا من أجل البشرية! يجب أن يشعر أخوك بالفخر لأنه يخدمني… لأنه يخدم البشرية!”
بانغ!
ضرب تورين الأرضية الرخامية بقبضته، فتشققت وتفرعت الشقوق في جميع الاتجاهات.
“لماذا لا يمكنك فهم هذا؟ كنت أظن أنك، من بين الجميع، ستكون من يدرك الصورة الكبرى. أنت–”
“…أنت لا تزال لا تفهم، أليس كذلك؟”
قاطع إيميت كلماته بصوت بارد.
وقف شامخًا، وشعره الأسود يحيط بوجه لم يكن وسيمًا بشكل لافت، لكنه كان مريحًا للنظر. ما ميّزه حقًا كانت نظرته. عيناه الخضراوان الفاتحتان، عميقتان ومكثفتان إلى درجة بدا وكأنهما تخترقان كل شيء، كأنهما ترى ما وراء السطح بكثير.
“يأسك دفعك لأن تدير ظهرك لكل ما جعلك إنسانًا. لكل ما…”
“وماذا في ذلك؟”
قاطع تورين صوت إيميت وهو ينهض ببطء من مكانه، وجسده كله يرتجف بينما كانت العروق السوداء على جسده تنبض بشدة أكبر.
“إذا كان لا بد أن أتخلى عن إنسانيتي، فليكن ذلك في سبيل القوة.”
تصاعد البخار من جسده.
“الضعفاء يطيعون القواعد. أما الأقوياء، فيعيدون تشكيل الواقع.”
رفع يديه ببطء نحو وجهه وهو يحدّق فيهما بعينين محمرّتين بالدماء.
انحنت كتفاه قليلاً.
“لقد حولتُ بُعد المرآة إلى شظايا بيدي العاريتين. حملتُ عبء العالم بينما كان يتوسل للتغيير. أسموه خيانة. وأنا سميته قدَرًا.”
قبض يديه تدريجيًا على شكل قبضة، ووجّه نظره مباشرة إلى إيميت.
“هل كان علي أن أركع؟ أن أتبع جنونك؟ لقد خفت من طموحي… من قوتي. لكن ذلك الطموح بالذات هو الذي منح العالم أول لمحة عن الحرية! أنا… أنا من حطم القيد الذي حبسنا. أنا… من قُدّر له أن ينقذنا جميعًا!”
ثم ضغط بإصبعه على صدغه.
“عقلي.”
وأشار إلى عينيه.
“رؤيتي.”
ثم رفع يده أمامه وقبضها.
“يدي.”
ساد الصمت في الأرجاء.
“هذا العالم بلا قيمة من دونها. أنا… أصبحت قويًا بما يكفي لأقف في وجه أولئك، لأُنقذ هذا العالم وأمنحنا الحرية. لكن، ومع ذلك، القوة تزرع الخوف.”
هدأ تورين تدريجيًا، صدره بدأ يرتخي، ونظرته أصبحت باردة.
“أشعر بالخوف. ليس فقط في الناس، بل حتى في سامين الآخرين. يسمّونني طاغية في الخفاء، يتحدثون عن جنوني، لكن ما يخشونه حقًا ليس طموحي… ما يخشونه هو جرأتي على استخدامه.”
توقف تورين، وجلده بدأ يذوب ببطء.
“اسمي سيبقى بعد زوال العروش. وظلي سيصوغ ملامح الأباطرة.”
“اسفك دمي إن كان لا بد من ذلك—”
“لكن لا يمكنك قتل ما قد تسلل بالفعل إلى أعمق زوايا عقول الجميع.”
ضغط بإصبعه مرة أخرى على صدغه.
“لم أعد سامي .”
“…أنا فكرة.”
“سامين يمكن قتلهم، لكن الفكرة تبقى ما دام هناك من يتمسك بها.”
“أنا خالد.”