169 - قرص بحيرة المائة الفضّيّ

169 – قرص بحيرة المائة الفضّيّ

كانت أجساد المقتولين مليئة بثقوب في عدّة أنحاء. كلّ ثقب كان بوسع القبضة وكان سببه أحد النجوم الداكنة الضئيلة.

صرخ باسل بعد رؤية هذا الأمر غاضبا ثم انقض على ظلّ الشيطان. فإن كانت هناك أيّ طريقة لمنعه من قتل المزيد من حلفائه، فهي قتاله مباشرة وعدم ترك له أيّ فرصة ليكون قادرا على فعل ما يشاء.

فحتّى لو كان باسل قادرا على النجاة من هول عنصر الدمار ولاسيما بعدما كان معزّزا، ذلك كان لأنّ باسل يملك طاقة غير محدودة تشحن عنصر التعزيز الخاص به وترفعه لمستوى عالٍ جدّا، ولكنّ الآخرين لا يملكون مثل هذه الوسيلة الدفاعيّة لتحميهم. لذا كلّ شخص ليس بالمستوى المطلوب لن يستطيع أبدا النجاة من عنصر الدمار المعزّز.

والمفاجِئ، كان قبائل الوحش النائم التي هاج أعضاؤها أكثر فقط واشتدّت عزيمتهم أكثر فقط. حتّى بعدما شاهدوا مقتل الآلاف منهم على يد ظلّ الشيطان إلّا أنّهم توجّهوا نحوه بدون توقّف كما لو أنّهم من قتلوا الآلاف للتوّ.

كان أعضاء هذه القبائل بعزيمة مخيفة وشجاعة جبّارة. ضعهم فوق الجبل وسيدكّونه، امنحهم نهرا وسيجفّونه، أغرقهم في البحر العميق وسيركبون حيتانه الشُرس منطلقين نحو سطحه من جديد. كانوا مخلوقات مقاتلة بالغريزة، وكانوا الجنس الأقوى في العالم الواهن.

ففي الحرب قبل حوالي خمسين سنة، كانت هذه القبائل قادرة على مواجهة إمبراطورية الشعلة القرمزية في حرب طاحنة، والمحافظة على وكْرها سالما في حالة هوجِم من إمبراطورية الأمواج الهائجة من الجهة الأخرى.

استطاعت عائلة كريمزون في ذلك الوقت أن تخفّف من سرعة تقدّم القبائل بسبب شيء وحيد – عشيرة النار القرمزية. لولا هذه الأخيرة لما استطاعوا أبدا النجاة في العديد من الحالات. فمع أنّ قبائل الوحش النائم كانت تحمل الجنس الأقوى في هذا العالم، إلّا أنّ عشيرة النار القرمزية لم تكن أقلّ منها بما أنّ جميع أعضائها كانوا مواهبا صاعقة دائما بمستويات مرتفعة.

انطلق الجنس الأقوى نحو العدوّ الذي يراه أمامه دون تردّد. وفي تلك الأثناء، اتّسعت ابتسامة هدّام الضروس لمّا رأى ذلك واستعدّ أكثر.

انبثق إعصار فجأة في السماء، وتوجّه نحو مجموعة ظلّ الشيطان بسرعة كبيرة للغاية، وكان باسل في مركزه مشيرا برمحه المشحون بالعناصر الثلاثة تجاه هدّام الضروس. انطلق كحفّار لا يسع أحد إيقافه صارخا: "لن أسمح لك بذلك يا هذا."

في مواجهة مثل هذا الهجوم العنيف، لم يكن لدى ظلّ الشيطان وقتا ليهتمّ بالقبائل، وأمر بصرف انتباه تلك الوحوش البشريّة القادمة. التفت بعد ذلك بسرعة إلى باسل ثم لكم الهواء عشرات المرّات بسرعة كبيرة ومن كلّ لكمة صنع شيئا أسطوانيا مجوَّفا حادة النهاية. شحن بعد سحره في سيفيه الهلالين واخترق الأسطوانات، والتي انكسرت بعد ذلك كالزجاج، سامحةً بذلك لكلّ القوّة التي أطلقها هدّام الضروس بها أن تنطلق بسرعة وقوّة أكبر بأضعاف.

*باام* *باام* *باام*

تواجه باسل مع وابل هجمات سحر ظلّ الشيطان، فاخترق العديد منها، وراوغ بعضها، وأصيب بعدد منها. وفي تلك اللحظات، اختفى كلّ ذرّة من طاقة باسل السحرية التي كانت تحميه لتذهب كلّها نحو الرمح الخشبي، والذي استوعبها بسرعة خياليّة بدوره ثم ركّزها كلّها بتحكّم باسل وبدأ شكله يتغيّر قليلا حتّى أصبح مشوّها نوعا ما.

عنى ذلك أنّ باسل قد جعل كلّ تركيزه وطاقته من أجل التحكّم في هذا الرمح الخشبي والطاقة الهائلة التي استوعبها. ففي كلّ الأوقات السابقة كان الرمح يسخّر طاقة باسل بشكل جيّد للغاية، ولكنّه لم يصل لمرحلة التحكّم المثاليّ أبدا. وتشوّهه هذا هو إعلان عن اقتراب باسل من السيطرة كلّيّا عليه والحكّم فيه مثاليا.

تعرّض جسد باسل بعد ذلك لبعض الإصابات من هجمات ظلّ الشيطان، لكنّه كان حريصا على إزالة دفاعاته حتّى الوقت المناسب. أيّ عندما يكون على مقربة من خصمه كفاية حتّى يكون متأكدا من عدم تلقّيه العديد من الإصابات البالغة ومن الحرص على مفاجأة عدوّه.

وبالطبع، لم يتوقّع هدّام الضروس أنّ باسل سيتخلّى عن دفاعاته من أجل القيام بهجمة، وبالتالي لم يجد وقتا للدفاع بشكل كلّيّ ولا للمراوغة.

*بووم*

نزل باسل برمحه على المشحون بالسحر إضافة لتزويده بكميّة هائلة من قوّة الدفع التي أتت من الفنّ القتاليّ. وفي الجهة الأخرى، أطلق هدّام الضروس كميّة كبيرة من سحره حتّى يدافع عن نفسه قدر الإمكان، ودعم ذلك بفنّه القتاليّ أيضا، وكلّ ذلك لم يكفِ ليوقف رمح باسل الخشبيّ، فأخرج من مكعّب التخزين في آخر لحظة شيئا ما.

نتج عن ذلك انفجار هائل جعل كلّ شيء من حولهما يندثر كما لو لم يكن موجودا أصلا. ولحسن حظّ الأقدمين الكبيرين أنّهما ابتعدا مسبقا وإلّا كان مصيرهما محتوما – الموت ولا شكّ.

ظهرت صورة ما حدث بعد قليل من الوقت فجعلت كلّ شخص يفزع من الهلع. لم يصدّق أحد ما نتج عن هذا الاصطدام العنيف، ولكنّهم لم يصدّقوا أكثر ما حدث لمسبّبيْه.

كان باسل ساقطا على ركبة واحدة، بينما تغطّيه جروح بليغة في كامل أنحاء جسده. فعلى ما يبدو، لقد قام بمجازفة كبيرة لمّا أزال دفاعاته وكانت النتيجة معلومة، ولكنّ هذه الجروح كان سببها شيء آخر أيضا.

اتّضح أنّ هدّام الضروس قد تعرّض لجرح عميق ببطنه ولكنّه لم يؤثّر عليه حتّى أنّه بقي واقفا بينما يحمل شيئا في يده ويحدّق إلى باسل بعينيه السوداوين وفمه الذي غطاه الدم.

وقف باسل غير مهتمّ بالآلام ثم حدّق إلى هدّام الضروس وقال: "يبدو أنّني لست الوحيد الذي لديه كنز من أحد الأراضي العتيقة، فقط يبدو أنّ كنزي من الواهبة وكنزك من المحرّمة."

***

وفي تلك اللحظات، فتح شخص على بعد مئات آلاف الأميال عينيه. لقد كان هذا الشخص عبارة عن شابّ تدور حوله رأسه ثلاث كرات كنجوم تحمل معرفة شاملة بهذا الكون. كان هذا الشابّ هو الذي ظهر ببحر روح باسل.

رمق بعينيه اللتين تستطيعان الرؤية عبر كلّ شيء في هذا العالم، واللتين كان بإحداهما نجمين والأخرى نجم. تحرّكت هذه النجوم الثلاثة حول الحدقتين ببطء شديد، وتارة فالأخرى انتقل النجمان من العين الأولى إلى الثانية، ليتبادلا المكان بالنجم الذي هناك. رأى الشابّ بهاتين العينين من خلال المسافات بحكمة سياديّة فعبس ثم أغمض عينيه مرّة أخرى.

نطق بعدما فهم بعض الأشياء: "قبل ألف سنة، واتتني الفرصة للحصول على ذلك الكنز، ولكنّه سبقني إليه. لم أتحسّر ولو قليلا على عدم الحصول عليه لأنّني كسبت الحكمة السياديّة بعد وقت وجيز فقط، ولكن... من كان يتوقّع أنّني سأراه في هذا المكان وبهذا الشكل؟ يا له من عالم. حتّى لو كان بإمكاني توقّع الكثير من الأشياء فلن يمرّ كلّ شيء عبري."

شدّ قبضته أكثر ثم وقف وأكمل التفكير بصوت مسموع: "لقد تأكّد الأمر بهذا. لم أستطِع حسم شكّي عندما رأيت الفنّ القتاليّ الذي يستعمله فقط، ولكن برؤيتي لذلك الكنز الآن، أصبحت متيقّنا." ابتسم الشابّ ذو الشعر الفضّيّ باعثا هدوءا كالذي يكون في سماء مظلمة ببدر ساطع وأكمل: "يبدو أنّ القدر جمعنا مرّة أخرى يا شيطان اليأس، إبلاس."

***

في هذه الأثناء، بصق هدّام الضروس الدم ثمّ تكلّم: "إذن كنزك ذاك من أحد الأراضي الواهبة العتيقة، لا عجب في نجاتك."

كان ظلّ الشيطان يحمل بيديه شيئا دائريّا فضّيّا. كان هذا الشيء يبدو كالبدر المنعكس في بحيرة ما تماما. تموّج سطحه كأنّه ماء يهتزّ، وبعث ضوءا ساميا حاملا وقورا مهيمنا. كان هذا البدر بإمكانه حكم المخلوقات من السماء وإحاطة كلّ شيء بنوره.

حدّق باسل إلى ما في يد هدّام الضَّروس ثم قال: "إذن هذا هي قوّة كنز من الأراضي المحرّمة العتيقة؟ تبدو مثيرة للاهتمام."

ابتسم هدّام الضروس وبادله الحديث مرّة أخرى: "اهتمامي برمحك الخشبي أيضا كبير."

***

نطق إدريس الحكيم بعدما نظر في عقله إلى العديد من الذكريات: "أعماق مئوية، لُعِنَت، فصارت ظلاما أبديّا. بحيرة المائة، حيث الموت بلا حياة، انعكس عليها ضوء البدر الأبديّ."

ابتسم إدريس الحكيم ثم قال: "يا له من زمان دوّار. مرّت ألف سنة لأرى 'قرص بحيرة المائة الفضّيّ'."

***

ارتفع قرص بحيرة المائة الفضّيّ فجأة من يد هدّام الضروس وتوقّف فوق رأسه ثم وسطع أكثر. أطلق القرص ضوءه الفضّيّ عليه فبدا ظلّ الشيطان كأنّه سيحترق لوهلة، ولكن في اللحظة التالية علم كلّ شخص أنّ عكس ذلك ما يحدث في الواقع.

لقد كان لهذا الضوء الساطع قدره غير معقولة على شفاء الجروح، ففي لحظات فقط اختفت جروح هدّام الضروس وأصبح في حالة أفضل من التي كان عليها قبل أن يبدأ القتال أصلا. وبعد النظر بتركيز أكبر، لاحظ الجميع أنّ طاقته السحرية قد شُحِنت من جديد كلّيّا.

صدِم العديد من الناس، واندهشوا. فما حدث كان مختلفا تماما عن تأثير الإكسيرات. فذاك لم يكن مثل إكسير العلاج أو التعزيز. فحتّى إكسير العلاج لن يستطيع علاج مثل تلك الإصابة التي نتجت بسبب الرمح الخشبي المشحون بثلاث عناصر إحداها تجاوز المستوى الرابع عشر بكثير.

وأيضا لم ترتفع قوّة هدّام الضروس ولكنّها عادت لتصبح كما كانت من قبل. جديدة كما لو أنّه لم يرفع إصبعا في هذه الحرب أبدا.

اندهش الجميع من الآثار المخيفة لذلك القرص الفضّيّ وارتعبوا. أمّا باسل، فعبس كثيرا وخمّن بعض الأشياء. يا ترى هل بإمكان ظلّ الشيطان استخدام هذه الطريقة لأكثر من مرّة أم لا؟

وليس ذلك فقط، بل حتّى أنّه لا يزال يتذكّر الحاجز الذي حمى هدّام الضروس في الموت بسبب الرمح. وكلّ ذلك كان بسبب نور القرص الفضّيّ. زاد كلّ هذا من اهتمام باسل في القرص، كما زاد حذره وأحس بشعور لم يختبره لمدّة طويلة – الخوف.

كان باسل في هاته اللحظات متوتّرا بعدما لاحظ ما يمكن أن يفعله القرص، وحزم أمره على شيء ما. لقد اقترب من التحكّم مثاليّا سابقا في رمحه الخشبيّ، ولا شكّ في أنّه سينجح بعد محاولة أخرى أو اثنتين، ولكنّ المشكل يقبع في النجاة حتّى ذلك الوقت.

حسب ما تعلّمه باسل، فلن يستطيع استخدام قدرة من إحدى قدرات ذلك الرمح الخشبيّ إلّا إذا كان يستطيع التحكّم فيه مثاليّا. ولهذا حاول باسل فعل ذلك متخلّيّا عن كلّ دفاعاته، ولحسن حظّه، فهو يمتلك كمّيّة غير محدودة من طاقة عنصر التعزيز، ولكن حتّى لو كانت الكمّيّة غير محدودة فجسده وبحر روحه سيصلان لحدودهما بوقت ما.

فما زاد صعوبة التحكّم مثاليّا في هذا الرمح الخشبيّ، كان أصله العتيق والاستثنائيّ، إضافة للتحكّم في ثلاث عناصر في آن واحد بينما واحد منها في مستوى مرتفع عن الرابع عشر. وهذا بالطبع شيء صعب جدّا على ساحر في المستوى الثامن كباسل. فلولا موهبة أعضاء عشيرة النار القرمزيّة المذهلة، وتدريبات إدريس الحكيم، لما كان باسل قادرا على بلوغ مثل هذا المستوى.

أصبح هدّام الضروس مفعما بالحيويّة أكثر من أيّ وقت مضى، وعاد قرص بحيرة المائة الفضّيّ إلى يده، ناويا استخدامه لحماية نفسه من رمح باسل الخشبيّ.

فكونه كنز من إحدى الأراضي المحرّمة العتيقة، كانت له منفعة كبيرة للغاية، ولكنّه في المقابل يرهق بحر الروح والجسد كثيرا حتّى لو عالجهما، ويجعل من استخدام السحر أكثر صعوبة. وبالطبع، كان الأمر نفسه ينطبق على كنز باسل من إحدى الأراضي الواهبة العتيقة.

بلغت معركتهما ذروتها أخيرا، وأصبحت نهابتها تقترب أخيرا بعد التطوّرات الأخيرة. فحتّى هذه اللحظة، كانت المعركة بينهما متساوية، وأمّا الآن أصبح كلّ شخص يعلم أنّ نتيجة المعركة ستتحدّد اخيرا حتّى لو لم يكونوا يعلمون عن الفائز بها.

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2018/07/21 · 926 مشاهدة · 1673 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024