237 - هدوء ما قبل العاصفة (4)

237 – هدوء ما قبل العاصفة (4)

وجدت شيرايوكي أمّ وجدّة باسل وأم أنمار خارج الغرفة، فجلست لتكمل الليلة معهما ريثما تنتهي أنمار. كانت غرفة المعيشة بمثل بساطة غرفة أنمار، ولم تتجاوز 30 متر مربّع. كان في وسطها طاولة تكفي لجلسة ستّة أشخاص، وهناك جلست لطيفة وجدّة باسل.

خرجت سميرة من المطبخ بينما تحمل قدرا ينفث البخار بشدّة وكان واضحا أنّها أزالته من النار للتوّ، وعندما رأت شيرايوكي تخرج من الغرفة قالت بابتسامة مشرقة: "هل انتهيتما بالفعل؟ أين أنمار؟"

كانت العلاقة بين شيرايوكي وهذه الأسرة الصغيرة قريبة بما أنّها كانت صديقة أنمار الأولى. كُنّ سعيدات لأنّ أنمار كسبت صديقة تشاركها الكلمات والأحداث.

"إنّها تتحدّث مع باسل حاليا، ويبدو أنّها ستتأخّر."

أشرق وجه سميرة المبتسم فالتفتت إلى لطيفة وقالت: "هل سمعت ما قالت يا لطيفة؟ يبدو أنّ ولدك الخجول بدأ يتحسّن مع مرور الوقت." تذكّرت شيئا فوجّهت نظرها إلى شيرايوكي مرّة أخرى: "انتظري، هو الذي اتّصل بها، أليس كذلك؟"

ابتسمت شيرايوكي وأجابت: "اطمئنّي، هو الذي اتّصل."

تنفّست سميرة الصعداء وقالت: "حسنا، إنّي أحضّر عشاءنا، لذا يمكنك الانتظار مع لطيفة والعمّة ليندا."

كانت تقصد سميرة جدّة باسل عندما قالت العمّة ليندا.

كانت الجدّة ليندا قد انتقلت للعيش مع عائلة باسل بعدما أمضى في البيضة المشعّة سنة، وذلك شوقا منها وحبّا للحفيد الذي حمل دم عشيرة النار القرمزيّة الأخير بعروقه.

تكلّمت لطيفة بوجه حزين: "يا للخسارة، لا يمكنني التكلّم معه كما تفعل أنمار. قد تكون هذه إحدى المرات النادرة التي أشعر فيها بالرغبة في أن أكون ساحرة."

نظرت إليها شيرايوكي وتفهّمت شعورها ذاك، فحتّى هي قبل أن يظهر خاتم التخاطر اضطرّت لانتظار إخوانها وأخواتها حتّى يعدن بعدما يتفرّقون، ولاسيّما إن كان الأمر متعلّقا برحلة خطرة.

تحدّثت شيرايوكي بعدما استفاقت من أحلام يقظتها: "أظنّه يعلم كلّ مشاعرك يا أيّتها العمّة لطيفة، فهو يرتحل في أنحاء العالم من أجل حمايته حتّى يعيش معك حياة عادية، لذا لا يجب أن تتأسّفي على اختيارك عيش حياة عادية."

ابتسمت لطيفة وردّت عليها: "أتواسينني يا صغيرتي؟ إنّكِ شخص جيّد ورحيم."

خجلت شيرايوكي، وغيّرت اتّجاه نظرها إلى الجدّة ليندا التي اعتلتها نظرات حزينة، إذ كان حالها مثل حال لطيفة. أرادت أن تلطّف الجوّ فواردتها فكرة: "ما رأيكنّ أن تخبرن أنمار ما تردن قوله وتبلغه لباسل في محلّكن، وعندما يجيبها تخبركم بما قاله؟"

ومباشرة بعدما انتهت من كلامها نهضت لطيفة من مقعدها وطبقت كفّا على كفٍّ: "هذه هي!"

خرجت أنمار فجأة فحكين لها ما أردن فعله، فابتسمت: "يا محاسن الصدف! لقد خرجت لنفس السبب، حتى باسل يريد أن يقول لكُنّ شيئا."

***

في هذه الأثناء، في قصر إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة بالعاصمة، كان الكبير أكاغي يجلس في فناء على طاولة تحت ليلة زاهية بمصابيحها الطبيعيّة، ورافقته زوجته في احتساء كوب من الشاي.

"لقد كاد قلب سكارليت يتوقّف عن الضرب عندما سمعتك تقول أنّ منصف كاد يموت؛ لا أدري ما الذي كانت ستفعله بنفسها لو حدث له شيء فعلا."

"نظر الكبير أكاغي إلى زوجته وتنهّد: "حقّا لا يمكننا شكر حليفنا باسل كفاية."

"معك حقّ، عائلتنا ممتنّة لعشيرة النار القرمزيّة كثيرا، ولكن يبدو أنّها ستكون مدينة لباسل أكثر من ذلك حتّى." تنهّدت لمّا ومضت صورته في عقلها: "لقد مرّت مدّة لا بأس بها منذ آخر مرّة رأيناه فيها، فهل سنراه عمّا قريب يا ترى؟"

أخذ الكبير أكاغي رشفة من كوبه ثمّ نظر إلى زوجته التي وضعت حافّة الكوب على شفتها: "ذلك يعتمد على سير الأمور. الحدث التاريخي الأعظم في عالمنا قريب، لذا حليفنا باسل مشغول للغاية."

"هل سيكون على ما يرام يا عزيزي؟"

كانت زوجته قلقة، وفهم مصدر قلقها هذا فقال: "لعنة عشيرة النار القرمزيّة، لا نعلم ما إذا كانت إشاعة أم لا، لكن يجب أن نضع ثقتنا فيه فحسب."

"لا يمكنني الاطمئنان، أتمنّى ألّا يواجه نفس مصير أبيه جاسر، ويترك أنمار وحيدة. لا يمكنني تخيّل تلك الفتاة قادرة على العيش في عالم لا يوجد هو فيه."

"لا تقلقي، كلّ شيء سيكون على ما يرام. لقد غيّر العالم، فكيف لا يغيّر حياته الخاصّة؟"

تنهّدت زوجته، فحاول تغيير الموضوع ليجنّبها الحزن: "وبما أنّك أتيت على ذكر أنمار، تذكرين أنّك أردت من ابننا أكاي تسميّتها أنمار وليس اسما يوحي على العشيرة القرمزيّة كما فعل أسلافنا."

رشفت من كوبها، ثمّ نظرت إلى الهلال وقالت: "في ذلك الوقت، كنت أخاف، صراحةً، من عشيرة النار القرمزيّة بسبب ماضيها المبهم واللعنة التي تتبعها، وخصوصا عندما فقدنا ابننا الأوّل. وبسبب ذلك، بالرغم من أنّه ليس بسبب جيّد، خشيت أن تلحق هذه اللعنة أحفادنا أيضا لو ارتبطنا بطريقة ما بالعشيرة."

"أردت أن أغيّر هذا التقليد؛ خوفي جعلني أريد قطع الصلة التي وجب عليّ عقدها أكثر، لذا رجوت ابننا أن يسمّي مولوده مهما كان جنسه بـأنمار، لكنّه رفض فكرتي، لذا تفاجأت حقّا لمّا ظهر باسل –ابن جاسر- مصطحبا معه فتاة تشبه سميرة لحدّ كبير واسمها أنمار. كان ذلك كثيرا ليكون مجرّد صدفة، لذا اقتنعت أنّها هي حفيدتنا."

"لربّما كان السبب الذي نبع منه قراري في تسمية المولود بأنمار غبيّا، لكنّني سعدت كثيرا عندما علمت أنّ ابننا لبّى طلبي الذي رفضه بشدّة في الأوّل. لا أعلم ما الذي دار في باله، لكنّني على الأقلّ يمكنني النوم بهناء، موقنةً أنّه لم يمت يكرهنا."

ابتسم الكبير أكاغي بنهاء وأخذ رشفة أخرى ثمّ قال: "ما أحلى السلام! يجب أن نعمل أكثر من أجل الحفاظ عليه."

***

في شرق قارّة الأصل والنهاية، كان السحرة يستعدّون للرحيل، لذا رتّبوا مقتنياتهم وممتلكاتهم، وانضمّوا للفرق حسب الأوامر، وأمضوا بقيّة اليوم مع فرقهم حتّى يندمجوا قبل المغادرة.

كان باسل ما يزال يتحدّث مع عائلته في خيمته.

(حسنا يا أمّاه، لا تقلقي، سآتي مباشرة لأراكنّ بعدما أنتهي من عملي هنا.)

كان باسل يتحدّث مع أنمار عبر خاتم التخاطر، وعملت عمل الوسيط بينه وبين بقيّة العائلة. فنقلت ما قالته له أمّه: (كن حذرا، ورافقتك السلامة، وكن حذرا!)

(حسنا، حسنا، يا أمّي، كوني مرتاحة البال.)

سألته أنمار بنفسها هذه المرّة: (إذن، متي قد تعود؟)

(لا أعلم صراحةً، لديّ ثقة في الولوج إلى ذلك العالم الثانويّ، لكنّني لا أعلم ما إذا كانت ستكون هناك أحداث غير متوقّعة.)

انتظر أنمار التي لم تجب إلّا بعد لحظات من الصمت: (لا تخاطر كثيرا إذا رأيت الأمر يخرج عن السيطرة، وتذكّر دائما أنّ العودة إلينا، هي الأهمّ.)

(اطمئنّي! أمّا عنكنّ، فلا تنسين أن تكُنَّ في أكاديميّة الاتّحاد المباركة في غضون أسبوعين. لقد شُيِّدت مدينة العصر الجديد على يد معلّمنا بحكمته السياديّة، لكنّها تضرّرت كثيرا في تلك المعركة، لذا لم أستطع بناء مصفوفة قويّة كفاية كما فعلت في باقي الملاجئ بما أنّ الأساس ضعيف حاليا.)

(لقد تتبّعتُ وريد الطاقة الذي ربطه بها المعلّم، واكتشفت أنّها ما زالت تحتاج لوقت أطول حتّى تترمّم كلّيّا نظرا إلى الطاقة المتدفّقة في الوريد.)

أجابت أنمار مباشرة: (حسنا، سأرتحل إلى الأكاديميّة بعدما أوجّه سكّان المدينة إلى أقرب ملجأ.)

أومأ باسل رأسه: (جيّد، ستلتقين هناك بأقربائك، فالوضع سيكون أفضل لو اجتمعتم معا.)

أصبحت أنمار قريبة من عائلة كريمزون لدرجة أنّها لم تعد تشعر بالغرابة في عدّهم عائلتها.

(أحقّا لا يمكنك الانضمام لنا؟)

أرادته أنمار أن يكون معهم حقّا.

(لا يسعني فعل ذلك، يجب عليّ الاستحواذ على روح الوحش الروحيّ هنا حتّى يمكنني تقليل الأضرار بشكل أكبر.)

(لا تجعلْني أنتظر!)

(سأنجز الأمور بأسرع ما لديّ.)

(عدني أنّك ستعود إليّ.)

(لا يهم الزمان أو المكان، فسأتجاوز ولو آلاف السنين وأخترق العوالم وأعود إليك.)

ضحكت أنمار، لكن نبرة صوتها تغيّرت فبدت حزينة: (لا داعٍ لكلّ ذلك وفقط عد إليّ بسرعة، فالافتراق عنك لآلاف السنين معذِّب ولو أمكنني تحمّله.)

(سأحرص على ذلك!)

تكلّمت أنمار: (مع السلامة، وإلى اللقاء.)

شعر باسل أنّها بكت بينما تقول ذلك: (لا تقلقي، سأعود بسرعة. إلى اللقاء.)

تنهّد وسرح بأفكاره لمدّة حتّى وجد نفسه ينادى مرارا وتكرارا من طرف الجنرال منصف، فخرج من الخيمة بعدما جمع شتات نفسه: "ماذا هناك يا أيّها العمّ منصف؟"

"لا شيء عاجل يا حليفنا، أردت رؤية وجهك والتكلّم معك قليلا فقط بما أنّه اليوم الأخير قبل أن نفترق."

ابتسم باسل وقال: "لقد وجدتني أنوي الاتّصال بالكبير أكاغي، لذا ما رأيك أن نتحدّث معه؟"

ابتسم الجنرال منصف: "فكرة رائعة!"

تحرّكا نحو السهول التي كان باسل يمضي أوقاتا فيها من حين إلى آخر، فجلسا ومدّ باسل قبضته اليسرى التي على سبّابتها خاتم التخاطر، فاستعجب الجنرال منصف: "ماذا هناك يا أيّها السيّد الشابّ؟"

"افعل ما أفعل، سأربط اتّصالنا حتّى نستطيع التحدّث معا في نفس الوقت مع الكبير أكاغي."

اتّسعت عينا الجنرال منصف لكنّه هدأ بسرعة: "أظنّ أنّه لا يجب أن أتفاجأ بما تفعله بعد كلّ ما سبق ورأيت."

كان هذه إحدى قدرات الحكمة السياديّة التي شغّلت التحكّم الحكيم السليم، فإدريس الحكيم استطاع ربط روحه ببحر روح باسل سابقا، لذا كان ربط خاتما تخاطر شيئا في غاية السهولة حتّى على باسل.

***

بالعودة إلى قصر عاصمة إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، كان الكبير أكاغي في غرفته رفقة زوجته، ولكن لا أحد منهما استطاع النوم هذه الليلة لكثرة مواضيعهما.

(أووه، أو لست حليفنا باسل! يبدو أنّ الأمر استحقّ بقاءنا مستيقظين هكذا بعد كلّ شيء.)

(أنا موجود أيضا هنا يا حماي.)

(إيه؟)

استغرب الكبير أكاغي وتفاجأ بسبب صوت الجنرال منصف الذي رنّ في عقله فجأة، لكنّه فهم ما يحدث أخيرا بعدما شرح له الجنرال منصف الأمر بحماس.

(هكذا إذا، مفاجآت حليفنا لا تنتهي حقّا. على كلّ، هل قرار عودتكم غدا لم يتغيّر؟)

(أجل يا حماي. أه، يا حماي، أريد سؤالك عن سكارليت وكارماين، كيف حالهما؟ إنّ بالي غير مرتاح مذ سمعت أنّها غابت عن الوعي عندما سمعت بخبر اقترابي من الموت.)

(لا تقلق يا صهري، لقد طمأنتها حتّى نسيت ما سمعت. أمّا كارماين، فهو يتعلّم السحر على أفضل معلّم هنا بإرشادات حليفنا كعادته، ولم يعلم عمّا حدث.)

(شكرا لك يا حماي.)

(يا أيّها الكبير أكاغي،) تحدّث باسل هذه المرّة: (أعتمد عليك في الاعتناء بعائلتي، واحرص على ألّا تشعر بالغربة. يمكنك أن تمنحهنّ بيتا صغيرا يشبه الذي في مدينة العصر الجديد حتّى يشعرن بالراحة، فأمّي تحبّ البساطة.)

ضحك الكبير أكاغي: (هاهاها، إنّك ما تزال كما كنت دائما عندما يتعلّق الأمر بأمّك يا حليفنا. لا تقلق، سأحرص على راحتهنّ.)

طال حديث الثلاثة حتّى اقترب وقت العصر في القارّة، فافترق باسل والجنرال منصف بعد ذلك.

زار كعادته مطابخ المخيّم وضحك مع الجنود وخفّف من التوترّ الذي اختفى تقريبا بمرور الأيّام.

عاد إلى خيمته أخيرا عند الغروب واتّصل: (أما زلت تذكرني يا تورتش؟)

(هاهاها، وهل هناك أحد يستطيع نسيانك يا سيّدي؟)

كان هذا تورتش قائد قادة تشكيل الجنرال الأعلى لإمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة.

(لا أتوقع من كلّ شخص أن يملك ذاكرة مثل ذاكرتي.)

ضحك تورتش مرّة أخرى واستمتع بحديثه مع باسل.

قضى باسل بقيّة الليلة في التحدّث مع بقيّة قادة التشكيل وأخوي القطع والحارس جون، وكلّ من كانت له علاقة قريبة به.

تنهّد بينما يمتدّ على سريره وأغمض عينيه واستمتع بنموه تلك الليلة حتّى حلّ الفجر وحان وقت المغادرة.

كان باسل قد ودّع الجميع بالفعل، لكنّ الجنرال رعد جاء وقال: "هل تحتاج لبعض الإزعاج قبل أن نفترق يا أيّها الفتى القرمزيّ، فمزاجي جيّدا كفاية لفعل ذلك من أجلك."

ابتسم باسل والتفت ثمّ غادر، تاركا وراءه بعض الكلمات: "قد تحفّزني على إزعاجك، ولا وقت لدينا لمناوشاتنا المعتادة. هيّا، انصرف بسرعة فوجهك مزعج كفاية."

تنهّد الجنرال منصف ثمّ استدار وغادر.

انتظر باسل في السهل الذي امتلأ بزهور دوّار الشمس، حتّى بدأت تختفي ظلال السحرة من مرأى عينيه خلف السهول والجبال، ثم استدار وقال، بوجه عازم أكثر من أيّ وقت مضى: "والآن، لنذهب لنسرق بعض الأشياء الجيّدة."

***

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2019/10/24 · 658 مشاهدة · 1761 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024