246 - ذوو الشأن الكبير

246 – ذوو الشأن الكبير

كانت أكاديميّة الاتّحاد العظمى عبارة عن حصن منيع تجاه الوحوش السحريّة، لذا كانت تُعدّ من أفضل الملاجئ في العالم الواهن. اجتمع في هذا الملجأ العديد من الشخصيّات المهمّة، بدءا من كبار التجار وصولا للأباطرة الثلاثة.

العديد من الأشخاص استغلّوا هذه الفرصة من أجل توطيد علاقاتهم مع ذوي الشأن في العالم، لذا كانت التجمعّات والحفلات قائمة طوال تلك الأيّام.

كان الجبل المركزيّ يعجّ بالبنايات التي اتّصلت ببعضها كجذوع شجرة لتلتقي أخيرا في قمّة الجبل حيث كانت قاعة الأكاديميّة المركزيّة.

لم يُسمح لأحد بالدخول إلى هذه القاعة سوى بتصريح مخوّل من أسياد الأكاديميّة الثلاثة المنتخبون، والذين كانوا الجنرال كاميناري رعد من إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، وأزهر زهير من إمبراطوريّة الأمواج الهائجة، والجنرال تشوسي كروز من الإمبراطوريّة الريّاح العاتيّة.

كان هناك اقتراح أن يضاف سيّد رابع من القبائل، لكنّهم لم يقدّموا أيّ شخص حتّى الآن. لم يسع زعمائهم أن يتخلّوا عن مسؤوليّاتهم، ولم يحدّدوا شخصا مؤهّلا لحمل تلك المسؤوليّة حتّى الآن.

كان سادة الأكاديميّة مختلفين نوعا ما عن طلّابها. بينما كان انتماء الطلّاب لأوطانهم أقوى من انتمائهم للأكاديميّة، كان السادة الثلاثة مقيّدين بالأكاديميّة ومخلصين لها كلّ الإخلاص، وكانت علاقتهم بها أقوى من علاقتهم بأوطانهم.

كانوا أشخاصا اختيروا خصّيصا لحمل هذه المسؤوليّة التي تطلّبت منهم تفضيل الأكاديميّة ومصالحها على أوطانهم الخاصّة. استطاعوا أن يقدموا على مثل هذا الفعل فقط لأنّ فعل ذلك عنى حمايتهم عالمهم أجمع وليس أوطانهم فقط نزرا لكون الأكاديميّة بُنِيت من أجل ذلك الغرض.

كانت قاعة الأكاديميّة المركزيّة مجهّزة بطاولة مستديرة بثلاث كراسي كانت حروفها مزخرفة بتنّين وعنقاء يتقابل وجهاهما على قمّة كلّ كرسيّ، وفي ظهر كلّ كرسّي كان هناك شعار مثل الذي كان منقوشا على وجه الطاولة المستديرة.

كان هذا الشعار عبارة عن دائرة سوداء بوسطها نقطة بيضاء، وأحيطَت بأربعة عشر دائرة زرقاء اللون يصل حجم كلّ واحدة منها إلى عُشر حجم الدائرة السوداء، وارتبطت كلّ دائرة صغيرة بشبيهتها وبالدائرة الكبرى عبر شريط له نفس الزرقة. فبدا الشعار كالزهرة في النهاية.

كانت الكراسي فارغة في الوقت الحالي، وذلك لأنّ الأشخاص الثلاثة الذي من المفترض أن يجلسوا عليها كانوا مشغولين مع الأشخاص الذين يملؤون القاعة المركزيّة من الشخصيّات المهمّة التي استطاعت أن تلجأ إلى الأكاديميّة.

في ليلة من الليالي، عمّت الأحاديث المكان، وبالطبع كان هناك همسات عن بعض الأشخاص البارزين: "انظر، إنّه التاجر ناصر."

تفاجأت بعض المجموعات: "ذلك هو التاجر ناصر المشهور؟"

كان التاجر ناصر ما يزال يرتدي لباسه العادي كتاجر بسيط، إلّا أنّه كان هناك عمامة على رأسه ولحية خفيفة جعلته يبدو أكبر من عمره وأكثر رزانة.

"لقد سمعت أنّه الشخص الذي يتكلّف بأعمال تشكيل البطل القرمزيّ، دون ذكر الإشاعة التي تقول أنّه التاجر الأكثر ثراء في العالم بعدما كان أوّل شخص يضع يده على كلّ منتوج جلبه البطل القرمزيّ إلى عالمنا."

قال شخص آخر: "وليس ذلك فقط، بل حتّى أنّه الشخص الذي يدير أعمال عائلة كريمزون الإمبراطوريّة."

تغيّرت أنظارهم فجأة لمّا لاحظوا بعض الأشخاص: "انظر، إنّهم الورثة الواعدين من إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة."

ركّزوا أنظارهم هذه المرّة على مجموعة تكوّنت من خمسة أشخاص؛ كان أوّلهم شخصا صاخبا: "كاكاكا، لقد أتيت، أنا سيّد الظلام العظيم، كورو هيسي لمقابلة القائد باسل، لكنّه غير موجود، فأين لي أن أجد غريما مناسبا لي؟"

ضربته امرأة سوداء الشعر كالحبر على رأسه: "ألن ينمو ذكاؤك مهما ضربتك يا أيّها الشقيّ؟"

حكّ كورو هيسي رأسه من الألم وردّ: "كفّي عن هذا يا عمّتي يامي، فلقد بلغت من الذكاء ما لم يبلغه بشر بالفعل، ولا يمكن أن يزيد أكثر من ذلك."

كان هذا هو وريث عائلة كورو، وعمّته يامي التي كانت تتصرّف كمرشدته في غالب الأحيان.

"يا للعجب،" اقترب رجل بشعر أبيض من كورو يامي بينما يفرك كتفه بكتفها ويحاول تقديم وردة حمراء لها: "لا داعٍ لأن تزعجي نفسك معه يا عزيزتي. لمَ لا تسخّري طاقتك من أجل حبيبك هنا؟"

دفعته كورو يامي متقزّزة: "لا تقترب منّي يا أيّها المنحرف."

تنهّد الرجل: "آه، يا للعجب، لقد أخبرتك مرارا أنّ اسمي هو كين نبيل، لمَ يجب أن تكوني بهذا الخجل حتّى أنّك لا تستطيعين نطق اسمي؟"

تجاهلته كورو يامي كما لو أنّه لا يوجد وحاولت الحفاظ على المسافة بينها وبينه. لقد كانوا مجتمعين ليتكلّموا عن بعض المسائل التي تتعلّق بعلاقات عائلاتهم الداخليّة والخارجيّة، لكنّهم لم يتقدّموا في ذلك حتّى الآن.

نظر كورو هيسي إلى الشخص الرابع الذي يقف على سارية بجانبهم، منعزلا عنهم. كان يلفّ وشاحا على عنقه ويغطّي به نصف وجهه، وكانت عيناه حادّتين.

قال له كورو هيسي: "ما بالك تنعزل بنفسك هكذا يا أيّها المقلّد؟ ألم تأتِ لأنّك أردت مناقشة الأعمال المشتركة بيننا أيضا؟"

حملق إليه الرجل ولم يجبه؛ لقد كان واضحا أنّه لا يطيق كورو هيسي من النظرات المنزعجة التي اعتلت وجهه.

ارتفع حاجب كورو هيسي واقترب منه: "اسمعني يا أيّها المقلّد، ليس كما لو أنّني أريد التعاون معك أيضا، ولكن هذا من أجل المصلحة المتشاركة بيننا. كف عن تصرّفك الوقح هذا وانضم لنا حتّى نبدأ ما جئنا من أجله."

اتّسعت عينا وفم كورو يامي من شدّة الدهشة؛ تعجّبت تماما من الكلام المعقول الذي قاله كورو هيسي.

حملق إليه الرجل المنعزل وقال: "أنا أقف هنا لأنّني رأيت أنّ المحادثة لن تبدأ وأنت تصرخ وتفتخر بنفسك. سأنضمّ لكم عندما أرى أنّ هناك نقاش جادّ قد بدأ."

كاد كورو هيسي ينفجر غضبا بعدما ارتفع ضغط دمه، لكنّ كورو يامي أوقفته بوضع يدها على كفته وتدخّلت: "لا بأس، سنتحدّث في المواضيع الجدّيّة الآن، لذا لمَ لا تنضمّ لنا يا قائد السنبلة الخضراء؟"

كان الرجل المنعزل هو قائد فرقة السنبلة الخضراء الحالي. لقد كان اليد اليمنى للجنرال رعد، قائد الفرقة السابق، لمدّة طويلة، وظلّ مخلصا ووفيّا له إلى الآن؛ حتّى أنّه قد أتى إلى هذا الملجأ وترك فرقته تعتني بالملجأ في العاصمة بدونه لأنّه أراد أن يكون قرب كاميناري رعد.

كانت علاقة هذين الاثنين كالعلاقة بين أخوين إذْ كان يين يينغ يتطلّع إلى الجنرال رعد كأخ أكبر له ويحترمه بشكل كبير، مع العلم أنّ العلاقة بينهما عندما التقيا أوّل مرّة كانت بعيدة عن وضعهما الحالي كلّ البعد.

حملق إلى كورو يامي وتنهّد ثمّ تقدّم نحو الثلاثة دون أن ينبس ببنت شفة.

كان كورو هيسي منزعجا من طريقته في التصرّف، لكنّه تمالك نفسه فجعل كورو يامي تندهش من تصرّفه الناضج الذي لم يكن على عادته.

ضربته على رأسه وقالت: "يبدو أنّك نضجت قليلا دون ملاحظتي."

نظر كورو هيسي إلى الأسفل ثمّ سها لبعض من الوقت قبل أن يرفع رأسه عاليا ويضحك بصوت مرتفع: "كاكاكا، ما الذي تتحدّثين عنه يا عمّتي يامي، لقد كنت وما أزال سيّد الظلام العظيم. إنّك فقط تحبّين ضرب رأسي."

نظرت كورو يامي إليه ولاحظت شيئا غريبا في تصرّفه. أحسّت أنّه يتصنّع الغباء والبلاهة هذه المرّة على غير سجيّته. فكّرت في الأشياء التي يمرّ بها حاليا، فاستنبطت أنّ الأمر له علاقة بالخلافة.

لم يسعها سوى أن تتمتم لنفسها: "هيسي، أنت... يبدو أنّك كنت تفكّر في الأمر بجدّيّة لوحدك لمدّة طويلة."

أحكمت قبضتها وعزمت على مساندته، كونها كانت تعلم المسؤوليّة الكبيرة التي تقع على كتفيه. لقد كان الرئيس القادم لعائلة كورو، والآن بعدما أصبح العالم على حاله الحاليّ، صارت الأوضاع جدّيّة كثيرا وتتطلّب رؤساء يمكنهم قيادة الناس بشكل فعّال أكثر من أيّ وقت مضى من أجل مواجهة الأخطار التي تجول حولهم.

أمّا الشخص الخامس، فقد كان مارون زونغ، خليفة عائلة مارون. لقد كان هو الوحيد الذي بدا هادئا بشكل طبيعيّ. لم يكن لديه ما يقول حتّى الآن فظلّ صامتا حتّى بدأ النقاش الجدّيّ بينهم.

كانت أنظار الناس قد تغيّرت وجهتها بالفعل؛ كانوا يحدّقون إلى الأشخاص الخمسة الذين دخلوا فجعلوا القاعة بأكملها تتحدّث عنهم.

"انظروا، إنّهم قادة تشكيل بطل البحر القرمزيّ."

"السيّد تورتش، الهلال الملتهب."

"السيّد شينشي، الكفن الناضب."

"السيّد برودي، الدم البارد."

"السيّد فانسي، سيّد الخداع."

"السيّدة شي يو، العقل الصافي."

"السيّدة شي يو تُعدّ مخطّطةَ التشكيل الاستراتيجيّةَ ومعالجتَه، والتي يقال عنها أقوى ساحرة علاج في العالم حاليا."

"السيّد فانسي يشتهر بغوره الذي لا يسبر، إذ لا يستطيع أحد تخمين خطوته القادمة أو الخدع التي يكيّدها."

"السيّد برودي الذي قورِنت قوّته بشفرة الجليد، كين نبيل، في أغلب الأحيان، إلّا أنّ شخصيّته هادئة ورزينة على عكس الآخر."

"السيّد شينشي الذي يدفن أعداءه أحياء."

"السيّد تورتش الذي لا تُقارن مهارته في القوس، إذ جعل منها شيئا لا يستطيع أغلب الجنرالات مجاراته."

أعلن بعض الأشخاص عن أسماء قادة التشكيل وألقابهم وما يشتهرون به واحدا تلو الآخر. لقد كانت شهرة هؤلاء الخمسة كبيرة للغاية خصوصا بسبب التأثير الذي يخلّفه باسل، سيّد التشكيل.

استمرّت الاحاديث حولهم: "إنّهم حقّا أساطير حيّة بيننا. لقد سمعت أنّهم قد بلغوا المستوى الثالث عشر بالفعل."

استغرب شخص آخر: "ماذا؟ لقد سمعت أنّهم قد وصلوا إلى المستوى الرابع عشر منذ مدّة."

تدخّل شخص آخر: "الثالث عشر أم الرابع عشر، هذا لا يهمّ، ما يهمّ هو حضور بطل عالمنا من عدمه. هل سيأتي أم جاء بالفعل نظرا لحضور قادة تشكيله؟"

"معك حقّ، ليس هناك الكثير من الفرص للقاء شخص مثله. سأسعد كثيرا ولو بالحديث معه فقط؛ لا تعلم كم يمكن أن تستفيد من دردشة بسيطة معه."

كان هذا الشخص ساحرا من إمبراطوريّة الأمواج الهائجة، ووريثا لعائلة نبيلة رئيسها أحد الجنرالات، لذا كان متشوقا لرؤية باسل.

هزّ رفيقه رأسه وقال: "أظنّ أنّه ما يزال في قارّة الأصل والنهايّة. إنّني حقّا متعجّب من بقائه هناك لوحده بعدما ما سمعنا عمّا حدث مؤخّرا هناك. آمل أن ينجوَ بلحمه سالما من ذلك المكان؛ قد تكون تلك القارّة هي المكان الذي يجب أن نحتاط منه بحرص شديد عند التحوّل الروحيّ لعالمنا بعد كلّ شيء."

"معك حقّ! ولكن هذا ما يجعله غامضا ومثيرا للاهتمام أكثر. فبالإضافة إلى كلّ الأساطير التي سمعناه عنه، ما زال يستمرّ في صنع أساطير أخرى. قد لا يرى عالمنا موهبة مثله إلّا بعد عصور، هذا إن كانت موهبة مثله ستظهر أصلا."

"لا شكّ في هذا..."

استمرّت الدردشات بين الحاضرين على هذا الحال، وفي هذه الأثناء لاحظ التاجر ناصر قادة التشكيل مثل أقرانه واقترب منهم ليمضي معهم بعض الوقت، فعلى ما يبدو قد مرت مدّة لا بأس بها منذ آخر مرّة رأى فيها بعضهم بعضا.

بقي الوضع على ذلك الحال حتّى حضر ضيوف الشرف أخيرا، فالتفت الجميع وألقوا التحيّة بانحنائهم قليلا للمجموعة الكبيرة التي تقدّمها ثلاثة رجال، أحدهم يبدو عجوزا نوعا ما ولكن بجسد قويّ وحيويّ، والثاني يبدو في منتصف العمر بندبة على طول جبهته العريضة بتعبير شرس يعتلي وجهه، والثالث كان رجلا شابّا يصغر الثاني عمرا بقليل وبدا وجهه ناضرا.

"انظر، إنّهم الأباطرة وعائلاتهم مجتمعين. نادرا ما ترى مثل هذا المنظر. انظر إلى كلّ الهيبة التي تحيط بهم. يجعلونك ترى الفارق بينهم والآخرين فقط بتصرّفاتهم الملكيّة. تلك هيبة لا تُكتسب عند الولادة، ولكن من خلال الحياة."

كان حضور مجموعة الأباطرة بارزا للغاية.

تحمسّ الكثير من الأشخاص: "يا إلهي! إنّهما زهرتا القمر والشمس! هل حقّا هما بشريّتان من عالمنا هذا؟ كيف للشخص أن يكون جميلا وجليلا هكذا؟"

"الآن فهمت لماذا يقول بعض الأشخاص أنّهم لا يستطيعون وصف امرأة أخرى بالجميلة بعد رؤية هاتين الاثنتين. لو كانتا هاتان جميلتان، فكيف يمكن لامرأة أخرى أن توصَف بمثل ما وُصِفا به؟"

كانت أنمار ترتدي أحد فساتينها السوداء، والذي كانت حوافّه مزيّنة بزخرفة ذهبيّة بسيطة على شكل شعلات ناريّة فبدت كعنقاء ملتهبة تجسّدت على شكل إنسان، وارتدت شيرايوكي فستانا أزرق اللون جعلها تبدو كزهرة تفتّحت في أراضي الصقيع تحت ضوء القمر.

"إنّهما حقّا زهرتا القمر والشمس! أحسنَ الوصف من لقّبهما."

مرّت أنظار الحاضرين على الجميع، لكنّهم لاحظوا بعض الأشخاص الذين لم يعلموا عنهم شيئا.

حدّقت مجموعة في إحدى الزوايا إلى فتاة تبدو بالثانية عشر من عمرها، ذات شعر أزرق فاتح مثير للانتباه، وعينين حمراوين نادريْن، ووقار ينبعث من جسدها كما لو أنّها مخلوق سامٍ.

تعجّبوا من سناءِ صفاء الذي تراءى بينهم كما يتجلىّ البدر في ظلمة السماء: "من تلك الفتاة؟!"

***

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائيّة أو نحويّة.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2019/12/25 · 676 مشاهدة · 1818 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024