247 – منافِسة؟

تساءل العديد من الأشخاص، وبالطبع كان من بينهم مَن امتلك بعض المعلومات: "لقد سمعت أنّها أختُ توابعٍ للبطل القرمزيّ؛ يبدو أنّه يعاملها بحرص ومعزّة لسبب ما، ونظرا لكونها قد أتت مع الأميرة أنمار، فأظنّ أنّ ذلك صحيح."

تعجّب أحدهم: "بطل البحر القرمزيّ يعزّها؟ هل يمكن أنّ هناك علاقة بينهما غير العلاقة التي ذُكِرَت آنفا؟ فكما أرى، إنّها تملك شعرا لم أرَ مثله من قبل كما لو أنّه جريان من الطاقة السحريّة الخالصة، وعينيْن بحمرة ملتهبة تبدوان مثلما وُصِفت به عينيْ بطل عالمنا. إنّني أشعر من ناحيّتها بطاقة سحريّة لم أشهد لها نظيرا في حياتي."

ردّ الشخص الذي يملك المعلومات بهذا الشأن: "لقد بحثتُ لوقت طويل عن أصل بطلنا، واكتشفت أنّه له علاقة بعشيرة النار القرمزيّة التي كان يشاع عن وجودها تحت جناح عائلة كريمزون."

نظر إلى الفتاة الصغيرة بعمق وأكمل: "ولكن... ما عرفت هو أنّ أعضاء العشيرة يتميّزون بالشعر القرمزيّ والعينين الحمراوين وعنصر النار، أمّا هذه الفتاة فلا تملك على الأقلّ صفة الشعر المذكورة."

حلّل أولئك الأشخاص الوضع بينما اكتفى آخرون بالاستمتاع بحضور العائلات الإمبراطوريّة.

كانت صفاء تقف بجانب أنمار لكنّها لم تقترب منها كثيرا، إذ كان واضحا أنّهما لم تتحدّثا بشكل لائق حتّى الآن. فالفتاة الصغيرة قد أتت لتوّها ومباشرة اصطُحِبَت إلى هنا. كان أخواها غائبين بعدما أخبرا أنمار أنّه لا يجوز لهما أن يكونا بين أولئك الشخصيّات المهمّة، لكنّ أنمار أصرّت على حضور الثلاثة وكنتيجة لعناد الأخوين حضرت الأخت الصغيرة فقط.

وبسبب هذا كانت متوتّرة حاليا، لا تعلم ماذا تفعل أو أين توجّه نظرها. أحسّت بالضغط من كثرة النظرات التي سقطت عليها محاولةً تحليلها، واستطاعت الشعور بالغيرة القادمة من بعض الأشخاص الذين تمنّوا لو كانوا في مكانها.

التفتت أنمار لتجدها متجمّدة في مكانها، فتحرّكت نحوها ببطء قبل أن تنحني لتستوي أعينهما، فحدّقت إلى الفتاة التي لا تعلم ماذا تفعل بجسدها، وربّتت على رأسها ثمّ قالت: "هل قابلتِ باسل؟"

كانت صفاء تنظر إلى الأسفل حتّى الآن، فرفعت رأسها لمّا سمعت اسم باسل ونظرت إلى عينيْ أنمار بإشراق يعتلي وجهها: "هل تعلمين أين هو الأخ الأكبر باسل؟"

كانت متحمّسة بشأن سؤالها كما كان واضحا مدى اشتياقها للقائه. لقد التقت به عندما أنقذها وأثار اهتمامها خصوصا بعدما نادياه أخواها بسيّدهما، أخواها العنيدان اللذان لم يكونا ليقبلا بأحد كسيّد لهما قطّ، لكنّ اهتمامها به زاد لدرجة كبرى بعدما سمعت من أخويّْها عن الجهد الذي بذله في إنقاذها وعن قصصه وأساطيره.

ابتسمت أنمار وقالت: "باسل ليس موجودا حاليا هنا، لكنّه سيأتي في وقت لاحق. أتعلمين عنّي؟"

خاب أمل صفاء لكنّها أجابت أنمار مع ذلك بإيماءة منها، ثمّ شبكت أصابع يد مع أصابع اليد الأخرى وعادت لحالها السابق.

أضافت أنمار: "هل تعلمين لمَ أتيتُ بكِ إلى هنا؟"

أجابت صفاء بهزّ رأسها يمينا وشِمالا.

أكملت أنمار مجيبة عن سؤالها الخاصّ: "ذلك حتّى يعلم كلّ شخص مهمّ في هذا العالم عن أهمّيتك لنا. لقد أخبرني باسل أن أعتني بك جيّدا، ولهذا أريد من الحاضرين أن يعلموا أنّني وباسل بنفسه ندعمك، حتّى لا تحتاجي للمرور بما مررت به سابقا."

كانت نظرات أنمار متعاطفة مع صفاء؛ لقد علمت ما مرّت به الفتاة الصغيرة من جحيم لا يطاق. كان يُستخدم عادةً في العمليّة التي نُفِّذَت عليها حجر أصل ودماء لوحش سحري بالمستوى الأوّل فقط، ولكن في حالتها قد استُخدِم حجر أصل ودماء وحش سحريّ بالمستوى الرابع عشر. كان العذاب التي مرّت به رفقة من ماتوا قبلها هو ما جعل باسل يفقد أعصابه لدرجة عذّب فيها غرين شارلوت وأخيها غرين هيملر بتلك الطريقة في السجن المركزيّ.

كانت أنمار تعلم أنّ باسل يهتمّ بصفاء لمختلف الأسباب، ففي الأوّل اهتمّ بها بسبب وعده مع أخويها، ولكن مع الوقت صار متعاطفا معها، ثمّ في الأخير وجد أنّ التحوّل الذي مرّت به علاقة بطريقة ما بما حصل لسلف عشيرة النار القرمزيّة، كريمزون، وارتفعت قيمتها عنده كونها موهبة استثنائيّة.

نظرت صفاء إلى أنمار بينما تلعب بأصابعها: "هل حقّا أنت خطيبة الأخ الأكبر باسل؟"

ابتسمت أنمار كما لو كانت فخورة بذلك، وفقدت رشدها لوهلة من السعادة التي نتجت عن سماعها لكلمة 'خطيبة'، وقالت بفرح: "نعم، باسل خطيبي، وسنتزوّج مستقبلا."

نظرت صفاء إلى الأسفل كما لو أنّها تفكّر في شيء ما، وبدا كما لو أنّها تستعدّ لقول شيء يثير توتّرها: "أنـ... أنا أيضا."

كانت أنمار غارقة في السعادة ولم تفهم ما قصدته صفاء، فأمالت رأسها بينما تتّكئ على يدها اليمنى التي وُضِعت تحت ذقنها: "أمم، ماذا قلت يا صفاء الجذّابة؟"

"كما قلتُ،" صرخت الفتاة الصغيرة كما لو أنّ حياتها تعتمد على ذلك: "أنا أيضا أريد أن أكون زوجة الأخ الأكبر باسل."

أثارت انتباه بعض الحاضرين بذلك لكنّهم لم يفهموا ما كان يحدث واستغربوا ممّا قالته لتوّها.

لم تتغيّر ابتسامة أنمار أو وضعيّتها، لكنّ الجوّ المحيط بها أصبح متشائما نوعا ما، ولاحظ بعض الأشخاص الأكفاء أنّ هناك نيّة قتل من ناحيّة أنمار بالرغم من أنّها كانت تحاول السيطرة عليها قدر المستطاع حتّى لا تتسربّ منها.

سألت أنمار مرّة أخرى بنفس التعبير: "هل سمعتُك للتوّ تقولين أنّك تريدين أن تكوني زوجة باسل؟"

احمرّ وجه صفاء أكثر بعدما كان ورديّا من الخجل، وصارت أذناها كحبتيْ طماطم، وأجابت بتردّد ولكن بصوت ارتفع بشكل تدريجي: "صـ-صحيح، أنـ-أنا أحبّ الأخ الأكبر باسل."

تزعزعت حافّة فم أنمار المبتسم، ووقفت بينما يعتليها ذلك التعبير طوال الوقت، كما لو أنّ وجهها تجمّد من الصدمة. لقد كانت تحافظ على هدوئِها في كلّ الأوقات، ولكن عندما كان يرتبط الأمر بعلاقتها بباسل، كانت تفقد عقلها.

بدأت نيّة قتلها تتسرّب منها رغم محاولتها قمعها، فأحسّ بعض الأشخاص في القاعة بالقشعريرة دون أن يعلموا السبب، سوى بعض الأشخاص الاستثنائيّين.

التفت قادة التشكيل بشكل مفاجئ وحدّقوا إليها مستغربين ومندهشين: "ما الذي يحدث للسيّدة أنمار؟! هل تنوي قتل أحد هنا أم ماذا؟!"

حدّق تورتش إليها ثمّ قال: "هيّا، فلنسرع ونرَ ما يحدث. يجب أن نوقف أيّ حدث خطير قد يصيبها."

تحرّك قادة التشكيل في اتّجاهها مع حفاظهم على هدوئهم قدر المستطاع حتّى لا يثيروا الانتباه لأحد، كما لو أنّهم ذاهبون للقاء أنمار بشكل طبيعيّ.

حدّق سادة الأكاديميّة الثلاثة والأباطرة وشيرايوكي إلى أنمار محاولين اكتشاف سبب إطلاقها نيّة قتلها بهذا الشكل.

اقتربت شيرايوكي من أنمار وسألتها: "ما الخطب يا أنمار؟"

لم تجبها زهرة الشمس التي أصبحت ابتسامتها التي لم تتغيّر تظهر بشكل مخيف بسبب النيّة المرعبة خلفها.

لاحظت شيرايوكي أنّ أنمار تنظر إلى صفاء التي تقف أمامها مباشرة، فحاولت اكتشاف ما يحدث، لكنّها لم تستطِع الوصول لاستنتاج معقول. فقط ما الذي فعلته هذه الطفلة حتّى تجعل أنمار غاضبة هكذا؟

تحرّكت أنمار خطوة للأمام، ولكن صفاء كانت تنظر إليها مباشرة غير خائفة أو متردّدة، ومن يعلم ما إذا كان ذلك بسبب شجاعتها أو جهلها، لكن عيناها كانتا شاخصتين.

كانت المسافة بينهما تقاس بخطوة فقط قبل أن تخطو تلك الخطوة للأمام، لذا كانت أنمار حاليا تنظر إليها وهي ملتصقة بها، ولكن قبل أن تُقدِم على شيء، ظهر شابّ بوجه طفوليّ أمامها وجعل صفاء وراءه ليفصلها بذلك عن أنمار.

حملق إلى أنمار ثمّ قال: "ما الذي تنوين فعله الآن يا أيّتها الأميرة؟"

"من؟ من هذا؟"

"من ذلك الشخص؟"

"لقد ظهر من العدم فجأة ويجرؤ على مواجهة الأميرة بدون احترام."

تحرّك أربعة حرّاس كانوا يحرسون بوّابة القاعة بسرعة عندما لاحظوا ذلك الشخص يظهر من العدم: "ما الذي تفعله هنا يا أيّها الوقح؟ فلتتراجع وابتعد عن سموّ الأميرة!"

وجّهوا رمحاهم الأثريّة تجاهه، والتي كانت من الدرجة السادسة، لذا كان واضحا أنّ هؤلاء الحرّاس كانوا سحرة بالمستوى الحادي عشر على الأقلّ.

تجاهلهم الشابّ وركّز بدل ذلك نظره على أنمار، والتي لم تتغيّر تعبيراتها حتّى الآن. بقي الوضع على ذلك الحال لمدّة طويلة فتعرّق بعض الأشخاص من التوتّر الحاد الذي ولّده الوضع. كادت الشرارات تتطاير بين الاثنين فقط بوقوفهما هناك يحملقان إلى بعضهما بعضا.

فتحت أنمار عينيها أخيرا واختفت تلك الابتسامة عن وجهها، وتبدّدت نيّة قتلها التي كانت تكبحها، ثمّ نظرت إلى الحرّاس وقالت بحزم: "تراجعوا، إنّه ضيف لديّ."

حدّق الحرّاس إليها وقال أحدهم: "ولـ... ولكن يا سيّدتي..."

لقد شعروا بالعداوة التي صدرت من ناحيّة الشابّ، لذا لم يستطيعوا تصديق كونه ضيف لدى الأميرة.

نظرت أنمار شزرًا إلى الحارس الذي استفهم أمرها، فصعدت القشعريرة معه لمّا رأى حدقتها تطلّ عليه من زاوية جفن عينها اليسرى، فاستقام بجسده وأعطى التحيّة بانحناءة سريعة واصطحب رفاقه نحو البوّابة بهرع.

نظرت أنمار بعد ذلك إلى الشابّ أمامها، ثمّ قالت: "لقد ظننت أنّ أخواها قد أخبراك أن تبقى بعيدا عنها، أو لم يفعلا يا أيّها العالم المجنون؟"

حدّق العالم المجنون إليها وقال بحزم: "اسمي هو أوبنهايمر فرانكنشتاين يا أيّتها الأميرة، ولو كنتُ قد بقيت بعيدا عنها كما التُمِس منّي، لكانت عاقبة ذلك وخيمة بحلول هذا الوقت."

حملقت إليه أنمار منزعجة: "قد أفقد رشدي في بعض الأحيان، لكنّني أعلم كيف أستعيده. لقد ترك باسل صفاء في رعايتي ووضع ثقته فيَّ، لذا يجب أن تعودَ من حيث أتيتَ."

حدّق فرانكنشتاين إليها ولاحظ أنّها قد هدأت بالفعل وانطفأت نيّة قتلها التي كانت تحاول إخفاءها، فنظر بعد ذلك إلى صفاء باهتمام بعدما تذكّر أنّها قد جابهت ضغطا لا يُستهان به للتوّ، وظلّت محافظة على هدوئها كما لو كانت في حضن أمّها.

نظر بعد ذلك مرّة أخيرة إلى أنمار ثم قال: "ليس كما لو أنّ حصوله على زوجة أو زوجتين أخريين بالأمر الكبير على أي حال، لا تكوني ضيّقة الأفق."

اختفى بعد ذلك من نظر الجميع دون أن يلاحظه أحد. لقد كان سريعا لدرجة مخيفة حتّى أنّه أفلت من مراقبة الجميع، وحتّى أنمار بالكاد استطاعت معرفة المسار الذي اتّبعه، ولم تقدر على ملاحظة صورته وهو يغادر.

نفخت وجنتها ثمّ قالت: "همف، كما لو أنّك تعلم شيئا عن الحبّ يا أيّها الوغد."

لقد قال فرانكنشتاين تلك الجملة فقط ليغيظ أنمار، وقد أصاب الهدف على ما يبدو.

نظرت أنمار بعد ذلك إلى صفاء وقالت بعدما اقتربت منها: "يبدو أنّ ترحيبي كان حارّا للغاية. آمل أن تعذريني يا صفاء."

كانت أنمار متأسّفة حقّا عمّا فعلته في حقّ الفتاة البريئة. لقد كان الأمر مختلفا تماما عن تلك المرّة التي دمرّت فيها الفتاة التي تقرّبت من باسل في قريتهما. آنذاك، حاولت الفتاة خداع باسل من أجل أخيها عثمان، ولكن هذه الفتاة الصغيرة ها هنا كانت نقيّة لدرجة أنّها لم تضع شيئا آخر في الحسبان عندما قالت ما قالت. علِمتْ أنّه يجب أن تتعامل مع صفاء بطريقة مختلفة.

ابتسمت صفاء وقالت: "عمّ تتحدّثين يا أيّتها الأميرة أنمار؟"

لقد كانت صفاء تحاول ادّعاء الغباء، ولكن في نفس الوقت كانت تخبر أنمار أنّ ما فعلته لم يكن شيئا في نظرها، ولم تتأثّر قطّ بذلك.

ابتسمت أنمار وقالت بعدما نفخت وجنتيها: "أنا لن أسلّمه لأحد، هل تفهمين؟"

أجابت صفاء محافظة على ابتسامتها تلك: "إنّك حقّا تحبّين الأخ الأكبر باسل يا أيّتها الأميرة أنمار، أستطيع أن أفهم ذلك بما أنّني أشعر مثلك."

كانت هذه الفتاة صريحة، وتعرف كيف تستخدم كلماتها بعناية دقيقة؛ فأنمار فهمت أن ما قصدته صفاء هنا هو أنّها أيضا تحبّ باسل بنفس الدرجة ولن تتخلّى عنه.

كان واضحا أنّ صفاء تتحدّى أنمار هنا، ولهذا حدّقت زهرة الشمس إليها بعينين تنظران إلى منافِسة: "أجْرُ الإقامة في عالمنا غالٍ."

ردّت صفاء بحزم: "أستطيع تحمّل الثمن."

***

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائيّة أو نحويّة.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2019/12/26 · 677 مشاهدة · 1710 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024