254 - أوّل ساحر روحيّ ضدّ أوّل وحش روحيّ

254 – أوّل ساحر روحيّ ضدّ أوّل وحش روحيّ

كانت هناك أسطورة في العالم الواهن من بين أساطير عدّة تتعلّق بالوحوش السحريّة المرعبة التي ترقد في قارّة الأصل والنهاية، وكان يُعتقد بأنّ فحوى هذه الأسطورة مجرّد خيال خالص بلا أيّ ذرّة من الصدق.

فالأساطير الأخرى مثل أساطير طائر الرخّ وطائر الفتخاء ونمر الضوء الخاطف والسلحفاة التنّينيّة كانت أقرب للواقع بعد شهادات من أشخاص زاروا القارّة وأقرّوا أنّهم وجدوا علامات توحي لوجود هاته الوحوش وحملوا معهم دلائل ولو بسيطة على ذلك، ولكن في المقابل تلك الأسطورة ظلّت محض أسطورة.

فبالرغم من أنّ هناك أقاويل تدور حول وجود ذلك الوحش، إلّا أنّه ليس هناك أيّ شهادات موثوقة وإنّما كلمات اعتُقِد أصحابها مجانين بعدما عادوا من القارّة.

وفي الواقع، كان هؤلاء الأشخاص ذوي نسب وأصل معلوم، إلّا أنّهم عندما عادوا كانت حالتهم العقليّة مزريّة وبدؤوا يمزجون الواقع بالخيال بسبب الصدمة التي مرّوا بها في القارّة، وبسبب ذلك لم تزن كلماتهم شيئا.

اختلفت الأقاويل والإشاعات عن هذا الوحش السحريّ، فأحد المجانين قال أنّه تنّين ينفث ويتغذّى على النيران، وآخر قال أنّه سحليّة مجنّحة تملك خواصّ التنانين، وآخر قال أنّه بدا كهجين بين عنقاء وتنّين، وآخر قال أنّه من فصيلة قريبة للتنّين إذْ امتلك ساقين وجناحين فقط على عكس التنانين التي تملك أربع سيقان وجناحين.

كلّ هذه الاختلافات جعلت من الأسطورة بلا أساس فهجر السحرة في العالم الواهن فكرة وجود هذا الوحش وأقرّوا بعدم صحّتها بتاتا، واعتقدوا أنّ كلّ شخص يعود من قارّة الأصل والنهاية يقول مثل هذه الأشياء مجنون.

وكما لو أنّهم مريضون بمرض ما، أعطِيَت لهذه الحالة اسما خاصّا، ألا وهي 'جنون التنين'.

وبالطبع، علم باسل عن هذه الأسطورة كأيّ ساحر في العالم الواهن، وعندما قاتل حشد الوحوش السحريّة بقيادة ذلك الوحش السحريّ الغامض في المرّة الأخيرة في هذه القارّة، بدأت الشكوك تتملّكه بشأن حقيقته، إلّا أنّ شكّه بالطريقة التي تحصّل بها على تلك الحكمة كان أقوى ممّا جعله يتناسى أصل الوحش السحريّ.

والآن، بعدما نودِيَ العديد من السحرة بالمجانين سواءً كانوا فعلا مجانين أم لا، أكّدت عينا باسل حقيقة تلك الأسطورة التي تناقلت لأجيال عديدة في العالم الواهن بدون أن يصدّقها أحد.

صدر صوت من الوحش: "كن فخورا يا بشريّ، إنّك أوّل بشريّ يرى شكلي الحقيقيّ بوضوح، بالرغم من أنّ شكلي الحالي يختلف عمّا كان عليه سابقا بكثير."

ابتسم باسل وقال: "فعلا، مثير للاهتمام. لم أكن أظنّ أنّني سأرى سلالة الوايفرن في العالم الواهن في الوقت الحالي قبل مرور سنين عديدة على التحوّل الروحيّ وحدوث طفرات في تطوّر الوحوش، أو على الأقلّ قبل أن تنتقل إلى هنا وحوش من العال آخر. حقّا مثير للاهتمام!"

حدّق باسل بعمق إلى الوحش الذي اتّخذ شكل التنين لكنّه كان أصغر حجما، وامتلك أربع سيقان إلّا أنّ ساقيه الأماميّتين كانتا قصيرتين كما لو أنّهما في طريق النموّ على عكس ساقيه الخلفيّتين اللتين بدتا ناضجتين، وغطّت قشور صلبة جسده من رأسه إلى حافّة ذيله.

كان لونه الأسود الحالك يدبّ الرعب في القلوب، وتوهّجت عيناه بضوء برتقاليّ كما لو أنّهما نجمين في ظلام الفضاء الفسيح، واستطاعتا أن تحرقا الشخص بالنظر إليه فقط.

تكلّم الوحش: "عدّ نفسك محظوظا يا بشريّ، لأنّك ستكون خطوتي الأولى نحو سيادة هذا العالم. لقد رقدت هنا لعصور لا تُحصى، وانتظرت هذا اليوم بفارغ الصبر، انتظرت اليوم الذي يمكنني فيه أخيرا الاختراق إلى المستويات الروحيّة والتغذّي على روح ساحر روحيّ."

بالفعل، كما كان يستحوذ السحرة الروحيّون على أرواح الوحوش الروحيّة، كانت هذه الأخيرة بدورها تتغذّى على أرواح السحرة الروحيّين.

لم يزح باسل الابتسامة عن وجهه وقال: "تخبرني أن أكون محظوظا لأنّني سأكون أوّل ساحر روحيّ تتغذّى على روحه إذن... تبدو واثقا للغاية، ولكن لا عجب، فبعدما رأيتك يمكنني تفهّم ثقتك تلك."

رفرف الوحش جناحيه فجعل عاصفة تهبّ بالأرجاء وحلّق في السماء بينما يقول: "لم أرَ لي مثيلا في هذا العالم لذا لا أعلم إن كان أصلي هو هذا العالم، لكنّني بدون شكّ وُلِدت هنا. ومنذ أن وُلِدت كنت متميّزا عن باقي الوحوش السحريّة، فنموت أسرع منها بكثير وبلغت المستويات العليا قبل أيٍّ منها. وعندما وصلت إلى المستوى الرابع عشر أخيرا، توهّج حجر أصلي وأرشدني إلى ذلك المكان حيث استطعت ان أكسب حكمة خوّلتني التفوّق على أيّ وحش في كلّ العوالم وليس هذا العالم فقط."

قال باسل: "هل تظنّ أن تلك الحكمة التي كسبتها هديّة؟"

ضحك الوحش وقال: "لا تكن سخيفا، بالطبع كنت أعلم أنّها فخّ من أحدهم، لكنّني وفوق ذلك قبلت بها. لو مُنِحت لي أكلة مسمومة لكن لذّتها خياليّة، فسآكلها عندما أكون متيقّنا أنّ جسدي يستطيع التفوّق على السم."

هزّ باسل رأسه أفقيّا وقال: "للأسف، إنّك تجهل السمّ الذي بلعته. ولكن لا تقلق، فأنا يمكنني أن أعفيك من ذلك السمّ، لأنّني بالفعل مثلك؛ أكلت الأكلة بالرغم من علمي بالسمّ الذي فيها. الفرق الوحيد بيننا هو أنّني أعلم عن السمّ ومخاطره أكثر ممّا تظنّ نفسك تعلم عنه، ولهذا قلت لك تقلق، فأنا واثق أنّك ستفرح عندما تكمل روحك روحي."

ارتفع باسل إلى السماء وابتعدّ الرمح الطاغيّة عنه في هذه الأثناء.

لقد كان باسل لا يستطيع استخدام الرمح الطاغيّة في الواقع بالرغم من امتلاكه له. فكما فعل إبلاس عند مواجهته لإدريس الحكيم باستخدامه لذلك الصحن الفخّار الذي كان سلاحا روحيّا من مستوى سلطان أصليّ وتسبّب في استدعاء 'ممتحني الظلام'، كذلك يمكن أن يحدث لباسل إذا استخدم الرمح الطاغيّة.

لم يكن في وضع يخوّله القدرة على مواجهة ممتحنِي ظلامٍ اُستُدْعُوا بسبب سلاح روحيّ بمستوى شاهق كالرمح الطاغيّة، حتّى لو كان هذا الرمح في أضعف حالاته حاليا.

حاليا، كان باسل في مرتبة السيّد الروحيّ، أي في نطاق الأرض الواسعة، لكنّه كان لا يزال لا يملك سلاحا روحيّا خاصّا به، وهذا لا يمكن حدوثه في الواقع إلّا بعد اكتساب روح الوحش؛ فالسلاح الروحيّ يندمج مع الروح، لكنّ الروح يجب أن تكون كاملة مكتملة.

أخرج باسل رمح الخشبيّ الذي أهداه معلّمه له وقال بعدما نظر إلى الوحش بعينين تحلّلان الوضع: "أرى أنّك من سلالة الوايفرن لكنّك تطوّرت. بالطبع ستتطوّر عندما تكون تتأصّل عند اختراقك للمستويات الروحيّة، لكنّني أشعر أنّ ذلك ليس كلّ شيء."

صمت للحظات قبل أن يطرح السؤال الذي يراوده منذ فترة: "ما الذي منحته لك تلك الحكمة؟"

لم يكن الوحش مرحِّبا كما كان متوقَّعا: "لمَ عليّ أن أحكي لك هذا؟ لنُنْهِ هذا الأمر يا بشريّ، فأنا لا أطيق الانتظار هنا أكثر ممّا انتظرت بالفعل."

تنهّد باسل: "إنّني أقابل قليلي الصبر فقط مؤخّرا. أتريد الخروج من المنطقة المحظورة لهذه الدرجة؟ حسنا، ليس كما لو أنّني لا أتفهّم شعورك، فلو تقيّدتُ في مكان واحد لأشهر فقط أشعر أنّني سأموت من الملل."

"همف..." استنكر الوحش كلام باسل: "لقد حان الوقت أخيرا لأحكم هذا العالم كما خطّطت منذ أن علمت عن تميّزي وانفرادي. لن يتسيّد هذا العالم البشر لكن الوحوش."

لم يضف باسل شيئا وشحن طاقته السحريّة في الرمح الخشبيّ الذي تحوّل بعد ذلك إلى رمح أبيض حرارته تجعل العظام تذوب من مسافة بعيدة.

لقد كانت تلك إمكانيّة عنصر النار بالدرجة الرابعة، بلونها الأبيض.

رفع باسل الرمح الأبيض للأعلى وقال: "حسنا، لنجرّب شيئا."

تضخّم الرمح فجأة بأضعاف كثيرة وصار ضخما للغاية بسبب طاقة عنصر التعزيز، وقلّص باسل حجمه بعد ذلك كثيرا كما لو أنّه يركّزه حتّى صار الرمح الأبيض مجرّد نصل صغير.

كان هذا هو نفس الهجوم الذي ابتكره باسل عند مقاتلته شهاب سعير. لقد كان يستخدم إمكانيّة عنصر النار ويضخّمها بعنصر التعزيز ويتحكّم فيهما بالتحكّم المثاليّ. لم يكن أيّ ساحر أو حتّى ساحر روحيّ يمكنه أن يقوم بمثل هذا الأمر.

رفع إصبعه للأعلى فتحرّك النصل الأبيض طبقا لذلك وارتفع عاليا في السماء، ثمّ أخفض إصبعه فظهر نصل آخر بنار بيضاء بطول الوحش فوق هذا الأخير ونزل بسرعة كبيرة حتّى يقطعه.

لقد كان هذا هو الامتداد الكلّيّ لعنصر تعزيز باسل، أوّل إمكانيّة يكتسبها باسل لعنصر سحريّ، حيث كان بإمكانه إرسال طاقته السحريّة عبر امتداد أساسه الطاقة المعزّزة.

هجوم كهذا يمكنه محق ساحر بالمستوى الرابع عشر حتّى في الواقع، فحتّى لو كانت تلك مجرّد طاقة سحريّة إلّا أنّ الذي كان يتحّكم فيها كان ساحرا روحيّا، بدون ذكر قوّتها التي تُقدّر بقوّة صاعد حقيقيّ.

رفع الوحش رأسه للأعلى وفتح فمه واستقبل النصل الناريّ بصدر رحب، فعبس باسل كما لو أنّه لاحظ أنّ ما أراد التأكّد منه كان على وشك الحدوث.

وبالضبط، بدل أن يجرح النصل الناريّ الوحش، استطاع هذا الأخير بأعجوبة أن يبلع هجوم باسل كما لو أنّه وجبة خفيفة بمضغة واحدة.

اعتلى وجه باسل تعبيرا جدّيّا: "إذن النار لا تنفع معه بتاتا إذا كانت بهذا المستوى، وبالأحرى تكون تغذيّة جيّدة له. لقد شككت في قدرة دفاعه ضدّ النيران لكن هذا تجاوز التوقّعات. فقط كم تأصّل من مرّة حتّى لا يتأثّر بنار سحريّة بهذه القوّة؟."

كانت الوحوش السحريّة تتأصّل عندما تقترب تكون تخترق إلى المستويات الروحيّة، واختلف بعضها عن بعض بسلالة الدم الذي يجري في عروقها وعدد المرّات التي يمكن للوحش التأصلّ فيها من أجل أن يكتسب خواصّ وقوى الدم الأصليّ الذي يجري في عروقه.

كان الوايفرن عبارة عن سلالة قيل أن دم التنانين يجري في عروقها، إلّا أنّ ندرتها كانت عظيمة للغاية في العوالم الروحيّة.

كانت إمكانيّة الوحوش الروحيّة في الارتفاع إلى مستوى أعلى تكمن في عدد المرّات التي استطاعت التأصّل فيها؛ فوحش تأصّل عدّة مرّات يمكنه بلوغ مستويات عليا بسرعة وسهولة كُبرَيَيْن.

كان عدد المرّات التي يمكن للوحوش الروحيّة التأصّل فيها مجهولا، وكانت هناك أقوال على أنّه لا ينتهي أبدا؛ فحتّى عندما ينجح الوحش في اكتساب جسد السلالة الأصليّة ودمها وقدراتها، يبقى قادرا على التأصّل وهذه المرّة يحاول أن يعود إلى أصل كينونته.

بالرغم من أنّ الوحوش السحريّة لا تؤسّس عالمها الروحيّ كما يفعل السحرة الروحيّون، فهي أيضا تملك نظام نموّها الروحيّ.

كانت ألقاب السحرة الروحيّين هي نفس ألقاب الوحوش الروحيّة بجميع المستويات إلّا المستوى الأخير منها، لكنّ تسميّة النطاقات اختلفت نظرا لاختلاف نظام نموّ كلّ طرف.

فمقابل كلّ نطاق بلغه السحرة الروحيّون قابله نطاق بلغته الوحوش الروحيّة، وكانت مستوياتها كالتالي:

نطاق تأصيل الدم – سيد روحيّ"

"نطاق تأصيل اللحم – حاكم روحيّ"

"نطاق تأصيل العظم – ملك روحيّ"

"نطاق تأصيل الروح – إمبراطور روحيّ"

"نطاق الروح المبارَكة – روحانيّ مبارَك"

"نطاق الروح الساميّة – روحانيّ سامٍ"

"نطاق الروح الأسطوريّة – روحانيّ أسطوريّ"

"نطاق الحجر الروحيّ الحقيقيّ – سلطان روحيّ"

"نطاق الحجر الروحيّ المقدّس – سلطان مقدّس"

"نطاق أصل الحجر الروحيّ – سلطان أصليّ"

"حجر الروح الأصليّ – روح أصليّة."

وكما اتّبع السحرة طريق إنشاء عالمهم الخاصّ، ناشدت الوحوش الروحيّة أصل روحها وكينونتها فقط، ولم يكتمل الاثنين إلّا عندما اجتمعا معا؛ فاستحوذ السحرة على أرواح الوحوش، وتغذّت الوحوش على عوالم السحرة.

***

من تأليف Yukio HTM

الفصل الأوّل.

2020/04/13 · 583 مشاهدة · 1615 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024