255 - أوّل ساحر روحيّ ضدّ أوّل وحش روحيّ (2)

255 – أوّل ساحر روحيّ ضدّ أوّل وحش روحيّ (2)

كان الوحش أمام باسل في نطاق تأصيل الدم، كما كان باسل في نطاق الأرض الواسعة، لكنّهما كانا مختلفين تماما عنّ أيّ أسياد روحيّين في كلّ العوالم.

شحن الوايفرن طاقته السحريّة حتّى جعل المناطق المحيطة به تحترق فقط بهالته الساخنة، ثمّ ركّز الطاقة التي استجمعها في نقطة واحدة أمام فمه، والتي اتّخذت شكلا معيّنا جعل باسل يندهش، إذْ كان الشكل هو النصل الناريّ الأبيض الذي أطلقه تجاه العدوّ سابقا.

فتح الوايفرن فمه فانطلق النصل الناريّ بسرعة كبيرة جعلت باسل يفتح عينيه على مصراعيه.

لقد كانت تلك السرعة تفوق توقّعات باسل إذ كانت في الحقيقة تساوي ضعف سرعة النصل الذي أطلقه تجاه الوايفرن في المقام الأوّل.

أحاط نفسه بحاجز من الريّاح المعزَّزة وشحذ رمحه الخشبيّ ثمّ جابه النصل الناريّ وجها لوجه.

*انفجار*

تبخّر الهواء وانتشرت الشرارات في جميع النواحي وظهر باسل بعد لحظات من تبدّد البخار سليما.

صرّح مندهشا: "إذا لقد اكتسب إحدى قدرات التنانين بشكل كامل!"

كانت هذه القدرة هي امتصاص نار العدوّ وإعادة إلقائها بقوّة تصل لأضعاف قوّتها الأصليّة.

كان هجوم باسل قادرا على قتل ساحر بالمستوى الرابع عشر، لكنّ هجوم الوايفرن كان قادرا على جرح سيّد روحيّ أعزل.

لاحظ باسل أنّ هذه ستكون معركة طويلة الأمد لذا قرّر ألّا يضحيّ بقدراته الشفائيّة حاليا.

اختفى الاثنان فجأة بدون الانتظار للحظة أخرى وبدآ يتبادلان الضربات بينما ينتقلان من مكان إلى آخر يبعد عن المكان السابق بأميال في لحظات.

*انفجار* *انفجار* *انفجار*

كلّ اصطدام منهما خلّف دمارا وكوّن حفرا عميقة وواسعة.

تجنّب باسل استخدام عنصر النار تماما، واعتمد على عنصريْ التعزيز والريّاح، بينما استمرّ الوايفرن في استخدام عنصر النار وقدراته الجسديّة المرعبة.

كلّ ركلة من الوايفرن كانت قادرة على سحق جبل، كما أمكنها سحق سحرة مستويات الربط بسهولة.

كان هذا هو أقوى وحش يجابهه باسل من ناحيّة القوّة الجسديّة، دون ذكر قدراته الأخرى.

اهتزّت الأرض تحتهما بشدّة بعدما تبادلا الضربات لدقائق معدودة، قبل أن يتراجعا للاستعداد لهجومهما الثاني.

ظهر حول باسل خمس نسخ نتيجة لإمكانيّة عنصر التعزيز، وكلّ نسخة حملت سيفا أثريّا بالدرجة السابعة فاندهش الوايفرن من هذا الأمر.

ابتسم باسل ثمّ قال: "ما زال الأمر مبكّرا على الاندهاش."

أشعّت الأسلحة الأثريّة بالدرجة السابعة في نفس الوقت وتحوّلت بعد ذلك إلى أنصال شفّافة يحيطها ضوء أزرق.

اتّسعت عينا الوايفرن أكثر بسبب المنظر أمامه؛ لقد كانت تلك خمسة أسلحة أثريّة بالدرجة السابعة يُتحكّم فيها مثاليّا في آن واحد، دون نسيان سلاح باسل الرئيسيّ.

تعجّب الوايفرن من قدرة هذا الشابّ في استغلال إمكانيّة عناصره لأقصى درجة، واعتقد أنّ عنصر السحر لا يهمّ بتاتا إذا كان المستخدم باهرا في عمله حقّا.

انطلقت النسخ الخمس وأحاطت الوايفرن من جميع الاتّجاهات بسرعة ثمّ ظهر بعدئذ باسل فوق عدوّه بعيدا ببضعة أمتار.

شحنت النسخ الخمسة طاقاتها السحريّة في الأسلحة الأثريّة بتزامن مع سلاح باسل الرئيسيّ، فتكوّنت خمس عواصف أغلقت كلّ ممرّات الفرار أمام الوايفرن، ثمّ رمى باسل رمحه بكلّ قوّته وتحكّم فيه عن بعد.

حلّق الرمح حول العواصف وربط بعضها ببعض فكوّن بعد ذلك حقلا كرويّ الشكل تتضارب بداخله الريّاح وتتكهرب من شدّة احتكاكها.

"دعني أجرّب عليك إمكانيّة عنصر الرياح التي أتقنتها مؤخّرا."

كان ذلك الهجوم عبارة عن كرة ضخمة جدّا من الرياح المتكهربة والمعزَّزة يمكنها صنع وديان إذا ما لامست الأرض.

لم تقطع تلك الريّاح المتكهربة الأشياء فقط ولكن بخّرتها ببرقها الذي توهّج بين الحين والآخر بينما تتراقص أنصال لا متناهيّة مخلّفة أصوات رنّانة كموسيقى موت مرعبة.

ظلّ الوايفرن في مكانه ولم يحاول الهروب عندما وجد نفسه محاطا، ثمّ شحن طاقته السحريّة وفجأة توهّجت قشور جلده بضوء أزرق فاتح جعل دكنة جسده تبدو كعدّة من الجواهر يرتديها كحليّ.

أغلق باسل يده اليمنى فأغلِقت كرة الرياح المتكهربة من الداخل حتّى لامست هدفها فزادت سرعة الرياح وصدت الأصوات الصاخبة في جميع الأنحاء قبل أن يفتح باسل يده مرّة أخرى لتنفجر كرة الرياح المتكهربة

*انفجار* *انفجار* *انفجار*

بعدما أطلق باسل ضغط تلك الكمّيّة الهائلة من الطاقة، كلّ انفجار حدث ولّد انفجارا آخر فصنع بذلك سلسلة انفجارات تكسر حاجز الصوت باستمرار وأمطار من الأنصال تخترق الهواء بسرعة البرق.

بالطبع كان باسل والعدو يستخدمان الطاقة السحريّة حتّى الآن، ولكن ذلك كان فقط لأنّ الطاقة الروحيّة التي خزّناها ما زالت قليلة للغاية كونهما بلغا المستويات الروحيّة للتوّ، ولكن هذا لم يخفّض من درجة الرعب التي وصلت إليها هجماتهما وقدراتهما الدفاعيّة حتّى لو استخدما الطاقة السحريّة فقط.

عاد الرمح إلى يد باسل كما فعلت الأسلحة الأثريّة الخمس بعدما اختفت النسخ الخمس التي كانت تحملها، إذ استنزفت كلّ قوّتها في هذا الهجوم.

نظر باسل إلى البخار والنتاج عن سلسلة الانفجارات منتظرا رؤية ما حلّ بالوايفرن، لكنّ نظراته كانت جدّيّة كما لو أنّه اكتشف بالفعل ما حصل.

وبعدما تبدّد البخار وظهرت صورة الوايفرن رأى باسل الأمر بعينيه، إذ كان العدو سليما معافى، فجعل زاوية فم باسل ترتفع بعدما وجد الأمر ساخرا؛ فالشعور الذي يحسّ به الآن هو تماما ما أحسّ به أولئك الذي تفاجؤوا بسلامته بعدما ظهر بدون أيّ خدش على جسده بعدما تلقّى هجماتهم.

ولكن ما جعل الأمر ساخرا أكثر بالنسبة له هو أنّ السبب في سلامة هذا الوايفرن من ذلك الهجوم لم تكن قدراته الشفائيّة، بل قدراته الدفاعيّة الطبيعيّة؛ لقد كان جسده صلبا لدرجة مخيفة.

اختفى توهّج قشور جلد الوايفرن وعاد جسده لطبيعته، فنظر بعد ذلك إلى باسل ثمّ قال: "لربما فاجأتني بما فعلتَ، لكنّ ذلك لم يعنِ أنّه باستطاعتك جرحي. جسدي هو أقوى جسد بين الوحوش في هذا العالم، وسيصير أقوى جسد في الوجود بدون شكّ."

كان باسل مبتسما بالرغم من هذه الحالة التي وجد نفسه فيها، فضاقت عينا الوايفرن: "ما الممتع يا بشريّ؟"

ردّ باسل بوجه مشرق: "هل تمزح معي؟ إنّني أرى وايفرن استطاع التأصّل لهذه الدرجة واكتسب مثل هذه الخواصّ المدهشة التي تميّزت بها التنانين من الأساطير، فكيف لي ألّا أتحمّس؟ خصوصا عندما أفكّر في الوقت الذي أستحوذ على روحك به."

زمجر الوايفرن وحملق إلى باسل بنظراته الشرسة كالعادة: "للغرور حدود يا شقيّ، لاسيّما أمامي."

ارتفعت حافة فم باسل الذي هزّ كتفيه قبل أن يردّ: "لن تجده غرورا عندما يحدث. ثق بي، ذات يوم، ستشكرني لأنّني استحوذت على روحك وجعلتها جزءا منّي، جزءا من شيء أعظم."

جعلت ابتسامة وكلام باسل المستفزّ الوايفرن ينزعج كثيرا، فاختفى ذلك الأخير فجأة من أمام عينيّ باسل الذي لم يدرك شيئا حتّى وجد نفسه محلّقا في الأفق بقوّة هائلة جعلته يشعر كأنّما جبال لا تُحصى تدفعه وتحاول سحقه.

عانى من العديد من الإصابات لكنّه كان يُشفى تلقائيّا بينما تظهر جروح جديدة، وعندما استطاع إيقاف نفسه في السماء بعدما حلّق لعشرات الأميال، كان جسده خاليا من الجروح كما لو أنّه لم يُصب بها في المقام الأوّل.

عبس وفعّل عيني الحكيم ثم نظر إلى الوايفرن البعيد مباشرة من أجل يرى ما يخفى. لم يعد متردّدا في استخدام أوراقه الرابحة بعد تلك الضربة العنيفة التي لم يجد لها تفسيرا حتّى الآن.

"ذلك لم يكن سحرا، ولا قدرة طبيعيّة للوحوش، ذلك كان شيئا أشبه بـ..."

لم يكمل باسل تمتمته حتّى وجد الوايفرن أمامه، لكنّ عيني الحكيم قدرتا على تتبّع مسار الوحش فاستطاع باسل المراوغة في آخر لحظة، فإذا بالهواء يتموّج وحاجز الصوت يتفرقع بتكرار تحت ضغط وقوّة ركلة الوايفرن التي رواغها باسل.

لم يمنح الوايفرن باسل وقتا للتفكير واختفى مباشرة بعد ذلك كما فعل في المرّتين السابقتين، فتساقطت الضربات على باسل الذي راوغ معظمها قبل أن تصيبها إحداها فسحقت بطنه وكسرت أضلاعه وقفصه الصدريّ.

كانت تلك ركلة مباشرة قويّة للغاية أكثر من التي تعرّض لها سابقا.

جعلته الركلة هذه المرّة يخترق الأرض أسفلهما بعمق شديد مخلّفا بعد اصطدامه بها وديانا سحيقة.

زمجر الوايفرن وقال بفخر: "يبدو أنّك نسيت شيئا مهمّا يا بشريّ؛ في المناطق المحظورة، الوحوش الروحيّة لها الأفضليّة بدون شكّ، فالمنطقة المحظورة ذاتها تصبح أرض تغذيّتنا، وحتّى لو فقدت بعضا من طاقتي يمكنني تجديدها عبر حاجز الحماية السماويّة."

بالفعل، كان حاجز الحماية السماويّة يجدّد طاقات الوحوش السحريّة الميّتة، ولكن عندما كان الوحش الروحيّ يظهر في المنطقة المحظورة، كان يستطيع استمداد الطاقة من الحاجز إلى حدّ ما حتّى يجدّد طاقته الخاصّة أو يشفي جراحه.

أكمل الوايفرن: "هذا دون ذكر أنّني ما زلت في قمّة حيويّتي. أنا كائن سيبلغ ما لم يبلغه أحد في العوالم الروحيّة، لذا إنّني رحيم بنفس الدرجة. هاكَ ماهيّة الأمر، سلّمْني روحك تجدْ الطمأنينة في موتك، عاندْ حتّى النهاية تعانِ الأمرّين قبل موتك."

كان الوايفرن يتكلّم بالرغم من أنّ باسل تحت الأرض كما لو أنّه كان يعلم أنّ عدّوه سينهض من جديد كما لو أنّ شيئا لم يحدث.

وبالفعل، ظهر باسل محلّقا من أعماق الأرض إلى السماء فنفض الغبار عن ملابسه وقال: "كفانا من هذا الكلام المبتذل. إنّك تعلم أنّ هذه ستكون معركة نقاتل فيها حتّى آخر رمق منّا كالساحر والوحش الروحيّين الأوّليْن."

"همف،" استنكر الوايفرن كلام باسل وقال: "إنّك لا تعلم شيئا يا بشريّ؛ لقد أخبرتك عن حالي في المنطقة المحظورة وأفضليّتي فيها عنك، لكنّ ذلك ليس كلّ شيء، فهذا المجال الذي أتيت لأقاتلك فيه بنفسه يُعدّ منطقة داعمة لي."

حدّق باسل إلى الوايفرن وقال: "تحسب نفسك تعلم كلّ شيء فقط لأنّك عشت عصورا مديدة، ولكن اكتساب المعرفة لا يعمل بذلك الشكل. دعنِ أشرح الأمر بدلا عنك."

أشار باسل إلى الوحش وأكمل: "الحكمة التي اكتسبتها قبل تحوّلك الروحيّ جعلتك تكسب قدرات فهم عميقة للطبيعة وقوانينها، ولهذا كنت قادرا على تطوير عقلك وقدراتك. أصلا، قيل أنّ الحكماء القدماء اكتشفوا الفنون القتاليّة عن طريق قدرات الوحوش الخاصّة التي تكسبها في المستوى الثامن، لذا لو امتلك وحش ما حكمة أولئك الأشخاص بجانب كونه 'وحش'، فالنتيجة واضحة."

صرّح باسل: "لقد وجدت ما فعلته سابقا مشابها للفنون القتاليّة وطريقة عملها، وها أنا ذا متأكّد من ذلك كلّيّا؛ لقد أصبحت وحشا روحيّا قادرا على استخدام الفنون القتاليّة. وعلى ما يبدو، فإنّ فنّك القتاليّ يملك خواصّا تجعلك سرعتك ووزنك أكبر بأضعاف عدّة."

"هوهوهو،" ضحك باسل وقال: "يبدو أنّ السارق الخسّيس قد استطاع بطريقة ما اكتساب حكمة أولئك العظماء عبر التاريخ وصنع شيئا يمكنه منح هذه القدرات المدهشة إلى الوحش الروحيّ الذي سيستحوذ على روحه."

نظر باسل بجدّيّة إلى الوايفرن: "كلّما اكتشفتُ شيئا جديدا عن رعب ما جهّز له السارق الخسّيس أصبحتُ أكثر تشوّقا لرؤية وجهه بعدما أسرق كلّ ذلك منه."

ضاقت عينا الوايفرن: "ما الذي تتحدّث عنه يا أيّها الشقيّ؟ هل تظنّك تملك الوقت لمخاطبة نفسك؟"

اختفى الوايفرن مرّة أخرى وسقطت ركلاته العنيفة على باسل بثقل جبال عديدة وسرعة البرق.

*انفجار*

تصدّعت الأرض ولحقها انفجارات صوتيّة في كلّ مكان، إلّا أنّ حدقتا الوايفرن كانتا متّسعتين، وليس فقط لأنّ باسل راوغ هجومه، بل لأنّه لم يستطع معرفة مكان عدوّه.

صدر صوت من فوقه فجأة: "يبدو أنّك تحاول إثبات شيء ما باستخدامك لفنّك القتاليّ فقط، لكنّك لا تعلم شيئا عن الفنون القتاليّة بقدر ما أفعل. توقّف عن إحراج نفسك."

كان الوايفرن سيصرخ من شدّة الغضب ويحاول أن يلتفّ ليضرب باسل لكنّه وجد نفسه مقموعا تحت قبضة باسل التي حرّكها بقوّة دفع هائلة عبر فنّه القتاليّ "خطوات الريّاح الخفيفة"، وذبذبها بفنّ "سحق الأرض" فجعلها تخترق كل ما تلامس.

سقط الوايفرن من السماء قبل أن يفعل شيئا وحدث له بالضبط كما فعلَ لباسل عندما جعله يخترق الأرض بشكل عميق.

***

من تأليف Yukio HTM

الفصل الثاني.

2020/04/13 · 587 مشاهدة · 1709 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024