256 – ترقية بسيطة

"هيّا، أعلم أنّ مجرّد ضربة كهذه لا يمكنها فعل شيء لك."

قالها باسل بينما ينظر إلى أعماق الأرض بعينيه الحكيمتين، إذْ كان في الواقع قادرا على رؤية الوحش الذي لم يكن بمقدوره فعل نفس الشيء.

وبالطبع، كان الوايفرن سليما معافى كما قال باسل، ولكن في الواقع لم تكن تلك "مجرّد ضربة". لقد كانت تلك الضربة إحدى الضربات التي قضى بها باسل على الوحوش عندما قدم لإنقاذ أبطال الأجيال. قوّة تلك الضربة لوحدها كانت قادرة على سحق وحوش المستوى العاشر حتّى تماما.

*انتفاض*

انبثق الوايفرن من أعماق الأرض بسرعة خاطفة وحدّق إلى باسل بتعجّب قبل أن يقول: "لم أستطع التأكّد في المعركة التي واجهك فيها أتباعي آنذاك، لكنّني أرى الأمر بوضوح الآن. أنت... إنّك قادر على استخدام فنّين قتاليّين!"

ابتسم باسل وتحرّك خطوة واحدة في السماء، فتشوّهت صورة رجله التي كان يراقبها العدوّ وبدت كما لو أنّها سوط يتحرّك، ثمّ أصبح جسده بالكامل ضبابيّا وظهر في عدّة أمكنة.

كلّ هذا حدث في لحظة قصيرة جعلت الوايفرن يرتعش إذْ طرأت في باله فكرة مرعبة للغاية.

ظهر باسل فوقه مرّة أخرى وأسقط عليه نفس اللكمة السابقة ليعود بذلك الوايفرن إلى أعماق الأرض من جديد.

قال باسل ساخرا: "نعم، لقد حزرتَها بشكل صحيح في اللحظة الأخيرة. إنّها ثلاثة فنون قتاليّة وليس اثنين."

استخدم باسل عند تحرّكه فنّه القتاليّ الثالث، اختراق السماء، وألقى اللكمة بفنّيه القتاليّين الآخريْن، خطوات الرياح الخفيفة وسحق الأرض.

نظر إلى الأعماق وقال من جديد: "هيّا، انهض. يبدو أنّني سأستمتع بالقتال أخيرا بعد مدّة طويلة. ولكن أوّلا..."

ركّز باسل على أنفه وفمه فأغلق حاسّة الشمّ لديه وقال: "لماذا يجب أن يكون القتال ضدّ خصم جيّد ممتعا هكذا بينما لا أطيق رائحة الدماء؟ قد يكون هذا هو الشيء الوحيد الذي لا يسعني تجاوزه مهما تدرّبت."

كان باسل يمكنه قمع حواسّه بهذا الشكل الآن بكلّ سهولة، وليس فقط لسبب واحد بل العديد؛ لقد كان يتدرّب على حواسّه منذ بداية تعلّمه على يد إدريس الحكيم، وأتقن "انقسام الوعي" المزيّف ضدّ فضيلة كرم. وبدون كلّ ذلك، قد بلغ الآن المستويات الروحيّة التي تسمح له باستخدام انقسام الوعي الحقيقيّ، لذا كان قمع حاسّة من الحواسّ الخمس شيئا بسيطا، هذا بدون الإشارة إلى امتلاكه الحكمة السياديّة.

برز الوايفرن بدون ضياع للوقت وصرخ تجاه باسل: "لا تغترّ بنفسك يا أيّها الغرّ. لربّما تملك بعض الأوراق الرابحة في جعبتك، لكنّها لا تنقصني أيضا. ولا تقلق بشأن الدماء، لأنّ الدماء الوحيدة التي ستغرق فيها هي دماؤك فقط."

لم يكن كلام الوايفرن من فراغ؛ فحتّى الآن، لم يذرف قطرة من الدماء على عكس باسل الذي سالت دماؤه بغزارة عندما تعرّض لهجمات الوايفرن. لقد كان جسد هذا الأخير صلبا لدرجة مخيفة حقّا.

حدّق باسل إليه: "لقد أغلقتُ حاسّة شمّي لسبب."

اختفى الوايفرن من مكانه، لكنّ باسل اختفى أيضا في نفس الوقت، ولم تكن هناك عين عادية يمكنها ملاحقة تحرّكاتهما حاليا، إذ قطعا عشرات الأميال في ثوانٍ، وكان الدمار الذي خلّفاه وراءهما هو كلّ ما جعل الشخص يعلم أنّهما مرّا من مكان معيّن، إذْ تشتّت الجبال لقطع صغيرة وتغيّرت تضاريس الأرض أسفلهما.

كان باسل يستخدم عنصريْ التعزيز والرّياح والفنون القتاليّة كلّها، بينما كان الوايفرن يعتمد على قواه الناريّة وفنّه القتاليّ وجسده الصلب.

كانت الأغلبيّة لباسل بشكل واضح؛ فالوايفرن لم يستطِع ضرب باسل بالرغم من سرعته الجنونيّة، وتلقّى ضربات باسل باستمرار، ولكن حتّى لو كانت الأفضليّة لباسل لم يعنِ ذلك أنّه قدِر على جرح الوحش.

ابتعدا عن بعض وفكّر باسل لقليل من الوقت مع نفسه: "يبدو أنّه يجب عليّ القيام بترقية بسيطة حتّى أنجح في اختراق دفاعه ذاك. لا بأس، لقد اعتدت على المخاطرات والمغامرات."

ما أن قال ذلك حتّى أطلق العنان لهالته كسيّد روحيّ وطافت التعاويذ الذهنيّة الروحيّة دائرةً حوله، والتي تلاقى بعضها ببعض بينما يتردّد صوت كصوت قرع الكؤوس نتيجة لذلك، وفجأة بدأت التعاويذ تزداد عددا وتتوهّج بضوء فضّيّ-أزرق ساطع.

بدأت الحروف الرونيّة التي تتكوّن منها التعاويذ تتحوّل وتكوّن أنماطا مختلفة عن السابق مع حفاظها على بعضٍ من شكلها دون تغيّر.

حدّق الوايفرن إلى ما يحدث مع باسل وضاقت عينيه وأصبح أكثر حذرا من السابق. لم يعلم ما كان باسل يفعله بالضبط، لكنّه لاحظ أنّ ذلك له علاقة بتعاويذ الفنون القتاليّة.

فتح باسل يديه على مصراعيهما فإذا بالتعاويذ تتوغّل جسده ثمّ روحه وتبدأ في التغذّي على طاقة الأرض الواسعة الروحيّة.

"هل يمكن...؟!"

فهم الوحش ما الذي كان يفعله باسل أخيرا وصرخ: "هذا... أن يستخدم المرء فنّين قتاليّين لأمر مستحيل في المقام الأوّل، لكنّ هذا الشقيّ يستخدم ثلاثة، والآن تخبرني أنّه يحاول استخدام مراحل عليا من فنونه تلك؟ فقط من هذا الغرّ؟"

صرّ الوايفرن على أسنانه وقال: "كما تميّزتُ وانفردتُ عن باقي الوحوش، يبدو أنّ هذا الشقيّ لا مثيل له بين السحرة أيضا. يا له من قدر؛ إذن الفائز هنا سيكون المخلوق الفريد الذي يتفرّد بسيادة العوالم! ذلك لن يكون أحدا غيري!"

اهتزّ جسد باسل ونبض بشدّة فظهرت بعض الأطياف أمامه، ثلاثة أطياف بالضبط، وبدت كما لو أنّها ظهرت من جسده.

لقد كانت هذه الأطياف شيئا معروفا عند الفنّانين القتاليّين، إذْ تحتّم عليهم مواجهتها عند محاولة استخدام الدرجة الخامسة من كلّ مرحلة من مراحل الفن القتاليّ. لقد كانت تلك الأطياف هي اختبار العالم.

في المرحلة الأثريّة، ظهر هذا الاختبار أمام الفنّانين القتاليّين عند محاولة استخدام الفرع الكبير جدّا، أي الغصن الخامس من المرحلة الأثريّة التي تتكوّن من سبعة أغصان.

وغاية هذا الاختبار كانت هي نفس الغاية التي وُجِدت كلّ اختبارات العالم من أجلها؛ ألا وهو اختبار جدارة المرء.

ابتسم باسل ثمّ استعدّ لهجوم الأطياف الذي كان يتوقّعه، وما أن انتهى من ذلك حتّى اختفى الطيف الأوّل وظهر خلفه مباشرة كما لو أنّه انتقل عبر الفضاء، ثمّ اخترق الطيف الثاني الهواء بقوّة تسحق الأشياء بتذبذب يحوّل الجبال لغبار، بينما ابتعد الطيف الثالث قبل أن يعود بزخم أكبر وقوّة دفع هائلة.

لقد كان كلّ طيف تجسيدا لأحد الفنون القتاليّة الأثريّة الثلاثة التي يملكها باسل.

راقب الوايفرن بحرص حتّى تحرّكت الأطياف، ولم تمرّ حتّى لحظة واحدة بعد حدوث ذلك فكان قد فهم وقرّر ما يجب فعله.

تحرّك بسرعة خاطفة مستخدما فنّه القتاليّ وشحن طاقته الروحيّة حتّى يستخدمها ضدّ العدوّ الذي كان في مأزق. لقد كان يعلم أنّ هذه هي الفرصة المثاليّة لاستخدام بعضا من الطاقة الروحيّة القليلة التي يملكها.

كانت يد الطيف الأوّل عبارة عن شرخ في الفضاء بدا متمكّنا من فصل الجسد عن الروح، وأنشأت قبضة الطيف الثاني قوّة متذبذبة عبر الهواء وحاولت السقوط على باسل بوزن عظيم، وتبدّدت صورة الطيف الثالث من شدّة سرعته والذي فجّر الصوت بتكرار في طريقه.

وأخيرا، قدم الوايفرن من الأعلى بسرعة وقوّة أكبر من سرعة وقوّة الطيف الثالث حتّى.

مع العلم أنّ الطيف الأوّل مَثَّل فنّ "اختراق السماء"، والطيف الثاني مَثَّل فنّ "سحق الأرض"، ومَثَّل الطيف الثالث فنّ "خطوات الرياح الخفيفة".

لقد كان هذا هو أسوء موقف يمكن لشخص يقاتل عدوّا مكافئا له أن يجد نفسه فيه.

*زنين*

*ذبذبة*

*انفجار*

توالت الأصوات واحترق الهواء من شدّة النار التي صنعها الوايفرن بطاقته الروحيّة وجعل الجوّ حارّا كما لو أنّ الشمس أقرب بضعفين عمّا هي عليه.

*باام* *باام* *باام* *باام*

تردّدت أربعة أصوات مباشرة بعد الاصطدام بين الهجمات السابقة فظهر باسل بعدما تجلّى البخار ببعضٍ من الكدمات والجروح على جسده، والتي كانت تتماثل للشفاء بالفعل.

وفي نفس الوقت، وجد الوحش نفسه يحلّق عشرات الأميال بعيدا، لكنّه هذا المرّة صُعِق تماما، وليس فقط لأنّه كان يحلّق بعدما ضُرِب، بل لأنّ الدماء كانت تسيل من جنبه وفمه.

ظلّ سارحا في أفكاره لمدّة طويلة غير مصدّق لما حدث. لقد كان متيقّنا من أنّه أصاب باسل وسبّب له جرحا عظيما. لقد كان واثقا أنّ الأفضليّة قد أصبحت له بشكل كلّيّ. ومع ذلك، ها هو يجد نفسه محلّقا مجروحا بشدّة على عكس عدوّه الذي لا يبدو مصابا بجراح خطيرة.

صرخ الوايفرن من بعيد: "ما الذي فعلته يا أيّها اللعين؟"

تنهّد باسل ثم قال: "يبدو أنّ هذا نجح. لقد كان تأجيل استخدام درجة كبرى من الفنون القتاليّة الأثريّة كلّ هذا الوقت يستحقّ. فالآن، أمكنني هزيمة تلك الأطياف اللعينة بكلّ سهولة بمستواي الحالي."

لقد كان باسل يقف عند الغصن الرابع من كلّ فنّ أثريّ، ولم يشأ أن يتجاوز ذلك حتّى لا يضطرّ لمجابهة تلك الأطياف التي لا تتأثّر في الواقع سوى بالفنون القتاليّة ولا شيء آخر.

أكمل: "لقد انتظرتُ حتّى أبلغ المستويات الروحيّة وأصبح قادرا على استخدام المرحلة الروحيّة من تلك الفنون. فبدل أن أنتقل إلى الغصن الخامس من الفنّ الأثري، انتقلت مباشرة إلى المرحلة الروحيّة وتغلّبت بذلك على تلك الأطياف بسهولة."

ابتسم باسل ثمّ قال: "الآن، يمكنني أذيّة جسدك الذي تفتخر به، وأذيّته بشدّة."

"المرحلة الروحيّة من كلّ فنّ؟! هل تمزح معي يا أيّها اللعين؟ كيف لك أن تعلم عن أسرار الدرجات السابقة وفهمها وإدراك ألغازها وأعماقها حتّى تتجاوزها هكذا؟ لا يمكن لأيّ شخص أن يفعل كلّ هذا في تلك اللحظات القصيرة."

أجاب باسل: "صحيح. أنا لم أحاول أفهمها، ولم أحاول إدراكها أو تجاوزها، أنا فقط سمحت لنفسي باستخدام المرحلة الروحيّة من كلّ فنّ. لقد كنت قادرا على ذلك من البداية. فالمعرفة التي أحتاجها لترقيّة مستوى فنوني القتاليّة حتّى منتصف المرحلة الروحيّة موجودة في أعماق روحي."

لقد كانت تلك هي المعرفة والخبرة التي اكتسبها معلّمه إدريس الحكيم طوال حياته، وكان باسل قادرا على اكتسابها عن طريق الحكمة السياديّة.

تمتم الوايفرن: "مستحيل... هذا لا يُعقل... ما التفسير؟!"

بدأت أفكار الوحش تتضارب: "ثلاثة فنون قتاليّة أثريّة، بل روحيّة الآن، ثلاثة عناصر سحريّة، قدرات غريبة مثل التي يستخدمها بعينيه، وجسد فريد يستطيع الشفاء ذاتيّا في لحظات وجيزة. فقط ما الذي ما زال يخبّئه في جعبته؟ فقط من هذا اللعين؟ لقد انتظرت لعصور، فلمَ يجب أن يظهر شخص مثله في هذا العصر بالضبط؟ في هذا العصر الذي يُفترض أن يكون عصري!"

رفع باسل حاجبه ثمّ قال: "أنت يا أنت... لا تخبرني أنّك هلعت؟ المرح بدأ لتوّه، فحافظ على تصرّفك المتعجرف من فضلك وإلّا صار هذا مملّا."

تراجع وحش الوايفرن للخلف قليلا بعد سماع كلام باسل وبدأ خيار "الهرب" يومض في عقله بعدما كان واثقا تمام الثقة أنّه سيكون الفائز.

تحرّك باسل للأمام فتراجع وحش الوايفرن للخلف أكثر، واستمرّ ذلك بالحدوث حتّى تعثّر باسل فجأة وسقط على ركبتيه ساعلا الدماء.

توقّف وحش الوايفرن واندهش ممّا حدث.

ردّد باسل بينما يعاني من الألم: "اللعنة، لقد بدأ الأمر... ولكنّي قمت بذلك آخذا حدوث هذا في الاعتبار."

كشّر الوايفرن عن أنيابه فجأة وقال بصوت مرتفع بعدما ضحك: "كـ-كما توقّعت، لا يمكن أن تفعل شيئا كاستخدام ثلاث فنون قتاليّة روحيّة وتنجو بفعلتك هذه ببساطة."

حملق باسل إلى وحش الوايفرن الذي فهم الأمر بشكل خاطئ.

لقد كان باسل يعلم أنّ هذا سيحدث، ولكنّه لم يحدث بسبب استخدامه لثلاثة فنون في الواقع، بل كان هذا بسبب الخلل الذي كان يواجهه منذ أن اخترق إلى المستويات الروحيّة، وكلّ ما فعله استخدامه لثلاثة فنون روحيّة هو زيادة الضرر الذي يتلقّاه وتقليل المدّة التي كان يملكها قبل أن يختلّ توازن روحه بشكل كلّيّ ويموت؛ كانت هذه هي المخاطرة التي قصدها سابقا بقوله ذاك.

تقدّم وحش الوايفرن للأمام هذه المرّة وقال: "تريدني متعجرفا؟ دعني أريك ذلك يا أيّها الشقيّ اللعين. لقد أخبرتك مرارا وتكرارا أنّك لا تعلم حدودك، وها أنت ذا تجد نفسك بلا حول ولا قوّة منتظرا حكمي القاسي عليك. فلتمت!"

استعدّ الوايفرن للانقضاض على باسل، والذي بالرغم من أنّه كان في هذه الحالة كانت الابتسامة ما تزال تعتلي وجهه الدامي: "هذا ما أردته يا أيّها الوغد. هذا ما أسمّيه قتالا ممتعا! لا تحاول الهرب مرّة أخرى."

***

من تأليف Yukio HTM

الفصل الثالث.

2020/04/13 · 533 مشاهدة · 1756 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024