257 - حاصد الأرواح الأصليّ ولكمة انفلاق السماء

257 – حاصد الأرواح الأصليّ ولكمة انفلاق السماء

"لم ولن أهرب! لقد تفاجأت قبل قليل فقط، والآن هدأت أعصابي، ولهذا قرّرت. لقد قرّرت أن أجعلك تعتزّ بموتك عندما تعلم أنّني استخدمت قوّتي الكاملة في قتلك."

شحن الوايفرن طاقته الروحيّة فأحاطت به نيران زرقاء، ما جعل باسل يندهش من مقدرة وحشٍ على استخدام إمكانيّة عنصر سحريّ.

قال الوايفرن بثقة: "لو كنت أستطيع على فهم قوانين العالم واكتساب القدرة على استخدام الفنون القتاليّة، فإمكانيّات السحر شيء بسيط."

توهّج بعد ذلك صدره بضوء أزرق فاتح فصرّح باسل: "ينوي استخدام حجره الأصليّ إذن!"

كانت الوحوش تملك شيئا يميّزها عندما تبلغ المستويات الروحيّة؛ فبينما يؤسّس السحرة عوالمهم الروحيّة وينشئون أسلحتهم الروحيّة، كانت الوحوش تنشد أصل حجر الأصل، والذي كان يُعدّ جوهر روحها.

ولهذا، عندما كانت الوحوش الروحيّة تريد إنشاء سلاح خاصّ لها، كانت تعتمد على حجر أصلها كما يعتمد السحرة على العالم الذي يبنونه والذي يبدأ بالأرض الواسعة.

وقف باسل ثمّ فتح ذراعيه على مصراعيهما وقال بينما يبصق الدماء: "نعم، أرني كلّ ما لديك؛ فأنا أريد أن أختبر كلّ قوّتك بلحمي ودمي قبل أن تصبح ملكي. هيّا، استخدم سلاحك الروحيّ غير الكامل وتعال."

كانت الوحوش الروحيّة قادرة على استخدام الأسلحة الروحيّة بسبب الحكمة التي تكون قد اكتسبتها، وكانت قادرة على استخدامها مباشرة بعد الاختراق بالرغم من أنّها تكون غير مكتملة نظرا لنقص روح الساحر التي يُفترض التغذّي عليها.

كانت هذه إحدى أفضليّات الوحوش الروحيّة على السحرة الروحيّون. لقي العديد من السحرة مصرعهم بسبب تلك الأسلحة الروحيّة غير المكتملة التي لم يكونوا يملكونها عندما اخترقوا لتوّهم إلى المستويات الروحيّة.

امتدّ الضوء الساطع من صدر الوحش إلى باقي جسده وغلّفه ثمّ التصق بجسده من كلّ حرف وزاوية، فإذا بالضوء ينقشع تدريجيّا بينما تظهر قشرة صلبة جديدة على الجسد.

أصبح الوحش عبارة عن وايفرن مدرّع بدرع ساطع يبدو كألماس أزرق، وكانت أطراقه تبدو كمناجل مخصّصة لحصد الأرواح إذ بدت قادرة على قطع الأسياد الروحيّين بكلّ سهولة.

لقد كان هذا الوايفرن استثنائيّا بدون شكّ؛ ففي العوالم الروحيّة، وجود وايفرن نجح في التأصّل لهذه الدرجة كان نادرا للغاية في حدّ ذاته، فما بالك بوايفرن مثل هذا قادر على استخدام الفنون القتاليّة وإمكانيّات السحر وقدرته الطبيعيّة هي جسد صلب لا يُخترق إلّا بقوّة عارمة وله قدرة طبيعيّة أخرى تجعل النيران عديمة النفع تجاهه؟

تكلّم الوايفرن: "أتعلم ماذا أطلقتُ على هذا الشكل؟ سمّيته 'حاصد الأرواح الأصلي'. هذا يعني أنّه لا أحد سينجو منّ حكمي بعد رؤية هذا الشكل."

قال باسل مبتسما: "إنّك استثنائيّ بدون شكّ. ربّما لو لم تصادفني لاستطعت التهام أرواح العديد من السحرة والسحرة الروحيّين وبلغت مستوى شاهقا وحكمت به العالم الواهن. ولكن وا أسفاه، تحتّم عليك لقائي، وأيضا وا حسرتاه، حتّى أنا لا يمكنني تخيّل حدوث الأمور بشكل مختلف؛ إنّنا مرتبطين ببعض كثيرا، وأشعر أنّه كان لا بدّ من إكمال أحدنا للآخر. أشعر أنّ هذا اللقاء كان حتميّا."

كان كلاهما واثقا من نفسه كثيرا، فقال الوايفرن مجيبا: "أتّفق معك في الجزء الأخير، أمّا عن الجزء الأوّل، فأنا الذي سيكون الفائز."

وبالرغم من أنّه كان واثقا إلّا أنّه ما زال حذرا من خدع هذا البشريّ وما يمكن أن يكون ما زال يخبّئه في جعبته، وخصوصا بعدما كان يرى تلك النظرات الواثقة في عينيه التي تشعره أنّه في الجانب الخاسر دوما.

تحرّك الوايفرن بعدما بدّد تلك الأفكار من عقله وانطلق تجاه باسل مباشرة من الأمام دون أيّ مراوغات كما لو أنّه يتحدّاه، كما لو أنّه يقول: "نعم، أستطيع حصد روحك وأنت تراني."

وفي الجهة الأخرى، توهّجت عينا باسل ودرات النجوم الثلاثة بسرعة خاطفة ثمّ ظهرت فوق رأسه ثلاث كرات فضّيّة تبدو تحمل بداخلها مجرّات لا تُحصى تشمل حكمة سيّاديّة تستطيع رؤية وتحليل كلّ شيء والتحكم فيه بشكل سليم.

تفاجأ الوايفرن في منتصف طريقه بما حدث لكنّه لم يتوقّف بل وزاد من سرعته حتّى تردّد صوت احتكاكه مع الهواء وأطلق صفيرا تبعته أصوات انفجارات صوتيّة عديدة. كان الأوان قد فات على التراجع، وكلّ ما كان بمقدوره فعله هو التقدّم للأمام حتّى لو لاحظ أنّ البشريّ أمامه بالفعل كان ما يزال يخفي ورقة رابحة.

وفي اللحظات الأخيرة، وكما لو أنّ الزمن تباطأ، سمع الوايفرن باسل يتمتم له: "دعني أريك ورقتي الرابحة الحقيقيّة."

كان باسل في طور الحكيم السياديّ بشكل كامل وبدا في عينيه كلّ شيء بطيئا، إذ كان بإمكانه رؤية مسار الأشياء برؤيته الحكيمة السحيقة، وتوقّع تحرّكاتها التالية بتحليله الحكيم الشامل، والسيطرة على كلّ ذرّة من جسده وطاقاته بالتحكّم الحكيم السليم.

لم يعلم الوايفرن ما حدث حتّى كان باسل يقف أمامه مُشفى تماما ويبدو في أتمّ صحّته، وعلى استعداد تامّ لمواجهة هجومه الخاصّ.

*انفجار*

انشقّت الأرض أسفلهما وانفلقت السماء فوقهما.

انشقّت الأرض عندما حدث الاصطدام فاهتّزّت مئات الأميال المحيطة بهما، لكنّ السماء انفلقت لسبب آخر، وما أدرك الوايفرن السبب حتّى وجد نفسه يكاد يخرج إلى الفضاء الخارجي.

عندها، علم أنّ السماء انفلقت بسببه، أو بالأحرى بسبب اللكمة التي تلقّاها من باسل وجعلته يعكس مساره تماما ويعود من حيث أتى ويتجاوز ذلك بكثير.

أراد تحليل ما حصل بالضبط لكنّه لم يفهم شيئا، وظلّ في حالة صدمة بينما يغيب عقله عن الوعي ويعود لرشده مرارا وتكرارا، قبل أن يتوقّف عن الارتفاع في السماء ويبدأ في السقوط أخيرا، ليشعر بتلك الصاعقة تمرّ في كلّ عرق وعصب من جسده؛ كانت تلك الصاعقة هي الألم الذي لم يحسّ به إلّا بعد مرور بعض من الوقت من إدراكه للضربة التي تلقّاها.

نظر إلى جسده فوجد درعه متصدّعا من كلّ مكان، لكنّه صُعِق مرّة أخرى عندما وجد صدره مُخترَقا.

كان هناك ثقب على صدره لم يصل عمقه للجهة الأخرى من جسده، لكنّه بالتأكيد دمّر أكثر مناطقه الحيويّة، وبالتحديد حجره الأصليّ الذي كان فيه شقّ يمتّد على منتصفه.

سقط بلا حول ولا قوّة. حاول الطيران لكنّه كان عاجزا. حاول تغيير مساره لكنّ جسده لم يستجب له.

تجاوز السحب فاستطاع أن يلاحظ باسل ينتظره بالأسفل بنفس الابتسامة التي كانت تعلو وجهه طوال الوقت، فلم يسعه هذه المرّة أن يكون حتّى متعجرفا ويستخفّ بتلك الابتسامة التي صار يراها نذير شؤم.

ما الذي حدث؟ كيف فعلها؟ لماذا؟ متى؟

لخبطت التساؤلات عقله لكنّه لم يجد تفسيرا مقنعا.

بالطبع لم يجد؛ فهو لم يعلم شيئا عن الحكمة السياديّة التي تمنّى كلّ شخص في العوالم الروحيّة امتلاكها، وحتّى السلاطين كان يسيل لعابهم عندما يفكّرون في احتماليّة اكتسابها.

استطاع باسل بحكمته السياديّة أن يوازن الخلل في روحه بعدما استخدمها لأقصى قدراتها، وبذلك صار قادرا على استخدام الفنون القتاليّة بالمرحلة الروحيّة بسلاسة، إلى جانب طاقته الروحيّة التي جعلت من عنصريّ التعزيز والرياح يبلغان مرحلة لم يبلغاها من قبل. وكلّ هذا جُمِع في لكمة واحدة.

قال باسل بينما ينتظر وصول الوايفرن إلى الأرض: "ما رأيك بأقوى لكمة أملك؟ حتّى لو كانت بدون عنصر النار، ما تزال قوّيّة لهذه الدرجة. حسنا، سأطلق عليها 'لكمة انفلاق السماء'."

*اصطدام*

سقط الوايفرن في أعماق الأرض في أحد الوديان التي صنعتها هذه المعركة، وطلّ عليه باسل بينما يقول: "حسنا، لن أخبرك هذه المرّة أن تنهض هذه المرّة، فأنا لست عديم الرحمة، ولكن بالرغم من أنّ المعركة ممتعة إلّا أنّني على عجل للذهاب، فما رأيك أن تستسلم بما أنّ النتيجة صارت واضحة وضوح الشمس؟"

لم يجبه الوايفرن مباشرة، وبدا كما لو أنّه يفكّر فمرّت عدّة ثوانٍ قبل أن يصرخ بشكل هيستيريّ: "أنا خسرت؟ هذا لم يحدث ولن يحدث أبدا! أنا سليل التنانين العظيمة الذي سيحكم العوالم الرئيسيّة والثانويّة ويبلغ الأصل! لقد انتظرت لعصور، وها قد حان وقتي أخيرا. هذا لا يمكن أن يحصل أبدا. لا يمكن أن يحدث هذا! أبدا، أبدا! أنا سيّد هذه المنطقة المحظورة، فدعني أريك ما يمكنني فعله يا أيّها الشقيّ اللعين!"

لاحظ باسل بعينيه الحكيمتين أنّ طاقة حاجز الحماية السماويّة يستجيب لرغبة الوايفرن في الحصول على الطاقة الكافية لعلاجه وتجديد طاقته السحريّة والروحيّة.

كانت تلك العمليّة بطيئة لكنّها كانت خطيرة. فحتّى أقلّ قدر من الطاقة يمكن أن يستفيد بها الوايفرن في هذه المعركة.

قال باسل بعدما تنهّد: "يبدو أنّك تُصعّب الأمور عليّ حقّا. حسنا، لا مفرّ، سأجعلك ترى ما يمكنني فعله في هذا المجال."

ضحك الوايفرن في الأعماق وقال: "هل تمزح معي يا لعين؟ لقد أخبرتك سابقا، فهل نسيت أنّني اكتسبت تلك الحكمة في هذا المجال الذي تحكمه تلك النيّة الساميّة؟ إنّني أكثر نفوذا هنا أكثر من أيّ مكان آخر في هذه القارّة."

ارتفع حاجب باسل الأيسر وقال: "نيّة ساميّة؟ آه، تتحدّث عن الأبله. لقد كدت أنسى أنّ ذلك ما كنتُ حتى أنا أشير إليه به. حسنا، حسنا، دعني أريد شيئا مثيرا للاهتمام."

التفت باسل ولاحظ ذلك الرمح يتسكّع في الأرجاء، ولسبب ما شعر أنّ الرمح يشعر بالملل حتّى أنّه كان يستكشف المناطق المحيطة ويتبع بعض الحشرات النادرة.

"يا أبله، تعال إلى هنا."

رنّ صوت باسل في عقل الرمح، فتصرف هذا الأخير كما لو أنّه لم يسمع شيئا واستمرّ في بحثه عن الحشرات النادرة بينما يهمهم.

حملق باسل إليه: "هوهو، تتجاهلني، حسنا، تجاهلني كما تريد."

مدّ باسل يده كما لو أنّه يحاول إمساك شيء ما، وفي تلك الأثناء صاح الرمح بحماس: "أووه! لقد وجدتها، حقّا وجدتها!"

وفجأة، وجد الرمح نفسه يُجذب قسرا إلى ناحية باسل حتّى وصل إلى يده.

صرخ الرمح من شدّة الغضب: "يا أيّها اللعين! كيف لك أن تعاملني هكذا أنا الرمح الطاغيّة؟ هل تريدني أن أفرمك؟ لمَ تقاطع بحثي عن كنوز مهمّة؟ لقد كنت قريبا للغاية من إمساكها. اللعنة! كنت قريبا حقّا!"

"كنوز مهمّة؟" تعجّب باسل: "ألست كنت تبحث عن بعض الحشرات فقط؟"

"هااااه؟!" صاح الرمح: "بعض الحشرات فقط؟ هل تمزح معي؟ الحشرات التي أبحث عنها تُعدّ من أندر الحشرات في العوالم الروحيّة."

ردّ باسل عليه بعينين ملولتين: "لكنّها تبقى مجرّد حشرات. لا يهمّ إن كانت نادرة أم لا."

"يا أيّها اللعين،" غضب الرمح: "لن يسعني إيجادها الآن مهما حاولت بعدما استشعرت حضوري سابقا. حتّى لو بحثت لسنين لن أجدها. إنّها تختفي تحت الأرض عميقا و..."

قاطعه باسل قائلا: "كفانا حديثا عن الحشرات اللعينة."

أنت...!"

أكمل باسل: "على كلٍّ، هناك أحدهم يريد لقاء النيّة الساميّة التي تتسيّد هذا المجال، فما رأيك أن تلقي التحيّة؟"

"هيهي،" ضحك الرمح بعدما تغيّر مزاجه لمّا سمع 'النيّة الساميّة' وقال بصوته الخشن الذي اعتاد التكلّم به في الخفاء: "حسنا، حسنا، هذا السيّد العظيم سيمنح الشرف لهذه الروح الفقيرة أن تلتقيه. هيّا، أين أنت؟"

يبدو أنّ الرمح الطاغيّة اشتاق للعب دور السيّد العظيم الذي افتقده بعدما التقى باسل.

مرّت مدّة ولم يسمع الرمح ردّا، فالتفت إلى باسل وصرخ: "يا أيّها الوسخ القذر، هل كنت تخدعني؟"

تنهّد باسل: "هدّئ من روعك، فإنّي لست في مزاج لأخدعك الآن. أظنّ أنّ أحدهم عاجز عن الكلام فقط."

نظر الوايفرن إلى الرمح من الأعماق ولم يسعه قول أو فعل شيء سوى التعجّب: "هاه؟! إِه، إِيــــــــــه!"

***

من تأليف Yukio HTM

الفصل الرابع.

2020/04/13 · 548 مشاهدة · 1632 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024