258 – النجاح في ما لم يسبق لأحد النجاح فيه (2)
"هوهوهو،" ضحك باسل على ردّة فعل الوحش الغريبة وقال: "هل تفهم ماذا يعني هذا؟"
ارتعب الوحش في الأعماق بينما يقول: "هذا... هذا غير ممكن... كيف لك أن تملك كلّ هذه الامتيازات؟ كيف لغرّ بدأ حياته للتوّ أن يملك ما لا يملكه سلاطين العوالم الروحيّة حتّى؟ كيف للعين مثلك أن يملك سلطة على حاكم هذا المجال؟"
ابتسم باسل وردّ بصدر رحب: "لا تقلق، ستكتشف كلّ هذا عندما أستحوذ على روحك. ثق بي، لربّما لستَ سعيدا لأنّني سأسلب روحك، بمعنى سأقتلك، وهذا طبيعيّ للغاية، أو بالأحرى عليك أن تقاتلني من أجل حياتك، ولكنّك ستعلم أنّه لا يمكنك بلوغ عظمة مثل التي ستبلغها معي."
رفع باسل الرمح فوق رأسه ثمّ اخترق به الأرض فإذا بالوايفرن يشعر بانقطاع اتّصاله بطاقة الحاجز السماويّ.
كان هذا المجال قادرا على استنزاف طاقة قارّة الأصل والنهاية من أجل المصفوفة والعالم الثانويّ، ولهذا بإمكان هذا المجال عزل الطاقة الخارجيّة تماما أيضا.
لقد كان هذا المجال مُعدّ خصّيصا من أجل العالم الثانويّ الذي دخله باسل، والذي كان يحكمه الرمح الطاغيّة، ولهذا كان باسل حاليا يستطيع فعل ما يشاء في هذا المجال كونه يملك سلطة على الرمح الطاغيّة بنفسه.
فزع الوحش أكثر لمّا حدث ما حدث، وفهم أخيرا لمَ كان باسل واثقا طوال الوقت بالرغم من أنّه يُفترض أنّه وجد نفسه في منطقة العدوّ المفضّلة.
"مستحيل...!"
نهض الوايفرن بتلك الطاقة القليلة التي قدر على تحصيلها وثقب أعماق الأرض فبدأ يهرب.
كان هدفه واحد: "يجب أن أخرج من هذا المجال بأقصى سرعة حتّى أستطيع أن أحتمي بأتباعي. يجب أن أهرب من هذه القارّة وألتهم أرواح السحرة قدر المستطاع. اللعنة، لماذا لم أفعل هذا ما أن اخترقت إلى المستويات الروحيّة؟ تبّا...!"
كان الوايفرن واثقا للغاية، وكان ذلك لسبب جيّد، إلّا أنّ وجود شخص مثل باسل لم يكن في وضع الحسبان.
ترك باسل الرمح مغروسا في الأرض وتحرّك متتبّعا حركة الوايفرن من فوق الأرض. لقد كان يستطيع أن يشعر به بتحكّمه الحكيم السليم الذي جعله قادرا على التحكّم في استشعاره الروحيّ لدرجة مخيفة، إذ صار قادرا على معرفة عدد النمل والدود الموجود تحت باطن الأرض حتّى.
قفز باسل فجأة ثمّ اندفع بسرعة فائقة نحو الأرض من جديد وقبضته تتقدّمه، فإذا به يخترق الأرض التي تزلزلت وانشقّت وصُنِع نفق يؤدّي مباشرة إلى مكان الوحش.
*اهتزاز*
وجد الوايفرن نفسه فجأة تحت قوّة غامرة لم يستطِع مراوغتها بسرعته البطيئة.
*كسر*
تحطّم درعه المتصدّع وانكسرت عظامه وفُرِم بعضا من لحمه تحت قوّة لكمة انفلاق السماء، وشُلّ جسده تماما لقليل من الوقت.
فتح عينيه ليجد باسل بجانبه، فإذا به يصرخ من الهلع ويتسارع دمه بشكل مذهل، فتوهّج حجر الأصليّ المشقوق وعصر كلّ ما يملك من طاقة متبقّيّة واستخدمها كلّها من أجل تزويد التعاويذ الذهنيّة الروحيّة بالطاقة اللازمة لتفعيل الفنّ القتاليّ.
*فرقعة*
تفرقع الصوت في المرّة الأولى فاختفى الوايفرن قبل أن يتفرقع الصوت عدّة مرّات متتالية بدون أيّ وجود للوحش.
كان باسل على أهبة الاستعداد نظرا لكونه يعلم أنّ كلّ ما يجول في خاطر العدوّ هو الهرب حاليا، لذا ما أن اختفى الوحش حتّى كان باسل خلفه بالضبط.
كانا هذه المرّة في السماء.
كانا سريعين لدرجة جعلت فيها كلّ تحرّكاتهما السابقة تبدو بطيئة.
انشقّ حجر الوحش الأصليّ أكثر وكان ذلك علامة على تجاوزه حدود طاقته، فهو لم يعد يستخدم الطاقة الروحيّة بشكل عادي، بل بدأ يستخدم الطاقة التي تكوّن الحجر الأصليّ نفسه؛ كلّ هذا من أجل نجاته.
تكلّم باسل بروية بينما يتبع الوحش: "أخبرني، لقد قلت سابقا أنّك وُلِدت هنا، كيف ذلك؟ هذا العالم لا يملك سلالة الوايفرن التي تفضّل العوالم الروحيّة الغنيّة بالطاقة. هل تعلم شيئا عن كيفيّة وصولك إلى هنا؟"
كان الوحش في حالة يُرثى لها، سواء جسديّا أو ذهنيّا أو روحيّا، لكنّ هذا الشقيّ يسأله مثل هذا السؤال في مثل هذا الوقت. هل يعبث معه الآن؟
كان غضب الوحش بنفس درجة خوفه، لكنّه عجز فعل شيء غير الهرب.
صرخ يائسا: "ستندم على هذا يا أيّها اللعين. أقسم لك أنّك ستندم على هذ-"
انقطع كلام الوحش فجأة، ولمّا علم عن السبب وجد جسده مثقوبا، وحجره الأصليّ غير موجود.
حدّق إلى باسل فوجد الحجر الأصليّ بيده، فقال بصعوبة شديد بينما يضعف صوته شيئا فشيئا: "ذلك... إنّه يخصّني... أعد..ه إلــ...ـيّ..."
سقطت جثّة الوحش بعدما مات، فظهر في مكانها طيف أزرق فاتح اتّخذ شكل الوايفرن لكنّه كان صغيرا للغاية، وبالضبط بحجم القبضة.
نظر باسل بعد ذلك إلى الحجر الأصليّ في يده ثمّ اقترب إلى الطيف وقال: "حسنا، لنجمع روحك الآن."
كان ذلك الطيف هو روح الوايفرن، والتي استطاع باسل، بعدما صار صاعدا، رؤية مثلها عند العديد من الوحوش السحريّة بالرغم من اختلافها قليلا كاختلافها مثلا من حيث كثافة طاقتها وقوّة إرادتها.
والآن بعدما صار سيّدا روحيّا، كان قادرا على لمس تلك الأرواح، ولهذا وضع يده على روح الوايفرن التي كانت ما تزال هناك، ودمَجها بالحجر الأصليّ، فدخلت إلى الحجر الأصليّ كما لو أنّها تعود إلى مكانها الطبيعيّ.
نبض قلب باسل بسرعة كبيرة وبدأت الجروح تظهر على لحمه وشحُب وجهه كثيرا؛ كانت تلك علامة على بلوغه حدوده. لم يعد احتواء الضرر ممكنا حتّى بالحكمة السياديّة وشفاء جسده الذاتيّ المذهل.
لقد كان يجب عليه البدء في عمليّة الاستحواذ حالا.
ظهرت الأرض الواسعة تحت قدميه، فوضع عليها الحجر الأصليّ، فإذ به يُمتصّ تدريجيّا حتّى اختفى تماما بها، فأعاد باسل الأرض الواسعة إلى روحه وبدأ عمليّة الاستحواذ على روح الوحش.
كان يجب على الشخص دمج طاقة الحجر الأصليّ بنفسها مع طاقة الأرض الواسعة، ودمج روح الوحش مع روح الساحر بأكملها، ولهذا توجّب إزالة الشوائب الضارة من طاقة الحجر الأصليّ والروح على حدّ سواء.
لم يكن لباسل مشكلة في هذا في الواقع، بل كان هذا هو الجزء الأسهل بالرغم من صعوبته وأهمّيته للعديد من السحرة، ولكن باسل كان عليه الآن أن يستغلّ هذه الروح التي أعدّها السارق الخسّيس من أجل موازنة الاضطراب.
تمتم باسل: "والآن، فلنجعل العوالم تشهد أو ساحر روحيّ يملك روحين."
كانت الأرض الواسعة التي ظهرت في بحر روح باسل تُعدّ روحا بذاتها، ولهذا عندما كان يكوّن روحه الخاصّة بينما يخترق إلى المستويات الروحيّة، كان عليه فصل تلك الأرض الواسعة عن الأرض الواسعة التي سينشئها بنفسه كساحر روحيّ.
وبسبب هذا أصبحت لديه أرضين واسعتين، وبمعني آخر، أصبح يملك روحين.
كان هذا غير اعتيادي أبدا، فلا جسد كان قادرا على احتواء روحين، ولا روحين كانتا قادرتين على الوجود بتناغم في جسد واحد.
ولكن باسل حصل على جسد مذهل عند لقائه بالوحش النائم، لذا أتمّ شرط وجود جسد قادر على احتواء روحين، وتبقّى له الشرط الثاني، ألا وهو مناغمة الروحين.
فهم باسل أنّ السارق الخسّيس قد أعدّ روح هذا الوحش حتّى يناغم بين الروحين، لكنّه لم يكن متأكّدا مئة بالمئة. فالتناغم الذي سعى السارق الخسّيس كان مختلفا تماما عن التناغم الذي يحاول هو فعله.
فالسارق الخسّيس كان يحاول فقط دمج أرض واسعة بالأخرى، أيّ جعلهما أرضا واسعة واحدة من جديد، واحتاج لروح وحش قادرة على الارتباط بكلا الأرضين الواسعتين، لكنّ باسل كان يحاول الحفاظ على استقلاليّة كلّ أرض واسعة بينما يحافظ على تجانسهما معا.
ظهر الحجر الأصليّ من الأرض الواسعة فجأة، لكنّه كان في الواقع نصفا فقط. طاف هذا النصف في المجال الروحيّ والتصق بالأرض الواسعة الثانيّة التي كانت أصغر من الأولى.
مرّ بعض الوقت بينما يعاني باسل، فبدأت الأرض الواسعة الثانيّة تكبر حجما بينما تصغر الأرض الواسعة الأولى، واستمرّ ذلك حتّى أصبح حجمهما متساويا.
توهّجت الأرضان الواسعتان في نفس الوقت فحلّقت طاقات العناصر السحريّة من الأرض الواسعة الأولى مرورا إلى الثانيّة، واندمجت معها، فتكوّنت هناك ثلاثة عناصر مماثلة للأصليّة في الأرض الواسعة الأولى.
صار جسد باسل ليّنا كما لو كانت عظامه تنصهر تحت لحمه الذي احمرّ من السخونة حتّى اشتعل وبدأ يحترق.
أسرع باسل وكوّن حاجز يربط الروح الأولى بالثانيّة، وكان هذا الحاجز مكوّنا من تعاويذ الحكمة السياديّة وحروفها الرونيّة. فعل هذا حتّى يحاصر بقايا السارق الخسّيس التي كانت تسكن الروح الثانيّة.
وعندما نجح في هذا أخيرا ظهرت روح الوايفرن تطفو بين الأرضين الواسعتين، بينما تتوهّج بضوء أزرق فاتح يمتدّ منها على جهتين، ويرتبط بكلّ أرض واسعة.
توهّج جسد باسل وانطلقت الطاقة تصاعديّا من جسده بعدما صنعت دويا من شدّة قوّتها.
كانت تلك الطاقة كثيفة للغاية حتّى أنّها جعلت العديد من الوحوش السحريّة تهرب إلى أبعد مكان ممكن بالرغم من أنّها أصلا بعيدة عن المجال الذي يوجد فيه باسل.
تجلّت صورة باسل بعدما تبدّدت تلك الطاقة التي أحاطت جسده قبل قليل، فإذا به يظهر على خير وسلام، مشفى معافى كما لو أنّ شيئا لم يحدث.
أحكم قبضتيه وصرخ: "لقد نجحت! لقد فعلتها! يا معلّمي، لقد فعلتها حقّا! لقد كانت روح الوايفرن بتلك الحكمة التي تلقّتها قادرة على الارتباط بكلا الروحين والمساهمة في مناغمتهما حقّا. وهذا لم يكن لينجح في النهاية بدون الحكمة السياديّة. لم أخب ظنّك بي يا أيّها المعلّم!"
شعر باسل بسعادة لا توصف، وليس فقط لأنّه نجح في فعل ما لم يسبق لأحد النجاح فيه، بل أيضا لأنّه أحسن استخدام الحكمة السياديّة التي تلقّاها من معلّمه. لقد كانت السعادة تغمره لأنّه لم يضع تضحيّة معلّمه هباء.
ابتسم ثمّ قال: "حسنا، الآن يمكنني فعل ذلك أيضا."
مدّ يده فإذا بالرمح ينقلع من الأرض ويأتي محلّقا إلى يده.
كان الرمح ليصرخ بسبب هذا في العادة، لكنّه كان متحمّسا للرحيل أخيرا بعدما انتهى باسل.
"هيّا، أخيرا سنذهب. لا تخبرني أنّك ستبدأ بصنع سلاحك الروحيّ أيضا. ذلك سيتطلّب وقتا طويلا ولا يسعني تحمّل دقيقة أخرى هنا."
قال باسل بينما يحافظ على ابتسامته: "لا تقلق، سنخرج في وقت قريب، لكنّني بالفعل سأصنع سلاحيّ الروحيّ قبل ذلك."
"هاه؟" صرخ الرمح: "لا تعبث معي يا أيّها اللعين. صنع السلاح الروحي يستغرق أسابيع حتّى ينتهي كلّيّا، فكيف لك أن تخبرني أنّنا سنذهب في وقت قريب؟ دعني من هذا الكلام، أنا أريد الذهاب الآن، حالا، توّا، فورا."
كانت ابتسامة باسل ما تزال تعتلي وجهه: "سترى. فأنا لن أصنع سلاحا روحيّا من البداية، بل فقط سأجعل سلاحا روحيّا سلاحيّ الروحيّ."
ضحك الرمح الطاغية: "فافافافهمت، وكيف ستفعل ذلك بالضبط؟ هل تظنّ أنّه فقط لأنّك تملك الحكمة السياديّة يمكنك فعل ما تشاء؟ فافافا!"
ضحك الرمح باستمرار: "وأصلا، أين يمكنك أن تجد سلاحا روحيّا جاهزا؟ هل نسيت أنّك الساحر الروحيّ الوحيد في هذا العالم؟"
حدّق باسل إلى الرمح ولم يزح تلك الابتسامة عن وجهه، فلم يسع الرمح سوى أن يقول: "لماذا تستمرّ بالابتسام بهذا الشكل. إنّ هذا مقزّ..."
لم يكمل الرمح كلامه حتّى استوعب كلام باسل أخيرا. لقد استبعد نفسه من لائحة الأسلحة الروحيّة التي يمكن السيطرة عليها بسبب غروره وقوّته، لكنّه تذكّر أخيرا أنّ هذا الشقيّ يملك سلطة عليه.
"انتظر، لا تخبرني... لا تفعل هذا! إنّك تمزح، أليس كذلك؟ دعنا نهدّئ أعصابنا، حسنا؟ لنتكلّم بروية ونفهم ما يدور هنا."
قال باسل: "الوحيد الفاقد أعصابه هنا هو أنت. إنّني في كامل هدوئي ورزانتي حاليا."
صرخ الرمح وحاول الابتعاد عن باسل لكن بدون جدوى: "هيّا، لا تكن سخيفا، هذه إحدى خدعك القذرة، أليس كذلك؟ إنّك تحاول أن تعبث معي فقط، أليس كذلك؟"
ابتسم باسل في وجهه فصرخ الرمح: "اللعنة، تلك الابتسامة من جديد. إنّها الابتسامة اللعينة التي تفعلها عندما تخطّط لفعل شيء خبيث."
توهّجت جبهة باسل الذي بدأ يردّد: [ما العالم الواهن إلّا جزء لا يتجزّأ من سيادة الفلّاح الفاطن. من حاول حلّ اللغز والهروب من النكران ضاع في بحر السلوّان، كلٌّ ارتهن في هوان وامتهان، حتّى يحين أوان كشف البهتان وجلب الأمان والاطمئنان، ببرهان السلطان ذو الطغيان.]
[أنا السلطان!]
توهّج الرمح الطاغيّة حتّى تحوّل هو بنفسه إلى ضوء اندمج بعد ذلك مع الضوء المنبعث من جبهة باسل.
لم يسع الرمح فعل شيء بينما تخضع روحه لسيطرة باسل، وفجأة أحسّ بشيء غريب، شعر كما لو أنّه يذوب كحديد يُصهر ليُخلط بعنصر آخر. كان ذلك الإحساس مشمئزّا بالنسبة له بما أنّه لطالما امتلك سلطة متفرّدة، ولكنّ ذلك الشعور كان دافئا في نفس الوقت نظرا لكونه قد اختبر وحدة قاسية لعصور مضت.
"ما الذي تفعله يا أيّها الشيطان الصغير؟! توقّف...!"
كان الرمح مذعورا كونه وجد نفسه يُجذب إلى أعماق روح باسل، بلا حول ولا قوّة.
ابتسم باسل نفس الابتسامة التي بدت للرمح شيطانيّة، وردّ بشكل ساخر: "ماذا؟ أظننتني سأخضعك لي ببساطة؟ بالطبع لا! لقد أخبرتك، إنّني عزمت على تحدّي السارق الخسّيس ولو عنى ذلك سرقة كلّ شيء منه والتعرضّ لخطر سلبه جسدي وروحي منّي، ووفقا لذلك، سأجعلك تصاحبني في رحلتي."
صرخ الرمح: "إنّي ألعنك ما حييت يا أيّها الشقيّ القذر...!"
***
من تأليف Yukio HTM
أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائيّة أو نحويّة.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.