259 - شمطاء الوباء والفاصولياء المشعَّرَة

252 – شمطاء الوباء والفاصولياء المشعَّرَة

لم يمرّ وقت طويل حتّى كان الرمح الطاغيّة مندمجا بروح باسل الثانيّة، والتي كانت هي الروح التي يسكنها السارق الخسّيس. كان لا بد من دمجه بالروح الثانيّة حتّى يتمّ ذلك بنجاح كون طاقة تلك الروح مألوفة لطاقة الرمح كثيرا.

جعل هذا الأمر دمج الرمح بالروح سلسا، لكنّه جعله خطرا للغاية على باسل، إذ كان الرمح سلاح السارق الخسّيس الروحيّ، وقد يستغلّه هذا الأخير من أجل أخذ السيطرة.

كان باسل يعي بهذه المخاطر، ومع ذلك فعلها؛ أراد أن يحطّم كلّ ما بناه السارق الخسّيس كلّيّا. أراد أن يسرق منه كلّ شيء.

صرخ الرمح في أعماق باسل: "يا أيّها الشقيّ، إن لم تجسّدني في الخارج حالا، فسأجعل حياتك مريرة."

تنهّد باسل ثمّ قال: "لا تقلق، لم أكن أنوي فعل ذلك أصلا. لن يسعني تحمّل ثرثرتك في أعماق روحي."

توهّج جسد باسل وانبعث منه ضوء تشكّل على شكل رمح؛ كان ذلك هو الرمح الطاغيّة.

شعر باسل أنّ الرمح يحملق إليه، فقال: "ماذا هناك؟"

ردّ الرمح: "لقد فعلتها حقّا. لقد تجرّأت وفعلتها اخيرا يا أيّها اللعين. تذكّر، إنّك ستندم على هذا."

تجاهل باسل كلام الرمح ثمّ توجّه نحو خارج المجال.

كانت سيطرته على المجال أكثر قوّة بكثير عمّا كانت عليه، لكنّه لم يكن يستطيع استخدام قوّة هذا المجال ولا قوّة ذلك العالم الثانويّ ببساطة لأنّه ذلك سيجعل من نفوذ السارق الخسّيس داخل روحه الثانيّة أقوى فقط.

لاحظ باسل أنّ هناك وحوش سحريّة تنتظره في الخارج، فعلم أنّ هذه وحوش قد أتت إلى هنا بناء على طلب الوايفرن لكنّها لم تستطِع ولوج هذا المجال لوحدها.

كانت هذه الوحوش بالمستوى العاشر فما فوق، فكلّ الوحوش التي كان مستواها أضعف هربت بعدما نجح باسل في مناغمة الروحين وانفجرت طاقته.

كانت الوحوش تحمل نيّة قتل شرسة تجاه باسل، لكنّه ما أن حدّق إليها حتّى تجمّدت في مكانها. لقد كان عددها يصل إلى الآلاف إّلا أنّها لم تستطِع تحريك شعرة من أجسادها.

كان هناك سببان رئيسيّان، فباسل كان سيّدا روحيّا وليس أيّ سيّد روحيّ، بل سيّد روحيّ بروحين، وهذا أمر غير طبيعيّ ولم يُشهد له مثيل في كلّ الأزمنة والأمكنة، فكانت الهالة التي يبعثها شديدة للغاية. أمّا السبب الآخر، فقد كان حقيقة استشعار هاته الوحوش لروح سيّدهم في أعماق روح باسل.

لم تتزحزح الوحوش السحريّة من مكانها وظلّت منتظرة مغادرة باسل بسلام، آملةً ألّا تُقتل على يديه.

لم يهتمّ باسل لها بعد ذلك واتّصل مباشرة بأنمار تخاطريّا؛ لقد خرج أخيرا من المجال الذي كان يمنع اتّصاله.

عبس فجأة وقال: "لمَ هذا لا ينجح؟"

حاول مرّة أخرى لكنّه لم يستطع الاتّصال بها: "هذا غريب!"

غيّر اتّجاه اتّصاله إلى تورتش لكنّ نفس الامر حدث، فحاول الأمر مع باقي قادة التشكيل والكبير أكاغي إلّا أنّه لم يستطع التواصل مع أحد.

قال باسل مستغربا: "ما الذي يحدث بالضبط؟ هل هناك خلل بخواتم التخاطر بعد التحوّل الروحيّ للعالم؟ لا، هذا غير محتمل. إذن..."

وفجأة، تلقّى باسل اتّصالا من شخص لم يتوقّع أنّ يتلقّى اتّصالا منه أبدا. لقد ربط خاتم تخاطره بخاتم تخاطر هذا الشخص فقط من أجل العمل، لكنّهما لم يتكلّما تخاطريّا أبدا.

لقد كان ذلك الجنرال كاميناري رعد.

(ماذا هناك أيّها الرجل الأشقر؟ هل هذا له علاقة بسبب عدم قدرتي على التواصل مع أنمار والبقيّة؟)

لم يقل الجنرال رعد شيئا إلّا بعد مرور قليل من الوقت، لكنّ كلامه لم يكن ردّا على سؤال باسل، بل مجرّد كلمات متفرّقة، ومتردّدة، ومذعورة: (أنـ-أنا آسف... لديّ خبر سيّئ... أرجوك أنصت بهدوء...)

اقشعرّ جسد باسل. لم يكن الرجل الأشقر ليبدأ كلامه بالتأسّف أبدا عندما يتحدّث معه. كان هذا دليلا على جدّيّة الوضع، وخصوصا بعدما أتبعه بقوله 'خبر سيّئ' و'أرجوك'.

(أيّ خبر سيّئ؟)

***

قبل فترة طويلة، وبالضبط عندما انتهى تحوّل العالم الروحيّ الحقيقيّ، في أكاديميّة الاتّحاد المباركة العائمة في السماء.

ترقّبت أنمار والآخرون بحذر أحد الشروخ الفضائيّة التي ظهرت في أنحاء العالم، وخصوصا أنمار التي جعلت حذرها في أقصى الدرجات الممكنة. لقد علمت من باسل أنّ العوالم مختومة عن بعضها لذا لا يمكن لأحد من عالم آخر أن يأتي لعالمهم، لكنّ ما يحدث أمامها دمّر تلك الفكرة تماما.

ظهر صاحب تلك القدم بالكامل من الشرخ الفضائيّ، فتعجّبت أنمار وحدّقت إليه كما لو أنّها تحاول اكتشاف هويّته، إلّا أنّه كان مجهولا لها، فذلك لم يكن الشيطان الذي توقّعت ظهوره.

"من تلك...؟"

سأل الجنرال رعد لكنّه لم يتلّق إجابة كما لم يتوقّع أصلا أن يتلقّاها. كان ذلك سؤالا خرج من فمه بالفطرة بعدما شاهد شخصا اتخذت هيئته شكل مرأة ارتدت فستانا أحمر يشتعل بلهب أحاط جسدها وركب كتفيها فتشكّل على هيئة عنقاء لوهلة قبل أن يختفي مخلّفا وراءه شرارات ترقص على شعرها الذهبيّ.

كان فستانها المشتعل يغطيّ جسدها لكنّه كان يكشف عن ذراعيها النحيلتين والناعمتين مثلما كان مفتوحا من جهة الفخذين لتظهر ساقيها الرفيعتين. جعل الفستان منحنيات جسدها تُرسَم بأناقة وأبرز صدرها وردفيها فأظهر جمالها بدل أن يخفيه.

كانت الهالة حولها جليلة وكان من الواضح أنّها امرأة عليلة، فالهواء حولها أصبح عطرا طيّبا فقط بوجودها فيه، وانتعشت الأرض عندما نزلت عليها كما لو أنّها تفرح بوجودها. كانت طاقة حياتها مدهشة لدرجة أثرت فيها على المنطقة التي تحيط بها، فالأزهار زهت، والتربة خصبت، والأوجه نضرت.

حدّقت أنمار والآخرين إليها عندما نزلت على الأرض باندهاش، ولم يعلموا عن نواياها إذ كانت مغمضة العينين حتّى الآن.

كانت تحرّكاتها سلسة وراقية، فكلّ خطوة منها جعلتها تبدو في حلّة جديدة.

مشيت فجأة نحو أنمار والبقيّة، فاستعدّ أولئك الأربعة وشحنوا طاقاتهم السحريّة، لكنّ المرأة اختفت من أمام أعينهم دون أن يلاحظوا، وبالرغم من أنّهم حاولوا استشعار حضورها إلّا أنّهم فشلوا.

"&@&@-&&@&*@&@&-&&@&@&@*-@&@"

سمعت أنمار كلاما من ورائها فجأة فاستدارت وتراجعت في نفس الوقت بضعة خطوات للوراء بسرعة، وذلك ما فعل الجنرال رعد ثمّ تورتش ثمّ التاجر الناصر.

تقطّر وجه أنمار بالعرق بالضبط كما حدث للثلاثة الآخرين؛ لقد وصلت تلك المرأة إلى خلفهم دون أن يشعروا بتاتا بها، حتّى أنّهم لم يدركوا أنّها خلفهم إلّا بعدما تكلّمت.

أمالت المرأة رأسها للجانب قليلا كما لو أنّها مستغربة، ووضعت سبّابتها اليمنى على ذقنها وبدت تفكّر في شيء ما. مرّت لحظات قبل أن تزيل سبّابتها عن وجهها وتشير بها للأعلى كما لو أنّها تذكّرت شيئا، فأظهرت خاتما يبدو أثريّا من خلال النظر إلى الرموز المنقوشة عليه، ثمّ نظرت إلى أنمار.

"نسيت وضع خاتم اللغة. هل تفهمونني الآن؟"

تكلّمت المرأة من جديد لكنّ كلامها هذه المرّة كان مفهوما.

"من أنت؟"

قالتها أنمار بينما تتّخذ أقصى درجات حذرها كالعادة.

حدّقت المرأة إلى أنمار بعمق وقالت: "يبدو أنّكم تفهمونني، إذن لا شكّ في أنّ هذا هو العالم الواهن. لن تعرفوني حتّى لو أخبرتكم عن هوّيتي، لذا سأتجاوز كلّ ذلك وأسألكم عمّا أريد."

تيقّنت المرأة من أنّها في العالم الواهن بعدما علمت أنّ الأشخاص أمامها يفهمونها بعدما وضعت خاتم اللغة على إصبعها.

لم يستطِع أحد من الأربعة قول شيء، فعقولهم ما زالت تحاول مواكبة ما يحصل حاليا.

"هناك عنصر العلاج في العالم الواهن، صحيح؟ أريد أن أسألكم عن سحرة العلاج في هذا العالم. هلّا أخبرتموني أين يمكنني إيجاد أحدهم؟ من الأفضل أن يكون أفضلهم."

تفاجأ الأربعة من السؤال غير المتوقّع على الإطلاق، فومضت صورة شي يو في عقل تورتش، والذي سأل بعدئذ، عابسا: "ما الذي تريدينه منهم؟"

نظرت المرأة إلى تورتش كما لو أنّها تقرأ تعبيراته ومشاعره ثمّ قالت: "أمم... يبدو أنّكم تعلمون أين يمكنني إيجادهم. أنت..."

وجّهت سبّابتها نحو تورتش فانتبه لها، لكنّه وجدها أمامه دون أن يعلم متى تحرّكت.

"أخبرني."

قرّبت وجهها من وجهه وحدّقت بعينيها إلى عينيه عن كثب، فتوتّر تورتش وتجمّد في مكانه عندما وجد نفسه مقيّدا بجمالها الخلّاب؛ فعيناها البرتقاليّتان التهبتا من حين إلى آخر عندما رمشت برموشها الطويلة، والتصقت الشرارات بحاجبيها المحدّدين اللذين بدوا كما لو كانا مرسوميْن، فأنار وجهُها الناضرُ العقولَ كما تنير الشمس العالم بلهبها.

. وفي نفس الوقت، وجد تورتش بها شيئا غريبا؛ كانت أذناها طويلتين بشكل غريب عن آذان البشر، إذ امتدّتا للجانبين، لكنّهما فقط تناسقتا مع تركيبة وجهها وزادتاها جمالا.

"تورتش!"

صرخت أنمار وأرسلت نيّتها وإرادتها وهالتها في نفس الوقت، فعاد النور إلى عينيْ تورتش بعدما اختفى منهما، فابتعد عن المرأة بضع خطوات، ثمّ هز رأسه أفقيّا وردّ عليها: "لا أعلم."

أمالت المرأة رأسها وابتسمت مغمضة العينين بلطف، فاختفت من أمام ناظر الأربعة لتظهر من جديد أمام تورتش، والذي رأى إصبعا يقترب من جبهته، لكنّه لم يدرك في الواقع أنّ ما اقترب من جبهته كان إصبعا حتّى فات الأوان.

*نقرة*

حلّق تورتش طائرا لعشرات الأمتار بينما يحتكّ جسده مع الأرض حتّى اصطدم بحجر ضخم بجانب البحيرة المباركة.

اتّسعت أعين الثلاثة الآخرين لمّا رأوا تورتش يحلّق بذلك الشكل بسبب مجرّد نقرة على الجبهة من وسطى يد المرأة اليمنى.

"تورتش!"

صرخت أنمار وأسرعت لترى حال تورتش، فتلك النقرة كانت غير طبيعيّة. لقد كان تورتش ساحرا بالمستوى الرابع عشر لكنّه عومِل كحشرة لا تحتاج لمجهود كبير من أجل القضاء عليها، ومجرّد إصبع واحد كافٍ لسحقها.

وضعت المرأة سبّابتها اليمنى على خدّها وأمالت رأسها قبل أن تقول: "هذه الأخت الكبرى تكره الكذّابين لعلمك♪"

كانت نظراتها عادية، كما لو أنّ ما يحصل حاليا لا يحتاج أن يؤثّر عليها بأيّ شكل من الأشكال.

أكملت بعدما أزالت إصبعها عن وجهها: "لكن لا تقلق، كلّ ما فعلته هو تحذيرك. لم أقتلك 'بعد'. والآن، هل أنتم مستعدّين لإجابتي بصدق؟"

بالرغم من أنّ أنمار ذهبت لترى حول تورتش، إلّا أنّ المرأة لم تحاول فعل شيء لها وظلّت واقفة هناك بصمت كما لو أنّها تنتظر الإجابة التي تنشدها فقط.

حملت أنمار رأس تورتش من رقبته وحاولت إيقاظه: "يا تورتش، أجبني. هيّا، استيقظ. لا يمكن أن تكون هذه نهايتك."

سعل تورتش الدماء مع عودة تنفّسه وحاول فتح عينيه إلّا أنّ الصداع شوّش دماغه وشلّ جسده. كان يحسّ كما لو أنّ هناك صاعقة سقطت عليه من حيث لا يدري. لم يسعه أن يحرّك إصبعا واحدا لبعض الوقت.

أصبحت نظرات أنمار حادّة فالتفتت إلى المرأة وحدّقت إليها بنيّة قتل شرسة جعلت المرأة تندهش حتّى أنّها أخرجت صوتا: "أووه.."

ابتسمت المرأة وقالت: "لديك عينان جيّدتان أيّتها الفتاة الصغيرة. هذه الأخت الكبرى تمدحك♪ أنت تجعلينني أريدك أيضا، لكن أوّلا أريد سحرة العلاج."

لم تُوقف أنمار نيّة قتلها تجاه المرأة، لكنّها مع ذلك كانت قادرة على التفكير بشكل سليم؛ لقد كانت تعلم أنّ الشخص الذي أمامها يمكنه سحق سحرة مستويات الربط بكلّ سهولة ولو اجتمعوا بالمئات والآلاف عليه.

حلّلت الموقف وخصوصا كلمات المرأة، فتلك الكلمات حتّى الآن كانت دليلها الوحيد.

(سحرة العلاج؟ هدفها الأوّليّ؟ خاتم اللغة؟)

فكّرت أنمار فاتّسعت عيناها فجأة بعدما أدركت ما يحصل.

(لا شكّ في أنّ هذه المرأة من عالم آخر، ولكن لا يبدو أنّ هدفها هنا هو العيث فسادا، وإنّما البحث عن سحرة العلاج؟ لماذا إذن؟ لأنّها تحتاج إليهم؟ ولكن لماذا؟)

(تقترب ندرة عنصر العلاج من عنصر التعزيز، وهذه حالته في العالم الواهن، إذن ماذا عن العوالم الأخرى؟ هل باقي العوالم تملك عنصر العلاج أصلا؟)

أدركت أنمار شيئا آخر: (هذه هي، لو أتت للعالم الواهن فقط لتبحث عن سحرة العلاج، فلا بدّ وأنّ عالمها ينقصه عنصر العلاج أو على الأقلّ هو نادر بشكل أكبر من ندرته في العالم الواهن، أو قد تكون فقط تبحث عن ساحرِ علاجٍ واعدٍ بعدما لم تجد موهبة جيّدة في عالمها؟)

(إذن... هي هنا حتّى تأخذ معها سحرة العلاج؟)

(هذا... تبّا، هذا سيّئ للغاية. ذهبت شي يو لتطمئنّ على عائلتي، ويبدو أنّها برفقة هيل، لذا أفضل ساحريْ علاج في العالم الواهن مجتمعين معا. لو أدركت هذا الأمر ستتّجه إلى هناك وتختطفهما، ولكن سوء الأمر لا يتوقّف عند ذلك الحدّ، بل يزيد عندما أفكّر في مقاومة ذينك الاثنين والآخرين. لا أعلم حتّى الآن عنها شيئا لذا لا أضمن عدم قتلها لأيٍّ منّا. حتّى تورتش أصبح على هذا الحال فقط لأنّه كذب عليها.)

(اللعنة، ماذا يجب أن أفعل؟ هل أكذب عليها؟ لكنّها ستعلم بدون شكّ كما حدث مع تورتش.)

(لماذا استطاعت المجيء لعالمنا أصلا؟ أليس الاتّصال بين العوالم مختوما؟ ما الذي حدث...؟)

توقّفت أنمار عند تلك الفكرة فجأة كما لو انّها اكتشفت شيئا، وأعادت ترتيب أفكارها مرة أخرى: (نعم، الاتّصال بين العوالم مقطوع حاليا، ولكن ذلك الختم وُضِع على عالمنا عندما كان سحريّا، فما الذي سيحصل عندما يتحوّل إلى عالم روحيّ إذن...؟)

"أخبريني أيّتها الفتاة الصغيرة، أين يمكنني إيجاد سحرة العلاج؟"

قوطِع تفكير أنمار الذي بدا طويلا للغاية لكن في الواقع لم يستغرق سوى لحظات وجيزة. كانت أنمار في قمّة حذرها وشغّلت دماغها لأقصى درجة، لذا استطاعت أن تفهم الكثير حتّى الآن في مدّة قصيرة جدّا.

والآن، وجدت نفسها بلا خيارات، فهي لا يسعها الكذب ولا تستطيع إخبارها بالحقيقة كذلك؛ لا يمكنها أن تضحّي بـشي يو وهيل، أو ربّما حتّى أشخاص آخرين.

(ماذا أفعل؟ تبّا، ما أفعل؟ يا باسل...)

شعرت بأنمار بضعف الحيلة، فلا شيء كان سينفعها أمام قوّة غامرة كهذه. لقد كانت تعلم أنّ هذه المرأة يمكنها الرؤية عبر وهمها بسهولة كما يمكنها الرؤية عبر أكاذيبها، ويمكن للمرأة أن تقتلها بسهولة أيضا لذا لا يمكن لأنمار محاولة قتالها.

أمالت المرأة رأسها للجانب قليلا: "أمم... لا أظنّ أنّك لم تسمعيني، فلماذا لا تجيبينَني؟ هل..."

رأت أنمار المرأة ترفع قدمها بينما تتكلّم، وفجأة أصبح صوتها البعيد قريبا بدون أن يقتطع كلامها: "...يمكن أنّك تفكّرين في إخفاء الحقيقة عنّي؟"

كانت المرأة أمام أنمار، ومرّة أخرى وصلت بدون أيّ إشعار؛ لقد كانت سرعتها جنونيّة وملاحظتها لم تكن ممكنة.

بلعت أنمار ريقها: "أنا... أنا لن..."

حاولت أنمار قول شيء ما لكنّها توقّفت فجأة عندما رأت المرأة تنظر إلى اتّجاه آخر. نظرت أنمار إلى نفس الاتّجاه فلاحظت نفس الشيء يحدث بأحد الشروخ الفضائيّة كما حدث عند ظهور هذه المرأة، إذ ظهرت قدمٌ أوّلا قبل أن تتجلّى صورة الشخص الذي خرج من الشرخ.

عبست المرأة عندما رأت ذلك الشخص وأصبح تعبيرها جدّيّا بعدما كان عاديا.

"نيهاهاها! يبدو أنّني بالفعل وصلت إلى العالم الواهن. إذن العوالم الأربعة عشر الرئيسيّة أصبحت كلّها عوالم روحيّة الآن. مثير للاهتمام، بالفعل مثير للاهتمام. هل يا ترى توقّع الملك الأصليّ حصول ما يحصل الآن أم لا؟ حسنا، ذلك لا يهمّ. إنّني متشوّق لرؤية التغيّرات التي ستحدث على العوالم الروحيّة الآن، نيهاهاها!"

كان هذا الشخص يبدو قصير القامة للغاية، وكانت أذناه طويلتين لكنّ طولهما امتدّ للأعلى، وارتدى درعا غطّى جسده بأكمله لكنّه لم يستطِع إخفاء تلك العضلات الزاخرة وذلك الجسد العريض الذي بدا بمقدوره حمل جبل بكلّ سهولة بالرغم من قصره.

كانت لحيته الكثيفة والطويلة تزيد من رجولة منظره الرجوليّ، وظهر شعر رأسه المضفور من تحت خوذته التي كان لها قرنان بدَوَا كنابيْن من أنياب تنّين ما.

زادت تعبيرات المرأة سوادا عندما سمعت الرجل القصير يتكلّم، ولم تحاول كبح نيّة قتلها التي كانت ترسلها باتّجاهه منذ ظهوره.

وبالطبع، شعر الرجل القصير بذلك فالتفت ليجد المرأة تحملِق إليه، فاسودّ وجهه هو الآخر ونظر باستحقار إليها.

"هذا يا هذا♪ أوَ ليست هذه شمطاء الوباء؟ أوه، أوه، إنّها حقّا شمطاء الوباء! إذن سبقتني إلى هنا أيّتها الشمطاء. نيهاهاها! يا للقدر♪ لم أظنّ أنّني سأجتمع بك بهذه السرعة بما أنّ الاتّصال بين العوالم مقطوع، لكن الشخص لا يمكن أن يعلم ما يمكن أن يحصل في هذا العالم الفسيح. آنا مخطئ يا شمطاء الوباء؟"

بدأ الرجل القصير يخاطب المرأة وكان من الواضح أنّه يعرفها وتعرفه.

انزعجت المرأة أكثر بعدما سمعته فتكلّمت معه بنبرة معاديّة: "تشه، إنّ فمك قذر وثرثار كعادته يا أيّها الفاصولياء المشعَّرَة."

ردّ الرجل القصير عليها: "هذا يا هذا♪ لستُ بمستواك بعد. لربّما بعد عشرة آلاف سنة قد أصبح بمثل قذارتك وخبثك، نيهاهاها!"

***

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن تعجبكم الفصول. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائيّة أو نحويّة.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2020/04/13 · 556 مشاهدة · 2371 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024