260 - التجمّع في الأكاديميّة

260 – التجمّع في الأكاديميّة

لم تعلم أنمار في هذه الأثناء إذا كان ظهور الرجل القزم علامة جيّدة أم سيّئة، إذ خشيت أن يكون هدفه يشابه هدف المرأة الغامضة.

راقبت ما يحدث بين هذين الاثنين بينما تحاول مساعدة تورتش على جمع شتاته، لكنّها لم تستطع أن تتحرّك قيد أنملة في حضور تلك المرأة.

كانت محادثة المرأة والرجل القزم مفهومة للحاضرين نظرا لاستخدام كلّ منهما خاتم لغة العالم الواهن.

كانت هذه الخواتم يمكنها جعل الشخص يفهم أيّ لغة في العالم الذي صُنِعت من أجل فهم لغته، فهذه الخواتم استغّلت الموجات السحريّة من أجل ترجمة الأفكار المنطوقة إلى كلمات مفهومة.

بالرغم من أنّ العالم الواهن يملك لغة واحدة حاليا، فهو لم يكن كذلك في الماضي البعيد، ومع ذلك، حتّى لو تعدّدت لغاته كانت خواتم اللغة لتجعلها كلّها مفهومة لمالكها.

اختُرِعت خواتم اللغة بناء على نفس مبدأ فكرة خواتم التخاطر، فهذه الأخيرة جعلت الموجات السحريّة تنقل الأفكار بين شخصين ربطا روحيهما، بينما اقتصر دور خواتم اللغة على ترجمة الفكرة التي يحاول الشخص تبليغها عبر كلماته عن طريق الموجات السحريّة.

قالت المرأة بنبرة حاقدة: "ما الذي أتى بكرَة مشعّرة مثلك إلى هنا على أيّ حال؟ ألم تعزل نفسك منذ مدّة طويلة؟"

"نيهاهاها،" أجاب الرجل القزم: "لماذا تهتمّين بشؤوني هكذا يا أيّتها الشمطاء؟ هل ربّما تخافين أن أفسد عليك الأمر الذي أتيت من أجله إلى هنا؟ لا تقلقي، فالآن بعدما رأيتك، سأجعل كل درب تقطعينه أضيق من شرجك."

*بصق*

بصقت المرأة بعدما لم تتحمّل سماع كلامه وقالت: "لو تدخّلت في أموري فسأجعلك..."

قاطعها الرجل القزم ولم يسمح لها بإكمال كلامها وقال: "دعينا لا نقل العبارات المبتذلة، فليس كلّ شخص هنا يستطيع تحمّل الهراء والخراء كما تعلمين."

بالفعل كان الرجل القزم بذيئا في كلامه.

عبست المرأة بشدّة وأرادت قطع حنجرة الرجل القزم حالا.

نظر الرجل القزم إلى أنمار وتورتش ثمّ إلى الآخرين بينما يداعب لحيته، فارتفعت زاوية فمه وقال: "يبدو أنّك تحظين بوقت ممتع هنا، لمَ لا تشاركيني ذلك قليلا؟"

قالت المرأة بنظراتها العبوسة: "اهتمّ بشؤونك الخاصّة. لو أتيت إلى هنا لغرض ما فاذهب لقضائه. لست متفرّغة لنزواتك حاليا."

استمرّ الرجل القزم في مداعبة لحيته الطويلة بهدوء وقال: "أتيت إلى هنا لغرض واحد، وهو العودة ببعض الثمار التي تحتاج للرعاية المناسبة، وبلا شكّ ذلك هو نفس الغرض الذي أتيتِ من أجله، فلا داعٍ للمراوغة."

وضعت المرأة يدها تحت شفتها السفلى وقالت ساخرة: "فوفوفو، لم أكن أعلم أنّك مهووس بي لهذه الدرجة♪"

ضحك الرجل القزم مباشرة بعد ذلك وردّ: "نيهاهاها، ألا تعلمين أنّ كاره الشخص يعلم عنه أكثر من محبّه؟"

عمّ الصمت فجأة ولم يتكلّم أيّ منهما، لكنّ تلك النظرات التي كانا يتبادلانها عنت أكثر من ألف كلمة. لقد كانت الكراهيّة تتملّك كلّ واحد منهما تجاه الآخر.

*اصطدام*

*دوي*

لم تعلم أنمار والآخرين ما حدث إلّا بعدما ذلك الصوت الذي هزّ طبول آذانهم ودوّخ عقولهم وزعزع رزانة أرواحهم.

حدّقوا إلى السماء فوجدوا قبضة المرأة ملتقيّة بقبضة الرجل القزم، بينما تغطّي هالتهما الأرض المباركة بأكملها. لقد كان واضحا أنّهما كانا في مستوى شاهق بالمستويات الروحيّة.

كان عقل الجنرال رعد مشوّشا ولم يسعه سوى أن يتذكّر شعوره بالعجز الذي أحسّ به عندما التقى بذلك الشيطان في يوم الدمار الشامل.

أصبحوا كلّهم مجرّد شخصيّات ثانويّة في حدث يقوده ذانك الاثنان. كانوا مجرّد تحليّة في حضور الطبق الرئيسيّ.

***

ظهرت الشروخ الفضائيّة في مختلف أنحاء العالم، وحدث في بعضها كما حدث بالضبط في الشرخين اللذين ظهرا فوق أرض الأكاديميّة.

ظهرت امرأة من أحد الشروخ الفضائيّة كانت ترتدي الأسود من رأسها إلى أخمص قدميها، إذ غطّى معظم جسدها فستان أسود تزيّنت زواياه بشكليْ القمر والشمس، ووصل شعرها الأسود بطوله إلى ركبتيها.

كانت عيناها سوداوين حالكتين، وبدتا تحملان ظلاما غير محدود، بدون أيّ إشارة لبعض من الضوء فيهما.

ظهر بجانبها رجل ارتدى بدلة سوداء هو الآخر، وامتلك شعرا أسود ربطه على شكل ذيل حصان، وعينيْن خضراوين تألّقتا عندما انعكس فيهما الضوء كأرض الطبيعة المسالمة التي تزيّنها الورود والزهور.

نطق الرجل: "هل حقّا تظنّنين أنّ النصف الآخر موجود في هذا العالم يا ملكتي؟"

كانت نظرات المرأة جامدة كما لو أنّها جثّة متحرّكة، وحتّى الرمش لم ترمشه، وأجابت دون أن تغيّر تصرّفها ذاك: "لقد دلّتني المرآة إلى هنا قبل سنين، لكنّني لم أستطِع المجيء بسبب الملك الأصليّ. الآن، يمكنني فعل هذا."

ظهرت أمامها مرآة بيضويّة الشكل، وبلغ طولها طول الشخص الطبيعيّ، وتزيّنت زخرفتها بنقوش تنانين على إطارها. كان هناك تنّينان أفعويّان على الجانبين وتنّينان مجنّحان في الأعلى والأسفل.

حدّقت المرأة إلى المرآة وأطالت في ذلك كما لو أنّها تستمتع بالنظر إلى نفسها، بالرغم من أنّ تعبيراتها كانت جامدة.

قالت أخيرا بعد مدّة طويلة: "مرآتي يا مرآتي، اعكسي روحي وجدي لي نصفيَ الآخر."

مرّت بعض اللحظات قبل أن يتموّج سطح المرآة كبركة من الماء وتختفي صورة المرأة عليها وتبدأ بعض الألوان في التشكّل لترسم في النهاية شيئا آخر.

كان الشيء المرسوم عبارة عن شخص في الواقع، كان هذا الشخص شابّة تبدو في مقتبل العمر، وبدت معاكسة تماما للمرأة التي تحدّق إلى المرآة، إذ كانت تملك شعرا أبيض وعينين بيضاوين ووجها ناضرا مفعما بالحيويّة.

لقد كانت هذه الشابّة هي أزهر شيرايوكي!

قال الرجل بعدما تنهّد: "وأخيرا، أخيرا بعد سنين مديدة يمكن لأمنيّتك أن تتحقّق يا ملكتي! إنّني في غاية الشوق إلى رؤية حلمك يصير حقيقة!"

لم تنظر المرأة إليه حتّى وقالت: "إنّني أعلم أين أتّجه بالتحديد الآن. اتبعني يا 'وفيّ'."

"سمعا وطاعة يا ملكتي."

تحرّك الاثنان بسرعة فائقة واختفيا في الأفق.

***

في مكان آخر، ظهر أحدهم بدا هادئا لكن مختلفا عن المرأة التي ظهرت سابقا. فهذا الرجل لم يكن جامدا بتعبيراته ولكن رزين فقط. كانت عيناه حادّتين للغاية وعندما أغمضهما لم يفتحهما بعد ذلك إلّا نادرا كما فعل عندما ظهر في العالم الواهن.

لبس رداء ذا قلنسوة لونه أسود فلم يظهر شعره بسبب ذلك، وسروالا بنفس السواد ممّا جعله يبدو غامضا ومريبا.

التفت إلى جهة محدّدة بعدما بدا كما لو انه أدرك شيئا وتمتم: "معركة بهذا الاتّجاه؟ إذن هذا لم يحدث بين هذا العالم وعالمنا فقط. يبدو أنّ تحوّل هذا العالم الروحيّ جعل الختم يختلّ بسبب الطاقة الهائلة التي تصاحب التحوّل."

فكّر لبعض من اللحظات قبل أن يقرّر: "حسنا، لمَ لا نذهب لنرى ما الذي يتصارع من أجله هؤلاء."

انطلق بسرعة كبيرة كما فعلت المرأة والرجل سابقا.

***

في إحدى أراضي إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، ظهر شخص يركب تيّارا مائّيا ويصنع خلفه أقواس قزح كلّما تقدّم بعضة أمتار. كان لديه عينان زرقاوان وشعر أسود طويل بدا حريريّا وسلسا.

سُحِر الناس بمنظره عندما رأوه، فأغرمت به البنات وتطلّع إليه الرجال، وجعل وقاره العجائز يكنّون له الاحترام. بدا كصورة قدمت إلى الحياة.

نزل الرجل في إحدى المدن ثمّ اقترب من فتاة وسألها بصوت عذب وحنون: "أيمكنني سؤالك من هو أقوى شخص في هذا العالم؟"

ذابت الفتاة تحت نظراته وأمالت رأسها ثمّ اجابت برقّة: "بالطبع، إنّه جنرال إمبراطوريّتنا الأعلى، السيّد باسل."

ابتسم الرجل بوجهه البشوش فتسارعت ضربات قلب الفتاة أمامه وحسدها باقي الفتيات حولها.

لقد كان جميلا لدرجة جعل فيها النساء يعجبن به من النظرة الأولى. كان جماله هادئا على عكس باسل الذي كانت وسامته مشتعلة.

سأل الرجل الفتاة مرّة أخرى: "إذن أين يمكنني إيجاده؟"

ردّت الفتاة كما لو أنّها تحت مخدّرة: "لا أعلم، لكن يشاع أنّه في أكاديميّة الاتّحاد المباركة."

"أكاديميّة الاتّحاد المباركة؟" تساءل الرجل مع نفسه قبل أن يسأل مرّة أخرى: "أيمكنك الإشارة بيدك إلى الاتّجاه الذي يؤدّي إليها؟"

رفعت الفتاة يدها ثمّ أشارت بها بينما تحدّق إلى الشابّ. لم ترد إزاحة نظرها عنه. بالرغم من أّنّ وجهها كان محمرّا نظرا لخجلها، إلّا أنّ رغبتها في رؤيته تفوّقت على خجلها.

ابتسم الرجل ثمّ قال: "كما كان مقدّرا لنا الالتقاء اليوم، آمل أن يجمعنا المصير في يوم آخر. طاب يومك."

قال ذلك واختفى ولم يعلم ذلك الناس إلّا بعدما لاحظوا قوس قزح في الأفق.

اقترب بعض الجنود بسرعة كبيرة أخيرا ليروا ما حدث في هذه الأرجاء التي غمرتها صرخات البنات، لكنّهم وجدوا مصدر ذلك قد اختفى.

وبعدما استقصوا عن الأمر، تعجبّوا من طريقة سؤال ذلك الشخص. قال واحد من بينهم: "ولكن، ألم يتغيّر عالمنا كثيرا بعد التحوّل الروحيّ الذي شهدناه؟ هل ما زالت الأكاديميّة في نفس موقعها المعهود؟ وحتّى لو كانت كذلك، موقع هذه المدينة بنفسه تغيّر لذا لا يجب أن تكون إجابة تلك الفتاة دقيقة."

كان هؤلاء مجرّد جنود بسطاء لذا لم يعلموا حتّى الآن عمّا حدث للأكاديميّة.

ردّ شخص آخر: "من يهتمّ؟ لنعد إلى مواقعنا."

***

ظهر هذه المرّة شخصان بالقرب من الأكاديميّة، وشعر كلاهما بالمعركة التي كانت تحدث هناك.

كان الأوّل يرتدي رداء بدا مصنوعا من الجليد، وكان على رأسه تاج صغير بدا مصنوعا من الألماس ومزيّنا بأحجار كريمة بدت مغمورة بالطاقة الروحيّة.

كان الثاني شاحب الوجه بشعر شائك وعينين فارغتين من الحياة، كما لو كان شبحا وليس شخصا.

اتّجه كلاهما في نفس الوقت تجاه الأكاديميّة فوجدا منظرا مثيرا للاهتمام، ولم يسعهما سوى أن يقولا نفس الشيء: "التنين الصغير يقاتل عنقاء الشفاء!"

توقّف الرجل القزم الذي لُقِّب بالتنين الصغير وتلك المرأة التي لُقِّبت بعنقاء الشفاء عن القتال فجأة ونظرا إلى من ظهر فجأة.

ضحك التنين الصغير وقال: "نيهاهاها، أهلا وسهلا♪ يبدو أنّ هذا اليوم سيكون مشوّقا للغاية."

ظهرت بعد ذلك مباشرة المرأة التي بدا أنّها تبحث عن شيرايوكي برفقة الشخص الذي بدا خادما لها.

عبست عنقاء الشفاء وقالت بينما تنظر إلى المرأة التي أتت برفقة خادمها: "انظر إلى من أتى، أو ليست هذه الملكة الشريرة وخادمها 'وفيّ'."

أطلقت عنقاء الشفاء لقب الملكة الشريرة على تلك المرأة، والتي لم تنزعج ولم تحاول الردّ عليها حتّى.

قال التنين الصغير بابتسامة: "إذن، هل يمكنني تخمين أنّكم كلّكم أتيم إلى هذا العالم من أجل الغرض نفسه؟"

تكلّم الرجل ذو التاج الألماسيّ: "إنّها قاعدة غير مكتوبة أن تذهب للبحث عن المواهب الصاعدة في العالم الذي يتحوّل إلى عالم روحيّ."

فهم الشخص ذو التاج الألماسيّ ما قصده التنين الصغير لذا أجاب طبقا لذلك.

قال التنين الصغير: "هذا ما قاله أمير مملكة الصقيع، فماذا عنك يا شبح أرض الموتى؟"

يبدو أنّ الرجل ذو التاج الألماسيّ كان يُلقّب بـ'أمير مملكة الصقيع'، بينما كان يطلق على الرجل ذي الشعر الشائك 'شبح أرض الموتى'

أومأ شبح أرض الموتى رأسه فقط ردّا على التنين الصغير.

نظر التنين الصغير بعد ذلك إلى الملكة الشريرة ثمّ تنهد وقال: "أظنّ انّه لا حاجة لسؤالك أنت."

يبدو أنّه استطاع معرفة سبب قدومها إلى هنا بدون الحاجة للسؤال حتّى، وكان السبب هو معرفته لها.

كان كلّ هؤلاء الأشخاص عبارة عن سحرة روحيّين مشهورين للغاية في العوالم الروحيّة، وكلّ واحد منهم علم الكثير عن الآخر.

ظهر شخص آخر من جديد، وقد كان ذلك الشخص صاحب الرداء ذي القلنسوة.

قال التنين الصغير: "يبدو أنّهم يستمرّون في الانضمام إلينا."

ابتسم صاحب الرداء ذي القلنسوة عندما رأى التنين الصغير وقال: "ما أخبارك يا أيّها العجوز؟ لقد ظننت أنّني لن أراك إلّا بعد عشرة آلاف سنة بعدما سمعت أنّك عزلت نفسك."

"نيهاهاها،" ضحك التنين الصغير ولم يأخذ كلام ذلك الشخص كإهانة، ثمّ ردّ: "وأنا كذلك، لكن ماذا أفعل عندما تظهر بوّابة زمكانيّة وأنا عازل نفسي؟ بالطبع لم يكن لديّ خيار آخر سوى عبورها."

ضحك صاحب الرداء ذو القلنسوة وقال: "إنّني أشتاق لمعركة ضدّك يا أيّها العجوز."

ضحك التنين الصغير وردّ: "أنا اشتقت أيضا لرؤية لمهارة 'القوّاس النجميّ'."

***

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائيّة أو نحويّة.

إلى اللّقاء في الفصل القادم

2020/04/15 · 547 مشاهدة · 1742 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024