261 – هجوم مشترك ضدّ ساحر روحيّ
جعلت المعركة التي حدثت بين التنين الصغير وعنقاء الشفاء بعض الشخصيّات الغامضة تظهر، ولهذا كان من الغريب ألّا ينتبه لها الأشخاص الذين كانوا في أرض المعركة.
ظهر قادة التشكيل رفقة شيرايوكي بسرعة وذهبوا ليتأكّدوا أوّلا من سلامة أنمار.
لاحظت شي يو حالة تورتش فشحُب وجهها وهرعت إليه، لكن اسودّ وجه أنمار لمّا لاحظت هذا.
كانت شي يو هي هدف عنقاء الشفاء لذا لم يكن من الجيّد تركها تعالج تورتش حاليا وإلّا كُشِف أمرها.
ما أن وصلت شي يو إليهما حدّقت أنمار إليها بعمق وهزّت رأسها بشكل طفيف محاولةً إخبارها ألّا تفعل شيئا، فتعجّبت شي يو من طلب أنمار الغريب، لكنّها أطاعت الأمر بالرغم من غرابته؛ لقد علمت أنّ هناك سبب خلف فعلها ذاك.
"عالجيه."
اقشعرّ جسد أنمار لمّا سمعت تلك الكلمة، وذلك لأنّ الشخص الذي قالها لم يكن سوى عنقاء الشفاء بنفسها.
رفعت عنقاء الشفاء سبّابتها بهدوء ثمّ أشارت بها إلى شي يو وقالت: "أنتِ... إنّك ساحرة علاج، إذن عالجيه."
علمت عنقاء الشفاء بالفعل عن هوّيّة شي يو فقط برؤيتها، وعندما أدركت أنمار هذا أومأت لـشي يو حتّى تفعل ما طلبت عنقاء الشفاء منها.
لقد ظهرت كلّ هذه الوحوش حولهم فجأة، ولم يعد بإمكانهم سوى انتظار ما ستقرّره تلك الوحوش بشأنهم. كان عليهم فعل ما يقول أولئك الأشخاص الغامضون، وإلّا كانت العواقب وخيمة.
بدأت شي يو تعالج تورتش تحت مراقبة عنقاء الشفاء التي بدت تحلّل شي يو بدقّة كبيرة. ارتفعت زاوية فمها بعد قليل من الوقت كما لو أنّها رأت ما كانت تبحث عنه.
نزلت على الأرض ثمّ اقتربت ببطء من أنمار والآخرين، وجلّ تركيزها مصوّب تجاه شي يو ولا أحد غيرها.
عبست عنقاء الشفاء فجأة، وكان ذلك بسبب ملاحظتها لتورتش يقف بينما ينظر إليها باعثا نيّة قتله تجاهها.
وضع تورتش شي يو خلفه وقال: "ابقي خلفي رجاء يا شي يو، أنا لن أسمح لأيٍّ كان أن يلمسك."
ظهر قوس أثريّ في يده، فشحن طاقته السحريّة به فسطع القوس بضوء فضّيّ كهلال في سماء مظلمة.
وضع يده على الوتر الذي لم يظهر إلّا عندما وضع تورتش إصبعه هناك، فتشكّل سهم من الضوء، ولم تمرّ سوى لحظة واحدة قبل أن يلتهب السهم الضوئيّ بنار زرقاء.
بدا القوّاس النجميّ يراقب ما كان يفعله تورتش باهتمام رغما أنّ عينيه كانتا مغمضتين.
قالت عنقاء الشفاء باستياء: "هل يمكن أنّك تحاول مقاتلتي؟ أنا لا أفهم، كيف لك أن تصل لهذا القرار؟"
ما لم تفهمه عنقاء الشفاء هو محاولة تورتش قتالها مع علمه بتفوّقها الهائل عليه.
"اخرسي!"
سحب تورتش الوتر وصرخ في وجهها وقال: "إنّي لا أهتمّ بأيٍّ من ذلك، لكنّني لن أسمح لك أبدا أن تمسّي من أعزّهم في قلبي."
ضحك التنّين الصغير فجأة ضحكة مكبوتة، فتغيّر اتّجاه نظر عنقاء الشفاء إليه مباشرة، لكنّه لم يهتمّ بذلك، وبالأحرى لم يستطيع كبت ضحكه أكثر فصرخ: "نيهاهاهاها، لقد أخبرها أن تخرس، ولقد جعلها حقّا تخرس. هذه قطعة فنّيّة."
حملقت عنقاء الشفاء إلى التنين الصغير بكره كعادتها، لكنّها أرجعت اتّجاه نظرها إلى تورتش وقالت بينما تبعث نيّة قتلها: "أطلق!"
شعر تورتش بضغط رهيب ضدّ نيّة قتلها الغامرة، فبلع ريقه واستجمع شجاعته كلها حتّى يستطيع إطلاق ذلك السهم فقط.
أفلت الوتر فانطلق السهم بسرعة خاطفة، فانقسم السهم بعد ذلك لسبع أسهم كلّ واحد منها انطلق في اتّجاه مختلف لتجد عنقاء الشفاء نفسها محاصرة من جميع الجهات.
*انفجار*
سقطت الأسهم السبعة على عنقاء الشفاء، واحدا تلو الآخر، لكنّ تورتش لم يستطِع أن يفرح لأنّه علم ما كان قادما. وبالفعل، ظهرت عنقاء الشفاء تقف في مكانها كما لو أنّ شيئا لم يحصل.
صرّ تورتش على أسنانه وركّز على سلاحه الأثريّ، فبدأ القوس يتموّج ويتغيّر شكله، فصار القوس هلالا فضّيّا صغيرا، وهذه المرّة وضع تورتش إصبعين على مكان الوتر الذي تشكّل عندما وضع تورتش إصبعيه هناك.
ظهرت التعاويذ الذهنيّة بعد ذلك وأحاطت القوس والسهم، ثمّ اندمجت معهما حتّى تطبّق عليهما القوانين التي تغيّر طبيعة العالم حولهما.
ابتسم القوّاس النجميّ وصرّح: "مثير للاهتمام؛ تحكّمٌ مثاليٌّ في سلاح أثريّ بالدرجة السابعة، وفنٌّ قتاليٌّ أثريٌّ بالغصن الرابع."
أطلق تورتش السهم الذي اخترق الهواء بصفير يصمّ الآذان والذي لم يكن شكله واضحا في الواقع من شدّة سرعته، ولكن لم تكن السرعة لوحدها هي السبب في ذلك، بل حتّى إمكانيّة عنصر الضوء التي استخدمها تورتش والتي سمحت له بجعل السهم يختفي تماما.
أدار القوّاس النجميّ رأسه إلى الاتّجاه الذي أطلق تورتش السهم ناحيّته وبدا كما لو أنّه يتتبّعه بعينيه بالرغم من أنّهما مغمضتين، فقال: "إذا يمكنه استخدام نار زرقاء وإمكانيّة التمويه من عنصر الضوء، ويجعل فنُّه القتاليُّ أسهمَه تنزلق بدون أيّ احتكاك طبيعيّ بينما يجعل وزنها أثقل ممّا هي عليه بأضعاف. لقد سبق وأن رأيت هذا الفنّ القتاليّ، ولكن من الغريب جدّا أن يكون شخص من العالم الواهن يملكه."
حدّق أولئك الأشخاص الغامضون باهتمام أيضا، فموهبة تورتش كانت جيّدة جدّا بالفعل، والأشياء التي كانت في حوزته أثارت شكوكهم في مستوى المعرفة في العالم الواهن الذي كان يُفترض أن يكون ضعيفا.
وقفت عنقاء الشفاء هناك بدون أيّ تحرّك، وتلقّت الهجوم الذي ولّد انفجارا أكبر بكثير من الذي سبقه، ومع ذلك ظهرت مرّة أخرى بدون أيّ تغيّر عليها ولو طفيف.
نظرت إلى تورتش وقالت بنبرة ملولة: "هل انتهيت؟"
صرخ تورتش: "أنا لم أنتهِ بعـ..."
قوطِع كلامه عندما وجد عنقاء الشفاء أمامه بدون سابق إنذار بينما تقول: "ذلك لم يكن سؤالا حقّا."
رفعت يدها ثمّ نزلت بها على تورتش، وفي تلك اللحظة الوجيزة علم تورتش ورفقاؤه أنّه سيُقسم إلى قطعتين لا محالة.
بالرغم من أنّ أنمار والآخرين لم يكونوا مقصودين بذلك الهجوم، إلّا أنّهم شعروا بالموت يحوم حولهم.
*صفعة*
توقّفت يد عنقاء الشفاء فجأة، أو بالأحرى شيء ما جعل يدها ترجع للخلف كما لو أنّها صُفِعت، فضاقت عيناها بشدّة والتفت إلى جهة القوّاس النجميّ وقالت: "ما الذي تفعله الآن؟"
كان القوّاس النجميّ مغمض العينين كعادته، فردّ على عنقاء الشفاء بهدوء: "حاولي أن تهدئي قليلا. لا تنزعجي لهذه الدرجة فقط لأنّ طفلا تكابر عليك."
حملقت عنقاء الشفاء إليه ثمّ قالت بصوت حادّ: "لقد سألتك عمّا تفعله!"
لم تفهم أنمار والآخرون ما حدث، فقبل قليل اعتقدوا أنّ تورتش في عداد الموتى، لكن نظرا إلى ردّة فعل المرأة أمامهم، يبدو أنّ صاحب الرداء ذو القلنسوة من كان السبب في عيش تورتش لمزيد من الوقت.
حافظ القوّاس النجميّ على هدوئه وقال بعدما فتح عينيه الحادّتين: "لقد أثار الفتى اهتمامي."
حملقت عنقاء الشفاء إلى القوّاس النجميّ الذي كان قد أغمض عينيه، ثمّ أنزلت يدها لمكانها وعدمت نيّة قتلها ثمّ قالت: "حسنا، كما ترون♪ هذه الأخت الكبيرة تريد أمهر سحرة العلاج بهذا العالم الواهن، فلِمَ لا نسهّل الأمور علينا وتسلّموهم لي؟"
لم ترد عنقاء الشفاء قتال القوّاس النجميّ لأنّ ذلك لم يكن هدفها من المجيء إلى هنا، وكان بمقدورها تجاوز ما فعله تورتش لو عنى ذلك عدم مقاتلة القوّاس النجميّ حاليا.
صرخ تورتش بعدما ضربت عنقاء الشفاء الوتر الحسّاس: "كما لو أنّنا سنطأطئ رؤوسنا لك ببساطة ونسلّم لك أعزّ الناس إلينا!"
أمالت عنقاء الشفاء رأسها وقالت: "مرّة أخرى♪ ذلك لم يكن سؤالا حقّا."
اقتربت من شي يو بعد ذلك فتأهّبت أنمار والآخرون واستعدّوا لمواجهتها بكلّ ما يملكون.
انضمّ الجنرال رعد والتاجر ناصر إلى أنمار وقادة التشكيل وشيرايوكي ووجّهوا نيّات قتلهم نحو عنقاء الشفاء مجتمعين.
كانت نيّات قتلهم مصحوبة بالخوف في قلوبهم، وذلك لأنّهم علموا أنّ تجمّعهم ضدّها هكذا لم يغيّر شيئا، لانّ النتيجة ستكون نفسها مهما زادوا من عددهم.
شحنوا طاقاتهم السحريّة، وفعّلت أنمار والجنرال رعد وقادة التشكيل تعاويذ فنونهم القتاليّة، ثمّ استعدّوا لإطلاق هجوم مشترك.
استخدمت أنمار وفانسي عنصر الوهم ليمهّدا الطريق أوّلا، فوجدت عنقاء الشفاء نفسها تسقط في ظلام غير محدود، وفي نفس الوقت استخدم الاثنان إمكانيّةً لعنصر الوهم قد أتقنتها أنمار وتعلّمها فانسي بعدئذ.
سمحت لهما هذه الإمكانيّة بتطبيق أوهام داخل أوهام.
فبعدما يظنّ الشخص أنّه تخلّص من الوهم أخيرا، يجد نفسه في وهم آخر أوقع نفسه بنفسه فيه.
بمعنى آخر، كلّما حاولَ الشخص الهروب من الوهم زادَ من سهولة وقوعه في وهم آخر، كما لو أنّه في متاهة.
أثير انتباه شبح أرض الموتى لمّا لاحظ هذا وقال: "مثير للإعجاب أنّهما أتقنا إمكانيّة متاهة الوهم."
فعّلت أنمار سحر الاستدعاء، فظهرت بعد تضحيّتها بطاقتها السحريّة عشر وحوش سحريّة، كان واحد منها بالمستوى الثالث عشر، وخمسة بالمستوى العاشر، وأربعة بالمستوى الثامن.
كان ساحر الاستدعاء يستطيع استحضار وحش سحريّ بنفس مستواه على الأقلّ، واعتمد رفع عدد الوحوش المستدعاة على إتقانه لإمكانيّةٍ لعنصر الاستدعاء.
تفاجأ الأشخاص الغامضون كلّهم لمّا فعلت أنمار ذلك فقال أمير مملكة الصقيع: "من هذه الفتاة؟ ما حصانة عقلها حتّى تستطيع استدعاء كلّ هاته الوحوش بمستواها هذا؟"
كان استدعاء وحوش سحريّة أكثر يتطلّب طاقة سحريّة كافيّة، ولكن ما كان أهمّ أكثر من ذلك كان قوّة إرادة وعقل الساحر، إذ فقد بعض السحرة عقولهم بعدما استدعوا وحوشا أكثر بكثير من العدد الذي يستطيعون التحكّم فيه والحفاظ على سلامة عقولهم أثناء ذلك.
لاحظ شبح الموتى شيئا وابتسم بإظهاره لأسنانه التي كانت كلّها أنيابا وقال: "هذا استثنائيّ! إنّها تستخدم إمكانيّة أخرى لعنصر الوهم حتّى تستطيع النجاح في استدعاء كلّ تلك الوحوش."
نظر الآخرون إلى أنمار بحرص فقال أمير مملكة الصقيع: "هذا... إنّها تستخدم الإمكانيّة المسمّاة بـ'الوهم الذاتيّ المعزِّز' حتّى توهم عقلها أنّه يمكنه تحمّل ما هو أكثر فتعزّز بذلك قدرته الاستيعابيّة. بجدّيّة، من تكون هذه الفتاة؟"
لقد كانوا مستغربين للغاية؛ أوّلا فاجأهم تورتش بموهبته التي أظهرت عبقريّته، والآن يشاهدون هذه الفتاة تقوم بأشياء يفعلها سوى فئة ضئيلة في العوالم الروحيّة؛ مجرّد فتاة من هذا العالم الواهن.
ومض بعض الضوء في عينيْ شبح أرض الموتى اللتين كانتا خاليتين من الحياة، وتمتم: "أتساءل متى أكملت ربط نقط أصلها."
هذا ما عناه الأمر أن تكون 'ملكا بالمسار الروحيّ'. فأيّ شخص أكمل ربط نقطه الأصليّة بالمستوى الثامن من مستويات الربط أظهر موهبة فائقة في العوالم الروحيّة.
راقب الأشخاص الغامضون بعد ذلك قادة التشكيل والجنرال رعد، فقال أمير مملكة الصقيع: "يبدو أنّنا ربحنا الجائزة الكبرى بقدومنا إلى هنا؛ فعلى ما يبدو، هذا هو المكان الذي تجمّعت فيه أفضل المواهب في هذا العالم."
بدأ كلّ واحد منهم يضع عينا بالفعل على الشخص الذي أثار اهتمامه، وبدؤوا يفكّرون في الطريقة التي يتحصّلون بها عليه إذا ما حدث وشارك معهم شخص آخر نفس الاهتمام في نفس الشخص.
وكلّهم فكّروا في نفس الأمر: "تلك الفتاة قد أثارت اهتمام الجميع."
بعدما وجدت عنقاء الشفاء نفسها في ظلام غير محدود، لم تستطِع أن تشعر بشيء كما لو أنّ حواسّها قد قُمِعت، لكنّها لم تحاول فعل شيء بشأن ذلك ووقفت في مكانها فقط.
نزلت الصواعق والعواصف والجليد والنيران وركبت وحوش أنمار المستدعاة الموجة وأطلقت العنان لقدراتها وأسحارها في وقت واحد، ثمّ تبع ذلك هجوم الفنون القتاليّة المشترك الذي كان معزّزا هائلا للهجوم الكلّيّ.
بدا الأمر كما لو أنّ كارثة طبيعيّة شملت كلّ أنواع الكوارث الطبيعيّة قد تشكّلت في هذا المكان فقط لتتخلّص من شخص واحد.
*انفجار* *انفجار* *انفجار*
تسلسلت الانفجارات لمدّة طويلة بدون توقّف حتّى أصبحت الأرض المحيطة بعنقاء الشفاء شبه ميّتة. لو كانت هذه أرض أخرى غير الأرض المباركة لكانت قد أصبحت ميّتة بالفعل.
هذه المرّة، أملوا ان يكونوا قد جرحوا عنقاء الشفاء ولو بشكل طفيف، لكنّها ظهرت من جديد كما لو أنّ شيئا لم يحدث.
كان هذا متوقّعا، ولكن حتّى لو كان مُتوقّعا كان الأمر ما يزال صادما للغاية.
***
من تأليف Yukio HTM
أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائيّة أو نحويّة.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.