263 – متعة إبلاس

حدّق التنّين الصغير والآخرون إلى إبلاس بشكل غريب فقال أمير مملكة الصقيع: "ما الذي تتحدّث عنه؟ هل يمكن أنّ فاخر الفخور، وريث عشيرة الينبوع الذهبيّ هنا؟"

كانت هذه المعلومات صادمة للغاية. أّوّلا ينادي شيطان اليأس أنمار بتلميذة الحكيم السياديّ، والآن يلمّح إلى وجود تلميذه المفضّل هنا؟ كيف لذلك أن يحصل؟ منذ متى؟ ما الذي أتى فاخر ليفعله هنا؟ وقبل ذلك، متى أتى الحكيم السياديّ إلى هنا حتّى يملك تلميذة أخرى؟

ضحك إبلاس مستمتعا بينما ينتظر الجميع إجابته بفارغ الصبر.

صاح التنّين الصغير: "أجب عن السؤال اللعين أيّها الشقيّ!"

نظر إبلاس إلى التنين الصغير وقال: "هذا مضحك حقّا. إنّكم لا تعلمون شيئا كما لو أنّكم الأعداء بالرغم من أنّ عدوّ الحكيم السياديّ اللدود، خصمه ومنافسه الأبديّ يعلم. هل حقّا كنتم حلفاء؟"

لم يستطِع أحد منهم قول شيء، لكنّ عينيْ القوّاس النجمي المغمضتيْن اهتزّتا كما لو أنّه وجد شيئا غريبا في كلام إبلاس.

قال إبلاس: "ما أحاول قوله هو أنّني لم أعنِ بكلامي فاخر عندما قلت تلميذ حكيم المفضّل."

فتح القوّاس النجميّ عينيه الحادّتين كما فعل الآخرون وحدّقوا إلى أنمار بعد ذلك محاولين استيعاب ما سمعوا للتوّ.

لربّما لم يكن الحكيم السياديّ بمستوى شاهق في المستويات الروحيّة، لكنّه كان قادرا على مواجهة سحرة روحيّين بمستويات أعلى منه، والأكثر أهمّيّة من ذلك، لقد عنى الأمر الكثير أن يتدرّب الشخص على يد الحكيم السياديّ.

ففي العوالم الروحيّة، يقال أنّه لا أحد يفهم المسار الروحيّ والقوانين العالميّة أكثر من الحكيم السياديّ، ولو لم تكن موهبة إدريس الحكيم الطبيعيّة ضحلة للغاية لكان قد صار سلطانا منذ زمن بالفعل حسب أقوال بعض الهرمى المقموعين.

صرّح شبح أرض الموتى كما لو أنّه يسأل: "هناك تلميذ ثالث أيضا، وهذا التلميذ هو المفضّل للحكيم السياديّ؟ هل هذه مزحة؟ لماذا الآن بعد كلّ هذا الوقت؟"

ابتسم إبلاس وقال: "نعم، هذا هو السؤال الأهم حقّا. لماذا الآن؟"

نظر إبلاس إلى عنقاء الشفاء وأكمل: "هناك أشخاص قد بدؤوا يستعدّون لما هو قادم، لأنّهم يعلمون أنّ الفوضى ستعمّ العوالم الروحيّة لا محالة في المستقبل، وبالطبع نحن من سيكون السبب في هذه الفوضى."

حدّق أمير مملكة الصقيع إليه وقال: "ما الذي تلمّح له؟ هل تقصد أنّ الحكيم السياديّ مثله مثل هذه المرأة صار محتاطا بشأن المستقبل وقرّر تلمذة أشخاص آخرين؟"

رفع إبلاس كتفيه وقال: "من يدري؟"

عبس الأمير كما لو أنّه يخبر إبلاس أن يجيبه، فقال شيطان اليأس: "ليس جيّدا، ليس جيّدا، أشخاص مثلكم لا يجب عليهم تلقّي المساعدة منّي. هل نسيتم بهذه السرعة؟ إنّني الشرير هنا، وأنتم الأبطال. فلنترك الأمر على هذا الحال."

كانت هناك أمور مخفيّة كثيرة لا يعلمها هؤلاء الأشخاص عن الحكيم السياديّ، لكن إبلاس كان على علم بها، ولربّما كان السبب هو المصير الذي جمع إدريس الحكيم بإبلاس منذ صغرهما.

قال إبلاس بعدما سكت الآخرون: "حسنا، لنكمل متعتي الخاصّة."

"قبل ذلك،" قال التنّين الصغير: "أجب عن هذا السؤال. لو كانت هناك تلميذة للحكيم السياديّ وتلميذ آخر في هذا العالم، هل هذا يعنيّ أنّ الحكيم السياديّ بنفسه هنا؟"

نظر إبلاس إلى التنّين الصغير لكنّه لم يردّ عليه، فهو قد أخبر هؤلاء أنّه لن يجيبهم أكثر ممّا فعل. لقد كان يريد أن يستمتع بسرعة بدون ضياع أيّ وقت.

حملق التنين الصغير إليه بعدما لم يتلقَّ إجابة وقال: "حسنا، لك هذا يا هذا. لقد أخطأتَ بفعلك عندما أخبرتنا عن هوّيّة هذه الفتاة، لأنّنا صرنا الآن كلّنا مهتمّون فيها حقّا."

لقد كان هؤلاء على معرفة بالحكيم السياديّ بشكل شخصيّ، وقد سبق أن طلبوا منه تعليم بعض الأشخاص لكنّه رفض في كلّ مرّة. ومثل التنّين الصغير، كان هناك من يفكّر أنّه لو حما تلميذة الحكيم السياديّ فقد يكسب شيئا من ذلك من الحكيم السياديّ.

ابتسم إبلاس وردّ على التنين الصغير: "إنّك لا تفهم شيئا يا أيها العجوز. أنا أخبرتكم بهذا عمدا وليس سهوا، لأنّ الامور ستكون أمتع بكثير بهذا الشكل."

تشكّلت مطرقة يبلغ حجمها نصف حجم الشخص في يد التنّين الصغير اليمنى، والتي نُقش عليها حروف رونيّة عتيقة توهّجت ما أن رفع حاملها يده للأعلى.

همس التنّين الصغير للمطرقة كما لو أنّه يتحدّث إليها: "اسحقي رأسه يا ميولنير."

تحرّكت الحروف الرونيّة في المطرقة بشكل غريب وبسرعة كبيرة كاستجابة لكلام التنّين الصغير.

رمى التنّين الصغير المطرقة فجأة في اتّجاه عشوائيّ، والتي اختفت كما لو أنّها انتقلت لبعد آخر. لم تصنع أيّ صوت أو ضوضاء أثناء ذلك، كما لو انّها فقط اختفت من الوجود ببساطة.

وقف إبلاس منتظرا لبعض الوقت قبل أن يتفاجأ بظهور المطرقة بجانب رأسه من اللامكان.

*رنين*

تردّد صوت الصدمة الناتجة عن ضرب المطرقة لشيء ما، لكن إبلاس كان لها في الواقع بالمرصاد، إذ عكس مسارها بسلاحه الروحيّ بسرعة كبيرة للغاية بعدما التفّ حول نفسه في الهواء.

اختفت المطرقة بعد ذلك في الأفق كما لو أنّها لم تكن.

قال إبلاس مبتسما: "تعلم أنّ عينيْ الحقيقة يمكنها رؤية مثل هذه الألاعيب، أليس كذلك؟"

داعب التنّين الصغير وقال: "تعلم أنّ ميولنير لن تتوقّف إلّا بعدما تنفّذ ما أمليته عليها، أليس كذلك؟"

تحرّك إبلاس بد ذلك مباشرة بدون أيّ تأخّر وانطلق مستهدفا جماعة أنمار، فاعترض طريقه سيف أبيض تزيّن زهرة اللوتس قبيعته. لقد كان ذلك سيف أمير مملكة الصقيع، لكنّ إبلاس كان قد رأى حدوث هذا بالفعل فردّ الهجوم وراوغ بمهارة قبل أن يكمل طريقه نحو جماعة أنمار.

ظهر شبح أرض الموتى فجأة بدون أن يصنع حسّا وحتّى إبلاس كان متأخّرا في ردّة فعله كما لو أنّه رأى حدوث هذا بشكل أبطأ من المرّتين السابقتين.

قال إبلاس: "لم يلقّبوك بالشبح من فراغ يا أيّها اللعين."

ومع ذلك استطاع شيطان اليأس مراوغة المنجل الذي أحاط رأسه وكاد يقطعه.

وأخيرا، وجد إبلاس نفسه تحت ضغط رهيب، إذ رأى بعيني الحقيقة ذلك السهم الذي بدا قادرا على اختراق النجوم وتدميرها قادما إليه.

شحن سيفه الهلاليّ بطاقته الروحيّة وضرب السهم، فتولّد انفجار هزّ الأرض المباركة بأكملها.

لم يكن هناك عائق بينه وبين جماعة أنمار، وفقط عندما اقترب منها ظهرت المطرقة 'ميولنير' بجانبه مرّة أخرى ليصّدها بسيفه لكنّه حلّق بعيدا من قوّتها.

استمرّ التنّين الصغير في مداعبة لحيته وقال: "إنّك لا تظنّ بصدق أنّك قادر على فعل ما تشاء في حضرتنا مجتمعين، أليس كذلك؟"

تنهّد إبلاس وقال: "أنت والآخرون لا تفهمون شيئا حقّا. يبدو أنّني بدأت أشتاق لحكيم بالفعل."

لم يكن الأمر منوطا بقدرة إبلاس على مواجهتهم بالنسبة له، بل كان متعلّقا بقدرته على الاستمتاع بهذه الظروف وبلعبه لأقصى درجة ممكنة.

"حسنا،" قال إبلاس: "لنجعل مهمّة الأبطال أكثر صعوبة."

التفت إلى المجموعتين اللتين أتتا معه وقال: "ما رأيكم؟"

قال ذو مواصفات الأسد: "مثير للاهتمام، يبدو أنّنا سنحصل على عبيد ذوي جودة جيّدة."

أكمل أحد الشخصين المجنّحين: "عدّني مشتركا."

حملق التنّين الصغير والآخرون إلى الشياطين واستعدّوا للدخول في معركة جادّة.

***

كانت الأحداث في أكاديميّة الاتّحاد المباركة مجرّد جزء ممّا كان يحدث في بقيّة العالم الواهن.

ففي الوقت الحالي، كان العالم الواهن فوضويّا للغاية.

صدت صرخات الناس في بعض المناطق وسط أنواع متعدّدة من الهجمات.

كان هناك شياطين بمختلف أنواعهم يهاجمون الناس في بعض المدن ويخطفون السحرة والأطفال، وكان هناك أشخاص آخرون أجبروا الناس على الذهاب معهم، كما كان هناك من حاول التفاوض.

كان هدف هؤلاء هو العودة ببعض المواهب إلى عوالمهم التي أتوا منها عبر الشروخ الفضائيّة التي ظهرت في شتّى أنحاء العالم.

كان هناك شيطان بهيكل يشبه هيكل البشر إلّا أنّه كان أقصر قليلا وامتلك ذراعين ضخمتين مقارنة بجسده وأنفا طويلا بالرغم من أنّ وجهه كان صغيرا.

اقترب هذا الشيطان من أحد العائلات وفحص طفلا بعدما كسر ساقيْ والديْه أمام عينيه، فقرّر بعد ذلك أن يأخذه.

صاحت الأمّ: "أعد إليّ ابني، لا تأخذ ابني منّي. أرجوك، أرجوك، أرجوك..."

التفت الشيطان ووجه عابس كما لو انّه كان منزعجا من كثرة ترجّي الأمّ بصوت مرتفع، فلوّح بيده وقال: "اخرسي!"

كان تلويح من يده كفيلا بجعل جسد المرء يحلّق لعشرت الأمتار محطّما تماما مسبّبا في موت الشخص.

كادت هذه اليد تضرب المرأة، لكنّ الأب اعترض لها وحاول المقاومة بكلّ ما يملك لكنّه أرسِل محلّقا بجسد محطّم كما يُفترض أن يحصل.

نظرت الأمّ إلى الجهة التي رُمي زوجها إليها فوجدت عينيه تحدّقان إليها ولكن بدون أيّ حياة فيهما، فصرخت مرتعبة بشدّة وبكت بينما تقول: "أنقذونا، أين أنتم يا أيّها السحرة، أين أنتم يا تشكيل القائد الأعلى باسل؟ أين أنت يا بطل عالمنا؟ أنقذوا ابني."

حملق الشيطان إليها بعينين خاليتين من الاهتمام بترجّيها وقال: "لن ينقذكم أحد، فهذا مجرّد عالم واهن. لقد قتلنا كلّ السحرة القريبين من هنا قبل أن نبدأ عملنا حتّى."

سكتت الأمّ ونظرت إلى ابنها وقالت: "لا تقلق يا حسن، لقد اخبرتك أنّ بطل عالمنا سيأتي لإنقاذنا، أنا متأكّدة أنّه باستطاعته علاج والدك حتّى. لقد..."

لم تكمل كلامها حتّى كانت قد رُميت لتصطدم بزوجها.

كان الطفل حسن يحدّق إلى ما يجري بدون أن يستوعبه، ولم يصرخ حتّى؛ لقد كان يعتقد أنّ ذلك كان كابوسا.

***

حدثت أمور مشابهة لهذا في العديد من الأنحاء، ففي عائلة أخرى، كان هناك طفل يقف مستقيما فاتحا ذراعيه على مصراعيهما أمام أحد الشياطين الذي كان يشبه السحليّة بالرغم من هيكله البشريّ.

كان الطفل يحاول الوقوف في وجه الشيطان بكلّ شجاعة ليحمي أمّه التي حاولت جذبه إلى الوراء لكن بدون فائدة؛ لقد كان طفلها عازما على حمايتها.

صرخ الطفل: "تراجع أيّها الشيطان اللعين، أنا عماد بن أشرف، لن أسمح لك أن تضع إصبعا واحدا على والدتي."

تحرّكت كل عين من عينيْ ذي مواصفات السحلية في اتّجاهين متعاكسين، ولم ينبس ببنت شفة. حرّك ذيله فجأة فرأى الطفل عماد ذيل الشيطان يعود لمكانه حاملا شيئا ما، وعندما علم ماهيّة ذلك الشيء فرغت عيناه من الحياة، إذ كان ذلك رأس أمّه معلّقا على ذيل الشيطان.

***

كان كلّ الأعداء سحرة روحيّين، لذا كان من المستحيل على أيّ ساحر من العالم الواهن التصدّي لهم.

لم يصل الدمار لدرجة الدمار الشامل قبل سبعة عشر سنة بما أنّ عدد الأشخاص الذين أتوا إلى العالم الواهن لم يكن كبيرا للغاية، لكنّه كان كافيا ليتسبّب في مآسي في العديد من الأماكن.

كلّ هذا حدث لأنّ العالم الواهن صار عالما روحيّا؛ فعندما يحدث شيئا كهذا لعالم ما، تتغيّر العديد من الأمور سواء بالنسبة للسحرة أو البشر.

فالسحرة يجدون موارد أفضل بكثير من السابق، وتظهر مواهب فذّة بين البشر لها إمكانيّات هائلة، لأنّ الطاقة الروحيّة في العالم تجعل بعض البشر متميّزين وموهوبين، وخصوصا الطاقة الروحيّة التي تصاحب التحوّل الروحيّ.

***

تحوّلت أرض الأكاديميّة لفتات بعد مرور دقائق قليلة فقط من دخول الشياطين كلّهم إلى المعركة بجوار إبلاس ضدّ الآخرين.

لم يبلغ القتال ذروته حتّى لكنّ الضرر الذي تسبّب فيه هؤلاء لما حولهم تخطّى المعقول.

ولكن كلّهم لم يهتمّوا بهذا، فإبلاس اهتمّ بمتعته الخاصّة، والشياطين الآخرون اهتمّوا بأخذ العبيد فقط، والتنين الصغير والآخرون اهتمّوا بحماية المواهب لا الأرض.

ولكن للأسف، صدق إبلاس في كلامه كما سلف وأخبرهم، ونجح في الاستمتاع كما أراد، وحاليا، كان التنّين الصغير والآخرون يعضّون شفاههم بسبب ما حدث.

كانت أنمار في قبضة إبلاس!

كان يحملها في السماء من رقبتها بينما ينظر إلى عينيها مباشرة. لم يستطِع أيّ شخص القيام بأيّ شيء بعدما وضع إبلاس يده عليها، وانتظروا فقط حدوث الأمر.

***

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائيّة أو نحويّة.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2020/04/21 · 614 مشاهدة · 1709 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024