-"شاتس" لو كان جدك هنا لكان فخورا جدا بك !" تمتم الرجل في صدمة
لقد كان متفاجأً حقا! الحصول على مبلغ كهذا كان مستحيلا عادة !
في المقام الأول وضعت الامبراطوريات هذا القانون لتستطيع تجنيد المزيد من العمال لصالحهم ، اذ ان اغلب سكان المدن العائمة يفضلون الانضمام لجيش الاتحاد او القيام باعمال مكتبية على الخدمة في المناجم او ان يكونوا حمالين !
صحيح أن مستعمرة "سيڨ" قد انضمت لسيطرة إمبراطورية لونا منذ فترة ليست بطويلة وقد تغيرت الامور كثيرا هنا في الجزيرة ، الا ان هذا الوضع لم يمس هذا الجانب كثيرا ! في النهاية كانت المناجم دخلهم الرئيسي .
-هل سرقت نبيلا او شخصا ثريا ما ! اُخبرك الآن، هذا سيء جدا لصورة دار الرعاية هل تفكر حتى في مستقبل بقية الاطفال؟ "
كان من عادة الاثرياء في المدن العائمة توظيف الاطفال من المستعمرات واحيانا يبعثون بخادم هنا لدفع "ثمن الامتنان" بدلا عنهم واخذهم تحت جناحهم .
رغم انها قد تُسبب خسارة بسيطة الا ان إمبراطورية لونا لم تمنع هذا ،شرط ان يدفع المشتري ضعف الثمن ،نصفه لدار الرعاية و الاخر تعود للطفل المراد كفالته ، كانت هذه حركة ذكية لمنح الاطفال بعض الولاء للامبراطورية حتى بعد انضامهم لعائلات اخرى
اضافة ان العائلات النبيلة او الاشخاص الاثرياء لن يأخذوا عادة الا المواهب التي كان لها ايقاض وتقارب أثير مرتفع من الدير ، لم تكن هذه خسارة كبيرة للامبراطورية اذ ان كل هذه المواهب ستنضم في الاخير للجيش اذا ارادت التطور.
كانت السياسة وتبادل المصالح شيئا يصعب على عامة الناس إدراكه ، لكن اي من الاثنين هنا لم يكن بسيطا ليفوت هذه النقاط
كان الاطفال في عيون الرجل مرادفا للمال ولم يكن "شاتس" أمامه استثناءا ، رغم انه لم يعلن عن مواهبه صراحة ،إلا انه كان يعرف القليل عن أصله والذي دفعه لايلاء المزيد من الاهتمام نحوه.
-لذا تريد المغادرة ؟ ..رغم ان جدك قد كلفني برعايتك . إلا انني لم استطع فعل هذا مباشرة بسبب عملي، انه لمن المؤسف ان تُلقي نوبة غضب وتسرق من اجل الهرب،"
جرف الرجل بصره نحو شاتس حزينا على ما يبدو
-اقطع الهراء لم اسرق احدا! واياك ان تحضر سيرة جدي على لسانك القذر !"
عبس الرجل
-شاتس هل تدرك ما تقوله ؟ كان جدك بمثابة صديق لوالدي كيف لي أن ابقى بعيدا عن هذه المسألة !"
-والدك كان بطلا وقد انقذ جدي في وضعه الصعب ! لكن انت ! "
نظر نحوه باشمئزاز وعيناه تحترقان غضبا ، كرر كلماته وشدد على مخارج الحروف وكأنه يريد اكل الرجل حيا !
-ٱعيد ما قلته "بيلوث"! اعطني هويتي !، ان لم تفعل سأرفع شكوى لعمدة "سيڨ" بأعمالك الرهيبة في اختلاس اموال دار الرعاية وبيعك الأطفال للنبلاء دون رقابة ، لدي دليل قوي هذه المرة !
قالها باندفاع في نفس واحد ،لكن ما لبث ان كتمه بعد ان شعر بهالة الرجل قبالته وهي تضغط على جسده تكاد تسحقه !
حاول المقاومة وثبت رجلاه المرتجفتين رافضا السقوط وهو يشد اسنانه في كراهية
لهث بحثا عن الهواء وهو يتصبب عرقا بعد ان سحب "بيلوث" هالته فجأة
-حسنا لك ذلك ! عد غدا لأخذها تحتاج اوراق الهوية الى وقت لاعدادها"
تفاجأ من التغيير في الرجل وكيف وافق بسهولة على طلبه بعد تهديده
هز شاتس حواجبه في عبوس ،لكنه سرعان ما اومأ له وترنح في خطواته يخرج من الغرفة .
لم يكن التفكير هنا سيساعده ، كان يعود غدا ويرى الألاعيب التي يخفيها هذا الرجل في سواعده . ايا ما كانت ، فقد عقد عزمه على تسليم المستندات والأدلة الى العمدة في حال شعوره بأي تهديد ، كان يدرك أن "بيلوث "علم ان المستندات ليست معه حاليا وإلا لما تركه في سبيله .
في البداية، لم يكن ليأتي هنا دون خطة لحماية نفسه !
فتح الباب ببطئ ليخرج الا انه توقف وترنح قليلا لسماعه كلمات" بيلوث"
-لا تدفع حظك كثيرا ، لا تنسى ان الادلة التي تثبت براءة والدك الخائن لا تزال في يداي !"
عصر شاتس يديه في غضب إلا انه تمالك نفسه وخرج ليصفع الباب بقوة تاركا "بيلوث" الرجل الماكر مُتكئا بهدوء على كرسيه المريح ناظرا نحو امتداد البنايات خارج نافذته بابتسامة غامضة
-حسنا حسنا ..اتساءل اذا كنت ستعيش لتراها غدا"
°°°°°
-"سيلفاتور" هل تعتقد اننا سنجد مرادنا هنا ؟ "
نظر الرجل الذي يرتدي زي الخادم نحو الشاب الذي بدا في الخامسة عشر وهو ينظر من امتداد النوافذ الكريستالية نحو الخارج متأملا في غروب الشمس القريب
-لا تزال هناك مستعمرتان قريبتان من هنا كذلك ، ان لم نجده، يمكننا البحث هناك ايضا .."
لم يرد الخادم العجوز على سؤال الرجل مباشرة، بل رد باجابة غامضة نوعا ما جعلت الشاب يسقط في تفكير عميق .
رفع عينيه الزرقاوين محدقا في المشاة والباعة اسفل الفندق وتمتم قائلا بقلق
- وضع امي يزداد سوءا ،..لا يمكننا الانتظار اكثر .."
-السيد الشاب لا تقلق ، تحتوي مدينة "لويس"على اكبر دور رعاية بين المستعمرات الثلاث ، قد نجد ما نبحث عن.."
لم يكمل الخادم كلامه اذ قاطعه صوت الشاب المتفاجئ
-أخي !! "
كاد سيلفاتور يوبخه على نسيان آدابه إلا انه ما لبث أن اهتز في مكانه بعد سماع كلمات سيده ،
-السيد الأصغر ؟ لما قد يأتي هنا ؟"
هتف متسائلا إلا أن الاخير تجاهله وهو يركض نحو الباب متحمسا يرتجف
- لا لم يكن هو ! لقد كان آيس ! رأيته ! "
-مستحيل !
لفظ هذا غير مصدق كيف لا وصاحب هذا الاسم كان من المفترض انه اختفى منذ فترة طويلة ،جفل في مكانه منتبها لما خرج من فمه . كاد يعتذر لسلوكه إلاّ أن الشاب لم ينتبه له بل اختفى ظله بعيدا في الرواق .
°°°°°°°°
-وجدتك انتظر لأمسك بك !
صر على اسنانه الغاضبة وهو يحدق في الظل الذي اختفى في الزقاق
-لن اسمح لك أبدا بالافلات بعد اخذك لنقودي ! "
كان ثيودور يلهث بعد أن ركض طويلا وهو يلاحق بعد شاتِس !
كان مظهره من ملابس متربة وممزقة بالاضافة لشعره الفضي الفوضوي يوحي بوضعه كمتسول فقير، إلا ان عينيه الزرقاوتين الواثقتان اعطتاه هالة متناقضة تماما يصعب وصفها
-لم تكتفي بأخذ نقودي ! بل لم تُريني اين يقع الشرق اصلا !!
لم تساعده معرفة الكتب كثيرا بعد استيقاظه ، كان الدواء الذي اطعمه اياه الفتى مفيدا حقا وقد شفى أغلب جروحه بعد نصف يوم ، لكن المشكلة كانت انه عانى ليدرك موقعه واضطر لانتظار اقتراب غروب الشمس لإدراك اتجاهه ودخول المدينة .
كانت حياة المدينة ورؤية العديد من الاشخاص ممتعا جدا لعينيه، لكنه لم يستطع الاستمتاع بالتجوال والتعرف على المكان بعد ان رأى الصبي السارق مصادفة قرب احد المتاجر بعد دخوله البوابة .
من حسن حظه ان المدينة لم تمنع المتسولين لذا لم يطرده الحراس حال دخوله كما لم يحتاج بطاقة للهوية ،ربما يعزى ذلك الى عدد الاطفال الكبير الذي شاهده منذ ان داس هنا .
للأسف ركض المسمى "شاتس" بعد ان رآه مباشرة ، لقد سمع احد الاطفال يناديه باسمه وكان هذا من حسن حظه ، حتى لو فقده يكفي اسمه ليكون دليلا لايجاده .
لكنه لم يفهم !
-حتى ولو سرقني فليس عليه الركض دون اخذ نفس ! على الاقل يمكنني منحه نصفه ! لماذا يركض وكأن حياته تعتمد على ذلك ؟"
تساءل متأوها بتعب وهو يدخل الازقة المهجورة ايضا .
توقف في مكانه واختبأ لما سمع صراعا عنيفا في الأمام .
-اركب العربة !"
نظر شاتس الواقع ارضا بغضب نحو احد الرجال الثلاثة الذين حاصروه وتكلم ببرود
-من انتم ؟ لماذا قد تلاحق النجوم المتوسطة طفلا مثلي ؟
تفاجأ الرجل الملتحي لان الطفل استطاع معرفة مستوى قوته بنظرة واحدة !
كانت النجوم المتوسطة تعادل نجمتين في ترتيب القوة وكانت قوتهم اكبر بكثير من الشخص العادي ، كان من المفترض ان يغمى على الطفل منذ فترة طويلة بسبب ضربة واحدة .
-غير عادي تماما مثل ما قال مقدم الطلب"
تحمس الرجل
-قد نجني ثروة من هذا الطفل هذه المرة "
شتم شاتس في كلماته ليسأل باستهزاء
-هل كان مقدم طلبك هو" بيلوث " ، هل ملّ ذلك الرجل اخيرا من اللعب وقرر اقتلاع الجذور "
ابتسم الرجل مظهرا اسنانه الصفراء مسليا
- حسنا ، من واجبنا الحفاظ على سرية هوية زبوننا المحترم لكنك محق ، يبدو ان هذا الرجل يكرهك كثيرا ، لقد قدم الكثير من المال لقتلك ! لكني غيرت رأيي، افضل بيعك بدل ذلك !
عبس شاتس عند سماع ذلك
-انتم ؟..مهربوا بشر ! "
كانت هذه عصابة مقيتة في إمبراطورية لونا وقد تم اصدار مذكرة توقيف بحقهم،
كانت الامبراطورية البشرية تنعم بتعدادٍ سكاني هو الأضخم مقارنة ببقية الدول، لذلك كانت هدفا للاتجار بمواطنيها وبيعهم كعمال للدول الاخرى سرا ، وكانت سرقة المواهب البشرية هي افضع ما تبرع فيه هذه العصابات.
صدم ثيودور ايضا لسماعه هذه الكلمات، لم يخطر بباله انه سيواجه مهربي البشر فور خروجه لرحلته ، كان العالم الخارجي على ما يبدو خطيرا جدا كما قالت له سيرينا.
اراد الاستدارة والذهاب لطلب المساعدة لانقاذ الفتى إلا انه صُدم لمّا سمع شاتس يقول بهدوء
-حسنا سأذهب معكم .."
-هاهاها! كنت اعلم انك فتى جيد ، اسمك شاتس اليس كذلك ، سأتأكد من حصولك على صاحب عمل جيد ، قد يسمح لك حتى بالانضمام الى احد الاكادميات !!"
اغرى الرجل ذو اللحية في حين لم ينسى الاشارة لزميليه لمحاصرة شاتس ودفعه نحو العربة .
نظر الاخير نحو مكان ثيودور للحظة ثم استدار ليصعد نحو الباب
صعد الرجل الملتحي كذلك في حين امر احد رجاله باستخفاف
-قد نحو غابة "دريوتا" سننتظر بقية المجموعة هناك
اومأ رجله بايجاب ، مد سوطه يجلده على ظهر وحش "الألوڨو" الشبيه بالحصان آمرا
-انطلق !"