13 - -الأزمة في الغابة-02-

تردد صوت خطواته العالية وهو يمر عبر الحشائش والاوراق المكتضة وبعضها يخدش جلده ،

لم يمنعه ذلك من أن يضيق عينيه صوب الأرض يبحث بجد عن ما تبقى من آثار الاقدام الموحلة للاشخاص الاربعة امامه.

كان من حسن حظه ان المطر الذي نزل البارحة على ما يبدو قد سمح له بشكل غامض باتباع عجلات العربة المسرعة نحو الغابة ،

اهتدى بصعوبة بما تبقى من ضوء الشمس الغاربة لطريقه وصولا هنا ، حيث تركت العربة وحيدة قرب احد الطرقات الوعرة

-يبدو انهم لم يغادرو منذ فترة طويلة !"

رغم انه لم يكن في خططه التدخل في شؤون الآخرين إلا أن الجنود في المدينة لم يأخذوه على محمل الجد عندما اخبرهم عن قصة "مهربي البشر "

-هل هو بسبب شكلي ؟ "

كان قميصه الممزق ووجهه بالفعل في حالة يرثى لها بعد حادثة ممر النقل ،لم يتبقى سوى جواربه والتي بشكل غريب كانت بيضاء ناصعة دون ذرة غبار عليها .

-بدأت افتقد المنزل "

رثى هذا في نفسه وهو يتابع طريقه ، عبس لما لاحظ الغيوم الداكنة التي تلوح في السماء المظلمة بالفعل

-اذا امطرت قد تختفي آثارهم تماما علي الاسراع ! "

كان من حسن حظ ثيودور ان الوحوش المنخفضة المستوى مثل الوغا كانت تخشى دخول الغابة لذا فقد تركها الاربعة هنا قبل مواصلة طريقهم .

-لكن لما يتجهون صوب الغابة ؟ هل قاعدتهم هناك او شيء كهذا ؟"

تساءل في حين اعتقد ان هذا هو الاحتمال الارجح ، كان مهربو البشر اكثر العصابات المكروهة وستكون غابةٌ كدريوتا مناسبة لهم لاخفاء نشاطهم .

-سمعت من الباعة في شوارع المدينة ان حدودها آمنة بعض الشيء ، لكن كلما ذهبت عميقا كان الخطر اكبر وفرصة مقابلة وحش نجم عالي المستوى كبيرة،

-لكن اليس قول خطرة جدا هي مجرد مبالغة كبيرة ؟"

ظن هذا في نفسه وهو يزيد من حذر خطواته .

منذ دخوله الغابة لم يقابل اي مخلوقات صغيرة ناهيك عن الوحوش الاكبر

-هذا غريب ! اين قد تختفي فجأة ؟

ثيودور الذي كان عازما على مساعدة الفتى رغم المخاطر التي ينطوي عليها الامر وجد نفسه في وضع محير فجأة ،

-هناك ضوء في المقدمة "

تسلق احد الاشجار الطويلة ببنيته الضئيلة وحدق بعيدا في الافق

لم يكن الأمر صعبا منذ ان اعتاد تسلقها في الحديقة خلف القصر ،لكن لا يزال يواجه صعوبة في محاولةٍ لمنع انزلاقه بسبب رذاذ المطر

-انهم هناك "

كانوا يخيمون في منطقة شبه مفتوحة للحراسة ضد اي تهديد . نصبت خيمتان بسيطتان امام نار صغيرة لم يكن غرضها اكثر من مجرد توفير الانارة ،

وقف احد الرجلين في دورية حول المخيم ليعود ويجلس قرب الآخر الذي كان يقوم بطهي وجبة شهية ،

جلس قربهما شاتس الذي قُيدت يداه بالفعل خلف ظهره في حين لم يُرى اثر للقائد في اي مكان ،

-هل هو يستريح في الخيمة ؟ "

همهم في تفكير في حين نزل من الشجرة واقترب بحذر منهم وهو يدرس محيطه ،

كانت السماء قد اظلمت منذ فترة طويلة وكان ضوء القمر الضبابي هو كل ما ينير طريقه .

-قد استطيع اسقاط احدهم لكن الثاني وذاك القائد مشكلة !"

لو سمع أحد كلام الصبي لسقط ارضا خائفا من ذكائه ، كان للرجلان قوة تعادل النجم الأول وهما بالتأكيد أقوى من اي بالغ عادي ، لكن الطفل هنا والذي لم يتم ايقاضه بعد قال انه يستطيع اسقاط احدهم دون ان يرف له جفن ،

لكنها لم تكن مبالغة او ثرثرة يخدع ثيودور بها نفسه . تعلم بالفعل حمل السيف منذ عامين بالاضافة الى الذكريات بقلادته فقد قاتل ضد رئيس الخدم كثيرا.

قالت سيرينا ان لديه الموهبة ليصبح فارسا لكن هذا للاسف لن يتحقق ابدا ما لم يغادر المستعمرة هنا ،

كان فرسان الشفق مختلفين تماما عن متحكمي الأثير ، احتاج الأول ليكونوا على ارض المدن العائمة او بالاحرى خارج أمانيسيا ليستطيعوا امتصاص هالة الشفق من السماء المظلمة فوقها ، في حين ان متحكمي الأثير لم يحتاجوا سوى امتصاص الأثير الذي يملئ القارة .

كان الامر غريبا ،وكأن هذا العالم مفصول بين علوي وسفلي ولكن القوتان لم تصطدما ببعضهما البعض وعاشتا في تناغم تام .

احتوت قارة امانيسيا على الاثير في حين تنعمت المدن العائمة بقوة الشفق التي تنتشر فوقهم ، تسبب هذا في جدل حاد بين اهمية الفرسان ومتحكمي الأثير وعن دورهما ،

لكن الجدال انتهى بأن الاثنان كلاهما مهم جدا ! مُنع الفرسان من ان يصبحوا اقوى بشكل فعال على القارة ،لكنهم كانوا الأكثر تحقيقا للمآثر على اراضيها بسبب قوتهم ومدى طول قدرة تحملهم.

في حين ان متحكمي الأثير كانوا سريعي التطور على امانيسيا وكانوا قوة رائعة ساهمت كدعم للأول، إلا ان ضعفهم تجلى في أن احتمال اصابتهم باضطراب في الأثير وموتهم كان اكبر كلما تعمقوا في وسط القارة.

- لازلت ..لا املك سلاحا"

حدق بشغف في سيف احد الرجلين وهو يتمتم باستياء

لم يستطع احضار سيف معه من القصر لأن نقله من قاعة التدريب كان محضورا عليه تماما ،

لا يزال يتذكر افساده غير المقصود لنباتات سيرينا المحبوبة وغضبها عليه بسبب هذا ،

تنهد باستياء

-حسنا لا حيلة لدي مع هذا ..لكن كيف من المفترض بي ان اتعامل مع الوضع الآن ؟ "

تساءل عندما لمح فجأة احد الحراس يتجه صوبه مع شاتس وراءه

-هاه ماذا يفعل ذلك المغفل باحضاره هنا !

شتم في حين سارع للاختباء اعلى احد الاشجار .

حاول كتم انفاسه والاختباء في الظلام كما تم تعليمه وانتظر الاثنين حتى يصلا اسفل منه .

كانت هذه احد اكثر المهارات التي يجيدها ، ربما بسبب اصرار سيرينا على تعليمه اياها وكل مهارة هروب واختباء تعرفها .

-فلتسرع ! اريد العودة لانهاء طعامي ! لا تفكر في الهرب ساقطعك قبل حتى ان تتجاوز خطوتين .

اومأ شاتس ببرود في حين شتمه الرجل بين انفاسه

توجه امام الشجرة الكبيرة في حين استدار الرجل ليتكئ عليها في الاتجاه الآخر

هبطت نظرت ثيودور لتلقي بالخاصة بشاتس متفاجئا

-انت هل تفعل هذا عن قصد ! هل تريد مني ..! "

اومأ الاخير نحوه رغم الظلام الذي غطى ثيودور ، لم يفهم كيف حتى شعر به في المقام الأول !

لم يستطع تضيبع الوقت في بنات افكاره وقفز من مكانه فجاة بعد ان جمع ما يكفي من الأثير قرب قدميه بجهد

عادة كانت هذه مهارة عادية تستخدم لصد الريح او ابعاد المطر لكن سيرينا علمته انه حتى المهارات البسيطة كان لها استخدام مفيد مادام يفكر بشكل مختلف .

دعم الاثير قدمه في حاجز ليزيد من قوة نزولها .

كان نطاق ادراك النجم الاول بالكاد مترا وهذا ما ادى الى سقوط ضربته على الرجل قبل ان يستطيع حتى سحب سيفه .

اطلق صرخة عالية منبها الاخر في المخيم ليصعد مسرعا نحو مكانهم

-انت ..ماذا الآن ؟ لا استطيع تحريك الاثير باستمرار وهذا الرجل بالكاد فقد وعيه "

تراجع ثيودور للخلف يسأل شاتس بإلحاح لسوء وضعهم ، إلا انه تفاجأ بصورة الأخير التي تكاد تختفي بين الاشجار في الافق

-اركض فقط ! هذه افضل خطة ! "

شتمه بين انفاسه ليركض وراءه يلحق به

كان شاتس قد تخلص من قيوده عندما تم

اقتياده هنا في وقت سابق لذلك لم يواجه مشكلة في الجري

°°°°°°

-ماذا عن قائدهم ! من المستحيل الهرب اذا بدأ بملاحقتنا

- لا تقلق ! لقد ذهب هذا الرجل منذ فترة وأشك في انه سيعود قريبا

رد شاتس بهدوء بعد ان انتظمت انفاسه قليلا بالكاد

-هاه! لم يكن في الخيمة ؟

-لا ! لا افهم ما هو الوضع جيدا في الغابة لكن هناك امر غريب ، بدا كذلك انه ذاهب للتحقق من زملاءه الذين تأخروا عن موعد لقاءه ،

-امر غريب في الغابة ؟ "

تذكر عدم مقابلته لوحش واحد منذ دخوله هنا وشعر بالضيق يتسلل الى قلبه

-الى اين نذهب الآن ؟"

-من المستحيل العودة من الطريق الذي جئنا منه ! التضاريس غريبة هنا لذلك سيكون اخذ طرق اخرى اصعب اذا اردنا الهروب في الظلام

اعرف كهفا قريبا من هنا دعنا نتجه هناك ونختبئ حتى الصباح "

اومئ ثيودور بقلق وهو يتحقق وراءه .

بدا ان الرجل لم يلحق بهم حتى الآن وكان من حظهم ان المطر الكثيف سيغطي اي آثار بقيت خلفهما

-نكاد نصل "

صرخ شاتس نحوه ليبطئ خطواته فجأة ، تباطئ هو كذلك ليلحق به متسائلا عن سبب توقفه

شهق ومد يده نحو فمه يغطي صدمته وهو يشاهد الأرض الحمراء امامه .

كان اشلاء الجثث الباردة قد تناثرت على الارض لتصبغها منذ فترة طويلة بحلة حمراء واصلت الانجراف والتجمع في بركات صغيرة إثر المطر.

هزه منظر الدم وشعر برعشة لما تذكره لوهلة! ، كان اللون المقزز هو نفسه تماما مثل احلامه .

هز رأسه مبعدا افكاره التي في غير محلها وسأل بحلق جاف رغم الرطوبة حوله

-من فعل هذا ! هل مهربوا البشر ؟

خرج شاتس من ذهوله هو الآخر لينفي كلماته

- لا ، ربما تكون الجثث لقافلة مرت من هنا ولكن لا نستطيع الجزم بانهم ليسوا من مهربي البشر كذلك .

تقدم بخطوات قصيرة متابعا وهو ينظر نحو الآثار العميقة في الأرض التي لم يستطع حتى المطر الغزير جرفها

-قد يكون مد وحوش "

-مد وحش !

هتف ثيودور في مفاجأة

لم يقابل اي وحش حتى الآن وبالكاد كان واثقا لهزيمة احدهم .

-فما بال مد وحش الآن ! العالم الخارجي فظيع حقا كما وصفته سيرينا"

تمتم بهذا في قلبه مجددا وبدأ فجأة يندم على قرار هروبه

-لم يكن منذ فترة طويل ايضا ربما نصف ساعة او اقل ، لاشك ان صوت الامطار قد غطى على ضوضائهم لذا لم ننتبه لهم "

نصف ساعة كانت الوقت الذي فروا فيه من المخيم لذلك لم يكن هذا الاحتمال بعيدا عن الحقيقة

-حسنا ماذا الآن هل نواصل الاتجاه نحو الكهف ؟

-لا ! بل من الأفضل لكما ان تُسلما أنفسكما بهدوء وتعودا معي ..!!!

2022/01/22 · 320 مشاهدة · 1508 كلمة
Kirara
نادي الروايات - 2025