-سيرينا !!

فتح ثيودور عيناه وهو يصرخ بفزع رافعا ذراعه وكأنه يحاول إمساك شيء بيأس .

جفل واستدار مرتعبا ليدرك أن ما أخافه الآن كان مجرد صوت قطرات المطر التي ارتطمت بحرية على زجاج نافذة غرفته،

تسلل البرد إلى عظامه مدركا بعدها أن جسده كله كان غارقا في العرق .

بسط يده التي تقبض بإحكام على شيئ ما ليدرك أنها كانت مجردة منشفة، بدت رطبة الى حد ما ؟

-أين ..؟"

تمتم ينظر حوله متسائلا لوهلة . عاد لرشده عندنا علم أنه كان في غرفته وأن ما رآه الآن كان مجرد كابوس

-نعم كابوس " تنهد بهذا في حزن شاردا بذهنه.

لم يلبث أن خرج من افكاره بعد أن سمع باب غرفته يُقرع ليُدفع مفتوحا بعدها

-السيد الصغير "

انجرفت مخاوفه لحظة أن تدفق صوتها اللطيف الى مسامعه

-ٱخت !

دخلت تجر فستانها البسيط في حين تمايل شعرها الاحمر القصير متناسبا مع لون عينيها الخضراوتين في عبوس .

تكلمت توبخه بشيء من الشكوى المرحة

-نادني سيرينا ، أي سيد رأيته يكلم خادمته كاخته ؟"

عبس بمرارة يائسا من دحظها ،

لو كان الأمر بيده لناداها بٱمه ! نعم . لقد كانت بهذه الأهمية بالنسبة له.

الشابة التي لم يتجاوز عمرها 29 سنة كانت هي التي اعتنت به منذ ان كان طفلا بالكاد يبلغ بضعة أشهر، في حين أن والداه تركاه وحيدا هنا او هذا ما اعتقده.

توقفت لوهلة لما رأت وجهه الشاحب

-هل تراودك الكوابيس مجددا ؟"

أومأ لها بشيء من المرارة

مدت يدها تكز شعره الفضي بسخط

-حسنا هذه المرة كان خطأك بالكامل ! من يهرب ليركض نحو الغابة بدون معطف في مثل هذا المطر"

-هذا لأنكم لا تسمحون لي بالخروج "

همس بشيء من الحزن.

نفظت يدها عنه بعد أن تأكدت من أن حرارته انخفظت متجاهلة آخر كلماته في حين دفعت باب خزانة ملابسه مفتوحًا.

اختارت بعض القطع ووضعتها فوق سريره

-ارتد هذا واخرج ..السيد ليوبارد ينتظرك في غرفة الدراسة ،حتى انني لم أسلم من نظرات رئيس الخدم الباردة جراء تأخرك في الاستيقاظ هذه الايام ، انت لا تدري حقا كم أن الامور صعبة جدا على بقية الخدم."

عند سماع هذا نظر نحوها متسائلا

-هل عادت بيلما ؟ "

توقفت يد سيرينا لوهلة لتتابع ما كانت تفعله بعدها

-لا ...قال رئيس الخدم انها اختارت أن تعود الى مسقط رأسها ، لقد دفع لها راتبها مقدما.... أخشى انك لن تراها بعد الآن "

عبس نحوها في شك

-من دون توديعي ؟"

-حسنا ، الجو سيئ هذه الأيام لا شك انها غادرت مسرعة لكي لا تعلق في الغابة ."

همهم بشيء من الموافقة على كلامها في حين أن خادمة ٱخرى استأذنت ودخلت ومعها الافطار ،

غادرت الإثتان بعد مدة تاركتان إياه وحيدا في الغرفة مجددا.

-بيلما .."

تمتم بهذا الإسم متذكرا بشيء من الاسف .

لقد كانت الخادمة الوحيدة التي تحدثه عن العالم خارج جدران هذا القصر الكئيب . لم يصدق أنها رحلت من تلقاء نفسها ، كان كل من تحدث معه عن العالم الخارجي قد غادر القصر بين عشية وضحاها ،

الأمر المتغير الوحيد هذه المرة أن بيلما قد بقيت لأطول فترة بينهم ،وقد كان هذا لحرصه الشديد على أن لا يعلم رئيس الخدم بذلك .

تنهد بهدوء قبل أن يخرج من سريره

-ليس هذا وقت الانزعاج "

على الأقل ربما كان ذلك أفضل لها، وحتى هو قريبا لن يحتاج إلى من يُحدثه عن العالم الخارجي بعد الآن،

ذلك أنه اتخذ أخيرا قراره !

-سوف أهرب من هنا "

تحدث بهذا بشيء من الترقب في صوته وهو يشاهد انعكاس صورته في المرآة الضخمة .

تدفق شعره الفضي متناثرا حول عينيه الزرقاء الرمادية وهي تعكس تصميمه ،

أقفل ثيودور رداءه ينظر نحو الندبة الصغيرة على صدره . كانت شيئا لم يتذكر في أي عمر حصل عليه. ربما في سنوات حياته الاولى ؟

دفع ببصره نحو قمة رأسه متحسرا على طوله

-من الرائع ان تكون في الرابعة والعشرين "

همس بهذا وهو يسير نحو رواق القصر ضائعا في افكاره .

لقد كان على بعد ٱسبوعين فقط من عيد ميلاده الثامن ،

قد يبدو هذا مناسبة سعيدة لأي طفل لكن بالتأكيد ليس هو !

-لقد كانت سنتان حتى الآن "

مد يده يمسك القلادة حول رقبته ليفتحها متأملا في صورة لإمراة بشعر فضي وعيون فضية فيها .

-ٱمي ..."

كان وجها من المفترض أن يكون لأقرب الناس إليه ، لكنه لم يرها من قبل ..

حتى هذه القلادة والصورة كانا شيئا وجده منذ سنتين و بالكاد يُخفيها من سيرينا و رئيس الخدم خوفا من أن يأخذانها ،

-حسنا أظن أن سيرينا عرفت ،لكنها لم تتحدث عنها"

لكن مع ذلك منذ أن وجد هذا الشيء والكوابيس تطارده ،لقد كانت أشبه بنذير لشيء سيء سيحصل قريبا .

عبس وهو يتذكر أحلامه الغريبة ،

في أول واحد . عاش حياته في هذا القصر حتى بلغ 24 والعشرين ثم في عيد ميلاده، تمت محاولة اغتياله من قبل رجل مقنع لينتهي المطاف بسيرينا تموت مدافعة عنه.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد . كل شهر تقريبا ، كان الكابوس يتكرر دائما عن كل عيد ميلاد له بسنة اصغر من الحلم قبله ،

كان عيد ميلاده 23 ثم 22 وهكذا بعد سنتين و قريبا في عيد ميلاده الثامن سيصبح عمره في الحلم مطابقا لواقعه،

لم يكن يتتطلع له بالتأكيد لأن احساسه اخبره ان ما رآه في أحلامه سيتحقق، ذلك أن كل المعارف التي أدركها فيه كانت حقيقية .

كانت المكتبة الضخمة في القصر هي المكان المفضل له .

بما أن الخروج خارج جدران هذا القصر كان ممنوعا ، فقد أحب ثيودور دائما ان ينغمس في القراءة لأن الكتب دائما تحتوي على معارف جديدة ،

مع ذلك لم يقرأ إلا جزءا بسيطا منها كبداية، لكن ما قرأه في أحلامه أصبح حقا جزءا من معارفه ، حتى نمط تفكيره كان أكثر نضجا.

بالتأكيد كل معرفته جاءت من الكتب، حتى عندما عاش 24 سنة في أحلامه لم يغادر هذا المكان ابدا !

لقد كان خائفا ان ينتهي به الأمر محبوسا في القصر حقا الى آخر حياته،

ايضا ..

-كان عيد ميلادي الثامن في حلم الليلة الماضية .. حتى ملمس دم سيرينا على يداي يُشعرني بأنه حقيقي ...جدا !

ضغط على قبضته الصغيرة في حين ارتجفت رموش عينيه وهو يتذكر ذلك القناع والصوت البارد

-سيرينا بالتأكيد لا يجب أن تموت !.. "

2022/01/22 · 580 مشاهدة · 980 كلمة
Kirara
نادي الروايات - 2025