ابتلع الجميع في خوف وهم يصرخون اتجاه الرجل اللاهث على الحلبة مختبئا خلف درعه .
لم تتحمل احدى النساء المسنات ذلك لتصرخ .
- استسلم جيلبرت !! لا فائدة من القتال اكثر !"
ترددت الصيحات المستهجنة بعدها من جميع الأشخاص وكأنها كبست زرا غير مرئي كان يغلقهم.
- صحيح لقد فعلت ما فيه الكفاية بالفعل !"
- جيلبرت هذا الطفل لم يعد "وان " الذي تعرفه اتركه فحسب "
- انت ايها الصبي هل لن تتوقف حقا حتى يموت !! جيلبرت كان معلمك !"
- ناكر الجميل !"
عبس ثيودور وميلو أيضا يحدقان بالشخصين على الحلبة .
كان "وان" قد هزم جميع الأربعة بجهد ضئيل ولم يتبقى سوى الحداد .
لكن ولمفاجأة الجميع رمى الأخير بالفعل قفاز درعه نحوه !!
كان هذا تقليدا استخدمه الفرسان لطلب مبارزة حتى الموت !
لم يفهم ثيودور لما قد يصل الرجل لهذا الحد حتى سمع الهمسات حوله !
كان والد "وان" فارسا تابعا للبارونيت السابق لذلك غادر قريته ليقيم بالعاصمة تاركا زوجته وابنه هنا ،
لم تلبث ٱمه طويلا بعدها لتتوفى عاهدة بابنها نحو أخيها جيلبرت وقد رباه مذ كان طفلا لم يبلغ الثالثة .
بعد سنوات عاد والده للقرية بسبب إصابة في ساقه وقرر التقاعد والبقاء بالقرية، جالبا معه زوجته الثانية وابنه الآخر للمكوث معه ! .
تحت اصرار والده أعاد جيلبيرت الطفل لأبيه خوفا من أن يلومه لكونه سببا في بعده عن عائلته .
لذا ما أراده الآن جيلبيرت أكثر من أي شيء هو إجابة !! لم يفهم والده لأنه لم يربيه لكنه عرف !
لِما يتحول طفله اللطيف ليصبح شخصا باردا وغير مبال هكذا في أقل من سنة لتركه ؟ كان هناك بالتأكيد شيء مريب!
- "وان" !!
حدق الرجل بالصبي الذي ينظر نحوه ببرود
عندما تبدأ مبارزة ويقبلها الطرف الآخر لن ينتهي الأمر إلا بموت أحد الاثنين أو الانسحاب مع حمل الخزي طوال عمرك .
أراد جيلبيرت إجبار "وان" على الدخول في مبارزة موت لمعرفة ما سيختاره !
كان راضيا حتى إذا لم يجب الأخير على اسئلته ولكن اظهر بعض الندم.
لكن وان الواقف أمامه سحق آماله تماما !
-هل انتهيت ؟ "
قال الطفل بتعبير منزعج
- لا تواصل التحديق بي هكذا ، أنت من طلب المبارزة في المقام الأول ، عليك تحمل النتيجة ! "
أنهى آخر كلماته قبل أن يختفي مجددا .
ظهر خلف جيلبيرت الذي توقع هذا منه وشد على درعه يصد ضربته .
عاد عدة خطوات للوراء يبصق الدماء وقد تم قطع درعه إلى النصف تقريبا .
- هذه الحركة مجددا ! أنت، هل ايقظت عنصر الظل ؟"
سأل جيلبيرت في صوته بعض الفخر والسعادة لوان لكنه لم يلبث أن تحول لحزن شديد .
- لديك بعض المعرفة ، دعني اريك قوتها بما أن مزاجي تحسن . ٱخبرك الآن لو نجوت من هذا فالكنز لك !"
رفع يده يجمع الأثير الذي اندمج مع ظل خصمه ببطئ ، فجأة امتدت عدة ظلال تلتف حول درع جيلبيرت وجسده تربطه بإحكام .
ازداد عدد الخيوط شيئا فشياءً حتى غطاه بالكامل
- جيلبيرت !!"
-وان دعه من فضلك ! "
ناشد القرويون الطفل. لم يستطيعوا التدخل في المبارزة بقبول الطرفين لأن هذه كانت قوانين الإمبراطورية ولن يجلبوا إلا العار لجيلبيرت لو غادر حيا من هذا ! .
لم تكن هذه مزحة، بل سيتم تدوينه بالفعل بسجلاته كهارب ! لن يرضى أي أحد باستئجار عامل مثله! .
كان موظفوا محكمة المواطنة الذين يراقبون القتال من بعيد بمثابة الفئة الأدنى من محكمة التفتيش ولن يفوتهم تدوين هذا .
انكمشت الظلال شيئا فشيئا وسُمع أنين الرجل المحتضر من داخله .
أظهر هذا فقط قوة وان ، إذ ان الرجل منذ بداية القتال كان يدعم درعه بعنصره الأرضي يزيد من صلابته لكنه الآن محطم تماما.
-لقد منحته فرصة للاستسلام بالفعل "
تذمر وان بانزعاج بعد كادت ٱذنه تطن جراء صراخهم .
-انت توقف !! "
-نعم نعم! توقف !"
استدار لما شعر بشخصين يدخلان الحلبة ،
اتسعت عيناه بدهشة قبل أن يسخر
- هل سبغت شعرك مجددا ،همف ليس الأمر كأن هذا سيغير كونك خاسرا لا يعرف سوى التشكيلات ،حتى انك تتسكع مع الدهنيين الآن دايان !"
لم يرد ثيودور على سخريته لكن ميلو جواره لم يستطع الصمت
- انت الدهني !! ماذا تقصد بكوني سمينا ، ٱخبرك الآن سٱصبح اسرع شخص في لونا بالمستقبل !!"
-ميلو توقف انت تحرج نفسك ! "
أراد ثيودور إيقافه لكنه لم يستطع منع فم الأخير الثرثار من الكلام .
-ماذا تقصد آيس ! علينا تعليم المتعجرفين امثاله درسا! "
-آيس ؟هل غيرت اسمك كذلك؟ " رفع وان حاجبه قبل أن يعبس مفكرا ثم سأل
-انت لست "دايان دي بريتيا" أليس كذلك ؟"
لايزال ثيودور لا يجيبه بل أشار لجيلبيرت الذي فقد وعيه إذ أن صوته ما عاد يخرج .
-حرره !"
-ولما قد افعل ؟ " رد وان باهتمام
-لم تجبني .همم ،دعني ٱخمن هل أنت اخوه الأكبر ؟
سمعت من البارونيت أن لديه أخا توأم يبدو ذلك صحيحا.
الآن بعد أن شاهدتك انتما متشابهان بالفعل "
سحب ظلاله من الرجل الذي سقط أرضا مغشيا عليه ليسارع رجلان من البلدة لحمله بشفقة .
- دعنا نرى إن كانت قدراتكما متشابهة كذلك ! "
اتسعت عيون ميلو وهو يرى الظلال تتجه نحوهما .
شغل عنصره بضعف وسارع ممسكا بثيودور يبعده معه عن مسارها .
-بسرعة اتجه نحوه ،لنقضي عليه بينما ظلاله بعيدة عنه !! "
ركض ميلو نحو الصبي ملتقطا السيف الذي رمى به نحوه أحد القرويين .
-أمسك آيس سيكون استخدام هذا أفضل"
اومأ ثيودور في حين أجرى ميلو لفة قبل دفع ثيودور نحو "وان" .
رفع سيفه يوجهه نحو الأخير الذي لم يرمش حتى وهو ينتظر وصوله.
أراد ثيودور الذي اكتشف خطأ ما التراجع، لكن زخمه دفعه فقط للأمامأاكثر وسرعانما كان أمام وجه الشاب !
توقف السيف عدة بوصات أمام صدره !!
صر ثيودور على أسنانه وهو يحاول التحرر من الظلال التي التفت حول جسده بوقت ما !
- تعلم ؟ يمكنني استخدام ظلال الآخرين كذلك للهجوم "
قال وان ببراءة متسائلا
-حسب القوانين الإمبراطورية ، تدخلتما في مبارزتي ويحق لي القضاء عليكما، أتساءل إن كان دايان سيحزن إن كنت سأقضي على أخيه الأكبر ، "
رسم ابتسامة مرحة قبل سحب خنجره موجها إياه نحوه
- دعنى نجرب !"
-تحلم !!
اسقط ثيودور رأسه للأسفل متجنبا نهاية السلاح الحادة قبل أن يدفع بسيفه نحو كتف الأخير.
-كيف !؟ "
اختفى "وان" قبل أن يظهر من خلال ظله البعيد في طرف الحلبة ،
مرت طعنة السيف في درعه لتتوقف قبل لحمه تماما.
دلك ثيودور عنقه ويده المتألمتين شاكرا عنصره الغير مجدي في ذهنه !
كان قد اكتشف في غرفته أنه رغم كونه لايستطيع استخدامه بفعالية للقتال ،لكنه كان مفيدا عند اتصاله بهالة الشفق أو الأثير لأنه تآكلها أو بالأصح ابتلعها .
سمح هذا بتحرير رقبته اللزجة الآن والسيف بيده قبل فوات الأوان .
ازعجت الرائحة الكريهة أنفه قبل أن يصل صوت ميلو إليه
- يوو! ما هذه الرائحة هل غطست في روث وحش الألوغا !! "
نفث بفمه قبل أن يسأل قلقا
-هل انت بخير لم تصب بأذى صحيح ؟ لا استطيع قتال هذا الرجل وحدي إن اصابك شيء ! "
احيانا كره ثيودور صراحة ميلو رغم انها كانت افضل ما فيه .
انتفض محاولا الهروب مع ميلو لحظة أدرك أن الظلال من ظلهما تمتد نحوهما محاولة حبسهم ،
إلا أنهما لم يستطيعا التحرك حتى لأن قدميهما قد احتجزت بالفعل.
- لقد ازعجتماني حقا الآن !!"
ألقى ثيودور جل ما تبقى من طاقة عنصره نحو رقبته وميلو قبل أن يختنقا إلا ان عدد الظلال كان كبيرا جدا لوقفه.
-اغغ "
شعرا فجأة أن الهواء لا يصل دماغهما وكادا ان يغمى عليهم .
- لا تتمادى . . .وان !!"
كسر ظل عصى طويلة الحاجز حولهم ليشهقا متنفسين بقوة ! .
- همف ، قررت التدخل أخيرا ! يبدو أنك تهتم بأخيك هذا ، للأسف ليس قويا مثلك وإلا لم أكن لاتركه بسهولة ! "
سار دايان بشعره الذهبي الابيض ونظراته القاسية على الحلبة قبل أن يستدير نحو القرويين قائلا
- إلى ماذا تنظرون ! انصرفوا الآن !! "
انتشر القرويون المتذمرون نحو اعمالهم الخاصة ساحبين جثة جيليبرت ، كان من المؤسف للرجل انه لن يستطيع البقاء بهذه القرية بعد الآن.
- ماذا يظن نفسه ! ظننت للحظة انه ربما تغير !"
- كل العباقرة مجانين ليس علينا نحن البسطاء التورط معهم !! "
-عندمايستيقظ ابني سأجعله يضربهم !
عاد دايان ببصره نحو "وان" رافعا عصاه
-حسب ما اعرفه استيقظ هذان الشخصان قبل أيام ، لم أعرفك تتنمر على الضعفاء ، إن اردت التحدي كان عليك دعوتي وحسب ! "
- همف ماذا تعرف ؟ على اي حال فاز الحداد بالكنز لقد نجى وانتهت الصفقة ."
زفر وان بملل قبل أن ينزل من درج المنصة القريب ليختفي بين المنازل .
-جبان ! "
صرخ دايان في ظله قبل أن يعيد عصاه يستعد للمغادرة .
توقف لينظر نحو ثيودور الذي اقترب منه ليشكره على مساعدتهم لكن الأخير صر أسنانه فيه معاتبا .
-انت..مزيف !! لا تحرج اسم بريتيا ثانية !"
غادر هو الآخر كذلك تاركا الشابين المذهولين واقفين على الحلبة.
- ماذا به !؟ "حشى ميلو وجباته الخفيفة في فمه يسأل باستغراب "
- أزمة أخلاق ، أعتقد لقد درس التشكيلات حتى تضرر دماغه "
شخر ثيودور مستهزءا وعاجزا في نفس الوقت ! كان يحاول بجد هنا لإصلاح علاقته بهذا الفتى ملتزما بما علمته كلارا لكن الأخير رد بفضاضة ! .
-قد ٱخبر كلارا بزيادة حصصه كذلك ، إنه يحتاج دروس الآداب اكثر مني !"
تذمر في نفسه وهو يرى ميلو الذي يومئ بجدية على كلامه السابق وكأنه متفق معه.
- انهض دعنا نذهب ايضا ! "
خرجا من الساحة التدريب لترقب أعينهم نظرات القرويين القاسية نحو مكان ما !
تبعهم ليشاهد بلوصن وعائلته تغادر كذلك
لم يقترب أحد منهم لإبداء أي شكوى بشأن ما جرى، لأن الوالد وابنه كانا من رجال البارونيت .
- بلوصن!!"
صرخ ثيودور تجاه الصبي الذي يبدو كنسخة من أخيه الأكبر غير أنه قصير جدا، حتى أقصر من ثيودور الذي يبلغ الثامنه !
التفت الأخير نحوه وكاد يقسم ثيودور أنه لا يعرف هذا الشخص !
كانت ملامح الإثنين مختلفة تماما ، بلوصن الذي يعرفه كان لطيفا ،لكن من رآه أمامه الآن بدا بعيدا وباردا .
- هل لدى الأخوين انفصام في الشخصية او شيء كهذا ؟ " لم يفهم ما قصة تحول هذين الإثنين .
أومأ بلوصن كترحيب من بعيد ثم عاد للسير مع أبويه.
-ألا يشعر بالذنب لما فعله لما يتصرف بطبيعية هكذا "
لم يُبدي بلوصن أي علامات على الإحراج جراء خداعه مما جعل ثيودور يشعر بالدوار .
سحبه ميلو من الخلف متوترا
- آيس دعك منه ! هذان الشقيقان غريبا أطوار من الأفضل أن لا نتورط معهما اكثر ! "
وافق ثيودور على كلامه بصمت ورافقه للتجول بالقرية قبل أن يودعه عائدا للمنزل