تردد صدى خطوات صغيرة في ممر القصر الفارغ

كان ثيودور يمشي وهو ممسك بإحكام بكتاب فضي غارقا في افكاره يحاول استعاب ما تعلمه اليوم

-لم يجبني الاستاذ عن سبب تزايد عدد المدن العائمة بعد ذلك ؟ لا يمكن ان تظهر الاراضي من فراغ صحيح ؟

كانت اصغر مدينة عائمة قرأ عنها بحجم مئات الاميال ، كان من المستحيل بناؤها عمليا حتى مع كل تطور الحضارة اليوم.

تمتم بهذا وهو يحدق متشوقا في الحروف الذهبية المطبوعة على الكتاب ، كانت الاجابات التي يريدها بالتأكيد هنا.

لم يفهم لماذا كل الكتب التي تتحدث عن هذه الحقائق مفقودة من مكتبة القصر ، حتى كتب التحكم بالأثير الأبسط غير موجودة ، ناهيك عن تاريخ الدول اليوم .

وكأن كل الكتابات توقفت قبل 2000 عام !

وقف متذكرا آخر سؤال من معلمه قبل أن يخرج من قاعة الدرس

[-هل لا زال رئيس الخدم يمنعك من اجراء اختبار الايقاظ ؟" ]

تردد هذا السؤال في ٱذنيه طويلا منذ خروجه من القاعة

-هل يعقل أن اختفاء هذه الكتب متعلق بسيرينا ورئيس الخدم ؟ لكن لماذا ؟ "

يمكنه فهم إخفاء مخطوطات كيفية الاستيقاظ قائلين انه مازال صغيرا ولكن ماذا عن البقية ؟

هل يريدون عزله عن الخارج حقا لبقية حياته ؟.

تساءل متذكرا احلامه . في كل منها لم يخرج من هنا ابدا كما انه لم يلمس الاثير او هالة الشفق مطلقا !

لو كان شخصا آخر لكان قد هلع ظنا منه ان هذا الوضع غير عادي، لكنه يعلم ان سيرينا ورئيس الخدم لم يقصدا ابدا ايذاءه ، كان يدرك هذا.. على الاقل في قلبه .

-على ذكر ذلك الشخص ..!"

رفع بصره يبحث بعينيه هنا وهناك في أروقة القصر

-لماذا لم يظهر بعد؟ ..عادة هذا ليس من طباعه."

مشى نحو اقرب خادم ليوقفه متسائلا

-هل تعلم اين رئيس الخدم ؟"

اومأ الأخير نحوه ليحييه ثم اجابه

-لقد غادر الرئيس ليلة امس قال انه لن يعود حتى بعد شهر .

-شهر ؟ هذه مدة طويلة على غير العادة حتى انه سيفوت عيد ميلادي ..

يتذكر ان اقصى مدة غاب فيها رئيس الخدم كانت اسبوعين . سأله دائما لماذا يغادر طويلا لكنه لم يحصل على اجابة كالعادة .

-هذا مثالي لخطتي !"

هتف بهذا مستمتعا في حين بدت نظرات استفهام على الخادم

-استسمحك عذرا ؟

-لا شيء ، تابع عملك "

اكمل طريقه نحو قاعة الطعام يدندن اغنية سعيدة

سلم كتابه الى خادمة واقفة هناك فور وصوله في حين جلس على المائدة الطويلة الممتلئة باصناف الطعام وحده ،

لم يمد يده الى ملعقة الحساء أمامه بل انتظر طويلا حتى سمع وقع اقدام قريبة

-ٱخت ! "

ناداها بفرح لما رءاها ، عادة كان يتناول الطعام وحده، لم يشكو ابدا من ذلك قبلا خوفا من ازعاج سرينا ،لكن اليوم كان سعيدا بشكل خاص بحضورها ،هذا انه قرر تنفيذ خطة هروبه اليوم .

ارتعشت حواجبها الحمراء لثانية لما سمعت نداءه لكنها ما لبثت ان ابتسمت وهي تجلس في المقعد المجاور له

بالنسبة للعالم الخارجي، قد يبدو منظر الخادمة التي تجلس بجانب سيدها لتناول الطعام غير مهذب، لكن في هذا القصر، رغم ان رئيس الخدم كان مصرا على اتباع الاداب الا انه استثنى وقت الطعام فقط ، وسمح لنفسه وسيرينا بالجلوس معه. بصفتهم عائلته الوحيدة ، لم يرغبوا حقا ان يشعروه بالوحدة حتى في هذا الموقف.

لمحت الكتاب في يد الخادمة من طرف عينها لتعبس قليلا سائلة

-من اعطاك هذا ؟

-المعلم ليوبارد

-هذا الرجل .."

رأى تلك الانحناءة العميقة بين حاجبيها ليجفل حانيا رأسه بشكل جانبي ينظر لها مستعطفا بكل ما تبقى من براءة الطفولة في ملامح وجهه

-ارجوك لا تأخذيه .. "

-لكن ..لا يُسمح بهذه الكتب هنا"

تمتمت بهذا وكأنها ترى ملامح الغضب وصوت رئيس الخدم وهي تلوح في ذهنها .

-ٱخت ارجوك ..اعلم انه اذا كان انت يمكنك اقناعه، حتى انني ساعتبرها هدية عيد ميلادي "

سقطت دموعه على خديه ينظر اليها بعيني جرو دامعتين

لم تستطع سيرينا تحمل الأمر اكثر لتتنهد في النهاية

-حسنا هذه المرة فقط .

-قال المعلم انه سيلغي دروس المساء ايضا اخت ...

-حسنا حسنا لن ٱكلفك بواجبات اخرى، يمكنك الراحة هذا المساء وايضا كف عن مناداتي بالاخت ،لا زلت استطيع الشعور بصوت ذلك العجوز في اذناي وهو يتحدث عن الآداب "

ابتسم بذكاء في عقله وهو يشاهد جسدها المقشعر من هذه الكلمة ، لطالما كانت هذه الطريقة ناجحة في كل مرة للوصول الى ما يحبه

انهى غداءه ببطئ ،كان يعلم ان سيرينا ستغادر القصر هذا المساء ايضا ولن تعود حتى بعد يومين ،

عادة عندما تغادر هي يبقى رئيس الخدم، لكن على ما يبدو كان هذا اليوم استثناءا وكان امرا مرحبا به جدا له .

طرح سؤاله مجددا فقط للتأكد

-سيرينا هل ستخرجين هذا المساء ؟"

اومأت برأسها

-هذه المرة سيستمر الامر لاسبوع "

صدم من جوابها . أولا رئيس الخدم ثم هي ، ماذا حدث ليمدد كلاهما اقامتهما في الخارج فجأة

-هل حدث شيء ما ؟ تردد قليلا ثم سأل

عادة لا يتلقى اي اجابة على اسئلته لكن بشكل مفاجىء ردت سيرينا هذه المرة

- لا شيء حقا فقط بعض المتاعب الصغيرة "

نظرت اليه بشكل لطيف

-لا تقلق لن افوت عيد ميلادك ، ساعود في اقرب وقت مع هدية جميلة"

تمتمت بهذا لكنه جفل حينها، لقد لمح بعينيها نظرة باردة لم يرها من قبل إلا أنه لم تمر لحظة بالكاد لتعاوِد النظر لصحنها تكمل طعامها

-هل كان خيالي ؟ همس بهذا في نفسه في حين تساءل إن كان الهروب اليوم هو حقا خيار جيد .

كانت الاحداث في احلامه متشابهة تقريبا لكن ليس في كل احداثها وكأنها توقعات مختلفة للمستقبل ، لكن كلها انتهت بشكل مأساوي في عيد ميلاده

حتى في حلمه الاخير لعيد ميلاده الثامن لم تغادر سيرينا لهذه المدة الطويلة عكس رئيس الخدم ،

تساءل عما اذا كان قراره بالمغادرة قد تسبب في تغيير ما ؟ هل حقا خياراتنا هي ما يحدد المستقبل ؟

تساءل عن هذا وهو يضع آخر ملعقة من الحساء في فمه

-حسنا علي المغادرة الآن رحلتي طويلة لا يجب ان اتأخر اكثر " نهضت سيرينا لتأخذ معطفها من اقرب خادم كان قد احضره لها.

تأثر وهو ينظر نحوها ، كان يعلم انها اخرت خروجها لهذا المساء فقط لتناول طعام الغداء معه

مدت يدها تداعب شعره الفضي قائلة

-ابقى بخير حتى حين عودتي ، لا تستغل غيابنا لتهمل دروسك حسنا"

اومأ لها بخفة وهو يشاهد ظهرها المبتعد عنه تدريجيا حتى اختفى من بصره

-هذه آخر مرة أراها فيها "

شد قبضته بتعبير معقد في عينيه، كان حزينا حقا لانه سيغادر ، حتى لو كان مترقبا لمشاهدة العالم فإن فكرة ترك سيرينا ورئيس الخدم والبقية لا تزال تمزقه من الداخل . هذا في النهاية منزله ! لكنه لم يستطع ان يبقى ! لم يستطع المجازفة باحتمال ان احلامه مجرد وهم .

كان هناك شيء في عقله يصرخ بكل صوته ، هذا حقيقي !! هذا سيحدث حقا ان لم تغادر !!

-الرجل في حلمي كان ورائي انا ...لا يجب ان اجر الجميع لهذا "

نفض قبضته بعد ان كادت اظافر اصابعه تخترق يده وقد استجمع نفسه

-لا يجب ان ابقى !

اخذ نفسا عميقا ونهض من مقعده ، اخذ الكتاب من الخادمة وغادر آمرا

- سأبقى في غرفتي اليوم ، لا يسمح لاحد بازعاجي !

-والعشاء ؟ سألت الخامة مرتبكة

-فقط اتركيه أمام باب غرفتي"

لم تكد توافق على اقواله حتى لمحته وهو يخرج من القاعة مسرعا

2022/01/22 · 404 مشاهدة · 1151 كلمة
Kirara
نادي الروايات - 2025