45 - رحلة إلى الآثار -05-

لهث ثيودور و شعر بأن رئتيه ستنفجران جراء ركضه المتواصل لنصف ساعة .

لم تكن المسافة التي قطعها بقليلة ، لكنه لا يزال يشعر بالرطوبة على بدلته .

كانت المياه خلفه لا تزال تتسلق وستصل نحوه قريبا !

حتى أنه كاد يقسم أن الوحوش التي يسمع هديرها الآن تبرم أسنانها جاهزة لتناول عشاء دسم !

- لهذا قال المدربان أنه يجب الذهاب للأطلال في خمسة ايام! "

وراءه ، عكس ما ظنه ، ارتفع منسوب المياه بشكل كبير من ليلة البارحة وصولا نحو الجرف الذي أقام فيه ولا يزال يصعد !

شك أن المياه في الأيام الثلاث التالية لن تتوقف حتى تصل قمم الجبال الأربعة .

لتصبح الجزيرة بحيرة كبيرة ومدينة الأطلال بالمركز !

سيكلف النزول من أعلى قمة نحو السفح يوما كاملا ،

هذا ما يعني حاجتهم لمواجهة قطيع الوحوش إن أرادوا الهرب بعد خمسة أيام ،

لذا كان يوم غد هو الفرصة الأخيرة للعودة للمعسكر والإنسحاب من الاختبار .

كان هذا التدريب أشبه بالفخ ! لقد ٱجبروا على دخول الأطلال من البداية !

-هل فهم كريسل هذه الحقيقة ايضا ؟"

شعر ثيودور بالقلق على صديقه لكنه أقنع نفسه بأنه ذكي وسيكون بخير

-هاها بشري، هل تواجه وقتا عصيبا !"

رفع ثيودور رأسه نحو المتحدث ،

على شجرة زرقاء بعيدة في الأمام ، وقفت شابة تحدق به مقهقهة .

تعرف ثيودور عليها على الفور كالفتاة التي رافقت "بيني باساراي".

بشكل غريب لم يكن لها شكل "كاراس" إنما بدت كفتاة عادية لولا اللون الغريب لشعرها الطويل الأبيض والبرتقالي الذي امتد حتى ساقها، بالإضافة للحراشف الغريبة الشبيهة بالأصداف بدل ٱذنيها .

-انت ؟ "

-اسمي "وينيا " خادمة السيد الشاب بيني ، انه لمن المشرف لك لقائي "

ابتسمت الشابة بابتسامة غامضة قبل أن ترفع يديها مشكلة زوبعة مائية اندفعت نحو ثيودور .

-إنها في قمة النجم الثالث ! هذا خطير يستحيل علي هزيمتها في مواجهة مباشرة ! ييغرو ! "

امتد السائل نحو ساقيه معززا إياهما ، قفز يتجنب الهجوم لكن ضربة ما أصابت ظهره وقذفته بعيدا !

لم يكن الهجوم من الفتاة وينيا بل من وحش آخر ظهر من بين الأشجار !

استعاد ثيودور توازنه وقرر الفرار بإتجاه آخر مستفيدا من هذه الفرصة ، لكن سرعانما عاد أدراجه مختبئا بين الأشجار الشاهقة .

-ايايايا هل هرب ؟ "

سخرت وينيا بصوت عال وهي تبحث حولها .

صدت هجوم الوحش الذي قدم نحوها بعد أن لم يجد ثيودور ودخلت معه في قتال

أبعد ثيودور خصل شعره المبللة عن عينيه يراقب المعركة من بعيد

كان يُريد الفرار لكن ضوء القلادة الأحمر منعه من ذلك ، كانت تلك مهمة القاتل ، لقد اختارته!

- يا للحظ لما الآن من كل الأوقات ! "

لم يكن واثقا أنه سيستطيع إيجاد شخص آخر بالوقت المتبقي له ،خاصة وأن المياه لا تزال تمتد لأعلى !

لاشك أن كاراس دخلوا المياه في حين أن باقي البشر قد وجدوا بالفعل مكانا للاختباء .

لو نفذ وقته فإن مجموعات الكاراس والبشر ستتجه نحو مكانه ، ما إن تفشل مهمته سيكون محاصرا !!

-علي القضاء عليها بأي طريقة !!"

قضم شفته يرى نهاية القتال حيث شقت وينيا الوحش لنصفين !

وصل امتداد الماء بالفعل نحوهما وبدأت الشجرة التي كان فوقها بالغرق أكثر وأكثر

وسرعانما غطست في الماء تماما .

-ييغرو !

أمر ثيودور ييغرو بتعزيز ساقيه قبل أن يسبح ببطئ لأعلى .

شكل فقاعة بسيطة من الأثير حوله إلى كره ليستطيع التنفس لكنها سرعانما انفجرت سامحة بدخول المياه لرأسه .

تنهد في قلبه بقلق ! لم تعد المهارات البسيطة من الحياة اليومية مفيدة بعد الآن .

كان الماء مليئا بطاقة الأثير التي ستكسرها بسهولة

-لا يزال ! "

جاءت لذهنه فكرة وأمر ييغرو بالإنفصال عن إحدى ساقيه قبل تشكيل فقاعة ٱخرى حول رأسه .

تخلص من الماء بها وطلب منه تعزيز نفسه بعنصر الرياح .

-نجحت ! "

صرخ بفرحة عندما سمحت له جزيئات الرياح المتجمعة حول ييغرو بالتنفس بحرية.

°°°°°°°°°°°°°

على الجانب الآخر نظر شيلاد للبحر الأزرق الممتد أمام عينيه قائلا

- لا يستطيع الكريستال عكس ما تحت المياه كذلك ! "

شعر بالانزعاج من هذه النقطة خاصة وأنه بدأ في مراقبة قتال أثار اهتمامه .

-هل كانت تلك "وينيا سييرا" ؟

سأل لوبينا باهتمام .

قام شيلاد بتضييق عينيه نحو الأخير قبل أن يستفسر

- تعرف عنها ؟ "

-همف ، كيف لا ! سمعت أن عمها الأصغر اختير كحامي أكوامارين قبل سنوات "

الحماة ! كان لقبا لحاملي الأسلحة الأثرية الٱسطورية وأحد أقوى الأشخاص بدُولهم ،

قيل أنهم امتلكوا قوى غامضة لا يستطيع أحد صدها !

تابع لوبينا وهو يرى الإنحناءة العميقة بين حاجبي الرجل

- لكني سمعت أن هذا الحامي بلا قلب تماما ، بأمر من المارشال ، قام بتصفية عائلة أخيه ولم يترك إلا هذه الفتاة المنكوبة فقط لتتشرد في أزقة أكوامارين !"

سخر لوبينا قائلا

- لحسن حظها قابلت الرائد باساري الذي أشفق على حالها وأخذها كخادمة ! يبدو انه لا يزال هناك رحمة في قلوب بعض قادتكم "

- لا تفتري على حامي أكوامارين! أنت تتجاوز حدودك ! "

قبض شيلاد على يده ممسكا أعصابه المتفجرة بصعوبة وهو يصخ في لوبينا .

ضحك الأخير قبل أن يهز رأسه

- أنا أقول ما سمعته فقط ، أنا لا افتري على أحد "

-همف ! سأقطع رأس من تجرأ على قول هذا الكلام إذن ! "

-هاها أخشى أنك لن تستطيع فعل ذلك فيما تبقى من وقت حياتك! في النهاية كان صاحب المعلومات منفذ قانون ! "

اعترض لوبينا مستهزءا في حين شخر شيلاد

-أرى أن منفذي القانون ببلدك بدؤو بالفعل بالتعفن وإطلاق ألسنتهم ! متوقع من دولة ستسقط قريبا ! "

لم يعد شيلاد يعير بالا للوبينا وعاد لمراقبة البحر الأزرق مجددا بملل . لكن سرعانما شاهد شيئا جعل عيناه تنفتح على مصرعيهما قبل أن يختفي من مكانه !

°°°°°°°°°°°°°°

غاص ثيودور يسبح بين الأشجار التي غزا لونها المشع عيناه .

أراد بشدة إغماضهما لكنه لم يستطع قطع تركيزه الآن، خاصة وأن "وينيا" كانت تركض خلفه !

-بشري فقط توقف ودعني أقطعك كذلك !"

غمغمت في ذهنها بانزعاج .

-غريب ! لماذا لم تتحول لشكلها الحقيقي حتى الآن ؟ "

شعر ثيودور بالريبة وهو ينظر بطرف عينه نحوها . كان متأكدا أنها لو تحولت للحقت به الآن !

غاص يتجنب مجموعات الوحوش بصعوبة محاولا جعلها تصطدم بها إلا أن الأخيرة قضت عليها بسهولة .

- قمة النجم الثالث مخيفة جدا ! "

شعر بالبرودة في عظامه وعندما كاد يصل المكان الذي قصده ، توقف بخطواته مختفيا بين الأشجار .

عبست وينيا

- بشري ! كف عن الإختباء ! همف أقول لك انتهت هذه المطاردة بالفعل منذ أن توقفت ! "

مدت يدها تحت المياه وتشكلت عدة زوابع وشفرات اخترقت الأشجار وفصلتها لقطع !

عاد ثيودور للخلف يتأوه بين أسنانه بعد أن شقت إحدى الشفرات جرحا طويلا على بدلته وصولا لصدره.

-قوية للغاية !! "

أراد الصراخ بسبب المُلوحة التي عبثت بجرحه ولكنه كتمها حتى شحب وجهه

-لا استطيع كشف موقعي الآن !"

من بين الشظايا المحطمة سبح شكل ضخم حتى غطى ظله المكان تحته وبالتحديد موقع ثيودور .

ابتلع محدقا بالسحلية التي تجاوزته تسبح نحو وينيا

- لحسن حظي لايزال هنا ولم يغادر !"

دفعت السحلية بلسانها نحو المخلوقة البغيضة في نظرها وهي تشتعل غضبا !،

يكفي ما عانته من هؤلاء الغرباء اليوم !

أولا مات زوجها وأطفالها وسُرق كنزها والآن يجرؤ آخر على تحطيم مكان عيشها ،

لم تستطع إلا جلد لسانها الآخر في وينيا عندما فكرت بهذا

- همف سحلية كريهة إلى ماذا تنظرين !"

يمكن لوينيا أن تقول أن الوحش غاضب منها ولم تستطع فهم السبب .

لم يهمها هذا بل شخرت فقط تجمع الأثير ثانية راغبة في القضاء عليها

-يمكن للماء أن يكون أحدَّ من السيوف !"

تشكلت عشر شفرات من المياه حولها ودارت مندفعة نحو لساني السحلية ،

تم قطع أحدهما قليلا لكن الثاني اخترق الشفرات وصولا إليها .

شكلت درعا رقيقا من المياه لكن الضربة لا تزال تكسره وتصيبها .

بصقت فما من الدم الأزرق الغريب قبل أن تسبح واضعة بعض المسافة بينها وبين الأخير

-لتعتقد اني سألتقي ملك وحش في نجمه الرابع !!

عبست مفكره

- لا استطيع هزيمته و حتى لو بذلت جهدي فمازلت محاطة بالعديد من الوحوش ولن يكون الأمر لصالحي ! "

تراجعت قليلا ثم أرسلت هجوما آخر نحو الوحش تُؤخره قبل أن تستدير مستعدة للرحيل

-ييغرو ! الآن !!! "

ثيودور الذي زحف ببطئ وتخفٍ بين الشظايا المتناثرة بعيدا ،أمر في عقله صارخا

من مكان قريب من وينيا ، اندفع سائل رمادي اللون يحمل شيئين داخله إليها .

هي التي أحست بشيء ما يتجه صوبها شكلت شفرة قبل أن تقطع نحوه.

تجنب ييغرو الهجوم قبل أن يترك الشيئين قربها .

-ما هذا !! "

نظرت الى الصدفتين اللتان فُتحتا فجأة وبدأتا بإصدار موجات صوتية حاصرتها .

-مستحيل هذا !! "

لقد تعرفت على الأداتين بالتأكيد ! عرض عليها شيلاد أخذ واحدة سابقا ،لكنها رفضت بحجة أنها قوية بما يكفي لحماية نفسها والقضاء على البشر دون ذلك !

ايضا لم تكن الأداة مفيدة جدا لها لأنها لم تُؤثر إلا على المستوى النجمي الرابع المنخفض .

لكن هذه الحقيقة كانت كافية الآن لمحاصرتها لأنها لا تزال في قمة النجم الثالث .

شعرت بهجوم يتجه صوبها ولم يكن سوى لسان ثالث للوحش !

تذكرت في عقلها اسم هذه السحلية اخيرا !

"رابعة الألسن !" سميت هكذا لأنها نمت لسانا بكل مستوى تخترقه وكانت سيدا بمستواها ،

للاسف لم يستطع هذا الوحش تشكيل شمسه أبدا لذا توقف نموها بالنجم الرابع فقط .

جربت تجميع الأثير بكل قوتها لتشكيل درع حولها محاولة الجري ، لكن الضربة سقطت على ظهرها مُرسلة إياها لمسافة.

بصقت وينيا الدماء ، شعرت أن عمودها الفقري قد كُسر بالإضافة أن ذراعها قد خلعت من مكانها .

سبحت بكامل طاقتها نحو الأعلى هروبا من السحلية الغاضبة خلفها .

بعد مدة تنفست الهواء الرطب الذي داعب وجهها لكن لم تستطع الاسمتاع بهذه الأجواء إذ أن هجوما آخر وصل نحوها

هذه المرة ، إمتد كلا اللسانين من اتجاهين مختلفين قبل صفعها بقوة ،

صرخت بخوف في حين لمعت القلادة حول عنقها مشكلة درعا يحميها لكنه سرعانما تحطم كذلك .

لم تستطع استدعاء أثيرها أيضا ! بطريقة ما ،كانت الأصداف المشوشة لا تزال تتبعها بكل مكان !

شعرت بالدوار وكاد يغمى عليها

-لا استطيع أن أموت هنا ! لم انتقم بعد ! "

تمتمت بلا وعي بعد أن تشوش بصرها .

عندها ، امتدت يد من خلفها رافعة إياها من طوقها

-انصرف ! "

رفع الرجل يده مرسلا شفرة مائية اخترقت أحد ألسن الوحش وصولا إليه قبل أن تُرديه ميتا .

-سيدتي آسف لتأخري ، ستكون الٱمور بخير من الآن فصاعدا "

-شيلاد !"

شعرت بالفرح المنسكب من صوتها المتعب قبل أن تغمض عينيها مستسلمة لإصاباتها .

هبطت نظرة شيلاد عليها ثم على البحر العميق أسفله

كان الشيئ الذي حمل الصدفتين لمطاردتها قد فر بالفعل عندما تم تحطيم كلتيهما بسبب الهجوم الآن .

- كلاود دي بريتيا ! سأتذكر لك هذا ! "

شخر في إتجاه ما وكأن عيناه تستطيعان التحديق في ظهره المغادر بعيدا.

2022/01/31 · 196 مشاهدة · 1728 كلمة
Kirara
نادي الروايات - 2024