مائن فتح باب التابوت كاملا حتى رأو رجلا يرقد هنا غير متحرك ، ببطئ فُتحت العيون الحمراء خلف القناع الأسود والذهبي
رفع يده خارج عبائته السوداء وأمسك طرف التابوت مسندا نفسه قبل أن ينهض،
قفز من مكانه برشاقة بعدها لتحط أقدامه على المنصة العالية
ابتسم للجميع مُظهرا أنيابه البيضاء قبل أن يدلف صوته في جميع أنحاء القاعة
-ٱرحب بكم لحضور الحفل في قلعتي الليلة ، أتمنى أن تستمتعوا بالإقامة هنا "
-هذا البارون سوين ؟، تنكر جميل"
سأل أحدهم ليشخر من قربه في سخرية
-متباه كعادته !"
صُدم ثيودور ونظر للشاب بتساءل
-هذا الشاب هو البارون ؟"
لم يكن الرجل أمامه رغم القناع الذي يضعه على وجهه يبدو أكبر من الثلاثين ، لكن من الهمسات حوله علم أن البارون قد تجاوز 150 سنة بالفعل .
كان البارون في الشمس الرابعة وعادة ما يمتد عمر هذه الفئة لل 350 عاما .
شاهد شابين بنفس الزّي صعدا للمنصة ووقفا خلف البارون ينظران للضيوف بهدوء ،
أحدهما طفل في حين كان الثاني شابا بمقتبل العمر
علم ثيودور أن هذين يجب أن يكونا جوردان وأخاه الأكبر ووريث البارون " غيل"
فجأة ، خفتت الأضواء الحمراء عندما شعر الجميع بإهتزاز تحت أقدامهم
-ما الأمر ؟ ماذا يحدث ؟"
-هل يخيل لي أم أننا نتحرك ؟ "
صرخت إحدى النساء بفزع مشيرة نحو الخارج
في وقت ما ،أضاءت الخيوط التي رآها ثيودور بالشرفة وإمتدت متصلة مع باقي الشرف الٱخرى مُكونة شبكةً لفت القلعة بالكامل قبل أن تختفي في ومضة .
لم يلبث أن حدث هذا حتى رأوا إقامة البارون الممتدة لأميال تصغر شيئا فشيئا قبل أن تصبح جزيرة العاصمة "سو" بأكملها مرئية لهم .
-هل القلعة تطير ؟" سأل أحدهم بارتباك
-أظن !!"
أجاب الآخر عندنا فزعوا وهم يشاهدون القلعة تتخطى الحاجز الذي يحمي الجزيرة وصولا للسماء السوداء فوقهم ،
لم تكن هذه السماء المصطنعة بل سماء الشفق الحقيقية !!
شعروا بالرهبة وهم ينظرون للأضواء التي إمتدت لتقترب منهم بفضول قبل أن تلتف حول القلعة في مشهد جميل.
-الأضواء الراقصة !!؟"
-إنها سماء الشفق !؟ هل القلعة تستطيع الوصول هنا دون أن تتحطم جراء ضغط الهالة !!"
-هذا ..إنها كنز حقيقي !!"
صرخ الجميع في البارون سوين بتهنئة حسودة على حصوله على مثل هذا الأثر الرائع ، حتى أن عيون البعض بدأت تلمع بالنوايا الخفية .
-لو تدرب فارس هنا لكان يحصل على أضعاف النتائج بمجهود قليل !!"
صرخ ثيودور في قلبه بإعجاب من كثافة هالة الشفق التي يشعر بها ، حتى شريكه ، بيضة الوحش الحمراء قد بدأت تُظهر رد فعل وتحسن طفيف من الجو هنا !
ابتسم البارون سوين راضيا عن التعبيرات التي أظهرها ضيوفه قبل أن يقول بمكر
-استمتعوا !"
بدأ حفل العشاء الصاخب ولم يستطع ثيودور إلا التجول بالقاعة محدقا بالجميع بحيرة بعد أن أبعد عيناه بصعوبة عن النوافذ الزجاجية مانعا نفسه من التحديق أكثر.
لم يعرف أي شخص بسوين لذا لم يكن لديه فكرة عما يفعله .
-يا له من أمر ممل "
همس وهو يمضغ طعامه عندما شاهد ظلين يمران من جانبه متجهين خارج قاعة الحفلات .
-هل هذا "دايان " ؟ من الصبي الآخر ؟"
تساءل عندما وضع طبقه على الطاولة ونهض يتبعهما من الخلف.
سارا طويلا بممرات مختلفة وكاد يلحق بهما عندما شاهدهما يختفيان فجأة بإحدى الزوايا.
أراد التحقق غير أن صوتا امتد نحوه قاطعه
-هل يمكنني أن أعرف أين يتجه هذا السيد ؟ "
أدار بصره ليقابل عينى الخادم الشاب المستفسرة ليجيب بهدوء مصطنع
-كنت أبحث عن الحمام "
خففت حواجب الرجل خلف القناع وأجاب مشيرا نحو ممر آخر .
- من هذا الإتجاه سيدي ، يوجد حمام بآخر الرواق "
-ٱووه شكرا لك "
شكره ثيودور قبل أن يسير للحمام كما زعم ،
إنتظر بهدوء مغادرة الخادم وعاد للممر الذي كان يسير فيه .
استدار عند الزاوية راغبا باللحاق بالإثنين عندما صدم مما رءآه
-نهاية مغلقة ؟! اذن أين ذهب الإثنان ؟"
تمتم بعبوس وهو يتفحص الجدار بحثا عن أي ممرات سرية لكنه للأسف لم يجد شيئا ، لا بالأحرى لم يكن الجدار أمامه سوى طوب ممل آخر .
-غريب !"
همس عندنا عاد أدراجه بخطوات بطيئة شارد الذهن فيما حصل عندما شعر بشيء خلفه .
انتابته القشعريرة بكامل جسمه وأحس بالضيق في صدره وكأنه تم حبسه من قبل مفترس !
استدار ببطئ مبتلعا ريقه الجاف عندما لم يجد شيئا !
كان الممر خلفه فارغا تماما دون وجود أثر لأي أحد !
تعرق في خوف لكنه لا يزال يندفع يفحص مكان الهالة التي شعر بها سابقا !
كانت نفس التقاطع الذي إلتقى به الخادم من قبل .
-ٱووه آسف !!"
تحدث أحدهم فجأة بعد أن كان يركض واصطدم بثيودور بغتة و كاد يقع .
-اوتش!!" تذمر ثيودور بألم وهو ينهض بمساعدة الفتى ذو القناع الأسود .
كان الصبي يبدو بالخامسة او السادسة عشر بعيون حمراء وشعر ذهبي
-هل أنت بخير ؟" سأل الصبي بقلق عندما أجابه ثيودور
-لا بأس ، مجرد رضة بسيطة " تمتم لكنه لم يستطع إلا أن يشخر بألم بسبب إلتواء ساقه ،
تحسنت بنية جسمه كثيرا بعد أن تدرب بجد الشهر الماضي ، لم يستطع تقدير قوة جسد الشاب أمامه ليتسبب في إصابته هكذا.
-ٱوه، يبدو خطيرا ؟"
قال الفتى بقلق قبل أن يساعد ثيودور المتعرق بالإستناد عليه ثم سار به متوجها إلى إحدى الغرف القريبة .
-إلى أين تأخذني ؟"
سأله بعد أن شعر أنه من الغريب لضيف أن يقتحم غرف القلعة هكذا .
-كان يجب أن تكون لا زالت هنا .."
لم يرد الصبي بل أخذ يتمتم بشرود ،
كانت الغرفة التي دخلوا إليها أشبه بدراسة قديمة انبعثت منها رائحة عتيقة تعرف عليها ثيودور
-كتب ؟"
نظر باهتمام لثاني رف بالغرفة ثم توجه بصره للأريكة الحمراء التي وقف قربها بشكل غريب رف آخر عليه زجاجات غريبة اللون.
ساعد الفتى ثيودور على الجلوس قبل أن يتجه لهذا الرف بحثا عن شيء بينهم.
تساءل ثيودور بذهنه إن كان هذا الشاب قريب البارون أو صديق إبنه إذ أنه لم يكن من المعقول أن يعرف ضيف أي شيء عن القلعة .
لما أحس بالملل بعد أنْ شعر أنّ بحث الشاب سيطول ، استجاب لرغبة قلبه التي تنخزه ونهض بصعوبة متوجها نحو رف الكتب الرث قربه.
سحب كتابا بعشوائية قبل أن يقرأ بهدوء
- تاريخ إمبراطورية شورين ،هذا نادر! "
هتف ثيودور بإعجاب
كانت شورين إمبراطورية الوحوش فوضوية غالب الوقت وحكمتها عدة قبائل، من النادر أن تجد شيئا محفوظا عن تاريخهم .
رد الشاب بهمهمة قائلا
-أجل ، كان الفيكونت" رولاكنين دي زولاديت" مهتما بتاريخ القارة وحَرص على جمعه خاصة بعد ان نشأ ابنه ، لم يرد له أن ينمو بالظلام .."
-كيف تعرف عن هذا ؟"
سأل ثيودور باندهاش عندما استدار ينظر للفتى الذي وضع قارورة زجاجية على الطاولة قائلا
-شُرب هذا سيحسن إصابة كاحلك ، أما عن سؤالك فهو بسيط ، هذا لأن اسمي كورنيليون..."
ابتسم الصبي نحوه بغموض متابعا
- كورنيليون دي زولاديت "
-انتظر !!"
شهق ثيودور راغبا في إمساك ظل الفتى الذي تلاشى في الهواء بعد قوله هذه الكلمات ليختفي تماما .
-كورنيليون دي زولاديت ...هل كان هذا الشخص إبن الفيكونت حقا ؟ "
تساءل ثيودور بشحوب وارتعاش و تذكر قصة المرأة عن إختفاء القصر ومن فيه.
شعر بمغص ببطنه عندما إعتقد أنه رأى للتو شبحا .
-على الأقل الزجاجة تبدوا حقيقية "
أمسك ما ظن أنه دواء من على الطاولة وقربه لأنفه مستنشقا رائحته الغريبة .
- لقد مرت 300 عام ، لن أموت بسبب إنتهاء الصلاحية صحيح ؟ يجب أن يكون صالحا للأكل بما أن صاحب القلعة السابق أعطاني إياه "
همس ينظر لكعب قدمه المنتفخة أكثر بعد أن أجبر نفسه على الوقوف عليها ودفع ما بالزجاجة لفمه في جرعة واحدة.
مثل السحر ، تلاشت الخدوش شيئا فشيئا وشعر بالتحسن حتى اختفى الألم تماما .
حرك قدمه ولما تأكد من أنها شفيت، فحص الغرفة مرة ٱخرى ثم عاد للكتب مجددا .
أعاد سحب أحدها وفتحه عندما ولدهشته كانت جميع صفحاته فارغة.
ذُهل وفتش بالبقية وحتى أول كتاب قرأه وكانت النتيجة نفسها تماما .
-هل ما حدث للتو مخيلتي ؟ " شحب يسأل نفسه بحيرة