ارتجف جسده كذكرى وكأنه يعلم انه لو لمس احداها فسيموت حتما

-هل يوجد حاجز اثير هنا ؟"

شعر بالخوف في قلبه لكنه ما لبث ان جفل مدركا لحقيقة ما ،

تراجع بسرعة ليخرج من غرفة المكتبة عائدة الى غرفة الدراسة ،

تجول ببصره مؤكدا حقيقة شعوره الغريب سابقا

- اصيص الزهور هذا كان يجب ان يقبع على يسار المكتب لكنه باليمين الآن ؟ اذا نظرنا من هذا النحو فإن كل الاشياء الموجودة هنا في عكس أماكنها سابقا !

تساءل في نفسه حقيقة عما اذا كانت الغرفتان واحدا في الاصل ولكن تم فصلهما لاحقا

هز وجهه يرمي بهذه الافكار بعيدا ، لم يستطع فهمها لذا لن يفكر فيها اكثر

لمح من زاوية عينيه اطارين للصور على المكتب

عادة كانت الصور له مع سيرينا ، دفع بخطواته نحوهما متسائلا عما اذا كانتا مختلفتان مثل بقية الغرفة

بالكاد رأى أول اطار حتى صرخ في مفاجأة

-أمي !!

رفع اطار الصورة يتأمله

كانت فيه طفلة تبدو في 12 عشر من عمرها بشعر طويل رمادي اللون وعينين رماديتان ، امتد ثوب بلون البنفسج الباهت مزينا بالشرائط الى منتصف ساقها ،

امسكت بيديها الصغيرتين يدي رجل وامراة بدى وكأنهما في منتصف العمر في حين امتد خلفهم حقل من زهور الجريس البنفسجية

-من هذان ؟ هل يعقل ان يكونا جداي ؟"

تساءل يتفحص ملامحهم بشغف .

بالكاد حصل على صورة ٱمه في القلادة فكيف حاله الآن وقد رأى صورا لاقارب آخرين له .

كان للرجل في الصورة شعر قصير فضي وعيون ارجوانية. على عكس وقفته البطولية، فقد كانت هالته تنضح بلطف غير مشروط ، اعطى احساس النظر اليه وكأنه يمتزج مع الزهور البفسجية خلفه ،معطيا احساسا بالتناغم الغريب .

في حين ان المرأة بجانبهما كان لها بشرة شاحبة لم يكد العمر يحفر آثاره عليها ،انحنت عيناها الخضراوين بحنان تنظر نحو الاثنين..

بالكاد استطاع ان يعيد الصورة لمكانها ليدفع يده نحو اطار الاخرى ، لكنه لم يلبث ان عبس قليلا لمحتواها

كانت الصورة نصف ممزقة اختفى الجزء الايسر منها تماما ،

جلست فيها امرأة شابة بشعر فضي كانت نفس الفتاة من قبل لكن في فترة زمنية مختلفة .

امتد فستانها الفضي المزين بشرائط سوداء ليغطي نصف الاريكة الجالسة عليها تقريبا ، خلفها وقفت امرأتان احداهن طويلة والاخرى اقصر بقليل كلتاهما كان لهما شعر احمر وعيون مخضرة .

كان واثقا مما شاهده

-هذه الاقصر سيرينا ، كان يجب ان تكون في 19 او 20 عندما التقطت هذه الصورة ، اما هذه ؟ هل يجب ان تكون ٱختها ؟

نظر الى ملامح الفتاتين المتطابقتين تقريبا وظن ان هذه الفكرة يجب ان تكون صحيحة

-انها تبدو حازمة ومخيفة عكس سيرينا تماما .." ضحك من هذه الفكرة العابرة

-لكن ..؟"

تأمل وجه والدته طويلا ليهمس عابسا

-رغم ابتسامتها هي تبدو حزينة ، هل يتعلق هذا به ؟.."

حدق في الجزء الممزق من الصورة ، اذا كان حدسه صحيحا فيجب أن يكون الجزء المفقود هي صورة والده.

شرد بأفكاره طويلا يتذكر تمتمات سيرينا عندما سألها عن والده ، كانت ملامحها تتعكر فورا لترمي بكلمات جارحة مثل :انه لا يستحقها" ، انه شخص فظيع " ، لقد كان سبب موتها "

يتذكر انه جفل عند هذه الكلمات ليس بسبب محتواها فحسب ،بل لان سيرينا كانت تطلق نية قتل حقيقية وهي تضغط الكلمات بين اسنانها ،

لقد تحول الأثير حولها الى فوضى وكاد يقلب القصر رأسا على عقب لولا أن تداركها رئيس الخدم ،

لم يذكر والده لها منذ تلك الحادثة، لكنه لم يستطع منع نفسه من ان يفكر بآخر كلماتها ،

كان يدرك ان الغضب أعماها او ما كانت لتطلق هذه الألفاظ امامه .

سحب نفسه من أفكاره وشعور ثقيل ومر يملئ صدره ، أراد ان يحصل على اجابات لنفسه لكنه لم يعرف من اين يبدأ ،

بدا الامر وكأن آثارهما مُحيت من هذا القصر تماما ! بالكاد كان قادرا على معرفة اسم امه مذ عثر على قلادتها .

سحبها من عنقه يتفحص النقوش باللغة القديمة التي نقشت على خلفية سطحها اللازوردي

"آريا جريس بافيليوس " كان هذا اسم امه !

لم يمكث في افكاره طويلا اذ أن قلادته اللازوردية انبعث منها ضوء لطيف

-همم ؟

لم تكن قلادته هي الوحيدة التي صدر منها هذا. نظر نحو قدميه ليكتشف وجود شيء يضيء قربهما

-ما هذا ؟"

انحنى نحو الاسفل يسحب الشيء المضيء تحت المكتب

رفعه بصعوبة لأن وزنه كان ثقيلا جدا ليدفعه فوق سطحه لاهثا

-فقط من سيصنع شيئا كهذا !؟"

نظر بانزعاج ولكن بفضول نحو صورة دون اطار موضوعة الآن على السطح الخشبي

كانت اطراف الصورة سوداء وكأن شخصا ما قد حاول حرقها عمدا لكنه لم ينجح .

يمكنه بوضوح ادراك إختفاء شخصين او ثلاث من اطراف الصورة المحترقة ،

لكن هذا لم يمنعه من التحديق طويلا فيها، لانها كانت اكثر واحدة من بين الثلاث تحوي عدة شخصيات لم يتعرف عليها.

في وسطها انبثقت ابتسامة سعيدة لفتاة ذات شعر بني طويل متموج وعينان بنيتان كبيرتان وهي تعانق فتاة اخرى على يمينها ذات شعر فضي

تعرف على امه فور رؤيتها ،بدا ان زمن التقاط هذه في نفس الوقت مع أول واحدة

على يمين ٱمه كان هناك فتى بشعر بني وعيون سوداء . بدت جثته ضخمة بالنسبة لوجهه الشاب، لكن هذا لم يمنعه من اعطاء ضحكة غبية وهو يرفع يديه للمصور .

اما عن يسار الفتاة ذات الشعر البني ،

جلس فتى بشعر ابيض وعيون زرقاء مبتسما يمسك بيده فتى اخر بعيون حمراء وشعر أسود بدى منزعجا تماما من الموقف ،

خلفهم امتدت حقول زهرة الجريس تماما مثل الصورة الاولى

لكن بدا له جليا ان الصورة لم تكن كاملة ، كانت الاطراف المحترقة قد اخفت بالكاد شعرا طويلا لفتاة اخرى فيها .

لمعت القلادة بين يديه أكثر وأكثر تزامنا مع الصورة واصبحت دافئة حتى كاد يُسقطها .

اتبع حدسه الغريب ومد يده يضع قلادته عموديا مع الصورة

لمعت فجأة الفتاة ذات الشعر البني في المنتصف لينطلق صوتها الطفولي المرح يملئ أركان هذه الغرفة الفارغة

- هذه انا "آرتي" ، سعيدة لأني سحبتكم جميعا لأخذ هذه الصورة هاها ..

تردد صدى ضحكاتها طويلا في اذنيه ليرتجف محدقا في صورة امه

-اذا صدق حدسي !"

لم يلبث ان قطع فكره لمعان شكل الفتاة بجانبها ليتسلل صوتها الهادئ لٱذنيه

- هذه "آريا ".. الصورة كانت فكرتي انا ..

-ماذا .. أريا!! تردد صدى صوت يقاطعها في الخلفية بحنق غاضبا ،ولابد ان ينتمي للفتاة المسماة "آرتي"

-امي ..انه صوتها .. ؟ "اندلعت دموعه على حين غرة يبتلع غصته محاولا كبح ارتجاف ذراعه لألى تسقط قلادته

- هذا لوڨان ..لا يهمني فكرة من هذه لكنها تعجبني ! انت !! لا تدر الحجر هناك اذا لم اظهر في الصورة سأضربك !

كان لوڨان هو اسم الشاب على يمين امه لم تمنعه دموعه وشعوره الفوضوي ان يُنصت بتركيز،

في النهاية كانت هذه اول مرة يتعرف على امه وما بدا انهم اصدقاءها ، اذا تتبع اماكنهم فقد يجد حقيقة ما حصل في الماضي عند هروبه من هنا .

تدفق صوت هادئ لمسامعه للشاب ذو الشعر الابيض

-هذا ليونيل ..اتمنى ان يظل هذا اليوم كذكرى رائعة لنا جميعا ".

أضاءت آخر صورة للفتى أسود الشعر ليتبعها صمت طويل.

اندفع ما بدا صوت ليونيل المحرج قليلا

-كايل ؟ " تساءل ليرد عليه بانزعاج وبرود

-همف ..هذا كايل ..لا تسحبوني لهذا من دون اذني مجددا! "

2022/01/22 · 368 مشاهدة · 1130 كلمة
Kirara
نادي الروايات - 2025