لم يلبث بصر ثيودور على المذكرات كثيرا إذ أنه سمع صوتا حادا لِتحرك الحجارة ولم يستطع حتى الصدام بين الوحوش منعه من الوصول لٱذنيه
رفع أنظاره ناحية الجهة الٱخرى من القاعة عندما شاهد فُتحة صغيرة أشبه بالباب على أحد أطول عمودين بالغرفة .
رفع حواجبه في مفاجأة سعيدة
-هل يُعقل أن المذكرات هي المفتاح لإيجاد المخرج ؟!"
تساءل رافعا جسده الصغير بحذر مُحاولا عدم لفت انتباه أي من الخفافيش نحوه وتوجه ببطئ للجانب الآخر للقاعة.
في البداية أراد الاستمرار على هذا المنوال راغبا في الوصول هناك بأقل ضرر .
لكنه بعد برهة لم يسعه إلا عض أسنانه والركض وسط المعركة العاصفة !
ذلك أن الباب الذي فُتح وسط العمود بدأ يُغلق شيئا فشيئا .
-اغغ!"
كان ييغرو يحمي رأسه وحتى مع إلتفافه حول قدميه معززا سرعته لا يزال ينزف دما جراء الهجمات التي تصيبه من حين لآخر .
ركض مع أنفاسه وحياته على المحك وحتى مع شعوره بحرارة جسده وضيق صدره ، لم يسعه إلاّ الضغط والتحمل أكثر راغبا في الوصول للناحية الٱخرى مُحاولا قدر جهده الإلتفاف والتدحرج هنا وهناك لكي لا يصاب !
أخيرا ومع دفعة من عنصره ، وصل بسلام للناحية الٱخرى وبدون أخذ نفس لتهدئة أعصابه المتوترة ، حشر نفسه بسرعة فيما تبقى من فُتحة الباب التي وسّعها مستخدما ييغرو كدعم ودخل الظلام مجددا !
°°
عندما فتح عيناه ، دلف ضوء شديد لبصره وكان بغرفة ٱخرى.
كانت صالة معيشة كبيرة مزينة بأرائك فاخرة مخملية وسجّاد باهض ، كانت الثريا الكرستالية الذهبية تتدلى من السقف وأمكن لثيودور إدراك الحرفة العتيقة التي تم الحرص على إظهراها عمدا أو بشكل خفي للزوار ،
كانت رائحة الخشب الحلو تداعب أنفه وكان بإمكانه رؤية الأقمار الدموية الثلاث التي تُطل من الشرفة بعيدا .
انعكس ضوؤهم ذو اللون الأحمر الدموي على وجهه المرتبك والمذهول من فخامة المكان .
فجأة ، شاهد الأرض على بعد أمتار منه تضطرب وتتحرك قبل أن تلفظ رجلا بدينا ذو ملابس أنيقة ، أو كانت هكذا قبلا ؟
كان الرجل أمامه بشعر فوضوي تماما وأمكن لثيودور رؤية بقع الدم المتفرقة التي صبغت أطراف ردائه شبه الممزق وحذاءه .
-أين هذا ؟!" سأل الرجل بحيرة وغضب عندما إندفع بسرعة نحو الباب الوحيد للصالة التي هم بها .
مد يده محاولا فتح الأبواب لكن مهما بذل من قوة لم تتحرك أبدا !
-سوين !! أيها الوغد !"
تذمر بين أنفاسه بغضب واستدار عندما لمح ثيودور ينظر نحوه بغباء .
-ماذا تفعل هنا ؟"
سأل الرجل بصوت خشن باستغراب وكأنه لم يتوقع رؤية طفل هنا .
سحب سيفه الذي حصل عليه من تجربته السابقة ورفعه في وجه ثيودور.
-تكلم !! "
كان طرف السيف الحاد والعضلات المتوترة للرجل تُشير أنه سيقطع ثيودور إن قام بأي حركة مشبوهة !
أشار ثيودور لقناعه وملابسه
-أنا أيضا لاعب "
شخر الرجل وأنزل سيفه قائلا
- متهور منك أيها الصبي أن تشارك في ألعاب الشفق "
سخر ثيودور هو الآخر بكآبة
-هل لا تزال هذه مباريات الشفق أصلا ؟"
رد الرجل بصمت للحظات قبل أن يومئ في موافقة ، كان وضعهم مريعا ولم يعد الأمر لعبة بعد الآن .
- هل كانت رحلتكم هنا لطيفة ؟"
دلف لآذانهما فجأة صوت مرح ومُهتم.
وكأنه حريص على الحصول على إجابة راضية من كلا الطرفين، تعمد استخدام نبرة محببة وكأنه يسأل عن أصدقائه الذين طال انتظاره لهم .
-أنت !!"
سحب الرجل البدين سيفه وقفز راغبا في قطع القناع المزعج بنظره ، غير أن هجومه مر من خلاله وهبط على أريكة قريبة.
بشكل غريب ،لم يترك خدشا واحدا بها بل إن السيف إرتد وكاد يُصيب صاحبه !
ضغط الرجل أصابع يده على قبضة السيف وكبح الإرتداد متجنبا جرح نفسه.
-أيايايا ، ياله من ترحيب. لم أتوقع أنك مشتاق لي لدرجة مهاجمتي فور رؤيتي "
ضيق القناع عيناه في شكل أهلة مسليا برؤية رد فعل الرجل
رفع الأخير بصره بإشمئزاز صارخا
- ماذا ينوي سوين فعله بإحتجازنا هنا ! اسرع وأخرجني هل تعرف حتى من أكون "
-ٱووه ، بالتأكيد أفعل" عبس القناع قبل أن يبتسم مجددا
- بارونيت "هُوِيليو" أحد أتباع البارون هاوارد ؟ هل يجب أن تكون يده اليمنى أم اليسرى ؟"
تساءل القناع بتشويش في تفكير بفم عبوس قبل أن يعود لطبيعته
-حسنا لا يهم ، كلتا اليدان ستفيان بالغرض على أي حال ، أتساءل عن شعوره عند قطعهم "
قال بمكر على مرأى من تكشير الرجل وثيودور
-ماذا تقصد؟!" نفث الرجل بغضب
-حسنا، حسنا ، لا داعي للغضب . أنا المضيف اليوم ولا أرغب برؤية الحزن بقلعتي ، ابتسم، دعونا نبتسم هاها "
عندما لم يرى أي رد فعل منهما، تململ القناع "فيستيفال" قبل أن يشرح
- أنتما مملان ،الوضع بالمحاكمات الٱخرى يبدو أفضل ، هناك الكثير من الضحك "
صمت متابعا
- بالطبع إنها ضحكاتي أنا "
لم يستطع ثيودور فهم النكت التي يحاول هذا القناع الشرير إلقاءها في حين أن الرجل عاد لقطعه ثانية
- ٱووه هيا، كان المرح سيبدأ قريبا لا داعي للتسرع ،حسنا بما أنك تريد البدأ قريبا ضيفي العزيز فَلك ذلك !"
-ماشروطك ؟" رفع الرجل رأسه نحو القناع بعد أن هدأت أعصابه أخيرا .
-ٱحب الأشخاص الإستباقيين أمثالك ، همم ما رأيكم بلعبة ؟"
-لعبة؟"
-أجل ،لطالما كانت تُحبها ، حقيقة أم جرأة ! من يحظى بالأسبقية يكون أقرب للفوز !"
رفع الرجل حاجبه باستنكار ثم تنهد قائلا ونظر لثيودور
-بخير ٱوافق ، أنت يا فتى آسف لذلك لكن علي المرور أولا "
أراد ثيودور الإعتراض إذ أنه خمن أنّ الجملة الأخيرة للقناع لم تكن دون سبب.
لكنه لم يستطع لفظ الكلمات من فمه ، كانت حالته مزرية والأدهى أنه شعر أن الرجل أقوى منه بكثير !!
-أختار الحقيقة !" رسم الرجل إبتسامة إنتصار بعدما ظن أنه اختار أسهل شيء ولم يشعر بالشفقة لترك ثيودور آخر من يلعب .
-ٱوه ،ٱوه ٱوه ! أنا ٱحب استباقيتك حقا يارجل ! سريع وحازم " ضيق القناع عيناه متابعا
-ولأجل هذا سيكون سؤالي سهلا "
فجأة ، أضاء المكان حول قاعة المعيشة قبل أن تظهر عشرات الشاشات التي أحاطتهم مُظهرةً الجمهور المرتبك الذي يجلس على المدرجات بالكولوسيوم.
-سيكون الجميع شاهدين على إجابتك "
رثى القناع دون سبب ، لكن البارونيت لم يكن خائفا !
ما مدى الجرأة التي سيكون عليها السؤال وما مدى ما يُمكنُه السؤال عنه ، كانت قراءة الأفكار قوة مستحيلة في هذا العالم لذا لم يخشى شيئا يمكنه كشف أسراره !
رسم القناع إبتسامة غامضة قبل أن يلفظ سؤاله
-ما علاقتك بالحادث الذي حصل قبل تسع سنوات ؟"
-حادث ! أي حادث!!"
صرخ البارونيت فجأة و وجهه مصفر وشاحب وحتى أن أطراف قدمه وأصابعه بدأت تتحول للّون الأزرق من الرعب !
ضيق القناع عيناه في إهتمام وتلى بلطف وكأنه يحاول مساعدة صديقه على التّذكر
-الحادث بالعاصمة قبل تسع سنوات، لا يعقل أنك لا تفهم "
تابع وهو ينظر للجمهور الذي سمع كل كلمة وتغيرت وجوههم للون الأخضر كذلك وانتفضوا من أماكنهم وكأنهم أرادوا الفرار أو غلق آذانهم وعدم سماع أي شيء أو رُؤيته .
- ٱنظر ، كُلهم فهموا علَيْ !"
تراجعت خطوات الرجل حتى إصطدم بالأريكة وإنهار عليها بعد أن ما عادت قدماه تحملانه .
تمتم مُحاولا رسم ابتسامة بين ملامحه المتقلبة وشفاهه المرتجفة
- عن ماذا تتحدث !!!!" صرخ فجأة
-هل تُدرك ماذا تحاول اِتهامي به !!"
قال القناع محتارا
-ليس فعلا ؟ أنا فقط أسأل ، لم أتهمك بشيء ؟"
ظهرت ساعة فجأة أمام فيستيفال ، نظر لها قائلا
-أسرع بالإجابة وقتك ينفذ كما تعلم "
صرخ الرجل في هياج
-ما الذي تُريد مني الإجابة عنه ! ليس هناك ما ٱجيبك عنه في المقام الأول ، أنت تحاول اتهامي فحسب ! سٱقاضي البارون على هذا عند خروجي من هنا !!"
لوى القناع خط فمه في عبوس طفيف
-ٱوه حسنا ،لك هذا "
إقتربت فجأة إحدى الشاشات من وجه الرجل وتم تكبيرها حتى عرضت وجها صغيرا لطفلة بالثانية عشر تضع قناعا لوحش لطيف .
-إن لم تجب في غضون أربع دقائق سيتم التضحية بها ، أنا شخص لطيف لذا لا تجبرني على أذية جمهوري العزيز "
تمتم القناع ثم ضحك
-لكني لا ٱمانع اللعب لفترة أطول معك لو أردت ، لكن حاذر أن تكذب ،لدي أساليبي لمعرفة ذلك كما تعلم ! "
-إبنتي !!"
ارتجفت أوصال الرجل في يأس وهو يرى الوجه اللطيف المرتبك الذي ينظر للشاشة ،
كانت الدموع المتحجرة على مقلتيها تُخبره كم كانت خائفة من الوضع الحالي .
-أبي !" كان بإمكانه قراءة تلك الشفاه الصغيرة وهي تُناديه في رجاء أن يعود سالما إليها .
احمرت عيون البارونيت حتى ظهرت العروق الدقيقة عليها ، أراد أن يقفز ويُحطم كل شيء ليخرج من هنا .
لكنه فعل ذلك سابقا بكامل قوته وأدرك جيدا أن القلعة هي أثر محصن تماما ، حتى أنه شك أن البارون هاوارد لن يستطيع الخروج من حصارها !
أخفى سوين أوراقه جيدا ، كان الأثر من المستوى السادس !!!
مهما كان خياره هنا فسينتهي بشكل فضيع .
كان الإعتراف أمام الجميع بالمشاركة بالحدث الذي وقع قبل تسع سنوات بمثابة حكم لإعدام عائلته بالكامل ،
ولكن إن لم يفعل ،فإن ابنته الوحيدة والمحبوبة ستُفقد هنا ، لم يشك في أن سوين سيتركها لصغر سنها ، كان ما حدث مع الطلاب الصغار قبل شهر درسا مهما عما سيحصل .
من كان يظن أن هذا الرجل مجنون لرمي كل شيء لأجل إنزالهم معه !!!
على الجانب الآخر كان ثيودور أيضا في صدمة ، تذكر المعلومات القليلة التي يعرفها من كريسل عما حدث بتاريخ 1524 وكان ضخما بما فيه الكفاية لتغيير لون الجميع !
كان شيئا واحدا دلف لذهنه وجعل كيانه يهتز ، جريمة لو ٱثبتَ مُشاركة البارونيت بها حتى ولو من بعيد فسيُتهم بالخيانة العظمى .
الحادث قبل تسع سنوات ، كان الإنقلاب الذي حدث بالعاصمة و المذبحة التي حدث في حق العائلة الحاكمة!
كان يوم إغتيال الإمبراطور السابق !!