" لا نزال بموسم الأمطار من العام 1248 ... الشتاء بارد جدا هذا العام ، يُناسب ذوقي ، لكن ليس اليوم !
لقد كان يوما متعبا بسبب "بوني" مجددا ، هذه المرة فقد عقله تماما وصار يضرب رأسه بكل مكان !
اضطررت لحبسه لإيقاف هذا الجنون !
ليس من عادتي إيذاء وحشي ، لكني ٱجبرت على إرغامه أن يُشارك بعض ذكرياته معي بواسطة علاقتنا التعاقدية ،
سيؤذي هذا دماغه قليلا ولكني لا أزال ٱحب هذا الخفاش السخيف لذا يجب أن أعلم مشكلته !
.....ثلاث كلمات تشرح صدمتي الآن لما شاهدته حتى أني بالكاد ٱصدق نفسي إذ أن أبي كان ليكتشف الأمر طويلا لأنه مالك القلعة ! ....من ذكريات "بوني" ، لقد رأيت شبحا ! "
قرأ ثيودور المذكرات الغريبة وهو يتكئ على الجدار المخضر خلفه بهدوء.
كانت جراحه على وشك الشفاء تماما لكن الألم الناجم عن ذلك لا يزال يجعل جبهته تتعرق .
نهض بصعوبة وقرر التقدم للأمام لأن وقته ينفذ .
من تجوله حول الأرجاء قبل قليل ، قدر أنه وقع بمتاهة ما !
كانت كل الطرق متشابهة وأحاطه سياج من الأوراق المخضرة الكثيفة من كل الجهات حتى فوقه !
اندفع ييغرو فجأة وقطع إحدى سيقان النبات الملتوية التي حاولت التسلل ومهاجمته .
كان المكان أشبه بحديقة للنباتات آكلة اللحوم أكثر من كونها متاهة !
طوال الطريق ، كان يتم التسلل نحو ظهره ومحاولة إلتهامه .
تساءل ثيودور إن تم بناء هذا المكان بأخذ غابات سيلووديا كمرجع ، كان هذا البلد الأخضر موطن عرق "وويا" الذي يتعايش مع النباتات والأشجار .
"لا ،بالأحرى كانوا النباتات أنفسهم ! "
تمتم تحت أنفاسه منزعجا من المضايقة المستمرة التي تصيبه .
كان الشيء الوحيد الممتن له هو أن المكان بدى آمنا نسبيا مقارنة بتجاربه السابقة
-لكن كيف أخرج من هنا ؟"
انزعج فؤاده بينما يُقلب عيناه هنا وهناك .
كان كل شيء متماثلا عدى طول الممرات !
-أعتقد أني ضائع "
همس بعد أن ما عاد يفرق بين الإتجاهات حتى طريق عودته.
-إن اردت إيجاد المذكرات هنا فهذا مستحيل لأن المكان كبير جدا ، أيضا لا توجد وحوش قوية بشكل خاص ! إذن ما الهدف ؟ "
فكر طويلا وهو يسير عندما تذكر شيئا بجيبه .
كان شيئا أحضره معه من أول غرفة ولم يستعمله للآن
-المفتاح !!"
أخرجه بسرعة وكما توقع ، كان له بعض رد الفعل مع هذه المتاهة .
قرر اتخدامه كبوصلة واستشعر الطريق معه !
كلما صحّت وجهته كان إهتزاز المفتاح أكبر.
توقف فجأة عندما وصل إلى أحد الجدران الخضراء ! كانت نفسها مثل من قبل ولم يكن بها أي شيء مميز .
-هل يفترض أن يكون هذا الباب ؟ "
رفع المفتاح وحاول تركيبة بأي مكان على الجدار لكنه لم ينجح
-همم ، حديقة وغابات سيلووديا والمفتاح ؟" تذكر فجأة ٱسطورة عن نشأة هذا البلد .
قيل أن سيلووديا لم تكن واحدة من البلدان التي جاءت من عالم مختلف قبل ستين ألف سنة ، بل أن أحد المستكشفين من الإتحاد عثر على مفتاح مجهول بأحد الأطلال ومع تتبع القرائن عثر على حديقة سرية بأعماق أمانيسيا !
قيل أن المفتاح منحه فرصة للدخول مرة واحدة وأخذ شيئ من الحديقة.وقد أخذ نباتا متحولا من هناك .
نشأ هذا النبات العجيب فيما بعد ليصبح عرقا ذكيا و تكاثر ليصبح بلد وغابات سيلووديا اليوم .
تذكر هذه الٱسطورة لأن لها وصفا بالكتاب الذي قدمه معلمه. الشيء العجيب الذي جعل هذه الحكاية تعلق بذهنه، هي أن المستكشف الذي ذهب للحديقة قال أن كل شيء بها يعتمد على الخيال .
كل ما فعله كان تخيل باب وفتحه بالمفتاح ودخل هناك وبعد خروجه لم يجد طريقا للعودة مهما حاول تخيل الباب مجددا !
اقتبس ثيودور من الٱسطورة ولم يمنع نفسه من التجربة ، أغمض عيناه وتخيل بابا وعندما مد يده وأدار المفتاح سمع صوت قُفل يُفتح ولما أعاد فتح عيناه مجددا كان بمكان مختلف !!
أمامه ، كان مرج أخضر واسع ، وفي قلبه وقفت شجرة عملاقة إمتدت جذورها أحيانا وطفت للسطح قبل أن تغرق في التربة مجددا .
الشيء العجيب بها ، أنه بدل أن تتدلى عدة ثمار من فروعها ، كانت تحمل عدة أقفال ذهبية متصلة وكأنها الثمار نفسها .
تقدم ثيودور نحوها بحذر متفاجئا من مدى ضخامتها وصغر حجمه بالمقارنة.
-كم عمرها يا ترى ؟" تساءل بذهول وهو يشم الرائحة العتيقة من الجذور
-كيف حصل البارونيت سوين عليها؟ "تساءل ثيودور .
بالبداية ظن أنه دخل الحديقة السرية من الحكاية. لكن بعد تفكير، إعتقد أن سرا كهذا ما كان البارونيت ليستخدمه في محاكماته ،إذ أنه قد يسبب الجشع في قلوب عدة أشخاص أقوياء ويجلب كارثة على نفسه !
-إقترب !"
فزع ثيودور .كان صوتا ضعيفا داعب ٱذنه ،
إلتفت حوله لكنه لم يجد أحدا !
-اقترب .." عاد الصوت يُداعب ٱذناه عندما ولمفاجأته إمتد أحد الجذور الصغيرة نحوه وتوقف أمامه .
-من !!؟ هل الشجرة ؟" تساءل بخوف كبير داخله من هذا الكائن العملاق لكنه لا يزال يصعد على الجذر .
شك أنه حتى وإن أراد المقاومة والهرب فسيتم سحقه ،لذا كان من الأفضل أن يكون متعاونا في الوقت الحالي.
سحبه الجذر وعاد للوراء حتى صار قريبا من جذع الشجرة ، كلما إقترب شعر بأن حجمه كان تافها بالمقارنة .
- من أنت ؟"
عاود الصوت التسلل لذهنه لكن ثيودور شعر بالغباء فجأة ، ماذا تقصد بالسؤال عن هويته ؟
-اسمي آيس " رد ثيودور بهدوء و وِدٍ قدر الإمكان محاولا عدم إثارة هذا الكائن .
- لديك هالة مألوفة "
-أنا ؟" رفع ثيودور رأسه في مفاجأة عندما سأل
-هل هذا جزء من المحاكمة ؟" شعر بالريبة الآن
-محاكمة ؟" رد الصوت بحيرة ثم تابع
-لا أعلم عما تتحدث ، لكن يُمكنني الشعور بأنك قريب من أحد ثماري "
ذهل ثيودور "قريب من أحد ثمارك ؟؟"
رفع رأسه نحو الأقفال الكثيفة هنا وهناك ثم دلف لذهنه سؤال لم يستطع إلا إخراجه من فمه .
-ألسنا بقلعة زولاديت ؟"
رد الصوت بحيرة أكبر
- زولاديت ؟؟ لا أعلم عمّن تتحدث ، ما تراه الآن مجرد إسقاط لشكلي فقط عبر الإتصال بيني وبين أحد ثماري التي قربك "
-إذن تقول أنك لست جزءا من المحاكمة ؟؟ إذن لما ظهرت أنا هنا؟ "
صمت الصوت قليلا قبل أن يرد
-أنا سحبتك ، لأني أشعر بهالة مألوفة عليك "
-مِمَّن ؟!" سأل ثيودور بحماس ظنا منه أن أحد والديه أو أقاربه قابل هذه الشجرة من قبل .
- لا أذكر ، كنت صغيرا جدا لأستطيع تجميع ذكريات عن ذلك " قطع أمله النبرة الكئيبة التي ترددت بعقله.
-هل هذا الشخص مهم بالنسبة لك ؟" سأل الصوت
-نعم ،بالتأكيد " أجاب ثيودور بحزم وهو يرجو أن يحاول الصوت تذكر من جاء هنا مجددا .
-يمكنني إجبار نفسي على التذكر لكن هذا سيضر بجذوري ويُقصر مدة حياتي "
صمت الصوت ،في حين تأكد ثيودور من هوية من يتكلم معه أخيرا ، كانت الشجرة العملاقة قربة !!
-إذن ، هل ستفعلين ؟ "سأل مع أمل ضئيل بأن الأخيرة ستُساعده لكنه في نفس الوقت شعر برائحة شيء مريب ينبعث من هذه المحادثة.
-لكن لدي شرط !" وبالفعل لم تلبث الشجرة أن تابعت
- ٱريد منك فعل شيئ لي "
فجأة، داخل عقله ظهرت خريطة لعدة أماكن غريبة .
- هل هذه جزيرة على أمانيسيا ؟" هتف ثيودور لكنه ما لبث أن شعر بالغرابة أكثر
- إنها لا تبدو كاملة " كانت هناك عدة فجوات بالخريطة ،لم يستطع تجميع أي طريق صحيح منها .
- إنها خريطة تقود للحديقة السرية "
رفرفت حواجب ثيودور في صدمة ،
منذ قليل كان يتساءل ويحلم بالٱسطورة والآن ظهرت خريطة قد تقود لهذا العالم الخفي الذي سعى الآلاف لأجله من فراغ.
تراجع وبالكاد أمسك نفسه من السقوط من على الجذع .
-لماذا قد تقدمين شيئا كهذا لي !!"
أجابت الشجرة
-أخبرتك. ٱريد منك فعل شيء لأجلي ، إنها صفقة ، إن قبلتها سٱخبرك عن من له هالة تُشبهك بالإضافة للجزء المتبقي من الخريطة "
كان ثيودور سيرفض قطعا لأن الأمر بدى مُريبا جدا من البداية ! لكن إحساسه بالضغط حوله أخبره أنه لو لم يقبل الصفقة فلن تتردد الشجرة بقتله ها هنا !
كان في ورطة !!
-ماذا أفعل !!" نظر لقلادته بيأس .
لم تتحرك الأخيرة منذ أن استيقظ ، وتأكد أن الضوء الفضي ينتمي للبلورة التي وجدها بالقصر ،لذلك عندما ظهرت البيضة بدا أن قوتها في سبات ولم تعد تحميه أبدا !
-لكن لماذا أنا ؟" سأل بعد استجمع شتات نفسه ،كان من الغريب للشجرة أن تترك كل الأقوياء بالقلعة لإختياره .
-قلت لك. لأنك تملك هالة مؤلوفة بالنسبة لي ، إنّ اقترابك من أحد ثماري تسبب في شعوري بك وقُدرتي على سحبك هنا ، لم أكن لأستطيع فعل هذا للآخرين " قالت الشجرة بصراحة مما جعل ثيودور يلوم سوء حظه .
تكلم بعد برهة
-ما هي صفقتك ، يحق لي أن أعلم صحيح !"
ردت الشجرة بسرعة
- ٱريد منك تحريري !!"
-ماذا !"
-أنا محبوس بمكان ما منذ فترة طويلة لذلك أحتاج شخصا لمساعدتي "
-حتى بقوتك لا تستطيعين الخروج فكيف أستطيع تحريرك ؟" شعر بالصدمة من هذا الطلب
-الأمر ليس خطيرا كما تعتقد ، الأمر فقط معقد هنا ، كثير من البشر قد جاؤوا بالفعل لكن لم يستطع أحد منهم الوصول إلي !"
استغرب ثيودور من كلماتها عندنا شعر بالضغط فجأة عليه !!
كاد ينفث الدم ورفع رأسه للشجرة بألم،
-إسقاطي يتزعزع وما عُدت قادرة على الإحتفاظ به . قرر الآن، إن وافقت فشَكّل معي عقدا وسٱعيدك ! إن رفضت سأعود بينما يتم سحقك في هذا الإسقاط المصطنع "
كان المكان الذي هم به أشبه بالفضاء الفرعي المؤقت وسيتحطم بأي لحظة وتلتهمه العواصف المكانية !
لم يعد لثيودور خيار ! صر على أسنانه ، كان الربح مغريا لأن الشجرة لا تستطيع الكذب في بنود العقد !
احتوى العقد على جوهر كل من الإثنين وسيندمج مع العالم عند توقيعه ، حالَ مخالفته سينفجر مسببا جروحا شديدة تلحق بهما .
في المقابل ،كانت الأخطار التي سيواجهها غير معروفة لكن لو رفض فسموت بكلتا الحالتين !
حزم قلبه وقراره عندما بصق
-موافق !"
دلف صوت سعيد من الشجرة عندما ظهر عقد من فراغ يحتوي عدة أحرف باللغة القديمة .
تلى الإثنان شروطهما التي طُبعت على الورقة الرثة المصفرة، قبل أن ينفصل شيء من قلب جوهر كلاّ من الطفل والشجرة ويتصل بالعقد الذي أضاء ثم اختفى مثلما ظهر !
نظر ثيودور للورقة المختفية بشوق
-في فرضية،قيل أن العقود تأتي من الحديقة السرية كذلك !"
إمتلاكه نصف خريطة بعقله جعله متحمسا بشدة، لكنه في نفس الوقت تساءل عن هوية الشجرة أمامه لتمتلك هذا !
-إذن إنه إتفاقنا بشري ! عليك تحريري في اقل من عشر سنوات !"
-لكن أين أنت ؟"
صمتت الشجرة قبل أن تتابع بخجل
-لا أعرف !! لكن البشر الذين جاءوا لمكاني دعوها بمملكة الأمنيات "
-لا تعرفين !!" أراد ثيودور الصراخ في وجهها وشعر أنه تم خداعه لأن الإسم وحده للمكان لن يقوده بالضرورة لشيء !
كانت أمانيسيا والدول العشر تحوي عشرات الآلاف من الممالك والجزر !!
أراد القفز والهجوم على الشجرة عندما شعر بإضطرابٍ حوله وباتت صورة الشجرة والمرج حوله تخفت شيئا فشئا !
-تذكر بشري ! يجب عليك القدوم ، آه وإحذر الخيال.... !!"
لم يستطع سماع آخر كلمات الشجرة بوضوح قبل أن يعود بصره للحديقة التي كان بها قبلا !
لا ! أمامه الآن ، كان هناك فرع صغير مع قفل يتدلى منه !
حمله وفحصه للحظات قبل أن يُدخل المفتاح الذي لا يزال يحمله بالقفل !
لمفاجأته كان مناسبا تماما وبالكاد مرت لحظة حتى تمدد القفل وتقلص في نبض ثم تحول فجأة لمذكرات صفراء !
--------------
بمناسبة انو هاد المغامرة ستنتهي قريبا
اي تعليقات او انتقادات بخصوص الرواية يرجى كتابتها بالأسفل، بشوف ان كان علي اطالة الفصول او تقصيرها 🙈