72 - الحقيقة خلف القناع

رفع جايدن رأسه نحو فيستيفال الذي يطفو فوق كتف سيلفاتور ونظر له بفضول للحظة قبل أنْ يعيد بصره لخادمه .

صمت قليلا مستشعرا هواء الليل البارد عندما سأل

-إذن مارأيك فيما شاهدته ؟ لقد طلبت مني أنْ أترك ٱمور إختيار ألعاب المحاكمات بيدك حتى أنّك كدت تؤذيهما في إختبارك "

فكر سيلفاتور قليلا قبل أنْ يجيبه

- السيد كلاود ، لا السيد ثيودور ليس بالتأكيد جاسوسا. رغم أنه كاد يموت إلاّ أنه لم يؤذي السيد الأصغر دايان ، ...كنت مخطئا بشكي "

إعترف سيلفاتور ليبتسم جايدن نحوه

-أنا أفهم أنه يخفي شيئا ، كانت معاركه التي شاهدتها دليل على ذلك. حتى عنصره كان شيئا غريبا لم أسمع عنه من قبل لكنّي بالوقت ذاته واثق من عيني وإختياراتي. ثيودور ليس أحد أتباع تلك المرأة "

-أعلم ولهذا تأكدت من أنْ لا يشاهد أحد محاكمته ، أغلب قتالاته تم تزييفها من قبل فيستيفال"

أجاب الخادم بنبرة شابة لا تعكس شكل عمره الخارجي ، كانت العيون الحمراء اللامعة والمليئة بالحيوية في تناقض تام مع جلده المجعد.

-حسنا ما فعلت ، لا ٱريد إجباره على إخبارنا بما يحدث معه ، لكُلٍ أسراره مثلما أنت وأنا " رثى جادين بهدوء وهو ينظر للقناع الذي لم ينبس ببنت شفة منذ أنْ وصل هنا.

رفع حاجبه قبل أن يسأل مازحا

-لكن لماذا قيدته ولا تسمح له بالكلام ؟ "

بدى القناع الذي سمع هذه الكلمات من جايدن وكأنه في صراع مع شيء ما ،ثم بصعوبة أومأ للشاب وكأنه يشكو شعوره بالظلم .

- لقد حاول الهرب من سيطرتي بالبداية عندما شعر بوجودي بالقلعة، حتى أنه تشكل في هيأتي الأصغر سنا مُحاولا إختطاف السيد كلاود ، لكنه هرب مسرعا عندما أدرك وصولي "

رفع سيلفاتور قبضته وفتحها وكأنه يُحرر شيئا وفي الوقت ذاته فتح القناع فمه أخيرا على مصرعيه بتظلم عندما تم تحريره.

-أنت فقط تطعن فِيَّ دون سبب ، لقد ساعدت في معالجة إصابة سيدك الأصغر بالنهاية !" تمتم القناع بشكوى ولكنه سكت مع نظرة سيلفاتور الباردة.

عكس ما رآه الجميع في السراديب تحت الأرض. كان فيستيفال بالحقيقة في مواجهة محتدمة مع سيلفاتور بالساعات الماضية لأجل الفرار منه وسيطرة الأخير عليه ولهذا كان يظهر ويختفي كل مرة .

لقد أراد حقا اللعب مع المشاركين أكثر و أنْ يتسلى بهم ، لكن الرجل استمر في إزعاجه مما إضطره لتركهم بالنهاية .

أراد الصراخ أنَّ وجوده مع البارون سوين طوال هذه السنوات الثماني والإبتعاد عن كورنيليون ،جعله يشعر بالسعادة الشديدة وتمنّى بشدة أن لا يعود مالكه. لكنه خاف أن يعاقبه سيلفاتور إنْ تحدث بهذا .

-بل أردتَ الإنتقام عبره فقط ، لهذا سلمته مذكراتي "

رفع سيلفاتور حاجبه في حركة أنيقة لم تعبث بجوه المحترم الذي سعى لحفظه.

أراد فيستيفال دحرجت عيناه غير الموجودة أصلا.

لولا الفيكونت زولاديت الذي قاتل معه قبل 300 سنة بشدة وقَمعه بحبسه داخل جسده ثم إختار الإنتحار ، لما استطاع الرجل أمامه أنْ يسيطر عليه عندما كان بأضعف حالاته .

لقد أراد دائما الهرب وإلتهام هذا الرجل ولكن كورنيليون الشاب الجاهل من الماضي لم يعد موجودا بأيِّ مكان على الملامح الناضجة لهذا الشخص ، حتى وإنْ كان يرتدي تمويها !

-لكني لم أتوقع منها أنْ تتحرك بسرعة عند معرفة موقعي ، حتّى أنّها أرسلت قاتلا خلف آيس " كانت أعين جايدن غير مركزة وكأنه ضائع بالتفكير بشيء ما وهو يشير إلى هذا الموضوع المهم.

- من البيانات التي وجدتها بالقلعة وأجبرت هذا القناع على لفظها ، يبدوا أن الكونتيسة أرسلت أشخاصا في الخفاء للتفاوض مع البارون سوين لأجل خيانة تحالفنا ،

في المقابل ، قالت أنها ستدعمه في المعركة على آثار التنين سيبياموس "

لمعت عيون جايدن ببرود وهو يستمع لخادمه قبل أنْ يشخر بسخرية

-حسنا دعها الآن ترى نتائج أفعالها ، كان موت سوين مجرد تحذير ، سأعود لأخذ ما هو ملكي بالأصل ولن تستطيع إيقافي "

صمت سيلفاتور وهو يرى عزيمة الشاب أمامه قبل أنْ يستدير فجأة للخلف وقد إختفت عيونه الحمراء مع القناع وعادت لطبيعتها بسبب سماعه خطوات شخص ما تتجه صوبهم .

تحت ضوء أشعة الشفق الباردة ، لمع قناع التنين الأسود الغريب على وجهه الناضج وهو ينظر بإبتسامة هادئة للإثنين .

تقدم ناحيتهما بهدوء قبل أنْ يُبعد بصره نحو سماء الشفق قائلا بلطف

-يبدو أنك تستمتع بالهواء المنعش هنا في حين أنَّ الوضع في فوضى بالداخل ؟ هل كنت تدرك أنّ الحفل سيتحول هكذا ؟"

تعرف جايدن على الشاب ذو القوام المتزن أمامه وأومأ نحوه كتحية قبل أن يرد على مزاحه

- الجو خانق بالداخل ٱفضل المكوث هنا. عكسي النبيل المتواضع الذي ٱضطررت إلى الحضور ، لم أتوقع رؤيتك هنا أيضا ، بارونيت كاول "

رفع كاول حاجبه وشخر وكأنه يستهزؤ بمقولة صديقه

-رغم قوتي ، لا تزال زينوث مجرد مملكة صغيرة لم تصل إلى مستوى الوقوف ضدّ دعوة البارون سوين بعد "

أشرقت ابتسامة جايدن عندما ضحك

- أنت تقول هذا في حين أنّك ترتدي قناعا يرمز للتنين سيبياموس بكل جرأة.

ألا تخاف أنْ يستهدفك عش دراكوك ؟ لا تزال الشائعات عن تورط سلفك مع نسله موجودة ، بل حتى أنها طفت أكثر للسطح هذه السنوات "

لمعت عيون جايدن قائلا بمكر وهو يراقب الحدقتين البنيتين خلف القناع.

لم يهتز الأخير ولم يتأثر بل أومأ برأسه فقط بموافقة قبل أنْ يجيبه

- إنه لمن الغريب أن تقول هذا في حين أنَّ الشائعة التي تقول أنّ سلالتك تعود لإبنة التنين سيبياموس أكثر إبهارا من خاصتي"

عاد للخلف وهو يشير نحو جثة البارون المعلقة.

-أظن أنه عليك إبقاء خطواتك منخفضة ، أعتقد أنّ بعض النبلاء لاحظوا وجودك "

قال كاول بهدوء وهو يواجه عيني جايدن اللّتان تحولتا بوقت ما للون الأسود تماما عدى شق ذهبي عمودي توسطهما وكان يحبس شكله !

شعر البارونيت فجأة بضغط غير مرئي يلتف حوله محاولا خنقه!

سعل سيلفاتور الذي يقف قرب جادين بحدة مقاطعا الجو المحرج بين الإثنين عندما همس قائلا نحوه

- السيد جايدن من الأفضل أنْ تمسك أعصابك هنا، لا تزال هناك العديد من العيون مختبئة بين الحشد داخل القاعة. سأكتشف من سرّب هذا حال عودتنا "

عاد جايدن لطبيعته لحظتها وكأن المشهد قبل قليل كان مجرد حلمٍ أو خيالٍ عبَرَ عيون كاول.

عاد الأخير لرشده والعرق البارد يسيل من رأسه قبل أنْ يبتسم بخفة قائلا

- لا تقلق، لم يُسرّب رجالك هذه المعلومة ، إنما خمنت فقط بعد رؤية سجلات سلفي زينوث عن تاريخ ٱسرتك "

لم يثق جايدن بكلمات صديقه تماما ولمّا أراد طلب المزيد حول السجلات ، قاطعهم صوت لطيف دلف من خلف البارونيت كاول .

- يبدو أنكما تحظيان بوقت ممتع !"

تقدمت المرأة ذات قناع الطيور الذي تلطخت أجزاءه باللون الأحمر الدموي في تناقض تام مع شكلها إليهم قائلة هذا .

-ٱختي ؟"

-سيلفيا ! "

تعرف عليها كاول وجايدن في لمحة.

-لم أتوقع مجيئك كذلك، كان عرضك عبر الشاشات مبالغا به !" تذمر كاول بهدوء.

لم يشارك باللعبة بل كان ضمن الجمهور بالكولوسيوم لذا لم يستطع التدخل فيما تفعله شقيقته لا بالأحرى قريبته!

لقد كبِرا معا وكانا مثل الأخوين بعد أنْ تطلّقت عمته منذ سنوات من البارون هاوارد وعادت للعيش في عزبة العائلة.

للأسف ماتت منذ شهرين لذا حسب قوانين الإمبراطورية، إضطرت سيلفيا للعودة لحضن أبيها لرعايتها لأنها لم تبلغ سن الرشد بعد.

-ٱضطررت للمجيئ !" رفعت بصرها عن الخاتم بيدها مجيبةً كاول وهي تُقابل عيون جايدن المذنبة .

تكلم الأخير مبعدا نظراته عن يدها وهو يُراقب تحديقها اللائم نحوه

-آسف لِما حصل معك .."

منعت دموعها المتحجرة من الخروج وهي تعلم أنه لا يقصد بتعازيه موت ٱمها قبل شهرين بل شيئا آخر .

تكلمت وهي تلفظ الكلمات بين أسنانها

- لو لم ترفض الخطوبة بيننا التي إقترحها أخي عليك قبل عدّة أشهر لما استهدفني ذاك الرجل !"

صمت كلا الشابين بتعبير معقد وهما يلاحظان محاولاتها كبت نفسها بشق الأنفس من أجل عدم الإنفجار .

- الخاتم لا ، الأثر المختوم هل هو منه.. ؟" خرج صوت جايدن بعد برهة .

- لا !!! يجب أن تقول أنه القيد الذي وضعتموه جميعكم حول رقبتي !!!!"

صرخت فجأة مقاطعة إياه ثم استدارت وهي تحبس دموعها ، تكلمت بصوت هزيل وكأنها ورقة شجر مهزوزة وسط عاصفة.

- أنا لست ورقة مساومة ...لذا تذكرا وعدكما.

مهما كان ، عليكما تحريري ، سواءً من أبي أو قبضة "شارلز دي بريتيا" !

أو أنّي سأحرص بنفسي على قلب تلك المملكة وتحويلها لفوضى !" دلفت آخر كلماتها نحو الشابين وهي تسير عائدة نحو القاعة.

-آسف .."

كان الشيء الوحيد الذي خرج من فم جايدن ،لكنه لم يصل أبدا لٱذنيها ....

2022/03/02 · 194 مشاهدة · 1317 كلمة
Kirara
نادي الروايات - 2024