-هوه ! لقد رحلوا !"
أخرج ثيودور رأسه من خَلفِ مبنى مُدمر وهو يفحص المكان حوله.
لقد مرَّت ثلاثة أيام مُنذ أنْ بدأ الناسُ مُطاردته بجنون. بالكادِ نجى بعد أنْ هرب مُسرعا بآخر مرة !
كان من حسن الحظ وجود الآثار المختومة المتجِّولة هنا وهناك وإلاَّ لتمكَّن الحشدُ من القبض عليه بسرعة.
-زاريل أيها الوغد!"
صر أسنانه بعد أنْ أدرك أنه تمَّ خداعه!
بشكل ما، استخدم الأخيرُ جسده للقيام بعدّة سرقاتٍ وهاجم كثيرا من الناس، أدرك هذا بعد كلُّ الشتائم التي تلقاها والتي استهدفت شخصه.
لا يُعقل أنَّ الجميع كانوا مُتوهِّمين عنه أليس كذلك ؟ إلاَّ إذا كان دايان هو من فعلها وإختلط عليهم الأمر لأنه يُشبهه.
ولكن بعد تذكُّره كُلَّ الأسلحة التي وجدها قُربه عند استيقاظه ،نفى هذا بسرعة.
- لكن لِمَا تحوَّلت الآثار المختومة لأسلحة عاديةٍ بعد ذلك ؟!" لم يستطع الإجابة على هذا السؤال ومهما نادى زاريل، لم يرُدَّ الأخير عليه ، لم يعرف شكله أو إذا كان حقا شخصا حقيقيا أو كان سيقوم بمطاردته.
تنهد بهدوء قبل أنْ يجلس على صخرة سوداء للراحة .
تسبَّبت المعارك العديدة التي خاضها في أنْ يتكيَّف مع عُنصره الجديد أسرع.
كانت هالته تستقرُّ بسُرعة، وما تطلَّب عادةً منه شهرا إلى شهرين لتحقيقه، كان الآن يلوح بالٱفق ! قد تستقر هالته تماما قريبا !
بالطبع لم يكن هذا السبب الوحيد لهذا التطور.
نظر لشظايا الأثر المختوم قُربه ولم يسعه سوى الإبتسام .
لم تكن الأسلحة الكاملة فقط هي الموجودة بالمدينة. عند هَرَبِه اليائِس قبل أيام وإصابته بشدّة، استخدم ييغرو لإمتصاص أيِّ معدنِ أثيرٍ قريب لأجل شفاء نفسه ، ولكن لمفاجأته ، كان ما امتصه هو شظايا لأثرٍ مختومٍ مُدمَّر .
في لحظات، ارتفعت قُوته البدنية كثيرا ،في حين أنَّ جراحه شُفيت في لمحة.
ناهيك عن هذا، كان يَجدُ أنَّ طاقته غير المُستقرة بعد امتصاص جوهر الظّلِ كانت تستقر بسرعة أكبر !
لهذا بالأيام السابقة، حرص على تفتيش كُلِّ جُزءٍ من ساحة المعركةِ القريب بحثا عن شظايا أسلحةٍ مختومة. لقد استخدم الحشد الذي يُطارده جيدا وقَادَهم لإلهاء الآثار المُتجوِّلة.
كان ييغرو بجُزءه الخامسِ الآنؤ قادراً على تغطية جسده كاملا تقريبا. لذا فقد جعل هذا سُرعته بعد تزويده بعنصر الرياح تصل إلى ذروةٍ غير مسبوقة.
كان الآن أسرع من أيِّ وحشِ بلَّور من نوع الرياح النادر !
لذا بالكاد استطاع أيُّ شخصٍ اللَّحاق به أنْ ركَّز على الهرب فقط !
- جولة ٱخرى من البحث وسأستطيع جعل هالتي مُستقرةً تماما !"
كان مليئا بالتّوقع والإثارة لذلك ! هل كان نُقصه لبلَّور واحد هو ما منعه من الإختراق للشمس الٱولى سابقا ؟ سيعرف هذا فقط بحلول نهاية اليوم !
جعل ييغرو يمتصُّ الشظايا التي حصل عليها قبل أنْ يخرج من مخبئه بحذر.
كانت عيناه تحتويان على أكياس سوداء من قلَّة النوم بالأيام الماضية. لم يكن هذا فقط لأنّه كان مُطاردا، بل لأنَّ أحلامه بشكل غريب صارت فوضوية بشكل كبيرٍ مُنذ الحُلم الأخير عن كايل !
لم يعد يستطيع إغماضَ عيناه بشكل صحيح جرّاء الصُداع الذي سينتابه بعد ساعات قليلة من النوم.
حاول تشتيت انتابهه عن صُداع رأسه وركّز حوله، كان قادِرًا من مكانه على سماعِ صوت عدَّة معارك تحدث في أجزاءَ مُختلفة من الأطلال.
بسبب ما حدث مع مطرد الٱورك سابقا، حرص على جعل ييغرو يطير بالمُقدمة لتجريب خط السير هذا قبل استخدامه.
إن اندلعت أحدُ الآثار فجأة وهاجمته ، سيستطيعُ سحب ييغرو بسرعة والهرب.
لم تكن الآثار غيرُ المتحركة مشكلة كبيرة. ما كان مُزعجا حقا، هو تلك التّي تتجول بالأنحاء.
مثل ذاك الشيء هناك !
إختبئ ثيودور بسُرعة متجنِّبا طريقَ مُرور الأثر.
كانَ قوسا ضخمًا بطول سبعة أمتار يطيرُ حول ساحة المعركة بين الحطام. أينما شعر بحركةٍ ما، فإنه يقوم بقذفِ سهامه مُحطما المكان كاملا.
أسوء ما في الآثار المختومة بنظر ثيودور أنّها مُتغيرة الأحجام بحُرية. يمكنها مُضاعفة حجمها مِمَّا يتسبّب في دمارٍ هائل.
بالطبع كانت القوة جرَّاء ضربتها أقلّ من تلك عندما تكون صغيرة الحجم، حيثُ يتمُّ ضغطُ طاقتها في مكانٍ أصغر ولكن مُتفجر بشكلٍ أكبر.
- فقط ٱعبري بسلام !" تمتم وهو يرى الأثر يطير بجانبه، عندما توقف الأخير فجأة !
حبس ثيودور أنفاسه وقام بتوزيعِ ييغرو حتى صار أشبه ببذلةٍ غطّت جُلَّ جسده عدى رأسه .
كان سيَفِرُّ إنْ هاجمت الأخيرةُ بأيِّ شكل !
بالفعل بعد توقُّف القوس ، اندلعت هالة الأثير حوله وتجمّعت في شكلِ سهمٍ أنيق من الطاقة، ثم أطلقه مثل الوميض !
-سيء !"
لم يكن المكان الذي تم اطلاق السهم مُوجها صوبه ، لكن صوتُ الإنفجار الذي تسبّب به ، جعل أثرا آخر قريبًا كان يمُرُّ يتَّجِه هنا !
-لن يكون من الجيد إنْ كنت محاصرا !"
أمر ييغرو بتفعيل عنصر الرياح حول البذلة وانطلق راغبا بالهرب !
لكن فجأة، إلتف خيط من الماء حول خصره مانعا إيَّاهُ من الإبتعاد !
-من ؟!" عاد للخلف بدهشة عندما شاهد وجها مليئا بآثار الخُدوش والغبار جرَّاء هربها بصعوبة من الهجوم قبل قليل.
-وينيا ؟"
كان وجها تعرَّف عليه ثيودور بلمحة ، كانت العدوّ الذي كادَ يقضي عليه بآثار كاراس بعد كُل شيء .
- اركض ماذا تنتظر !" رفعت وجهها نحوه بغضب.
لم يعرفْ ثيودور إنْ كان عليه الضحك أم البكاء ولم يستطع إلاَّ أنْ يستجوب
-آنستي هل أعرفك ؟ لماذا عليَّ أخذك معي ؟"
-همف !" أخرجت شيئا من جيبها ولوحت به أمام ثيودور.
-من الأفضل أنْ تفعلَ كما أقول ! أعلمُ أنَّ الجميع يُلاحقك، رفاقي قريبون من هنا وبإستخدام هذا، أستطيع الإشارة إلى مكاني ! هل تُريد أنْ يتجمعوا عليك ؟"
ارتجف ثغر ثيودور، هل تُهدده الآن ؟
كان سيأمر ييغرو بقطعِ الخيطِ حول خصره، عندما شاهدَ أثراً ثالثا يتَّجِهُ صوب هذه الفوضى !
-إنسَ الأمر !" صرَّ ثيودور على أسنانه. إنْ أمر أحد أجزاء ييغرو بالإنفصال عنه الآن، فلن يستطيع تحقيق ذِروةِ سُرعته !لن يستطيع الهرب بعد ذلك !
أمر ييغرو بالتّحرك واندفع بجسده ساحباً وينيا معه من الخلف !
-دافعي !!" صرخ نحوها عندما شاهد سهماً يُقذف نحوهم.
-تمزح صحيح إنه أثرٌ مختوم !"
-لا أستطيع الهجوم كما ترين وأنا أهرُب ، هل تريدين أنْ ندفن معا !"
-البشر عديمي الفائدة " قالت وينيا بإشمئزاز حين صرخت
-دوامة الماء !"
تكوَّنَ الأثيرُ في دوامة كبيرة من الماء فصلتهم عن الهجوم.
إصطدم السّهم بالدوامة التي حاولت إبتلاعه بدورها، لكنّه لم يلبث إلا ثوانٍ قبل أنْ يُحطمها !
-هذا الشيء !" عبست غاضبةً وهي تستدعي عدّة دوامات ٱخرى مُحاولة إيقافه.
كان ثيودور مذهولا من قُدْرَةِ الأخيرة.
عكس البشر كان أجناسُ الوحوش بعد وصولهم أول شمسٍ يقومون بتحوُّلٍ نوعيٍ حسب سلالاتهم !
سترتفع قوة الوحوش مع السّلالات الدُنيا لتطابق قوّة البشر مع بلّورة وحشٍ ذو تصنيف "مختلف"، في حين أنَّ السلالات الأعلى سيرتفع تصنيفها حسب ذلك !
ما أظهرته وينيا الآن كان بوُضوح قوّة مطابقة لبلور وحشٍ نادر !!
-هذا خطير !" تمتم ثيودور في نفسه، إذا لم يكن بسبب الآثار التِّي تُطاردهم لكان قامَ بقطعِ الخيط والهرب من وينيا !
كانت قوتها أعلى منه ولن يستطيع مُواجهتها في معركة مباشرة ! زاد ييغرو من سرعته لنفسِ تصنيفها ولكن ليس مُستواه.
-بشري ! أسرع أكثر و إلاَّ سنموت هنا !"
صرخت نحوه ولم يسع ثيودور إلاَّ الإسراعُ والقيام بعدّة إلتفافات بين الأبنية ،محاولا منع الآثارِ من تتّبُعهم.
-ليس من هذا الطريق !" صرخت وينيا فجأة !
-لماذا ؟"
-رفاقي هناك !"
إرتبك ثيودور ، لماذا قد تمنعه من التّوجه لرفاقها ؟ ألن يكون هذا أفضل لها ؟ستستطيعُ الهرب بمساعدتهم وحتّى سيكون لها القدرة على الإنتقام منه.
-بشري لا تُفكر كثيرا إنّه ليس الوقت لذلك ! فقط إفعل ما أقوله !"
أشارت للإتجاه المُعاكس
-دعنا نذهب من هناك !"
رفع ثيودور حاجبه، آخر مرَّة سمِعَ هذه الكلمات كانت من زاريل وقد انتهى به الأمر مُطاردا من قِبلِ كلِّ منْ بالمدينة ، فهل تعتقد أنّه سينفّذُ ما تقوله ؟"
تجاهل كلامها وتابع السير بنفس الطريق.
-صدقني ستندم على هذا !" صرخت غاضبة نحوه وهي تُدافع مُجددا ضدَّ الهجوم الذي شنَّهُ القوس .
حتى لو قالت هذا. كان ثيودور قد اختار الطريق بالفعل ولن يستطيع العودة للخلف وإلا سيصطدم بالآثار !
بالكاد مرّت عدّة دقائق حتى لمح مجموعةً مْن طُلاب كاراس وجنود أكوامارين يتجمّعون بالأمام .
-هاهي ذي !!" صرخ أحد جنود أكوامارين عندما لمح وينيا مع ثيودور.
وعكس ما ظنّه الأخير، لم يقُم الجنود
بمُساعدتها بل استدعوا الأثير ورموا بهجماتٍ مُختلفة نحوهما .
- هل هم مجانين !" ذهل ثيودور ، لقد أخذ فرضية وجود حشدٍ من أكوامارين هنا.
اعتقد أنّه يستطيعُ استغلال اِنشغال وينيا بالدفاع ضد الأثر ومُهاجمتها بغتة، ثم أخذِهَا رهينةً قبل أنْ يتفاوض على تركه يمُرُّ بسلامٍ ليُطلق صراحها.
بالأحرى ، كان يُريد جعل حشد كاراس هذا هو الطُّعم لإلهاء الأثر ثم اسغلال الأمرِ كالعادة والهرب .
من كان يظنُّ أنهم سيهاجمونهما فور ُرُؤيتهم لها .
-ألستم في نفس الجانب ؟" لم يسع ثيودور إلا أنْ يسأل.
-الأحمق ، أخبرتك أنْ لا تتَّجِه هنا منذ البداية !"
سحبت الدوَّامات التّي تصُدُّ هجوم القوس وانسحبت تاركةً السّهمَ يمرُّ باتجاه ثيودور.
-هل فقدت صوابك !!"
هرب ثيودور مُتجنِّبا إيَّاهُ بسرعته الكبيرة، وترك السهم يمُر ليصطدم بهجوم كاراس والجنود.
- وينيا تعالي هنا !!" دلَفَ صوتٌ عالٍ نحو الإثنين فجأة قبل أنْ تأمر وينيا بسعادة.
-اتجه نحو الصوت !"
-الكلام أسهل من الفعل !"
تفادى ثيودور عدَّة هجماتٍ وأخذ وينيا معه مُتسلِّقا إحدى المباني المُدمرة.
-اسرع إنّه بالأعلى !" حثَّت وينيا لكن ثيودور لم يسعه إلاَّ العبوس.
كانت الأخيرة تُشير نحو غُرفة بإحدى الطوابق المتهدِّمة. لكن مِنْ مكانهِ استطاع ثيودور أنْ يقول أنْ لا أحد كان هناك !
-هل أنت متأكدة ؟" كانا الآن مُحاصرين مِن كِلا الإتجاهين وسيكون تضييعُ وقتهما عبثًا مُجرَّد مخاطرة كبيرة.
-فقط إصعد، ستفهم مائن نصل !!"
قرَّر الإستماع لكلامها هذه المرّة وتسلّق اخيرا ووصل الغُرفة.
كانت فارغة تماما كما شاهد قبلاً لكن وينيا خلفه دفعته فجأة للأمام.
-اسرع وادخل لا وقت لفحصك !"
شعر ثيودور بعد أنْ خطى للأمام أنّه تجاوز حاجِزا غير مرئي تماما.
نظر حوله. كان بنفس الغُرفة لكن هذه المرة، كان هناك شخصٌ يُحدق به بغضب .
- الأمير ناثام ؟" تساءل بدهشة عندما تقدَّم الأخير نحوه ولَكَمَه !!
-----------
فصل آخر بالمساء :) ✨