تفادى ثيودور اللكمة بسرعة وسأل.
-ما بالك !!" لقد كانت أوَّل مرَّةٍ يلتقي الأخير لكِنّه اِندفع فجأة لضربه.
-ٱوه !!! أَوْ لا !؟"
نزل العرق البارد من رأس ثيودور ، هل يُعقلُ أنَّ زاريل فعل شيئاً لسلالةِ لونا هذا.
بالفعل لم يلبث الأخير أنْ حدَّق به بعيون كريستالية غاضبة للغاية.
-لديك الشجاعة لجعلني أراك ثانية !"
تراجع ثيودور للخلف عندما رسم ابتسامة مُحرجة
-هل تعرفني أيها الأمير ؟"
رسم الأخير ابتسامةَ سُخرية وهو يرفع يده صوبه مُظهرا شرارات كهربائية إلتفَّت كالثعابين حول يده قائلا.
-لا زلت تكذب أمام وجهي مباشرة، كيف يجرؤ منفِّذ قانون من الإتحاد على خيانة أحد أفراد العائلة الإمبراطورية!"
-منفذ قانون؟ أنا ؟ " شعر ثيودور بالدوار، ما الذي أخبره زاريل لناثام ليظُنه مُنفِّذ قانون ! هل كان هناك منفذ قانون بعمره حتى ؟
-سموّك اِهدأ، لا نزال بوسط ساحة معركة"
اندفعت وينيا مُذكرة إياهما فجأة، في حين رفع ثيودور عيناه لوينيا بذهول.
-هل قالت تَواً سموك ؟"
لم يكن إجراء شكليا ، كانت وينيا تُخاطبه كشخص أعلى منها مكانةً حقا !
رغم مكانة ناثام كأمير، لم يكن من المنطقيِّ أنْ يُناديه فردٌ من بلدٍ مُعادٍ بإحترامٍ هكذا.
- ما الذي حدث بالعالم ؟" كاد ثيودور أنْ يقوم بالصراخ. منذ استيقاضه، شعر أنَّ العالم تحوّل لفوضى تامة !
- لماذا تنادينه هكذا !؟" جرف بصره إليها سائلا.
رفعت الأخيرة عيناها نحوه بإستغراب قائلة
-ألم تُعلن كونك ستصير تابعاً معي لسمُوه منذ أيام ؟ كيف لا تذْكر ذلك ؟"
هل هو بوهم ما؟ وإلاَّ لما يرى ويسمع هذا ؟ نظر ثيودور حوله قبل أنْ يرسُمَ أجمل ابتسامةٍ مُعتذرة استطاع صياغتها
- عذرا لكني أصبتُ رأسي قبل أيام ، أنا لا أذكر ما تقولينه !"
- هل حقا ؟ هل ٱصبت بتلك المعركة مع دراكوك" نظر إليه ناثام بشكٍ وهو يُخفض يده.
-نعم أنا لا أذكر حقا !" نفى ثيودور بجدية رغم كونه يبكي من الداخل ، هل خاض معركة مع دراكوك حتى ؟
إن رأى زاريل هذا مُجددا فسيقوم بتشريحه !
تدخَّلت وينيا في حوارهما قائلة
-دعنا نُغادر هنا أولا ، يمكن لي إعادة شرح ما حدث لك لاحقا !"
تمتمت عندما شعرت بإهتزاز الفضاء الذي هم فيه.
كان بإمكان ثيودور رُؤية الأشخاص من أكوامارين الذين اشتبكوا مع الآثار المختومة بالأسفل ، لكن يبدوا أنَّ الأخيرين لم يروهم يقفون هنا ! مع ذلك لا يزال البعضُ يُهاجم المبنى بعشوائية.
وافق ثيودور بإيماءٍ مِمَّا جعل ناثام يهدٱ كذلك.
سحب الأثَرَ الشّبيه بندفة الثلج على كُمِّ ردائه قائلا.
-لن يصمد أثرُ الفضاءِ الفرعي هذا طويلا مع تلقِّيه العديد من الهجمات. سيتِمُّ كشف موقعنا إنْ لم نتحرك الآن "
فهِمَ ثيودور أخيرًا لِمَا شعرَ أنّه عبرَ حاجِزًا غير مرئي قبل قليل ! كما هو متوقعٌ من أمير! كان يَحْمِلُ معه عدّة أشياء مُفيدة !
غادَروا بحذرٍ مُتتبِّعين الممر المُتصل بالغرفة ثم ساروا فيه حتى خرجوا من الطرف الآخر للمبنى .
ركضوا طويلا مُبتعدين عن كاراس والآثار .
سار ناثام بهم حتى وصل إحدى المباني ودخل قائلا
-لنأخذ استراحة هنا ، عليّ التأكُّد إنْ كان فُرساني بمكان قريب !"
أومأت وينيا ودخلت يتبعهم ثيودور. أرادَ أنْ يُقيِّمَ الوضع من أفواههم أولاً قبل أنْ يُقرِّرَ ما يفعله تاليا .
سُرعانما جلست وينيا بأحدِ أطراف الغرفة وبدأت علاج إصاباتها، في حين أنَّ ناثام غادَرَ للبحث عن فرسانه كما قال.
إعتقد ثيودور أنَّ هذا الأمير كان مدروسا وغير متعجرف، سيسمح له أثرُ الفضاء الفرعي بالبحث دون الكثير من الإزعاج.
خرج من شروده واتجه صوب وينيا .
- هل يُمكنكي إخباري بما حدث بالأيام السابقة ؟ أعني منذ إعلان رغبتي بالإنضمام إليكم "
رفعت الأخيرة بصرها نحوه بريبةٍ وكأنّها تحُاول فحص ما إذا كان لا يكذب حول فُقدانِه الذاكرة حقا.
عندما شاهدت الجدِّية على وجه ثيودور لم يسعها سوى ترك ضحكة بسيطة.
-هل فُقدان الذاكرة يجعل من تصرُّفات البشر مختلفة ؟"
-ماذا تعنين ؟" رفع ثيودور حاجبه في حين ضيّقت هي عيناها.
- بالواقع ، إذا كان عليَّ وصفُك بالأيام السابقة، فأفضل كلمة هي " مجنون" و "عابثٌ محبٌ للفوضى"
-ماذا !؟"
-دعني أعود للبداية ، بعد ثلاثة أيام من ولوجِنَا المدينة. اقتحمتَ وسطَ جُنود لونا وافتعلتَ فوضى هائلة، حتى أنّك سرقتَ العديد من الفرسان !
بالنهاية تم القبض عليك بعد مُحاصرتك بصعوبة .
عندما كان سيتمُّ إعدامك بتهمة مُهاجمة الجنود حتى رغم كونك طالِبًا. صرختَ فجأة نحو الأمير ناثام أنّك تُريد أنْ تُصبح تابعا !"
-وهل وافق الأمير بسهولة على ذلك ؟"
جعّد ثيودور ملامحه ، اعتقد أنَّ زاريل تمادى كثيرا بتصرفاته. لقد بدأ يظنُّ أنَّ الفوضى بإسمه أسوءُ ممَّا اعتقد.
-لا لم يوافق بالبداية ، لكنك أشرت إليَّ قائلا أنّه من الغريب وُجود عدُوٍّ كرفيقٍ للأمير. ولأنِّي كُنت متخَفِّية ، أمَرَ الأمير بمُحادثةٍ منفردةٍ معك.
كنت حاضرةً بذلك الوقت، أنتَ قُلت فجأة للأمير ناثام أنك تُريد أنْ تُصبح تابعا وأنّك مُنفِّذ قانون متدرِّب من الإتحاد.
حتى أنَّك أريتهُ قُوَّتك وأخبرتهُ عدّة أشياء َ عن البرج لا تعرفها سوى المُستويات العُليا ."
توتر ثيودور، آخرُ ما كان يُريده هو وَصْلُ قُوَّتِه مع البرج. من كان يعتقد أن زاريل سيورطه هكذا.
تساءل كيف استطاع الأخيرُ استخدام سُلطاته بجسده. فحسب كلامِها فإنَّ الأخير لم يستخدم ييغرو !
-بالنهاية ، وافق الأميرُ ناثام على ظمِّك لنا، لكنك خُنتَ ثقته أكثر من مرة ! "
- ماذا فعلت ؟"
- أولا أخبرتَ الأميرَ أنّك شاهدت شالينريزر يتآمر حول السلاح الٱسطوري وأنّه وجده.
ثم بإتِّباعِك. قُدت فُرسان لونا الذين رافقوا الأمير وأدخلتنا بفَخٍ بهِ عشراتُ الآثار المختومة الهائجة.
ٱضطررتُ للهرب مع الأمير والقليل من فُرسانه في حين بقِيَ الباقي لصدِّهم،
بعدها قُلت أنَّ الأمرَ مُجرَّد خطأ. وبإتباعك ثانية، عثرنا بالفعل على دراكوك ، لكن إنتهى بنا الأمرُ محاصرين !
نشبَتْ معركةٌ كبيرةٌ بيننا وعندما كاد دراكوك ينتصر، وصلت بشكلٍ غريبْ عدّة آثار مختومة هائجة مرة ٱخرى نحونا مع عشراتِ المستكشفين !
كلُّ ما سمعناه بعدها هو وُجود لصٍ بالمدينة، انتهزَ المعارك وسرَقَ الآثار المختومة من الجميع بعد استغلالهم في حبسها "
نظرت وينيا نحوه.
-سموه ظنّ أنّك من فعل هذا بسبب اِختفائك والفوضى التي تسببت بها قبلاً"
-هاها، أنا؟ مستحيل أنْ أفعلَ ذلك !" ضحك ثيودور بتوتر ورسم أكثر إبتسامة بريئة يستطيعُها.
رغم أنه ليس تحت سيطرة زاريل الآن، لكنه بشكل غريبٍ استخدم نفسَ التكتيك باليومين السابقين ، تساءل عمَّا إذا كان زاريل ترك آثاره على نفسيّته .
-أظُن ذلك أيضا " شخَرَت وينيا بسخرية فيه وعادت لتضميد جِراحها.
-إذا ؟ لماذا انضممت أنتِ للأمير ؟ ألست من أكوامارين ؟"
توقفت يدُ وينيا عن التضميد وصمتت طويلا ثمَّ أجابت بعد أنْ عادت لِمَا كانت تفعله.
- عندما زار وفدُ كاراس عاصمة لونا ، رافقتهم. لقد أمرني الرائد أنْ أبقى بأحدِ الفنادق بما أنني لا استطيع دُخول القصر"
شردت وكأنه تعود بذاكرتها لذاك اليوم ثم تابعت.
-عندما كُنت وحدي ، اِقتحم شخصٌ مُلثَّم غرفتي فجأة ، لقد سألني إنْ كنت ٱريد الإنتقام !"
-انتقام ؟" سأل ثيودور بإرتباك
لم تجبه وينيا لكنها تابعت
-لقد قال أننا متشابهان جدا ! ولأنَّ أهدافنا نفسُها ، أراد تجنيدي بصفِّه !"
شخرت بضحكة .
-يُمكنك تخيُّل ردّي حينها ؟ "
-رفضت ؟" ظنّ ثيودور أنَّ هذا هو التصرف الطبيعي ، لكن وينيا وسَّعت ابتسامتها أكثر في مرح.
-لا ! لقد وافقت ! نعم بكُلِّ هذه البساطة ، إذا كان لشخصٍ أنْ يَصِلَ إليَّ ويسألني هذا بكُلِّ جُرأة رغم معرفَتِه بعدُوي، فسيكون إمَّا مجنونا وإما شخصا قادرًا حقًا على دعم كلماته"
رثت بحسرة
-شخصٌ يائسٌ مثلي.... هذه الكلماتُ الّتي صدَرَت من فم أحدٍ إليهِ فجأة ، سيكون من السُّخف رفضُها"
عادت لهدوئها قائلة
-ويبدو أنني محظوظة، هذا الحليف الذي ظهر فجأة ! كان أميراً لدولةٍ معادية ! لقد أتى بنفسه ليدعوني لٱصبح في صَفه "
رفعت رأسها نحوه بعينان هامدتان ولكن بابتسامة أكثر ما يُقال عنها مُشرقة لكنّها تخفي الكثير من الألم.
- تخيّل! قال أنّه يُريد أنْ يُصبح الإمبراطور التالي! هاها! ما مدى جرأة تِلكَ الكلمات في مُواجهة إمبراطورٍ دمَّر نِصفَ بلدٍ فقط لأنّه لم يعجبه ! لكنني قررت أنْ ٱومن به !
بالواقع لم أحتج شخصا منطقياً ! هدفي ليس بتلك السهولة كذلك ! لقد احتجت شخصا يُمكن أنْ يدعم ٱمنياتي المستحيلة بنظر الآخرين !"
واجهت عيون ثيودور الزرقاء بوضوح
-وكان الأمير ناثام هو هذا الشخص !"
-هل ستخونين بلدك ؟" لم يستطع ثيودور الفهم. مهما كان ، أكوامارين لا يزال موطِنها .
-هاها ، ٱنظر إليك جعلتني أضحك !"
-بشر !!" قالت بحدّة
-البلدُ الذي تتحدَّثُ عنه ، أصدَرَ قائِده أمراً بقتلي بالآثار ! وإلاَّ لِمَا تعتقد أنَّ رِفاقي قد ينقلبون عليَّ فجأة !"
حدق ثيودور بها بذهولٍ وهي تروي هذه الحقائق من فمها بسهولة.
- أكوامارين لم يعد موطِني ! بالأحرى ، لم يعد لي شيءٌ يربِطُني بذاك المكان.
لقد رفضني هذا الوطنُ منذ وقت طويل بالفعل! "
انتشر الصمت طويلا بينهما، عندما دَلَف صوتُ ناثام الذي دخل باب المبنى فجأة.
-لم أعثر عليهم ، لا شَّك أنّهم اِتجهوا صوب النجم كذلك، من الأفضل أنْ نتحرّك لهناك"
توقف عن الكلام وهو يرى الجوَّ الغريبَ بين الشخصين.
-ما الأمر ؟" سأَلَ وينيا.
-لا شيء سموك ، كنت فقط ٱخبر رفيقي هنا عن تطلعاتي المستقبلية ، خاصة بما أننا سنصير رُفقاء بالمستقبل !"
-هل حقا ؟" أومأ ناثام قبل أنْ يتقدَّم نحوهم.
-من الجيد أنْ أرى تابعييَّ على وفاق !"
إلتقت عيون ناثام بالخاصة بثيودور عندما صمت لوهلة قبل أنْ يتكلم.
-لقد أخبرتك هذا قبلا لكنّي أفترض أنّك نسيتَه، أنت حقا تُشبه شخصا أعرفه !"
-هل حقا ؟" ردَّ ثيودور بابتسامة مُتكلِّفة، لم يفهم غرض الأخير من قول هذا ، لكن بطريقة ما. لم يشعر أنَّ الأمر يحمل حُسن نيةٍ، لذا لم يستجوب عن هويّة الشخص.
غيَّر الموضوع قائلا للإثنين.
-سأخرج للإستكشاف قليلا ، يُمكنكَ الرّاحة بما أنّك عدت الآن "
لم يُتابع ناثام الأمر لكنه أومأ مُوافقا وهو يرى جسد ثيودور يبتعد خارِجَ المبنى.
ضيّق عيناه قليلا حينما تمتم
-لم يقم بأيِّ ردِّ فعل، هل شكوكي مبالغٌ بها ؟"
°°
من ناحية ٱخرى ، ثيودور الّذي خَرجَ من المبنى ، توارى بين حطام المباني وأمرَ ييغرو بأنْ ينسحِبَ من جسده.
كان لا يزال الأخير أشبه ببذلةٍ زرقاءَ فاتحة على جسمه، ولم يُزحه حتى الآن.
بالبداية كان ذلك من أجل الهرب بأقصى سرعةٍ بأيٍّ وقتٍ من وينيا.
ولكن بعد سماعِ أنَّ زاريل أخبر ناثام عن كونه مُنفِّذ قانون ، حرص على عدَمِ جعلهم يرَوْن ييغرو خوفا من أنْ يُكشف.
سيُضطرُّ إلى تمثيل دورِ مُنفّذ القانون حاليا وإلاَّ سيعلمُ ناثام أنه لا ينتمي للإتحاد وأنَّ أحدَ جواهرهم قد تم تسريبها.
بما أنَّ مُنفذي القانون يحصلون على هذه السلطة من جواهرهم فهذا يعني إمكانية استخدامهم عُنصراً آخر، والذي كان ما حصلوا عليه عندما قاموا بالإيقاظ .
لكن ثيودور سَبَق وقاتل وينيا في شكل مُتحكم أثير وهي تُدرك هذا.
لذا لم يسعه سوى تقييد نفسه، لا يجب أنْ يُقاتل كفارس !
تنهّد بهدوء وهو ينظر للنّجم البعيد. أراد الهربَ لإيجاد رفاقه، لكنه إعتقد أنَّ الفوضى التي تسبّب بها زاريل كبيرة جدا.
سيتجمَّع أغلبُ المتنافسين عند النّجم البارز، لذا سيحتاج دعمًا قوّيًا مثل الأمير لحمايةِ ظهرهِ من الحشدِ الغاضب، وإلاَّ سيتمُّ مُطاردته دون فترة للرَّاحة . ربما حتى بعد خروجه من هنا!
-أتساءل كيف حال الفريق ؟ " قال ثيودور بهدوءٍ مع قلبٍ مُضطرب.