-معك حق في هذا !"
ارتفع شعر جسده كله على وقع الصوت المفاجئ ليسمع بعدها وقع خطوات طويلة تمشي نحوه من الظلام العميق للغرفة
-فقط ..من !؟"
رفع الشكل يده نحو صدره وصمت لثلاث ثوان ،
لقد كانت التحية المعتادة في بروتوكول الآداب لامبراطورية لونا،
لكنها كانت بطريقة ما أكثر اعتيادية لعينيه من أي وقت مضى مذ أنه تعرف على الشخص أمامه
-السيد ليوبارد !!"
هتف بهذا في صدمة
-السيد الشاب .."
ابتسم الرجل قُبالته بود وأدب كعادته حتى كاد ان يقسم انه شعر بذوبان البرودة في ظلام هذا المكان
-ماذا تفعل هنا ؟"
سأل معلمَه صارخا حتى انه تجاهل الوقاحة في نبرت سؤاله وصوته.
لم يعقب ليوبارد على سؤاله مباشرة بل عاد ببصره نحو الخلف
بالكاد سمح ضوء المصباح الطفيف لثيودور ان يتتبع العيون الخضراء الغامضة وهي تنضر نحو الكرة الطافية في الهواء ،
-مستحيل ! أنت ايضا ...؟"
نظر نحو الضباب الخفيف المحيط بمعلمه وتساءل خائفا
هز الأخير راسه نافيا على سؤاله في حين اجابه متابعا
-لست كذلك على الأقل هذا ما أظنه ! "
-تظن ؟"
تمعن ثيودور في الاجابة الغريبة حائرا
-انا مختلف عنهم .. على الأقل في كل الأشياء عدى حاجتي الشديدة للأثير مثلهم ، حسنا كان هذا سابقا .."
-سابقا ! إذا ماذا عن الآن ؟
-لم أعد كذلك ، على الأقل منذ نصف عام "
-اذن ، هل تعني أنك تستطيع التحرك بحرية ؟
-همم ليس تماما ، ما لم أتلقى أوامر محددة ، مثل تدريسك مثلا"
- تدريسي ؟"
رفع ثيودور حاجبه المتشنج متسائلا
-هل أمرك رئيس الخدم؟"
هز رأسه مجددا نافيا
-لست أعلم .. أشار إلى راسه بيده
-تظهر الأوامر في دماغي فجأة"
جفل ثيودور في إدراك
-هل امرك احد بتتبعي ؟"
-ليس حقا .." أشار ليوبارد بيده حوله
-إنه المكان الذي نبقى فيه عادة .."
شعر بالحرج لمّا علم أن ما كان يقصده ليوبارد أنه اقتحم مكان راحتهم فجأة .
حاول تجاهل وضعه بسؤال آخر
-هل تعلم من هم ؟ ولم جميعكم هنا ؟"
رفع ليوبارد حاجبه لما شعر بالصراع في سؤال تلميذه
-يجب ان تعلم انهم دمى أليس كذلك ؟ لست واثقا من هويتهم لكن عني، أعلم أني مختلف ...لست شخصا ميتا بالفعل بل مجرد استنساخ أثير.
-استنساخ ما هذا ؟"
-حسب المعلومات في رأسي فهي مهارة يتمتع بها اشخاص من الرتبة الخامسة و أعلى . تسمح للشخص بفصل بعض أثيره لتشكيل نسخة من الطاقة، عادة ما تنحصر مرات استخدامه على نسخة واحدة كل فترة لأن المهارة قد تضر صاحبها أكثر مما تنفعه"
رفع كتفيه بحركة لا تمت لسلوكه النبيل المعتاد بصلة في إشارة إلى نفسه الذي وقع بأيدي ما بدى انهم اعداؤه .
تساءل ثيودور لوهلة عما إذا كانت هذه شخصيته الحقيقية ،إلا انه ما لبث أن طرد الفكرة لما سمعه وصرخ في مفاجأة
-الرتبة الخامسة !! تعني الشمس الخامسة !! "
ٱصيب بدوار للحظة.
كانت رتب الشمس تشير إلى قوة الشخص في نظام الإتحاد ،
في حين أن نقاط النجوم الأربعة تشير إلى مستوى الشخص في رتبته ،بداية من النجم الأول كمبتدئ ثم الثاني كالمتوسط ،العالي، فالذروة على الترتيب.
قائد المستعمرة الكبيرة التي هو فيها والتي تحتوي على 7 مدن حسب كلام "بيلما " كان مجرد شخص بالكاد في شمسه الاولى .
من هذا يمكنك معرفة ما يعنيه قوة شخص في الشمس الخامسة ،
وقد كان استنساخ شخص كهذا يقف قبالته الآن ينظر نحوه بعيون هادئة .
ارتجف في هذه الفكرة، لكنه استجمع نفسه عند ادراكه ان الرجل قد خسر نُسخته لسيرينا ورئيس الخدم .
ابتسم مرتاحا رافعا بصره نحو معلمه مجددا ليقابل نظرته المسلية وكأنه قد رأى من خلال افكاره
شخر الاخير ببرود فجأة وقال ساخرا الى حد ما وكأنه سعيد بتحطيم آماله
-رغم أن ذاكرتي ضبابية ولا اعرف حتى من انا ،فيمكنني اخبارك بالتأكيد أنهم لا يستطيعون هزيمة "انا الحقيقي "اذا قاتلاه حقا وجها لوجه.
ارتجف مجددا لاعتراف معلمه الصارخ والنرجسي بقوته، إلا أن قطعة معلومات قد قالها لفتت انتباهه عن هذا ليسأل محتارا
-معلم ماذا تقصد بأنك لا تعلم من تكون اليس اسمك "ليوبارد" ؟"
نفى الأخير بانزعاج طفيف في صوته الذي عاد ليكون مهذبا بغير وعي.
-لا! كان هذا الاسم الذي اطلقه علي صاحب العمل لكنه بالتأكيد ليس اسمي الحقيقي ، لا تزال العديد من معارفي موجودة في ذهني واستطيع أن اقول أني نبيل من إمبراطورية لونا لكني لا اذكر اي شيئ شخصي عدا ذلك .
رفع رأسه ثم اشار بذقنه لحقيبة ثيودور
-كتاب "اساطير القارة القديمة" الذي تحمله هو من تأليفي ويحوي على بعض معرفتي ، لقد كان شيئا كتبته بدافع الملل بعد أن استعدت وعيي وتحكمي بنفسي منذ ثلاث سنوات ،
-إذن لهذا لم يكن بالمكتبة !! "
همس ثيودور لما تذكر شيئا فجأة
-يا معلم اذا هل تذكر اي شخص غريب قد زار القصر منذ اربع سنوات ؟"
-لا ، الذكريات قبل ثلاث سنوات لاستعادة وعيي هي ضبابية جدا وبالكاد اتذكر بعض الاشياء ، قد يُعزى ذلك عن فصل نسختي بالقوة عن تحكم الجسد الرئيسي .
قال وهو ينظر نحو كرة الأثر "ايشن "
-امتصاص الأثير المصفى عبرها قد سمح لي باستعادة القوة في جسدي وبالكاد ما عدت بحاجتها قبل نصف عام .
كان الأثير الذي تطلقه "ايشن " انقى بكثير من ذاك الموجود في الخارج لذلك كان امتصاصه مفيدا جدا له.
تنهد ثيودور بخيبة امل طفيفة لعدم قدرته على معرفة الغريب قبل اربع سنوات
-اذا يا معلم لماذا لم تهرب من هنا ؟"
ابتسم الرجل فجاة بغموض
-حسنا لماذا عناء الهرب فجأة وتلميذي العزيز قد يمهد الطريق لي "
-ماذا !! هل كنت تعلم، هل انتظرتني ؟
-ليس حقا .. اكتشاف هروبك وحده سيؤدي إلى فوضى كافية للسماح لي بالهرب ، الحاجز المحيط بالقصر ليس شيئا استطيع كسره بسهولة بقوتي المنخفضة حاليا دون تنبيه ثنائي الساحرة والعجوز حتى وهما بعيدين .
-أيضا...
توقف للحظة ليتابع بتعبير غريب قائلا هذا وكأنه يُعلم تلميذه بجدية
-حين تسرق قمصان الآخرين احرس على اغلاق الباب او اسرق بسرعة !
-انا ..ليس ..!!"
ارتفع اللون الاحمر ليغزو وجنتيه ،
لقد ترك الباب مفتوحا فقط لمراقبة الممر خارج الغرفة ، لكنه نسي نفسه عند مشاهدة قمصان الخدم متفاجئا بشدة بأن مثل هذه الخامات البسيطة موجودة في هذا العالم !
لم يكن بيده حيلة. في النهاية ،كانت كل ملابسه باهضة وغريبة الشكل والالوان في المقام الأول
-حسنا لقد أحسنت في ترك ملابسك القديمة ، لكن من الافضل ان تترك ذاك الحذاء هنا .
-تستطيع رؤيته !؟ نظر نحو حقيبته المغلقة وشعر بالدهشة ، اخذ حذاءه الوحيد منها وتركه ارضا
كان لا يزال يرتدي الجوارب الثلاث من قبل ولدهشته لم يكن عليها قطعة غبار واحدة . هو حقا لم ينتبه لذلك سابقا !
-ملابسك اليومية كلها مزودة بنقوش الأثير عليها لذلك تبدو غريبة ، بالطبع هذا يعود ايضا لذوق تلك الساحرة الغريب .
انزعج من مناداته لسيرينا بالساحرة باستمرار، في نهاية اليوم كانت لا تزال مربيته وكان واثقا أن كل ما فعلته كان لأجله لذلك بالكاد تحمل اهانات معلمه نحوها .
في النهاية كان المعلم على ما يبدو عدو سيرينا الذي احتجزته، لذلك حتى مع ادعائه أنه قد فقد ذكرياته ،فقد ذكّر ثيودور نفسه باستمرار ان يحذر منه
-لماذا علي ترك الحذاء اذن ؟ بما انه يحوي النقوش، أليس مفيدا ؟
-اذا كان للأيام العادية نعم ، لكن لاجل هروبك الكبير فبالتأكيد لا ! ،
عدى قميصك الداخلي وجواربك فعادة ما تحوي ملابسك الخارجية على نقوش اثير لتتبع مكانك، بالكاد ستخرج من حدود الغابة حول القصر حتى يرسل اشارة لمربيتك
-ماذا ؟"
هتف في مفاجأة ! لم يكن يدرك ذلك !! كاد هروبه الكبير ليكون فشلا ضخما حتى لو خرج من هنا
-حسنا إختر ! يكاد وقتك ينفذ ايها الصغير يقترب وقت الفجر من البزوغ ولم يبقى سوى ساعتين "
أشار للخدم او بالاحرى الدمى حوله
-لا اكاد أتحكم في حماسي لمشاهدة ما يحدث اذا استيقظوا ليجدوك هنا ! اشك انهم لن يخبروا رئيس العمل عن زيارتك اللطيفة.
-لكن كيف اخرج من هذه الغرفة !!
نظر نحو الإتجاه الآخر للقاعة كان لابد ان يكون هناك ممر آخر يقود للقصر من هنا والذي اتى منه الخدم .
كان لديه خيار العودة لكنه كان مصمما على الهروب .
-لا بد أنك دخلت من ممر سري آخر، اشعر بوجوده على الاقل خلف الجدار ، لكني لا استطيع العبور هناك بالقوة لأن هناك قوى غريبة لنقوش الاثير تحميه، لحسن الحظ يبدو ان هناك خيطا من الاثير منه حولك ، لذلك حسب استنتاجي قد تستطيع فتحه اذا ما فكرت بذلك "
تذكر بعد كلمات ليوبارد فجأة انه شعر بشيئ غريب حال دخوله الغرفة
فعل كما قال له واسشعر علاقته بالجدار من خلال الاثير حوله وفكر في فتحه ،
لدهشة ثيودور فتح باب للممر السابق بالفعل!
-رائع !!"
هتف متفاجئا نصفا بانجازه والاخر بقدرة معلمه على استنتاج الوضع من خلال بضع ملاحظات .
-لكن ايها المعلم ..تردد ثيودور متذكرا ممر النقل الآني المحطم .
ذُهل لما رأى الاخير يتجاوزه سائرا نحو الممر
-حدثني عن الوضع في طريقنا .."
حدق فيه ثيودور بحماقة للحظات ليدرك بعدها
-هل ستذهب معي !!؟
-بالتأكيد وإلا لماذا ٱساعدك لهذا الحد !"
تردد ثيودور في اخباره بما حصل معه حتى الآن وهو يمسك قلادته بشدة إلا انه عزم امره ليلحق به راكضا
-دعنا نذهب...سأقود الطريق !"