-إذن إسمك هو آيس الآن؟"

سأَلَ شاتس وهو يستندُ على أحدِ الهياكل العظمية لتنينٍ مات بالمعركة قديما.

-نعم.." تمتم ثيودور بوجهٍ فارغ وهو يُشاهد معركةَ الفُرسان مع الآثار من بعيد.

كانت الأخيرةُ تُهاجم نحو مكان تجمُّعهم أحيانا بعد أنْ تيأَسَ من إقتحام الجثث حول النجم.

رفع بصرهُ عن الإنفجارات هناك وعاد بوجهِهِ الشاحب نحو شاتس وهو يُصرُّ على أسنانه.

-لما أعطيتني مُهمةً كتلك ! أخبرتُك أنّي لم أتجاهلك عمدا عندما اِنضممتُ إليكم سابقا! شخص ما يُشبهني هو من فعل !"

-هاها، ٱنظر إليك وأنت تكذب، هل تتشابهان معا في الإسم كذلك؟

همف ،يجب أنْ تكون شاكرًا لي. بعد هذه المُساهمة قد تعفوْ المحكمة عن جرائمك بالمدينة.

حسنا قد يتوسّطون لك قليلا مع الإتحاد لتخفيف عقوبتك، بالنهاية كُنتَ السّبب في مقتلِ العديد من المُستكشفين"

-لا يوجد أيُّ دليلٍ على أنِّي من فعل ذلك!"

-حسنا، هذا لا يُغيِّرُ وجهة نظر الناس. رآك العديد من الأشخاص بموقِع الحوادث"

-لكن دَفْعِنِي ليَتِمَّ مُطارتي حول المدينة هو خيارٌ أسوءُ حتى ! ماذا لو قُتلتُ على أيديهم. ٱنظر ! لا يزالون يُحدِّقون بي بكراهيةٍ حتّى مع موافقَتِهم على صفقتك !"

أشار ثيودور لحشدٍ من الناس لم يكونوا هناك قبل ساعات .

كانت شارة الإتِّحاد على صُدورهم والدُّروع السميكة مع كُلِّ تلك الجروح، تحكي عن تجاربهم المريرة بساحاتِ المعارك.

-لا تتذمَّر. بسببك ٱضطررت إلى خسارة إحدى جُزري الثّمينة بالمقابل "

-همف، أنت من اِقترح بيعَ فُرصةِ دُخولها مُقابل تسليم المُستكشفينَ آثارهم المختومة لك !" تذمّر ثيودور

قبل ساعات، إقترح شاتس على الأمير أنْ يُواصلوا خطّتهم بتركِ دراكوك يقتحم أوَّلا.

لكن بالمقابل. بدل الإشتباكِ معهم مباشرة ، يُمكنهم اِستخدامُ الأسلحة المختومة للقتال بدلاً عنهم من بعيد.

لم يستطع الأميرُ الموافقة على هذا بالبداية.

تختلفُ سيطرةُ كُلِّ شخصٍ على الآثار المختومة، حتى أنَّ هنالك آثارَ جانبيّة لإستخدامها، ناهيك عن أنَّ التنانين يمتلكون آثاراً بالمُقابل كذلك .

لن يُكسبهم القتال مع فكرته أيَّ نصرٍ سريعٍ ضِدَّ دراكوك.

لكن شاتس طرحَ فجأةً فِكرة تفجيرِ الآثارِ بدل ذلك!

ظنَّ جميعُ من سمعه أنّه مجنون ! كان تفجيرُ الأثرِ يُعادل ضررًا للشّخص المُتحكّم به، قد يتسبَّبُ في بقائه طريح الفراش لوقتٍ طويل.

حتى لو وافق الجنود على هذا ، فلن يستطيعوا هزيمة كامِل سرب دراكوك، ناهيك عن أنَّ جنود أكوامارين لا يزالون يتربّصون بهم من مكان ما . ستكون الخسائر بصفوفهم فادحة!

لكن شاتس إقترح بعد ذلك إقحامَ مُستكشفي الإتحاد بالأمر واِستغلالهم لتفجير آثارهم الخاصة.

لن يُشاركوا بالضّرورة في نهب الأثر الٱسطوري لكن يُمكنهم الإدّعاء أنهُم هاجموا الآثار المختومة حول النجم للسيطرة عليها لتجنُّب عقوبات الإتحاد لتدخُّلهم بحرب الدول الثلاث.

لكن ناثام لا يزال لم يوافق، قائلا أنَّ الآثار التي كسبها المستكشفون بشق الأنفس واِعتزوا بها، من المستحيل تسليمُها ببساطة.

كان المستكشفون تحت سُلطة الإتحاد ولن يشعروا بالإنتماء حقا لأيِّ جهة. أغلبهم سيسعوْن نحو مكاسبهم الخاصّة بدَلَ القتال لأجل أيٍّ من البلدان الثلاث.

وافقه شاتس بهذه النقطة لكنّه بشكل مُفاجئ ،تطوَّعَ بتسليمهم إحدى جُزره التي سيطر عليها في رحلته مع الأرشدوقة.

كانت تخصُّ أحدَ الجواسيس الذين تسلّلُوا للونا، وقد منحتها له جينيفر كجائزةٍ لترقِّيهِ في مستوياته بسرعة.

كانت الجزيرة التي أَرادَ مُبادلتها مع آثارِ المستكشفين جزيرةَ كنز !!

كان هذا الإسم يُطلق على جُزر أمانيسيا التي تحوي موارد أو معادن فريدة لا توجد إلاّ بأعماقِ القارة حيث يكثُر الخطر !

لكن جزيرة الكنز وبشكل غريب، كانت خاليةً تماما من الوحوش أو أيِّ مخاطر ظاهرة، لذا ٱطلق عليها هذا الإسم!

حتّى أنَّ شاتس شاهد ثمرةً شبه ناضجة يُمكنها رفعُ رُتبة كاملةٍ تنمو بأعماقها !!

-لماذا قد تُضحي بكنزٍ كهذا ؟" سأل ثيودور

كان مُنهكا وهو يستجوب الأخير بصوتٍ مُجهد بعد أنْ تشنَّجَت عضلاتُه جرَّاء الركضِ المُستمر طوال السّاعات الفائتة.

جرّاء إقتراح شاتس، تمَّ تكليفُه بمُهمة وهو الذّي ٱطلق عليه "عدو الجميع"، ليجمع كُلَّ المُستكشفين الذّين يستطيعُ مُلاقاتهم بالمدينة.

لكن بدلًا من التفاهم هناك حول الصفقة، ركض الجميعُ خلفه ساعةَ رَأوهُ وتبعوه بالمدينة حتّى عاد نحو النجم.

كانت مشاعر الإستياء لثيودور إتجاه زاريل تتصاعدُ فيه أكثر وأكثر ! لقد ورّطه هذا الرجل مع العديد من الأشخاص !

- حسنا، يُمكنك القول أنِّي ٱبادلُ جزيرة الكنز مقابل الشّرف "

-شرف ؟" تساءل ثيودور بدهشة عندما قابل عُيون شاتس المُخضرة.

ظنّ بداخله أنّ الأخير كان بشكلٍ ما يُشبه جيرارد بحلمه؟ أبعد هذا الفكر بإستجواب

-هل تسعى للحصولِ على لقبٍ نبيل بتقديمك هذه المساهمة؟"

-لا !" نفى شاتس وهو يسحب شعاراً من حقيبةٍ صغيرة إلتصقتْ بدرعه. كان للميدالية هلالُ قمرٍ فضيّ مع سيفٍ يقطعه وثلاثُ نجوم مُشرقة.

-ٱريد إستعادة لقب عائلتي. لا بالأحرى، ٱريد محو العار الذي علق بأسمائِنا !"

-عار ؟" إحتارَ ثيودور في صياغته عندما سأل

-هل عائلتك كانت ٱسرةً نبيلة؟ لقبك لا يوحي بذلك؟"

أومأَ شاتس وتنهّد وهو يجلس مُتَّكِئاً على العظام.

كانت المعركةُ البعيدة لجنود مع الآثار تقتربُ من نهايتها.

يُمكنهما كذلك سماعُ زئير التّنانين من هنا . لا شكَّ أنَّ دراكوك تستعدُّ للإقتحام هي الٱخرى.

-نعم، عائلتي كانت ٱسرةً نبيلة من الإمبراطورية، عندما كُنت بالرّابعة من عمري أيْ قبل ثماني إلى تسعِ سنوات.

أبي الذّي كُنت أفخرُ به دائِمًا وأسعى لٱصبح مثله، تمَّ إقتيادُهُ مُقيَّدا بأغلالِ الأثيرِ نحو مِنَصّة الإعدام . . . ."

غَرَقت عيناهُ في الظلام وكأنَّ ذاكرته قد عادت به إلى ذاك اليوم.

- قبل أنْ يصعد المنصة، سُمح لي برُؤيته للمرة الأخيرة. لقد بكيتُ كثيرا وأنا أسألهُ عن السبب !

لِمَا أبي الّذي كان مُخلصًا طوَال سنواتٍ، يقومُ بخيانة الإمبراطورية وشرفِ عائلته الذي إستمر لقُرون ؟"

إبتلع غُصَّتَه التي تصاعدت فجأة وهو يُتابع

-ولما قد خان ثِقَتي؟ القُدوة الّتي كُنت أسعى وراءها قد حَطّمتْ صورتها بذاكِرَتي لأشلاءٍ هكذا ! لقد كانَ أصعبَ شيء !

بالنهاية، أليسَ هو من حدّثني دائما عن قواعد الفروسية ؟ على الفارس أنْ يكون شجاعا! صادقا! وأنْ يُخلِصَ دائما لمُهمَّته !"

إنحنت الحواجِبُ السوداء في تجعيدٍ بسيط

-كان جوابُه على هذا أنّه آسف. لقد إحتظنَنِي بدُموعه قائِلا أنْ لا أنكسر أو أشعرَ بالخِزْي !"

[ صدّقني والدك لم يخُن أبَدا مُهمته ! لكن عندما تكبرُ وتعرِفُ الحقيقة، ستتفهَّمُ بالتأكيد ما فَعلتُه !]

رثى شاتس بشفقة

-كان هذا ما قاله ، لكن ٱنظر إليَّ الآن، لقد كبرت نعم. لكنّي لم أجدْ الحقيقة إلى الآن عكسَ ما قاله والدي...

بعد أنْ تمَّ نفيُ ٱسرتنا بسبب خيانته، سُرعانما تهافَتَ الأعداءُ علينا وتمَّ المُطاردة خلفَنا لسنوات، حتّى بقيتُ أنا وجدّي الذّي سعى لإيجاد الحقيقة حول موت أبي كذلك "

ضيَّق شاتس عيناه.

-لكن كُلّما وصلَ لدليلٍ ما أو شاهد، يختفِي الأخير بعدَ بُرهة وكأنَّ شخصًا ما يسعى لتغطية الحقيقة !"

قَبضَ على الشّعار بيدهِ بقُوّة ولفظ بكراهية وحزم

-لهذا أنا هنا ! سٱصبح فارسًا مرموقا وٱعيدُ المجد لعائلتي ! سأكتشف الحكاية خلف إعدام والدي وٱثبت براءته !"

لم يعقب ثيودور للحظة قبل أنْ يقول

-هل لا بأس معك بهذا ؟"

-ماذا ؟"

-إخباري عن هدفك ؟"

-هاها! ٱنظر إليك طفل ! لقد كبِرتَ الآن وصِرتَ تهتم بمشاكل الناس "

رفع ثيودور حاجبه بإستنكار

-لقد إلتقينا ليومٍ واحد ماذا تعرفُ عنّي ! أيضا بصفتك فارسا، أليسَ من اللُّؤمِ عدمُ إعادة أحجارِ القمرِ التي سرقتها إليّ !"

كان ثيودور لا يزال يتذكَّرُ سرقة الأخير له بلقائهم أوَّل مرّة بوضوح.

حكَّ شاتس خدّه بقُفّازه المعدني بحرج

-ماذا قد تفعل بأشياءٍ كتلك الآن، أنت مُستيقظ، العُملة التّي يستخدمها العامّة لن تُفيدك بشيء"

كانت أحجارُ القمر المُنخفضة التّي تُستخدم كعملة، خاليةً تماماً من الأثير.

حيث يتمُّ إمتصاصها من قبل المستيقظين، لتُصبح أموالاً عامَّةً يُمكن تداوُلها لأغراضَ يوميّة.

إبتسمَ بسعادةٍ قائلا

-لقد أخبرتُكَ بهدفي الآن، لذا نحن متساويان !"

-مُتساويان ؟" قال ثيودور بحيرة.

-ٱووه، لا تدّعي الجهل! عندما كُنت مع مُعلّمتي، طارَدَتْ طويلا خلف ظلِّ الرجل المقنع الذي كان خلفك.

لكي تقوم قائدة الفرسان بحركةٍ بنفسها، هذا يعني أنَّ الأمرَ جِدّيٌّ وبالغُ الخطورة. ثيودور لديك حقا بعض الأسرار يا فتى !"

-أسرار ؟" وسع ثيودور عيناه بذهول.

هو حقا لا يعلم هُوّية الأخير ولما يطارده، فكيف يدري أيَّ أسرارَ عنه؟

كان تَتَالي الصّدمات مُنذ عثوره على القلادة والأحلام بها كثيرا، ولكنّه أدركَ بوضوحٍ أنَّ لٱمه علاقةً وطيدةً بالعائلة الإمبراطورية.

لكن الوُصول نحوهم والتّحقيق بشكلٍ مُباشر كان أبْعدَ من نفسه الحالية. قد يُقطع رأسه أو يُزُّج به في السجن إنْ صرخَ بجنونٍ أنَّ ٱمه تعرفُ أميرا للونا.

ناهيك على أنَّ أحدهم قد ماتَ مُنذ عشرين سنةٍ والآخرَ لم يَعثُر على إسمه في أيٍّ من السّجلاّت.

سأل شاتس بسرعة بعد أنْ واتته فُرصة ذهبية للنّقب.

-هل أخبرتك قائدة الفرسان بأيِّ شيءٍ عن هذا الرجل المقنع ؟"

نفى شاتس

- لا... لم ٱخبرها أنّه كان يُطاردك.

كان الأمر حولهُ خطيراً لدرجة أنّني ضننتُ أنّ إعلامها بهذا، قد يُؤدي للبحثِ عنك وحبسك لأجلِ التّحقيق بما حدث.

لقد تمَّ اِستجوابُ العديد من الأشخاص "بسيڨ" بالفعل، حتى أنَّ الإمبراطورية أرسلت جُنودا لترحيلِ السُّكان هناك والسيطرة على المستعمرة"

جفَلَ ثيودور ، هل الأمر خطيرٌ لهذا الحد؟

تساءل إنْ كانت سيرينا ورئيسُ الخدم بخيرٍ بعد ذلك !

أرادَ العودة نحو "سيڨ" بعد إختبار التّخرج والتّحدث مع سيرينا حول رِحلته والرّجل المقنع وترجِّيها أنْ تدعهُ يُكمل الترحال وإستكشاف أمانيسيا.

كان يشعرُ بالذّنب لتركِ الإثنانِ دون وداع، هل كان مُخطئا لعدم إخبارهما عن أحلامه ؟ بعد قُرابة عامٍ من فراقهما، كان يشعر بالإشتياق لهما جدًا وبدأَ يتساءلُ عن صحَّةِ قراراته!

لكن الآن وقد إحتلَّ الجُنود المستعمرة، لن يستطيع دُخول سيڨ بسهولة. هو لا يملك حتى أيَّ طريقةٍ للإتصال بهما !

شعر بالقلق ينهشُ عظامه عندما تابع شاتس

-لكن حسب ما فهمتهُ من تذمُّرِها الدائم عنه، كان الأخيرُ جُزءا من مُنظمة سرّية تنشط في الخفاء "

-مُنظمة ؟"

-نعم، هذا ما قالته وهذا كلُّ ما أعرفُه "

-فهمت .."

لم يُقدِّم شاتس الكثير من المعلومات حقا مما جعل ثيودور بخيبةِ أملْ ، لم يستطع ربط أيِّ صلةٍ لهُ بأيِّ مُنظمة.

عندما شاهد شاتس حُزنه ضحِك فجأة

-ٱنظر إليك لا تصنع هذا الوجه كطفلٍ في الثالثة. ماذا عن هذا ؟ سٱقدِّمُك لمعلمتي لاحقا، يُمكنك سؤالها إنْ أردت !"

-ماذا ! ألنْ يُعرضني ذلك للخطر !؟"

-همف ،أحمق لا تسألها بشكلٍ مُباشر ! سأقول أنّك صديقٌ لي من "سيڨ" وأطلبُ منها ضمَّك للجيش كمُتدرب، ماذا عن هذا ؟ يُمكن أنْ تجد فُرصةً لتّحقيقِ أكثرَ حولَ تلك المُنظمة هكذا !"

تردّد ثيودور قليلا. بالواقع، لم يكن دُخول الجيش يتعارضُ مع أهدافه. بعد إنتهاءِ حفلِ التَّخرج، يُمكنهم إختيارُ الإنضمام إلى الأكاديميات المتوسّطة أو الجيش وحتى الإتحاد .

إنْ تمَّ المُوافقة عليه، سيتَّجهُ نحو القطاع الثاني للتدريب ويُغلقُ عليه هناك لسنواتٍ ممّا قد يُسبّب فراقه عن هيلين ومنزل بريتيا، وكان هذا السّبب الوحيدَ لتردُّده.

-سٱفكر بالأمر " قال لشاتس الذي إبتسم

-أخبرني بقرارك عندما نخرجُ من هنا"

وافق ثيودور على كلماته عندما دلف لهم صوت "سان" الذي صرخ من بعيد.

-دراكوك بدأَ الإقتحام ! استعدوا ! سنُلاحقهم بأيِّ لحظة !"

2022/04/06 · 134 مشاهدة · 1650 كلمة
Kirara
نادي الروايات - 2024