12 - صمت اثقل من الموت

الفصل الثاني عشر: صمتٌ أثقل من الموت

الدم.

كان في كل مكان.

قطراته تساقطت على الأرضية الترابية، تتسرب ببطء إلى الفراغات الصغيرة بين الصخور، كأن الأرض نفسها ترفض هذا الدم، كأنها تحاول لفظه بعيدًا.

ملاذ لم تتحرك. لم تصرخ. لم تبكِ.

كانت هناك، جاثية على ركبتيها، تنظر إلى الجسد الذي لم يعد يخص أحدًا، وإلى الرأس الذي توقف عن كونه شيئًا سوى بقايا.

حاولت أن تتنفس... لكن لم يكن هناك هواء.

حاولت أن تصرخ... لكن صوتها لم يخرج.

كل شيء حولها بدأ يفقد معناه، يتلاشى، وكأنها عالقة في فجوة مظلمة لا قاع لها.

ليوكس ميت.

الكلمة طافت في ذهنها، لكنها لم تستطع أن تستوعبها. لقد رأته، لقد شعرت به، لقد...

شفتيها ما زالتا تحملان أثر قُبلته القصيرة، ذلك الاتصال القاسي الذي لم تكن تريده، الذي لم تطلبه، والذي لم تفهمه حتى اللحظة التي تمزقت فيها الحياة من جسده.

"ملاذ..."

كان الصوت خافتًا، شبه هامس، لكنه كان مثل صفعة أعادتها إلى الواقع.

نظرت إلى الأعلى، إلى كيرين الذي كان واقفًا أمامها، يمد يده المرتجفة وكأنه يريد أن يساعدها... لكنه لم يعرف كيف.

لم يكن يعرف كيف يلمسها دون أن يحطمها أكثر.

لكنها لم تمد يدها إليه.

لم تستطع.

ثم كان هناك هو.

هيسوكا.

واقفٌ على بعد خطوات، يده اليسرى تمسك بنصله المغطى بالدم، واليد الأخرى... لم تكن موجودة.

يده ، التي فقدها منذ زمن، لم تكن تعني له شيئًا في العادة، لكنه في هذه اللحظة، شعر بثقل فقدانها أكثر من أي وقت مضى.

لأنه لو كانت لديه يدان، لكان قد مسح الدم عن نصله الآن.

لأنه لو كانت لديه يدان، لكان قد حمل ملاذ بعيدًا عن هذا الجحيم قبل أن تنهار تمامًا.

لكنه لم يفعل.

لم يفعل أي شيء.

كان فقط ينظر إليها، بصمت، بعينين باردتين تحملان شيئًا مظلمًا لم يستطع أحد قراءته.

"أنت قتلته."

قالتها بصوت لم يكن صوتها. كان هشًا، مكسورًا، أقرب إلى الهمس منه إلى الكلام.

هيسوكا لم يرد.

لم ينكر. لم يبرر. لم يبرم شفتيه بأسف، لم يعتذر، لم يقل أي شيء على الإطلاق.

لم يكن هناك داعٍ.

الدم على سيفه كان أكثر وضوحًا من أي كلمة.

لكن ملاذ لم تحتمل الصمت.

"أنت قتلته!" هذه المرة كان صوتها أقوى، مهتزًا، لكنه محمّلٌ بالغضب، بالخوف، بشيء لم تستطع التحكم فيه.

نهضت بسرعة، لكنها تعثرت، وكادت تسقط، لولا أن كيرين أمسك بها قبل أن ترتطم بالأرض.

لم تنظر إليه. لم تهتم.

كانت تحدق في هيسوكا فقط، بنظرة لم يسبق له أن رآها منها من قبل.

كان هناك ألم، وغضب، وانكسار... لكن أسوأ ما في الأمر كان الفراغ.

وكأن جزءًا منها مات مع ليوكس.

هيسوكا لم يتحرك. لم يغير تعبيره. فقط وقف هناك، يراقبها، وكأنه ينتظر شيئًا.

لكن ما الذي كان ينتظره؟

"لم يكن عليك قتله..." تمتمت، عيناها تلمعان بالدموع، لكنها رفضت السماح لها بالسقوط. "لم يكن عليك قتله، هيسوكا."

"كان سيؤذيكِ."

كانت هذه كلماته الأولى منذ أن قتل ليوكس.

كانت باردة. مباشرة. خالية من أي عاطفة.

لكن ملاذ لم تصدقها.

"لا تكذب." همست.

شيء ما في نبرتها جعله يتجمد للحظة.

"قتلتَه لأنك أردت قتله."

لم يكن هذا اتهامًا. كان حقيقة.

صمت هيسوكا لم يكن نفيًا.

كيرين، الذي كان حتى الآن صامتًا، قرر التدخل أخيرًا.

"ملاذ..." نادى اسمها بلطف، لكن لم يكن هناك لطف في قلبها الآن.

"لا تلمسني!" صرخت، دفعت يده عنها، ابتعدت خطوة، ثم خطوة أخرى، حتى شعرت أن المسافة التي بينها وبينهم كافية لتتنفس.

لكنها لم تستطع التنفس.

لم تستطع التخلص من الشعور بأن الدم الذي على الأرض يطاردها، يتسلق ساقيها، يلتف حولها، يحاصرها.

أنا لا أستطيع البقاء هنا.

لم تقلها بصوت عالٍ، لكنها شعرت بها تشتعل داخلها كالنار.

أرادت أن تهرب.

أن تركض.

أن تختفي.

لكن أين؟

كل ما عرفته كان هنا.

كل ما بقي لها كان هنا.

حتى لو كان هذا المكان ملطخًا بالموت.

حتى لو كانت محاصرة بين قاتلٍ وصديقٍ لا يعرف كيف يساعدها.

لكنها لم تعد تستطيع احتمال ذلك.

لم تعد تستطيع احتمال أن تكون ملاذ.

2025/03/26 · 1 مشاهدة · 613 كلمة
ASO
نادي الروايات - 2025