الفصل الثالث عشر: سقوطٌ في الظلام
لم تعد هناك كلمات.
لم يعد هناك سوى الفراغ.
عقلها كان يصرخ، يملأها بأصوات متداخلة، لكنها لم تستطع سماع شيء واضح. فقط الضجيج، فقط الصخب الذي يدور في داخلها، كأن كل شيء يتحطم في وقت واحد.
قدماها تحركتا من تلقاء نفسيهما. لم تفكر. لم تخطط. لم تهتم بما سيحدث.
لقد كان هناك فقط، جسده البارد ممددٌ أمامها، وعيناه اللتان كانتا تحملان دائمًا مكرًا معينًا... قد فقدتا بريقهما إلى الأبد.
"ليوكس..."
كان صوتها مجرد همسة.
جثت على الأرض بجواره، يداها المرتجفتان امتدتا لتلمس وجهه، أصابعها الباردة مرت على بشرته التي فقدت حرارتها، على شفتيه التي كانت قبل دقائق فقط تملك حياة، على الشعر الذي لطالما عبث به بغرور.
لم يكن هذا يجب أن يحدث.
لم يكن هذا يجب أن يكون النهاية.
لكنها كانت النهاية.
"استيقظ..."
كان الطلب سخيفًا، مستحيلًا، لكنه خرج منها رغمًا عنها، كأن عقلها يرفض التخلي عن الأمل.
"استيقظ، أيها الأحمق..."
عيناها اغرورقتا بالدموع، لكنها لم ترد أن تبكي. لم ترد أن تُظهر ضعفها.
لكن الجسد بين ذراعيها لم يتحرك.
"أنت بخير، صحيح؟" ضحكت ضحكة مرتعشة، رغم أن جسدها كله كان يهتز. "مجرد خدعة أخرى منك، صحيح؟ مثل كل المرات التي تظاهرت فيها أنك ميت فقط لتضحك عليّ لاحقًا..."
لكن لا شيء حدث.
لا حركة. لا استجابة. لا أنفاس.
الخدعة لم تكن خدعة.
"لا..."
صرخة، أو ربما نحيب. شيء انفجر من أعماقها، شعرت به يحطم آخر ما تبقى منها.
جسدها انحنى فوقه، يداها التفّتا حوله بجنون، كأنها تستطيع حمايته، كأنها تستطيع إعادته للحياة إذا ضغطت عليه بما يكفي.
"أنت لم تمت... لا يمكنك أن تموت... أنت لم تمت... ليوكس، أجبني!"
لكن جسده لم يرد.
ملاذ شهقت، لم تعد ترى جيدًا، كل شيء أصبح ضبابيًا، وكأن عالمها ذاته كان يتلاشى.
الهواء أصبح أثقل، صدرها كان يحترق، وشيء بارد بدأ يزحف عبر أطرافها، يجمدها ببطء، يأخذها إلى مكان أعمق من الحزن نفسه.
كيرين وقف بجانبها، وجهه شاحب، لم يعرف ماذا يفعل.
هيسوكا ظل صامتًا، يراقبها بعينين مظلمتين.
لكن لا أحد منهما استطاع إيقافها وهي تغرق أكثر في ظلامها الخاص.
كانت هناك، جاثية بجانب جثته، أصابعها تغرق في دمه، وجسدها يرتجف حتى فقدت السيطرة على نفسها تمامًا.
ثم...
كل شيء أصبح أسود.
—
"إنها لا تستيقظ."
كان الصوت بعيدًا. مشوشًا. كأنه يأتي من عالم آخر.
"ملاذ، استيقظي."
يد دافئة لمست جبهتها، لكن الظلام كان أثقل من أن يُرفع عنها.
"متى ستستعيد وعيها؟"
"لا أعلم، إنها في حالة صدمة."
"لقد مر يومان..."
صمت.
ثم صوت تنهد عميق، وكأن أحدهم يحاول كبح قلقه.
"إنها تتنفس، هذا أهم شيء الآن."
—
حين فتحت عينيها، كان كل شيء خافتًا.
رائحة الدخان والدم والغبار امتزجت مع بعضها، تشكل خليطًا ثقيلًا في الهواء.
عقلها كان ضبابيًا، بطيئًا، كأنها لا تزال في حلم، كأنها لا تزال في ذلك المكان المظلم الذي سقطت فيه.
ثم، فجأة، عاد كل شيء.
الدم.
الرأس المنفصل.
جسد ليوكس بين يديها.
القُبلة التي لم تكن تريدها.
الطعنة الأخيرة التي أخذته منها.
شهقت بقوة، جلست بسرعة، لكن الدوار ضربها بقسوة وكادت تسقط مرة أخرى.
"اهدئي!"
يد أمسكت بكتفها، قوية لكنها حذرة.
رفعت عينيها ورأت كيرين ينظر إليها بقلق، بينما خلفه، كان هيسوكا يقف بصمت، ذراعه الوحيدة متقاطعة على صدره، وجهه بلا تعبير.
"أين هو...؟" همست، صوتها كان ضعيفًا بالكاد مسموعًا.
كيرين تردد، نظر إلى هيسوكا للحظة، ثم عاد ببصره إليها.
"ملاذ، عليكِ أن ترتاحي، لقد مررتِ—"
"أين هو؟!" هذه المرة كان صوتها أكثر حدة، أكثر ألمًا.
الصمت كان الجواب الوحيد.
لكنها لم تحتجه.
لقد عرفت الإجابة بالفعل.
جسدها ارتجف، عيناها امتلأتا بالدموع، وشيء داخلها تحطم مرة أخرى.
لم يعد هناك "ليوكس".
لم يعد هناك سوى الذكرى.
"لقد دفناه." جاء صوت هيسوكا أخيرًا، هادئًا، لكنه قاطع.
التفتت إليه ببطء، نظرتها كانت فارغة، لكنها كانت تحمل شيئًا خطيرًا.
شيئًا مظلمًا.
"دفنتَه؟" همست، كأنها تتذوق الكلمة لأول مرة.
هيسوكا لم يرد، فقط نظر إليها بنفس التعبير البارد.
لكن ملاذ لم تستطع تحمل ذلك.
"لقد قتلته ثم دفنته، كأن الأمر لا يعني شيئًا، صحيح؟ كأنه لم يكن إنسانًا، كأنه لم يكن شخصًا!"
"لقد كان مجرمًا."
كانت هذه كلماته الوحيدة.
لكنها شعرت بها كطعنة جديدة.
"أنتَ أيضاً مجرم."
هيسوكا لم يرد، لكن كيرين بدا وكأنه يريد قول شيء ما، إلا أنه اختار التزام الصمت في النهاية.
الغرفة أصبحت باردة فجأة.
ملاذ لم تعد قادرة على التنفس جيدًا، صدرها كان يضيق، وعقلها كان يصرخ.
ثم، بلا مقدمات، بدأت تضحك.
ضحكة قصيرة، مختنقة، مليئة بالمرارة.
كيرين نظر إليها بقلق، أما هيسوكا، فلم يبد عليه أي تغيير.
"أنتم لا تفهمون..." همست، عيناها تلمعان بدموع لم تسقط بعد.
"لقد قتلتم آخر شيء تبقى لي."
الصمت كان ثقيلًا.
ثم، كأن جسدها لم يعد يحتمل، فقدت قوتها وسقطت إلى الخلف.
كيرين أسرع نحوها، أمسك بها قبل أن ترتطم بالأرض، لكن عينيها كانتا مغمضتين بالفعل.
"ملاذ؟!"
لكنها لم ترد.
لقد فقدت وعيها مرة أخرى.