الفصل الرابع عشر: ماضٍ ملوثٌ بالدم
—
المكان كان هادئًا بشكل غريب.
الضوء الخافت تسلل عبر النافذة المكسورة، يرسم ظلالًا باهتة على الجدران المشققة. رائحة الرطوبة كانت تتسلل إلى الأنوف، ممتزجةً برائحة الرماد والدماء القديمة التي ما زالت عالقة في المكان.
في الغرفة الأخرى، كانت ملاذ مستلقية على الفراش، وجهها شاحب كأن الحياة قد تخلت عنها.
لم تتحرك.
لم تنطق بكلمة.
لم يكن أحد يعرف متى ستفتح عينيها مرة أخرى.
لكنهم كانوا يعرفون شيئًا واحدًا فقط: عندما تستيقظ، لن تكون الشخص نفسه بعد الآن.
—
كيرين كان جالسًا عند الطاولة الخشبية، ينظر إلى كوب الماء بين يديه، بينما هيسوكا وقف عند النافذة، ذراعه الوحيدة متقاطعة على صدره، يراقب الخارج بصمت.
"إذن... ماذا الآن؟"
كان صوت كيرين منخفضًا، لكنه حمل داخله توترًا خفيًا.
لم يتحرك هيسوكا، لم يلتفت حتى، لكنه أجاب بهدوء: "ننتظر."
"ننتظر ماذا؟ أن تستيقظ؟ أم أن يأتوا لقتلنا؟"
أدار هيسوكا رأسه أخيرًا، وعيناه السوداوان التقتا بعيني كيرين المتوترة.
"كلاهما."
صمت ثقيل خيّم في المكان.
كيرين زفر ببطء، ثم نظر إلى يد هيسوكا الوحيدة، الجرح القديم كان قد التئم، لكن الندوب ظلت تحكي قصتها.
"لم تسألني عنها من قبل." قال هيسوكا فجأة، وكأنه قرأ أفكاره.
كيرين تردد للحظة، ثم نظر إليه بجدية: "لم أكن أريد أن أتدخل... لكن الآن، أعتقد أنني بحاجة لمعرفة الحقيقة."
هيسوكا صمت لبرهة، ثم استدار وأخذ مقعدًا مقابل كيرين.
"إذا كنت تريد الحقيقة، فهي ليست قصة جميلة."
"لم أتوقع أن تكون كذلك."
أغمض هيسوكا عينيه للحظة، وكأنه يعيد ترتيب ذكرياته، ثم فتحها مجددًا وبدأ يتحدث بصوت خافت:
—
"في ذلك اليوم... كنت أظن أنني انتهيت."
"لم يكن لدي أي فرصة، كنت وحيدًا، محاصرًا، والدماء كانت تغطي كل شيء."
"لكنني لم أخسر بسهولة."
"لقد كنت دائمًا أؤمن بأن الشخص الذي لا يستطيع القتال حتى النهاية لا يستحق الحياة."
"وهكذا، قاتلت."
"لكنهم كانوا أكثر عددًا، أقوى، ولم أكن مستعدًا لهم."
"وحين أدركت أنني لا أستطيع الفوز، فعلت الشيء الوحيد الذي بقي لي... قدمت لهم ذراعي."
"نعم، كما سمعت، لم يأخذوها مني... أنا من تخليت عنها."
"كان عليّ أن أقطعها بنفسي، كانت الطريقة الوحيدة للهروب، الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة."
"والمثير للسخرية؟ حتى بعد كل ذلك، ما زالوا يبحثون عني."
—
كيرين لم يقل شيئًا.
لقد عرف أن ماضي هيسوكا لم يكن سهلًا، لكن لم يكن يتخيل أنه وصل إلى هذه الدرجة من الوحشية.
"ومن هم؟" سأل أخيرًا، صوته كان محملًا بالحذر.
هيسوكا لم يبتسم، لم يُظهر أي تعبير يدل على السخرية أو الاستهزاء هذه المرة، فقط أجابه بصوت خافت:
"الأشخاص الذين لا يمكنك الهروب منهم."
عيناه كانتا مظلمتين، كأنهما تحملان وزنًا لا يستطيع أحد حمله.
"إنهم ليسوا مجرد قتلة، وليسوا مجرد صائدي جوائز... إنهم شيء أسوأ."
كيرين ابتلع ريقه، شعر بقشعريرة تمر عبر جسده، لكنه لم يتراجع.
"هل هم من أخذوا يدك؟"
"لا." هزّ هيسوكا رأسه، ثم نظر إلى كيرين مباشرةً: "أنا من قدمتها لهم، كإثبات على أنني لن أعود."
"ولماذا كانوا يريدونك في المقام الأول؟"
هيسوكا لم يرد مباشرة، بل نظر إلى النافذة، كأنه يرى شبح ماضيه هناك.
"لأنني كنت واحدًا منهم."
—
الصدمة ارتسمت على وجه كيرين.
"كنت تعمل معهم؟!"
هيسوكا أومأ ببطء.
"لفترة طويلة... كنت واحدًا منهم، كنت جزءًا من نظامهم، كنت أعيش وفقًا لقواعدهم، كنت أقتل من أجلهم، وأحصل على مكافآتي بصمت."
عينيه تضيّقتا، وكأن الذكريات كانت تعود إليه بقوة.
"لكن في يومٍ ما، أدركت أنني لم أعد أريد ذلك."
"ماذا حدث؟"
هيسوكا نظر إليه مباشرةً.
"لقد وقعتُ في الحب."
—
الصمت الذي تبع تلك الكلمات كان ثقيلًا، مختلفًا عن أي صمت آخر.
كيرين لم يكن يتوقع هذا.
"وقعت في الحب؟ مع من؟"
هيسوكا ابتسم بمرارة.
"مع شخص لم يكن يجب أن أقع في حبه."
"ماذا تقصد؟"
أدار وجهه، وكأنه لم يكن يريد الحديث عن ذلك، لكن بعد لحظة، تحدث بصوت منخفض:
"لقد كانت واحدة منهم."
"واحدة منهم؟ تقصد أنها كانت جزءًا من تلك المجموعة؟"
"نعم."
كيرين لم يعرف ماذا يقول، لكنه شعر أن هذه القصة لم تنتهِ بعد.
"وماذا حدث لها؟"
هيسوكا أغلق عينيه للحظة، ثم همس بصوت بالكاد مسموع:
"لقد قتلوها."
—
تلك الكلمة وحدها كانت كافية لجعل الهواء في الغرفة يثقل أكثر.
كيرين لم يكن يعرف ماذا يقول.
"لأنها خانتهم؟" سأل بحذر.
هيسوكا هزّ رأسه ببطء.
"لا، لأنني أنا من خانهم."
تنهد ببطء، ثم أكمل:
"حين قررت الهرب، كنت أعلم أنهم لن يتركوني حيًا... لكنني لم أتوقع أنهم سيستخدمونها كعبرة."
عيناه التمعتا بشيء خطير، لكنه لم يكن الغضب.
لقد كان الحزن.
"لقد جعلوني أشاهدها تموت."
"يا إلهي..."
كيرين لم يستطع قول أي شيء آخر.
"ومنذ ذلك الحين..." تابع هيسوكا، صوته كان أكثر برودة. "لم أعد أنتمي لأي شيء، لا إليهم، ولا إلى هذا العالم."
كيرين ابتلع ريقه، ثم قال بهدوء:
"لكنهم لا يزالون يبحثون عنك."
"بالطبع." هيسوكا ضحك ضحكة خافتة، لكن لم يكن فيها أي مرح. "لن يتوقفوا حتى يتأكدوا أنني مت."
"وهل ستدعهم يجدونك؟"
هيسوكا ابتسم ابتسامة صغيرة، لكنها لم تصل إلى عينيه.
"ليس بهذه السهولة."
—
في الغرفة الأخرى، كانت ملاذ لا تزال مستلقية، غير واعية للعالم من حولها.
لكن حتى في غيبوبتها، كان هناك شيء يتحرك في أعماقها.
شيء لم يكن أحد مستعدًا لرؤيته بعد.