الفصل السادس عشر: ظلال الماضي

كان الليل قد بدأ في الانسحاب ببطء، تاركًا وراءه بقايا الصمت الموحش الذي خيم على المكان منذ وقوع المأساة. لم يتغير شيء... سوى أن الهواء أصبح أكثر ثقلاً، وكأن الجدران نفسها باتت تحمل آثار الألم العالق في المكان.

كيرين ظل مستيقظًا طوال الليل، يجلس في الزاوية، يراقب هيسوكا وهو يتنقل بصمت بين الغرف، وكأن هناك شيئًا ما يشغل عقله أكثر مما أظهره لهم.

لكن أكثر ما أثار قلقه هو أنه، رغم كل ما حدث، لم يظهر على ملامحه أي ندم أو اضطراب.

كان هادئًا... أكثر مما ينبغي.

بعد بضع لحظات، وقف هيسوكا وتوجه نحو الغرفة حيث كانت ملاذ ترقد بلا حراك.

عندما فتح الباب، لم يكن هناك سوى صوت أنفاسها البطيئة، الرتيبة، وصمت ثقيل يملأ المكان.

اقترب ببطء، عيناه مسمرتان على وجهها الباهت، على جفونها المغلقة التي لم تتحرك منذ ساعات، على أصابعها التي كانت باردة كالجليد.

جلس بجانبها، لم يتحدث، فقط مد يده الوحيدة ببطء ومسح على جبينها بحركة خفيفة، كأنه يحاول أن يزيل عن وجهها كابوسًا لا تستطيع الهروب منه.

كانت ملامحها لا تزال متيبسة بالصدمة، وشعرها مبعثرًا على الوسادة كأنها قد غرقت في بحر بلا قاع.

زفر هيسوكا بصمت، ثم نظر إلى كيرين الذي وقف عند الباب يراقب المشهد بتوجس.

"يجب أن نغير لها ملابسها... لا يمكن أن تظل هكذا."

كيرين تجمد في مكانه، لم يعرف كيف يرد، لكنه شعر بشيء غريب في صوت هيسوكا، وكأنه يحمل اهتمامًا لم يكن يتوقعه.

"أنا سأقوم بذلك."

لم يعترض كيرين، لم يكن قادرًا على فعل شيء سوى المشاهدة بينما هيسوكا أخذ قطعة قماش نظيفة، بدأ يمسح آثار العرق البارد الذي تجمع على جبينها، ثم انتقل ببطء ليزيل بقع الدم الصغيرة التي كانت قد تجمدت على أطراف ثيابها.

كانت حركته بطيئة، حذرة، كأنه كان يخشى أن يكسرها لو لمسها بقوة.

لم يكن هذا هو هيسوكا الذي عرفه.

لم يكن القاتل الذي لم يرف له جفن عندما قطع رأس ليوكس.

كان شخصًا آخر... شخصًا لم يفهمه كيرين بعد.

بعد أن انتهى، أعاد الغطاء عليها، ثم جلس للحظة، ينظر إليها، كأنه كان يحاول أن يقول شيئًا، لكنه لم يجد الكلمات المناسبة.

"كم ستظل هكذا؟" سأل كيرين بصوت منخفض.

هيسوكا لم يلتفت إليه، فقط أجاب بصوت خافت: "لا أحد يعرف."

"ماذا لو لم تستيقظ أبدًا؟"

هذه المرة، لم يرد.

الساعات مرت ببطء، ملاذ لم تتحرك، وكأنها قد غاصت في أعماق مكان بعيد جدًا، مكان لا يمكن لأحد الوصول إليه.

لكن في أعماق عقلها، لم يكن هناك هدوء... بل عاصفة لا تنتهي.

كانت محاصرة في ظلام لا نهاية له، تسمع أصواتًا لا تستطيع تجاهلها، ترى صورًا لا تستطيع الهروب منها.

وجه ليوكس كان يلاحقها في كل مكان، صرخاته الأخيرة كانت تتردد في عقلها كصدى لا يتلاشى.

كانت تصرخ، لكنها لم تكن تسمع صوتها.

كانت تركض، لكنها لم تكن تتحرك.

كانت عالقة... في مأساة لن تنتهي حتى تستيقظ.

لكن متى؟

2025/03/26 · 3 مشاهدة · 453 كلمة
ASO
نادي الروايات - 2025