الفصل الثامن عشر: صرخة في الظلام
—
الريح الباردة كانت تعوي بين الأشجار، والسماء كانت ملبدة بالغيوم، وكأنها تبكي على من سقطوا في ظلام الليل.
كيرين كان يركض. كان يركض بأقصى ما يملك من قوة، يحمل جسد ملاذ الغائب بين ذراعيه، بينما أنفاسه المتقطعة تختلط بصوت الأوراق اليابسة التي يسحقها تحت قدميه.
لم يكن يعرف إلى أين يذهب، لم يكن لديه وجهة، الشيء الوحيد الذي كان يدفعه للأمام هو الهروب… الهروب من تلك الدماء… ومن تلك الصورة التي لن تفارقه أبدًا.
صورة هيسوكا وهو يسقط.
—
بعد ما بدا وكأنه أبدية، وجد أخيرًا مأوى مهجورًا بين الأشجار، كوخ صغير مهدم، سقفه متصدع، وجدرانه بالكاد واقفة.
لكن لم يكن هناك وقت للاختيار.
بسرعة، دخل إلى الداخل، وأغلق الباب المهترئ خلفه، ثم انهار على ركبتيه، يلهث بقوة، بينما جسد ملاذ بقي مسجى أمامه على الأرض الباردة.
عيناه كانتا تحدقان بها… لكنها لم تتحرك.
لم تصدر أي صوت.
وجهها الشاحب كان يطفو بين الظلال، وعيناها المغلقتان جعلتاه يشعر برعب غريب… ماذا لو لم تستيقظ؟
ماذا لو لم يعد أحد منهم؟
—
"تبا لك، هيسوكا…"
كانت كلماته بالكاد مسموعة، صوته كان مزيجًا من الغضب… والخوف… واليأس.
تذكر كيف كان ينظر إليه هيسوكا قبل أن يندفع نحو الموت، كيف كانت الابتسامة الباهتة على شفتيه، وكأنه كان يعرف أن هذه هي النهاية، لكنه اختارها بكل وعي.
اختار أن يموت.
"لماذا؟!"
صرخ فجأة، قبضته ضربت الأرض، وشعر بالحزن يتدفق داخله مثل سم قاتل.
"لماذا كنت دائمًا متهورًا؟ لماذا لم تسمح لي بمساعدتك؟!"
لكن الصمت كان هو الجواب الوحيد.
—
تجمد للحظة، ثم شعر بشيء غريب…
هدوء غير طبيعي.
تسلل إحساس ثقيل في صدره، وشيء مظلم بدأ يزحف في داخله، لم يكن مجرد حزن… بل كان شعورًا بالضياع.
لأول مرة منذ أن بدأت هذه الرحلة، شعر كيرين أنه وحده.
تمامًا… مثلما كان دائمًا.
—
ثم، وسط كل هذا الظلام، جاء الصوت.
ضعيف… بالكاد مسموع… لكنه كان هناك.
شهقة خفيفة.
عيناه اتسعتا على الفور، وانحنى بسرعة فوق جسد ملاذ، وعندما رأى شفتيها تتحركان، وقلبه كاد أن يتوقف.
"ملاذ…؟"
—
في البداية، لم يكن هناك استجابة واضحة، فقط ارتجاف بسيط في أصابعها، ثم أنفاسها بدأت تصبح أكثر وضوحًا.
وببطء… ببطء شديد…
فتحت عينيها.
—
لكن ما رآه في تلك العيون لم يكن الحياة.
كان هناك شيء مكسور فيها… شيء محطم… شيء لم يكن موجودًا من قبل.
ظلت تحدق في السقف للحظات، وكأنها لا تدرك أين هي، ثم فجأة، ارتجف جسدها بالكامل.
أنفاسها أصبحت غير منتظمة، ويديها بدأت ترتجفان بشكل لا إرادي، وكأنها تحاول التمسك بشيء غير مرئي.
ثم، همست بصوت أجوف، بالكاد خرج من شفتيها.
"لـيـوكـس…"
—
القلب الذي كان بالكاد متماسكًا داخل كيرين تحطم بالكامل عند سماع الاسم.
رأى كيف انقلب وجهها إلى تعبير يائس، كيف امتلأت عيناها بدموع بدأت بالسقوط بصمت.
ثم، فجأة، وكأنها أدركت كل شيء دفعة واحدة…
بدأت تصرخ.
"لاااااااا!!!"
—
كان الصراخ مختلفًا عن أي شيء سمعه كيرين من قبل.
لم يكن مجرد بكاء… لم يكن مجرد حزن… بل كان ألـمـًا خـالـصـًا.
شيء يخرج من أعماق روحها، شيء كتمته طوال الوقت، شيء لم تستطع احتماله أكثر.
كانت ترتجف، تتلوى، تضع يديها على رأسها وكأنها تحاول تمزيق شيء بداخلها، لكن لم يكن هناك شيء يمكنها الإمساك به… لم يكن هناك شيء يمكنها إصلاحه.
لأن كل شيء قد تحطم بالفعل.
—
كيرين لم يعرف ماذا يفعل.
كان قد رأى الكثير من الألم في حياته، لكنه لم يرَ شخصًا يتكسر بهذه الطريقة.
شعر بالعجز.
لكن الشيء الوحيد الذي كان يعرفه هو أنه لا يستطيع تركها تغرق في هذا الظلام وحدها.
اقترب منها ببطء، ثم، دون تفكير، مد يده ووضعها على كتفها المرتجف.
لكن عندما فعل ذلك، التفتت إليه بعينين مليئتين بالدموع، وقبل أن يتمكن من قول أي شيء، صرخت مجددًا.
"لـيـوكـس مـات!!!"
—
الكلمات خرجت كطعنة قاتلة، لم تكن موجهة لكيرين… بل لنفسها.
وكأنها كانت تعذب نفسها بها، وكأنها لم تكن تصدقها حتى الآن، وكأنها كانت تحاول أن تجعلها حقيقة… لكنها لم تستطع.
ثم، في لحظة، وكأن كل طاقتها قد استنزفت… سقطت على صدره.
—
عيناها بقيتا مفتوحتين، لكنها لم تكن ترَ شيئًا.
لم تعد هناك روح في ملامحها، وكأنها أصبحت مجرد قشرة فارغة.
ببطء، بدأت تغمض عينيها مرة أخرى، وصوتها خرج كهمسة خافتة، مليئة بالاستسلام.
"لا أريد أن أكون هنا بعد الآن…"
ثم…
نامت.
—
كيرين لم يتحرك.
بقي جالسًا، يحدق بها، بينما الدموع التي لم يكن يعلم أنه كان يحبسها بدأت بالسقوط أخيرًا.
لأول مرة منذ مدة طويلة…
سمح لنفسه بالبكاء.
—
الليلة كانت باردة،
والكوخ كان معتمًا، والريح كانت تعصف بالخارج، لكن في الداخل…
كان هناك صمت.
صمت ثقيل… قاتم…
صمت كان يحمل بداخله كل الألم في هذا العالم.