الفصل التاسع عشر: بين الحياة والموت
—
مرت الأيام… لكن الزمن لم يكن كافيًا لشفاء الجراح التي حفرتها المأساة في قلوبهم.
في البداية، كانت ملاذ مثل الشبح. لا تتحدث، لا تنظر لأحد، بالكاد تأكل، وكأنها كانت ترفض التواجد في هذا العالم.
كل ليلة، كانت تستيقظ وهي تصرخ، صوتها يملأ المكان كأنها تعيش الكابوس نفسه مرارًا وتكرارًا، كأنها محبوسة في حلقة لا نهاية لها من الألم.
لكن شيئًا فشيئًا… بدأت تستعيد أنفاسها.
بدأت تتقبل الطعام، بدأت تتحدث بكلمات متقطعة، وبدأت نظرتها تستعيد بعض الحياة، ولو كان ذلك بشكل باهت.
لكن هناك شيء واحد لم يتغير…
لم تسأل عن هيسوكا.
—
كيرين لاحظ ذلك.
كان يعلم أنها تعرف أنه غير موجود، كانت تدرك أن هناك فراغًا خلفه، لكنها لم تتجرأ على السؤال.
كأنها كانت خائفة من الإجابة.
—
وفي أحد الأيام، بينما كانت تجلس خارج الكوخ، عيناها شاردتان في الغابة، همست أخيرًا بصوت منخفض، وكأنها تخشى حتى أن تسمع نفسها.
"أين… هو؟"
—
عندها، عرف كيرين أن هذه اللحظة قد حانت.
لم يرد على الفور، بل نظر إليها بصمت. كان يرى الصراع في ملامحها، التردد، الخوف، وحتى الغضب المكتوم.
أخيرًا، بعد صمت طويل، قال بهدوء:
"لقد رحل."
—
تجمدت في مكانها.
عيناها لم تتحركا، يداها بقيتا متشنجتين في حجرها، وكأنها كانت تحاول استيعاب هذه الكلمة…
رحل.
ثم، فجأة، ضحكت.
لكن لم تكن ضحكة حقيقية.
كانت ضحكة قصيرة… خاوية… مليئة بالسخرية المرة.
"رحل؟ فقط هكذا؟"
كيرين لم يجب.
رأى كيف عضت على شفتيها، كيف قبضت يديها بإحكام، ثم نظرت إليه أخيرًا بعينين مليئتين بالارتباك.
"هل يجب أن أكون سعيدة؟"
—
سؤالها أصابه بشدة.
لأنه كان يعلم أنها لا تعرف الإجابة.
هل تفرح لأن القاتل الذي دمر حياتها قد مات؟
أم تحزن لأنه الرجل الذي أنقذها رغم كل شيء؟
كان ذلك أكثر ألمًا من أي شيء آخر… هذه المشاعر المتناقضة التي تأكلها من الداخل.
"أنا… لا أفهم…" همست بصوت مرتجف.
"لقد دمر حياتي… لكنه أنقذني… لقد قتل ليوكس… لكنه ضحى بنفسه لأجلنا…"
غطت وجهها بيديها، وشهقت، وكأنها لم تعد قادرة على تحمل المزيد.
"أنا لا أعرف كيف أشعر…"
—
لم يكن لدى كيرين أي كلمات تواسيها.
لأن الحقيقة كانت… أنه هو الآخر لا يعرف كيف يشعر.
لم يكن هيسوكا مجرد شخص غريب بالنسبة له.
كان أكثر من ذلك بكثير.
—
"هل تظنين أنه مات حقًا؟"
رفع كيرين صوته أخيرًا، وعندما التفتت إليه ملاذ بعينين مليئتين بالارتباك، تابع كلامه ببطء.
"هيسوكا… لم يكن شخصًا يمكن القضاء عليه بهذه السهولة."
"لكنه كان ينزف بشدة! لقد كان وحيدًا أمامهم! كيف يمكن أن يكون حيًا؟!"
"أنا لم أقل إنه حي."
حدق كيرين في الأرض، نبرة صوته كانت ثقيلة.
"لكني أيضًا لم أرَ جثته."
—
ملاذ بقيت صامتة.
الحقيقة كانت واضحة… لم يكن لديهم أي دليل على موته.
لكن هل هذا يعني أنه قد يكون على قيد الحياة؟
—
لا أحد يعرف.
ولا أحد يريد أن يعرف.
لأن الحقيقة قد تكون أكثر إيلامًا مما يمكنهم احتماله.
—
ومع ذلك…
في مكان بعيد عنهم، حيث لا أحد يمكنه رؤيته…
كانت هناك يد
واحدة…
يد ملطخة بالدماء…
تتحرك ببطء وسط بركة قرمزية، كما لو أن الجسد الذي تنتمي إليه… لم يستسلم بعد.