الفصل الثاني: ظلال الماضي

استيقظت ملاذ على صوت الرياح العاتية التي كانت تهب عبر النافذة المحطمة، حاملة معها بردًا قاسيًا اخترق جسدها النحيل. فتحت عينيها ببطء، واحتاجت للحظات حتى تتذكر أين هي. كانت الغرفة مظلمة إلا من ضوء القمر الشاحب الذي تسلل عبر الزجاج المكسور، منعكسًا على الجدران المتصدعة.

حركت جسدها قليلًا، محاولة أن تطرد عنها أثر النوم المتقطع. كان المكان موحشًا، لكن الإحساس بالخوف الذي لازمها منذ أشهر لم يكن حاضرًا بقوته المعتادة. رفعت رأسها ونظرت حولها، محاولةً التحقق من الوضع.

كان هيسوكا لا يزال جالسًا عند النافذة، نفس وضعيته التي رأته بها قبل أن تغفو. يحدّق إلى الخارج، وجهه مزيج من الشرود والحذر. بدا وكأنه لم يغمض له جفن طوال الليل.

"لم تنم؟" سألت بصوت خافت، وهي تمسح عينيها المتعبة.

لم يلتفت نحوها فورًا، بل أخذ بضع ثوانٍ قبل أن يجيب بصوت منخفض: "لم أعتد النوم عندما يكون هناك شخص آخر بالقرب."

كان في صوته شيء ما جعل ملاذ تشعر بوخزة غريبة، وكأن كلماته تحمل خلفها قصصًا لا يريد التحدث عنها. رغم ذلك، لم تُرد أن تضغط عليه، فقد كانت تعلم جيدًا أن بعض الجروح لا تُشفى بالأسئلة.

نهضت من مكانها، تتحسس جيبها بحثًا عن قطعة خبز صغيرة كانت قد احتفظت بها من الليلة الماضية. أخرجتها وبدأت تأكل ببطء، تحاول أن تستمد بعض القوة ليوم جديد. لاحظ أسو ذلك لكنه لم يعلّق، فقط استمر بالتحديق في الفراغ، وكأنه كان يرى شيئًا آخر غير المدينة المحطمة أمامه.

"كيف كنت تعيش هنا وحدك؟" سألت بعد لحظات من الصمت.

ابتسم ابتسامة باهتة، لكنها لم تكن تحمل أي أثر للفرح. "كنت أتحرك باستمرار، لا أستقر في مكان واحد طويلًا. تعلمت أن البقاء في مكان واحد يعني أن تصبح فريسة سهلة."

أخذت ملاذ نفسًا عميقًا، محاولة أن تستوعب الحياة التي فرضتها عليهم الحرب. كانت تعرف أنها لم تكن الوحيدة التي فقدت كل شيء، لكن سماع القصة من شخص آخر جعل الألم أكثر واقعية.

قبل أن يتمكن أي منهما من قول شيء آخر، انطلق صوت انفجار بعيد، تبعته موجة ارتجاج خفيفة. تجمد كلاهما في مكانه، ثم أسرع هيسوكا نحو النافذة، يراقب ما يحدث.

"الانفجار لم يكن قريبًا جدًا، لكنه ليس بعيدًا أيضًا." قال بصوت منخفض، وكأنه كان يحاول تقييم الموقف.

ملاذ شعرت بتوترها يزداد. "هل يجب أن نغادر؟"

هزّ هيسوكا رأسه. "ليس بعد. إذا بدأ القتال يقترب، سنكون مستعدين."

جلست ملاذ قرب الحائط، تحاول أن تهدئ نفسها. نظرت إلى أسو، الذي بدا وكأنه كان يستعد لأي شيء قد يحدث. لاحظت الندبة التي تمتد عبر جانب رقبته، والضوء الباهت الذي انعكس على الضمادات الملفوفة حول ذراعه المصابة.

"كيف فقدت ذراعك؟" سألت، مترددة في طرح السؤال، لكنها لم تستطع كبح فضولها.

ابتسم هيسوكا بسخرية هذه المرة. "هذا… جزء آخر من القصة التي لا أحب التحدث عنها."

ملاذ لم تلح عليه، لكنها أدركت أن الرجل الذي أمامها ليس مجرد ناجٍ آخر، بل شخص يحمل في داخله جروحًا أكثر مما يبدو على السطح.

مرت بضع دقائق أخرى بصمت، قبل أن يقطعه صوت طرق خفيف على الباب. تجمد كلاهما في مكانه، تبادلا النظرات بسرعة، ثم سحب هيسوكا سكينًا صغيرة كانت بجانبه، وتقدم ببطء نحو الباب.

"من هناك؟" سأل بصوت منخفض لكنه صارم.

لم يأتِ رد في البداية، ثم بعد لحظات، جاء صوت ضعيف من الخارج. "أنا... فقط أحتاج إلى المساعدة، أرجوكم."

ترددت ملاذ للحظة، بينما ظل هيسوكا متصلبًا في مكانه. كانت هذه المدينة مليئة بالمخاطر، وكان فتح الباب لشخص غريب أمرًا محفوفًا بالمخاطر.

"ما اسمك؟" سأل هيسوكا بحذر.

"آدم..." جاء الصوت مجددًا، هذه المرة أقرب. "أنا وحدي، أقسم لكم."

نظرت ملاذ إلى هيسوكا، الذي بدا مترددًا. "يبدو صغيرًا..." همست له.

ظل هيسوكا صامتًا للحظة، ثم أخذ نفسًا عميقًا وفتح الباب بحذر. أمامهما، وقف صبي بالكاد في السادسة عشرة من عمره، بملابس ممزقة ووجه شاحب. كان يبدو عليه الجوع والإرهاق الشديد.

تقدمت ملاذ خطوة، تنظر إليه بعينين متفحصتين. "أين عائلتك؟"

خفض آدم رأسه، وكأن السؤال حمل معه حملاً ثقيلًا. "لقد... ماتوا."

نظر هيسوكا إلى ملاذ، ثم إلى الصبي، قبل أن يتنهد. "ادخل."

أغلق الباب بعده، وأدرك كلاهما أنهما ربما قد يكونان أضافا الآن عبئًا جديدًا على كاهلهما، أو ربما... وجدوا أخيرًا سببًا آخر للاستمرار.

{اسف لتأخير الفصل واعدكم بان القادم أعظم 🫶}

2025/03/25 · 6 مشاهدة · 652 كلمة
ASO
نادي الروايات - 2025