الفصل الثالث: أصوات من الماضي
ظل الصمت مسيطرًا على الغرفة، لم يكن هناك سوى صوت الرياح التي تهب عبر النافذة المحطمة. ملاذ لم تكن متأكدة مما عليها فعله؛ هذا الصبي، "آدم"، كان يقف هناك، شاحبًا، منهكًا، وعيونه تحمل ظلال خوف دفين. شعرت بوخزة في قلبها، إحساس مألوف يذكرها بنفسها عندما كانت وحيدة، عندما فقدت كل شيء.
لكن هيسوكا لم يكن ينظر إلى الصبي كما كانت تفعل. كان يحدّق فيه كما لو كان يحاول سبر أغوار كذبة غير مرئية، كأن عينيه كانتا قادرتين على تفكيك الحقيقة من الخداع.
"متى كانت آخر مرة أكلت فيها؟" سأله بصوت بارد، خالٍ من أي تعاطف.
آدم بلع ريقه بصعوبة، ثم تمتم: "قبل يومين... أو أكثر، لا أعرف."
راقبته ملاذ، مترددة، قبل أن تمد يدها وتعطيه ما تبقى من قطعة الخبز التي كانت تخبئها. التقطها الصبي بيدين مرتعشتين، لكنه لم يلتهمها مباشرة، بل نظر إليها بحذر، كأنه لم يصدق أن شخصًا ما قد يمنحه شيئًا دون مقابل.
هيسوكا ظل صامتًا، لكن عينيه كانتا مسمرتين على الصبي. ثم، وبحركة بطيئة، أخرج خنجره الصغير وألقاه على الطاولة بينهما، محدثًا صوتًا حادًا جعل آدم ينتفض.
"اسمعني جيدًا،" قال هيسوكا بنبرة منخفضة لكنها محملة بالتهديد. "إذا كنت تكذب عليّ، أو تخطط لشيء ما، فلن تعيش حتى تشرق الشمس غدًا."
شهقت ملاذ ونظرت إليه بصدمة، لكن هيسوكا لم يلتفت إليها. كان لا يزال يحدّق في الصبي، الذي أومأ بسرعة، وكأن جسده أدرك التهديد قبل عقله.
ثم، وسط هذا التوتر، فعلت ملاذ ما لم يكن أحد يتوقعه—اقتربت وجلست على الأرض بجانب آدم. لم تهتم بنظرات هيسوكا أو قلقه، فقط أرادت أن تعرف الحقيقة.
"آدم..." قالت بهدوء، كما لو أنها تحاول تهدئته. "أخبرني، كيف وصلت إلى هنا؟"
كان الصمت هو الجواب الأول، ثم، بعد لحظات من التردد، تمتم آدم بصوت بالكاد مسموع: "هربت."
"من ماذا؟"
"منهم..."
ارتعش جسده، ونظرت ملاذ إلى هيسوكا، لكن الأخير كان لا يزال جامدًا في مكانه، وكأن شيئًا في كلمات الصبي أثار داخله ذكريات لم يرغب في استرجاعها.
"من تقصد؟"
آدم رفع رأسه ببطء، وعيناه مليئتان بالخوف. "الأشخاص الذين قتلوا عائلتي."
وفي تلك اللحظة، ساد الصمت كما لو أن العالم نفسه توقف عن الحركة. ملاذ شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، بينما هيسوكا اكتفى بشد قبضته حول خنجره، وعيناه تلمعان بشيء غامض.
ثم، وقبل أن يتمكن أحدهم من استيعاب الموقف، دوى صوت انفجار آخر، هذه المرة أقرب. الجدران اهتزت، والغبار تساقط من السقف. قفز هيسوكا على قدميه بسرعة، وسحب سلاحه، بينما تسمرت ملاذ في مكانها، ويدها لا تزال على كتف آدم المرتجف.
"علينا المغادرة، الآن!" قال هيسوكا بصوت حاد.
لكن قبل أن يتحرك أي منهم، سُمع صوت آخر من خلف الباب، صوت خطوات ثقيلة... شخص ما كان هناك.
ولأول مرة منذ فترة طويلة، شعرت ملاذ أن الخطر الحقيقي لم يكن مجرد ذكرى من الماضي، بل كان على وشك أن يصبح حاضرًا مميتًا!
دق...
دق...
دق...
.....