100 - التجربة البيولوجية الطاغية

الباب يُغلق خلفنا بصوت معدني ثقيل، كأن جبلًا كاملاً قد سقط في مكانه.

الصمت يتبعه مباشرة، صمتٌ كثيف، يُشبه الذي يسبق العاصفة، لكنه هنا أكثر... حضورًا. لا أصوات أقدام. لا أنفاس. لا حتى نبض قلبي. فقط رائحة الكلور الممزوجة بالدم القديم، ووميض أحمر خافت ينبعث من مصابيح الطوارئ المكسورة، كأنها عيون ميتة ترفض أن تغمض.أمسك بمظلتي بقوة. الجلد الرمادي على يدي يلتصق بالمعدن البارد.

إليزابيث تتكئ على كتفي، ركبتها المصابة تترك خطًا من الدم على الأرضية الرخامية المتصدعة.

فيرتشايلد يتقدم خطوة، نظارته مكسورة، عيناه مفتوحتان على وسعهما، كطفل يرى أمه بعد سنوات من الغياب.المستودع... ليس مستودعًا.

هو متحف للكوابيس المُجمدة.على الجدران، أقفاص زجاجية مُغلقة بأختام حديدية، بعضها مكسور، بعضها لا يزال يحتوي على ظلال تتحرك ببطء خلف الضباب الداخلي.

أرى في أحدها ذراعًا بشرية تنمو من جذع معدني، أصابعها ترتعش كأنها تبحث عن شيء لتخنقه.

في آخر، رأس كلب بلا جسد، عيناه تتابعاننا، لكنه لا ينبح. فقط يُحدق. في الوسط، معدات غريبة: أنابيب زجاجية مملوءة بسائل أخضر يغلي ببطء، بداخلها أجنحة صغيرة ترفرف.

طاولة جراحية معدنية، ملطخة ببقع سوداء لزجة، وعليها منشار دائري لا يزال يدور... ببطء... بلا كهرباء.

رفوف خشبية مُحترقة جزئيًا، مليئة بـ أدوات أثرية: ساعة رملية تتدفق فيها دماء حمراء.

قناع تنين مصنوع من اليشم، عيناه جوهرتان سوداوان تتحركان.

كتاب مفتوح، صفحاته فارغة، لكن الحبر يتساقط منه كأنه يبكي.

نبدأ البحث.

أنا أتحرك بين الأقفاص، مظلتي جاهزة.

إليزابيث تتكئ على الحائط، تُمسح الدم عن جرحها، لكن عينيها لا تتوقفان عن التجوال.

فيرتشايلد يتجول كالمجنون، يُقلب الصناديق، يُزيح الأغطية، يهمس:

"يجب أن تكون هنا... يجب..."ثم..."وجدتها."صوت إليزابيث. هادئ. مُذهول.في الزاوية البعيدة، فوق طاولة حجرية قديمة مغطاة بغبار القرون، تقف آلة كتابة.لكنها...

عادية.

عادية للغاية.آلة كتابة يدوية قديمة، من طراز أوليفر، لونها أخضر باهت، مفاتيحها صفراء من الاستخدام، ذراع الطباعة مائل قليلاً، ورقة بيضاء مُدخلة فيها منذ عقود.

لا توهج.

لا رموز.

لا مانا.

لا شيء.فقط... آلة.فيرتشايلد يندفع.

يرمي نفسه عليها.

يحتضنها بكلتا يديه.

يقبل المفاتيح.

يهمس:

"يا حبيبتي... يا روحي... لقد افتقدتك..."أنا وإليزابيث ننظر إليه.

ثم إلى بعضنا.

ثم إليه مرة أخرى.أرفع حاجبي.

"ما هذا؟"

أقول بصوت ميت:

"إنها عادية للغاية. توقعت أن تكون... على الأقل، مثيرة للاهتمام أكثر."فيرتشايلد يلتفت.

عيناه تلمعان.

دموعه تتساقط على المفاتيح."لا تسخر من هذه الآلة العظيمة!"

يصرخ، صوته يتردد في المستودع كأنه صلاة:

"إنها ملجأنا الأخير!"أتنهد.

أرفع يدي باستسلام.

"حسنًا، حسنًا..."لكن في داخلي، شيء واحد فقط يدور:

إذا كانت هذه هي الآلة التي ستوقف سلابي...

فنحن في مشكلة أكبر مما ظننت.الفصل مستمر...

الباب المعدني أغلق خلفنا بصوت مدوٍ. دخلنا إلى صمت ثقيل، يكسره فقط صوت المصابيح الحمراء الخافتة التي تومض في سقف المستودع. الرائحة كانت مزيجًا مقرفًا من مواد كيميائية ودم قديم.

فيرتشايلد كان لا يزال يحتضن آلة الكتابة، بينما كانت إليزابيث جالسة على الأرض تضغط على جرحها. أنا، بالطبع، كنت مرهقًا ومضطرًا للاعتماد على المظلة كعصا.

نظرت إلى فيرتشايلد وقلت ببرود: "إذن. الآلة معك. ابدأ بالكتابة، ليس لدينا وقت."

لم يرد فيرتشايلد على الفور. كان ظهره متصلبًا، ويداه متشبثتان بالآلة الخضراء. عندما التفت أخيرًا، كانت عيناه ضائعتين.

"بماذا نبدأ؟" سألته، مستغرباً من ارتباكه.

بدا متوتراً للغاية، وكأنه يواجه أسوأ من وحوشه. "حسناً..." قال، وتمتم قليلاً قبل أن يكمل. "لا أستطيع الكتابة الآن."

صرخت بغضب: "ماذا!؟"

"اسمعني أولاً،" قال بهدوء يحاول به تهدئتي. "لكي أختم كل الوحوش، يجب أن أصنع كتاباً كاملاً. رواية حقيقية، بقصة، وشخصيات، وبداية ونهاية منطقية. لا يمكنني تسليك الأمر بصفحة واحدة. هذا يحتاج وقتًا وجهدًا وتركيزًا."

"وكم من الوقت؟" سألت، محاولاً السيطرة على أعصابي.

تنهد فيرتشايلد ونظر حوله إلى الأقفاص المكسورة. "يجب أن أجد الإلهام أولاً. لكن أقل تقدير، ثلاثة أيام."

"ماذا؟!" قلت، متراجعاً خطوة. "المدينة ستتحول إلى أنقاض خلال ثلاثة أيام! هذا غير مقبول!"

"لا يوجد خيار آخر، بابادوك. صدقني."

"الخطة إذاً؟"

"يجب أن نأخذ الآلة ونخرج من هذا المخبأ. ثم نذهب إلى منزلي في المدينة. أريد أن أرى ابنتي. أنا غير مرتاح هنا على الإطلاق، ولا يمكنني التفكير في أي قصة أو أحداث وأنا محاط بكل هذا العبث والرعب. الإلهام لن يأتيني إلا في مكاني الخاص."

توقفت. المنزل في المدينة؟ آلة قديمة وكتابة قصة؟ ثلاث أيام مهلة؟ لقد كانت هذه هي النهاية الأكثر سخافة لرحلة مروعة.

تنهدت بعمق، واستسلمت للأمر الواقع.

"حسناً،" قلت. "هيا لنذهب إلى منزلك."

ساعدت إليزابيث على النهوض، بينما حمل فيرتشايلد آلة الكتابة الثقيلة على صدره، وبدأنا رحلة الخروج الطويلة.

حمل فيرتشايلد آلة الكتابة الثقيلة وكأنها كنزه الوحيد المتبقي. إليزابيث، رغم ألم ساقها، كانت مصرة على المشي بنفسها. أما أنا، فكان كل تركيزي على نقطة واحدة: الخروج. لا يهمني من في هذا المستودع أو ما هو تاريخه، أريد فقط الخروج من هذا القبر البيولوجي قبل أن يعود الزاحف الأسود.

كنا قد قطعنا بضعة أمتار، نتجنب أدوات الجراحة الملطخة وأوعية السوائل الخضراء، عندما توقف فيرتشايلد فجأة وتصلب مكانه.

"بابادوك..." تمتم بصوت خافت، يكاد لا يُسمع.

نظرت إليه، فكان يحدق نحو كتفه الأيمن. كانت يده اليسرى متصلبة في الهواء. ثم لاحظت ما جعله يتجمد:

يد بشرية سمراء كانت تمسك بكاحله بقوة.

القبضة كانت قوية ومفاجئة، تخرج من أسفل قماش قذر يغطي أحد الأقفاص الكبيرة المهجورة في زاوية المستودع. القفص نفسه كان واسعًا، مصنوعًا من قضبان فولاذية سميكة، لكنه مغطى بشكل كامل بقطعة قماش سميكة بنية ومهترئة، ملتصقة على القضبان بفضل الرطوبة وقِدم المكان. كانت اليد مجردة من أي زينة، خشنة الملمس، ولكن حية بشكل قاطع.

تجمد فيرتشايلد، وهو يرتعش بشكل لم أره عليه حتى عندما كان محاطاً بالزومبي. كان خوفه هنا مختلفاً، خوف من المجهول القريب بدلاً من الرعب البيولوجي العنيف.

"أتركني! أرجوك! من أنت؟" بكى فيرتشايلد، وحاول سحب ساقه، لكن اليد تمسكت به بإصرار.

"اهدأ يا فيرتشايلد." قلتُ بحدة، متقدمًا نحوه بخطوات محسوبة. وضعتُ مظلتي على كتفي، جاهزًا للدفاع، لكنني كنتُ متأكداً أن هذا ليس هجوماً، بل استغاثة يائسة.

"فقط اتركه."

انحنيتُ ببطء نحو القفص. كانت رائحة خفيفة، لم أستطع تحديدها بالضبط، تنبعث من تحت القماش. أمسكتُ بطرف القماش السميك بيدي. لم أكن أريد أن أستخدم السحر أو العنف، أردت فقط أن أرى هذا "الشيء" الذي يمسك بنا.

سحبتُ القماش بقوة في حركة واحدة سريعة.

ما رأيناه جعلنا نتوقف جميعًا. لم يكن الأمر مجرد تجربة بيولوجية قذرة من صنع أمبريلا.

كان القفص يضم ما لا يقل عن عشرة أو خمسة عشر بشرياً، لكنهم لم يكونوا بشراً تماماً. كان الشيء المميز فيهم هو قرونهم البارزة. قرون مختلفة الأشكال والأحجام: بعضها قصير ومدبب، وبعضها يلتف بنعومة حول الرأس.

في تلك اللحظة، عم الصمت مجدداً، صمت لم يكن مصدره الغياب، بل الصدمة المطلقة.

نظرت إلى إليزابيث، عيناها متسعتان، وصدمتها لا تقل عن صدمة فيرتشايلد الذي سقطت نظارته تقريباً. أما أنا، فلم يتبق لي سوى حاجب مرفوع وذهن يرفض تماماً قبول هذا الواقع الجديد.بعد الزومبي ووحوش الكتب والستاند، الآن هذا؟

بمجرد أن أزلنا القماش، بدأوا جميعاً يمدون أيديهم نحو قضبان القفص. لم يصرخوا، بل طلبوا المساعدة بهدوء يائس، ولكن بصوت واحد: "أرجوكم، أخرجونا! لا يمكننا البقاء هنا!" "نحن محتجزون منذ وقت طويل! ساعدونا!"

فيرتشايلد، متجاهلاً الآلة للحظة، سأل بخوف: "من أنتم بحق الجحيم؟ ولماذا لديكم قرون؟"

فجأة، وقف رجل واحد منهم في وسط المجموعة. كان وقوفه يمثل نقطة تركيز داخل الفوضى. أما البقية فبقوا جالسين في الظلال.

كان الرجل في منتصف العشرينات تقريباً. وجهه كان هادئًا لكن ملامحه حادة ومتعبة، تروي قصة عذاب طويلة. ما لفت انتباهي فعلاً هي عيناه، اللتان عكستا مزيجاً غريباً من الثقة والرهبة. كان يتميز بقرنين كبيرين ملتفين على جانبي رأسه، يشبهان قرون الكبش العتيق، مما أعطاه مظهرًا غير بشري أو شيطانياً بعض الشيء.

كان يرتدي معطفًا طويلاً رماديًا داكن اللون، تحته قميص برتقالي وسترة خضراء مفتوحة، مما منحه مظهرًا حادًا ومتمردًا. بنطاله داكن اللون، وكان يحمل حزامًا معدنيًا عليه مشبك على شكل جمجمة صغيرة. كانت ملابسه نظيفة بشكل مدهش، وكأن هذا الزي هو هويته.

قال الرجل بصوت متماسك، خالٍ من الذعر: "نحن لسنا مسوخاً ولسنا تجارب بشرية فاشلة. نحن عرق فخور بقرونه. نحن لسنا من البشر، نحن في الأساس عرق فضائي يُدعى 'ريف'."

أطلقتُ تنهيدة عميقة. فضائيون. لا بأس، لقد تجاوزنا مرحلة الصدمة.

هتف فيرتشايلد بتشنج: "عرق فضائي؟ ما هذا بحق الجحيم؟ هل هناك فضائيون أصلاً؟"

لكني لم أهتم بسؤال فيرتشايلد. تقدمتُ خطوة، مثبتًا عينيّ على الرجل، وقلتُ بصرامة: "أكمل."

أكمل الرجل: "أنا اسمي ماركو. أنا أحد جنود 'ريف' وتم حبسي هنا منذ مدة طويلة أنا وبعض من أبناء شعبي. تم جلبنا لكي يتم بيعنا في هذا الكوكب المدعو بالأرض لأغراض لا أعلمها. لذا، أرجوكم، ساعدونا في الخروج والهروب، وسوف نصبح مدينين بحياتنا لكم."

بقيت أفكر. كان هذا قراراً عملياً بحتاً.

"لا شكراً." قلتُ، واستدرتُ لأبدأ في السير نحو مخرج المستودع. "لنرحل من هنا."

صرخ ماركو بحدة، يطرق القضبان: "لماذا!؟ أرجوك ساعدنا!"

توقفتُ، لكنني لم ألتفت إليهم. "ما الذي سأجنيه من مساعدتكم؟ نحن واقعون في مشاكل بالفعل تكفي لإنهاء هذا الكوكب، وتريدونني أن أضيف حملاً جديداً ومخلوقات فضائية إلى قائمة أعبائي؟"

فجأة، انزل ماركو رأسه إلى القاع، في إشارة إلى توسل عميق. صوته أصبح أقل حدة، وأكثر رجاءً: "أرجوك. لدي زوجة وابنة تنتظراني. أرجوكم ساعدونا، وفي المقابل، سوف أفعل ما تريدونه مهما كان."

عندما سمعتُ هذه الجملة، تذكرتُ شيئاً آخر.

عملية. هذا كل ما يهمني.

استدرتُ مرة أخرى، وسحبتُ مظلتي من على كتفي. وفي ضربة خاطفة واحدة وبقوة هائلة—لم أستخدم سحرًا، فقط قوة ذراع مجنونة—وجهتُ المظلة نحو قفل وباب القفص. تحطم الفولاذ السميك مع صوت صاخب هز أركان المستودع، وتناثرت الشظايا على الأرض.

لقد تحرروا.

"هيا بنا." قلت ببرود. "أصبحنا مديونين لبعضنا البعض."

صوت انهيار الفولاذ كان صاخباً جداً، وكأنه أعلن تحرير أرواح السجناء جميعاً. فور تحطم الباب، لم ينتظروا ثانية واحدة. اندفع القوم ذوو القرون نحو الحرية، وهم يتبادلون النظرات المذهولة والهمسات المرتعشة.

كان مشهداً فوضوياً ولكنه مليء بالرضا؛ عشرات السجناء يتحركون للمرة الأولى بعد ما بدا وكأنه أبدية. كانت الفرحة الصامتة في عيونهم أكثر تأثيراً من أي صراخ. البعض سجد، والبعض احتضن قضبان السجن المكسورة.

تقدم ماركو نحوي. كانت عيناه، تحت القرون الملتفة، تلمعان بصدق عميق. مد يده السمراء وصافحني بقبضة قوية، مليئة بالامتنان الصادق الذي لم أعتد عليه في حياتي.

"شكراً لك أيها البشري." قال ماركو بصوت هادئ ومُمتن.

رفعتُ حاجبيّ قليلاً وأرجعتُ يديّ. "لا تقلق. أنا لستُ بشرياً."

توقف ماركو للحظة، وبدا الاستغراب واضحاً على ملامحه المتعبة. ألقى نظرة سريعة على جلدي الرمادي، وعلى فيرتشايلد المهزوز، وعلى إليزابيث الهادئة. لقد تجاوزنا مرحلة الصدمة من مظهري.

"حسناً،" قال ماركو وهو يهز كتفيه قليلاً، متقبلاً الأمر ببساطة غريبة. "أسمي دووك. وهذا فيرتشايلد، وإليزابيث."

"سُررت بلقائكم أيها الأشخاص الطيبين." رد ماركو، ثم نظر إلى شعبه الذي كان يستعيد توازنه خلفه.

"الطيبون؟" تمتمتُ لنفسي. لستُ متأكداً إن كنا نستحق هذا الوصف بعد كل ما فعلناه للوصول إلى هنا، لكن لن أجادل رجلاً أطلقته للتو من السجن.

بدأتُ أشرح لفيرتشايلد خطتنا للخروج، وكيف أن الآلة هي أولويتنا الوحيدة، عندما قاطعني فجأة صوت إليزابيث الخافت.

كانت إليزابيث تحدق في زاوية مظلمة بالقرب من المخرج. كانت هناك كومة من الصناديق التي لم ألاحظها، وبجانبها قفص صغير ضيق. كان القفص مغطى بقطعة من القماش المشمع، لكن جزءاً منه كان ممزقاً، ويكشف عن شيء يتحرك في الظلام.

"دووك،" قالت بهدوء، صوتها يحمل نبرة استجداء لم أستطع رفضها. "القفص هناك. أرجوك."

نظرت إليها. لقد تعرضت للطعن، وحُوصرت، ورأت مناظر أسوأ من الجحيم، لكن مازال قلبها يتسع لطلب كهذا. لا وقت لدي، لكن لا يمكنني أن أترك طلباً بسيطاً كهذا يتوقف عند عنادي.

تنهدتُ بغضب مصطنع، ومسحتُ جبيني. "حسناً، حسناً."

سرتُ بضع خطوات نحو القفص. كان صغيراً، ومعدنه أقل سماكة من قفص ماركو. وبضربة خفيفة واحدة بالمظلة، انفتح القفص وتطاير الباب جانباً.

خرج الكائن بهدوء، دون صراخ أو اندفاع.

كان قطًّا كبيرًا بلا فرو، شبيهًا بسلالة القطط السفينكس، لكن ملامحه أكثر حدة. لم يكن مجرد حيوان أليف. كان جلده أزرق مائل للرمادي، وعيناه صفراوان لامعتان تعكسان مزيجاً غريباً من الذكاء والعدوانية في آنٍ واحد، وكأنه يدرسنا. أسنانه كانت بارزة قليلاً، تعطيه مظهرًا مفترسًا مصغراً.

لكن أغرب ما فيه كان طوقه. كان يرتدي حول رقبته طوقًا ذهبيًا فخمًا مزخرفًا برمز شمس بوجه بشري، يذكرني بالرموز التي رأيتها في كتاب "شمس المعارف" اللعين.

تحرك القط ببطء نحو إليزابيث، وبدأ يتمسح في ساقها المصابة، وكأنه يشكرها بطريقته الخاصة على تحريره.

"يا له من قط ذو مظهر غريب،" قلتُ، محاولاً تجاهل الطوق الفاخر. "لا بد أنه تجربة جينية أخرى."

تدخل ماركو وهو يبتسم ابتسامة باهتة: "ليس كذلك تماماً. هذه نوعية قطط فضائية أيضاً. تدعى قطط الكذب."

توقفت. "قطط الكذب؟"

"نعم،" أكد ماركو. "إن أكثر شيء يميز هذه النوعية من القطط هو أنه كلما سمع كذبة، يقول 'كذب'. بهذا، هو مفيد جداً في كشف الكذابين."

نظرتُ إلى القط الذي كان لا يزال يتمسح بإليزابيث. هذا الحيوان، لو كان صحيحاً، سيكون أكثر فائدة من نصف الأبطال الخارقين الذين قابلتهم حتى الآن.

ضحكتُ ضحكة مكتومة، تحمل الكثير من التعب والسخرية.

"يبدو أنه سيكون مفيدًا إذاً. فلنأخذه معنا." قلتُ وأنا أتذكر صديقنا الغائب. "بالتأكيد بليك محب القطط سوف يعجبه."

لقد اتخذنا قرارنا. صار لدينا الآن عرق فضائي مدين لنا، وكاتب يبحث عن الإلهام، وقط كاشف للأكاذيب.

لم يعد لدينا وقت نضيعه.

التفتُ إلى ماركو، الذي كان قد بدأ يجمع قومه بشكل طبيعي ومهذب. "ماركو. لديك الآن حرية الحركة. لكن الآن يجب أن نخرج جميعاً. هل تستطيع تنظيمهم بحيث لا نُحدث فوضى تجلب لنا الزاحف الأسود أو أي شيء آخر من هذا الجحيم؟"

أومأ ماركو برأسه بجدية الجندي. "سأفعل. سنسير في مجموعات صغيرة، ونتبع تعليماتك. نحن مدينون لك."

وبالفعل، بدأ ماركو بتنظيم "الريف" في صفوف هادئة ومتحركة. كانوا يبتعدون عن الأقفاص البيولوجية المكسورة، ويتحركون نحو الممر الطويل المؤدي إلى السطح. فيرتشايلد حمل آلة "أوليفر" كطفل، وإليزابيث سارت بجانبي. القط الأزرق، الذي لم يقل "كذب" بعد، سار بكرامة خلف إليزابيث مباشرة.

بدأنا رحلة الصعود من المستودع المظلم. كانت هذه هي اللحظة الفاصلة؛ الخروج من الجحيم البيولوجي والتوجه نحو فوضى العالم الخارجي.

لم تدم راحة العثور على الآلة وجمع الرفقة الجديدة طويلاً.

كنا قد بدأنا الصعود على الدرج اللولبي من المستودع الأخير، نتسلق ببطء وحذر. ماركو كان في المقدمة، يقود قومه من "ريف" بصمت ينم عن انضباط عسكري، تتبعهم إليزابيث وفيرتشايلد وقط الكذب الهادئ. كنت أنا في المؤخرة، أراقب الظلال، وأعلم أن الهدوء لا يمكن أن يدوم.كان الدرج يمر عبر مستويات مهجورة، كل منها يحمل رائحة مختلفة من التعفن والتكنولوجيا. كنا في المنتصف تقريباً بين المستويين، عندما سمعنا صوتاً من الأسفل، من الظلام الذي تركناه خلفنا. لم يكن صوت الزاحف الأسود، بل كان صوتاً يُشبه سحب جلد جاف على رمال خشنة، متبوعاً بأصوات تمزق لحم وكأنه ينسلخ عن العظام.

توقف الجميع. التفت ماركو إلي، وعيناه تعكسان قلقاً عميقاً.

"ما هذا؟" همس فيرتشايلد من خلفي، وهو يضغط آلة الكتابة على صدره.

"مهلاً."

رفعتُ مظلتي. لم أكن أسمع شيئاً يتحرك على الدرج نفسه، لكن الصوت كان يزداد قوة من الأسفل، يتصاعد مع رائحة مميزة... رائحة الكيمياء المحترقة واللحم المتعفن. كان الأمر أسوأ من أي شيء شممناه في مستودعات الزومبي.

نظرتُ إلى أسفل الدرج اللولبي. الظلام كان كثيفاً، لكن مصابيح الطوارئ الخافتة كانت ترسم خطوطاً حمراء متقطعة على الجدران.

ثم ظهر.

لم يكن يزحف، بل كان ينسلخ من الظلام ذاته.

كان المخلوق يبدو ككائن بشري مشوّه بشكل مرعب، نجا من ألف عملية مسخ فاشلة. نصفه تقريباً ما زال يحتفظ ببقايا هيئة الإنسان، لكن النصف الآخر تحوّل إلى كتلة لحمية متضخمة ومتحللة. كان جسده طويلاً وعضلياً، لكن الجلد رمادي باهت، كأنه ميت أو محروق بالحمض النووي.

كانت ذراعه اليمنى قد تحولت بالكامل إلى مخلب ضخم مكوّن من عظام حادة ومنتفخة، أشبه بمخالب الوحوش أو الطفيليات التي نمت داخل الجلد. أما الجانب الأيسر من صدره، فكان مفتوحاً وممزقاً، يمكنني أن أرى عضلات وأنسجة لحمية حمراء متآكلة، مما أعطاني انطباعاً مريعاً بأن هذه الطفرات كانت تمزق جسده من الداخل ببطء.

الفخذ الأيسر كان مليئاً بكتل لحمية منتفخة تشبه الأورام التي تنمو تحت الجلد. وجهه، يا إلهي، نصفه مشوّه بشدة، كأن اللحم قد تآكل أو ذاب، والعين في هذا الجانب كانت مظلمة تماماً.

لقد كان تجسيداً للفشل البيولوجي والاحتضار.

وقف المخلوق في وضع عدائي، منحنيًا قليلاً للأمام، يستعد للانقضاض. صوته كان هسهسة حادة ممزوجة بصوت صفير رئوي.

"ابقوا في أماكنكم!" صرختُ على المجموعة.

أخرجتُ فيرتشايلد وإليزابيث من مجال القتال، ودفعتُ ماركو وقومه للالتصاق بالجدار. القط الأزرق القبيح نظر إلى المخلوق ثم إلي، لكنه لم يقل "كذب"، مما أكد لي أن هذا الرعب حقيقي.

تقدمتُ بضع خطوات نحو أسفل الدرج لأعترض طريق المخلوق. كان الطريق ضيقاً، مما يجعل قتاله محفوفاً بالمخاطر، لكنه يمنع المخلوق أيضاً من استخدام ذراعه الضخمة بكامل طاقتها.

"يا له من منظر مقرف." تمتمتُ وأنا أجهز مظلتي.

اندفع المخلوق. لم يكن حركته سريعة كالزاحف الأسود، بل كانت قوة خام عنيفة. ركض نحوي بجسده غير المتناسق، حركته تُصدر أصوات اصطدام اللحم المتآكل بالخارج.

كانت الضربة الأولى بمخلبه الأيمن الضخم. حاولت تفاديها، لكن المساحة كانت ضيقة. رفعتُ المظلة لأمتص الضربة.

كراااااش!

اهتزت يديّ من قوة الاصطدام. ورغم أن المظلة مصنوعة من معدن متين، شعرتُ بالضغط الهائل. ارتدت المظلة عن المخلب، وأصدرت صوتاً معدنياً حاداً. تراجعتُ خطوتين بسرعة.

ادركتُ فوراً أن هذا ليس كائناً عادياً. قوة الضربة كانت تفوق قوة الزومبي الأقوياء. كان عليّ أن أعتمد على التكتيك والمهارة، لا القوة.

اندفعتُ نحوه مرة أخرى. لكن هذه المرة، لم أهاجم. استخدمتُ حركتي الجسدية المكتسبة من سنوات التدريب. انزلقتُ تحت ذراعه المتضخمة، متجنباً خبطة أخرى.

كانت خطتي هي استغلال جانبه الأيسر الممزق. هذا هو المكان الذي كان فيه ضعفه الداخلي.

لففتُ المظلة في يدي. وبسرعة فائقة، استخدمتُ طرفها الحاد كـنصل ملتوي. وجهتُ ضربة دقيقة نحو كتفه الأيسر المفتوح، حيث كانت الأنسجة الحمراء مكشوفة.

تشيك!

اخترقت مظلتي اللحم المتعفن. لم يصرخ المخلوق، لكن جسده كله تشنج بعنف. خرجت رائحة كريهة جديدة، كأن شيئاً حيوياً تمزق بداخله. سحبتُ المظلة بسرعة، متفادياً مخلبه الذي عاد ليخبطني بعنف على الجدار.

نجحتُ في حماية جسدي، لكن قوة الضربة حطمت جزءاً من الجدار، وتناثر الغبار والملاط.

استغللتُ غبار الجدار كساتر دخاني لحظي. كان عليّ أن أتصرف بسرعة.

تراجعتُ إلى مسافة آمنة قليلاً، على الدرجة العليا. كان المخلوق يهتز، واللحم الممزق في كتفه الأيسر يتدفق منه سائل أسود لزج. كان مصراً على الصعود.

"ماركو!" صرختُ على قائد "ريف". "استمروا في الصعود! لا تتوقفوا!"

كان المخلوق قد استعاد توازنه. وقف في وضع عدائي، يدرسني بعينه الوحيدة السليمة، محاولاً تحديد موقفي في الضباب. كان ذكياً، لا يهاجم بتهور كالزومبي.

اندفعتُ نحوه مرة أخرى، لكن هذه المرة، قمتُ بحركة خداع: أطلقتُ المظلة نحوه بقوة، وكأنها رمح معدني.

توقع المخلوق الهجوم المباشر، فرفع مخلبه لصدها. لكنني لم أقصد إصابته. الهدف كان إلهاءه عن قدمه.

في اللحظة التي اصطدمت فيها المظلة بمخلبه، استخدمتُ جسدي النحيل للانزلاق على الجانب الأيمن، وهبطتُ على الدرجة التي يقف عليها.

وبسرعة خاطفة، وجهتُ ركلة قوية على ركبته اليسرى المنتفخة، التي كانت تحمل كتل الأورام الطفيلية. لم أستهدف العظم، بل استهدفت الكتل اللحمية.

فرقعة قوية.

اهتز المخلوق بعنف، وسقط على ركبته. لم يتمزق الجلد، لكنه تلقى ضرراً داخلياً واضحاً. استغليتُ سقوطه، وسحبتُ مظلتي من مخلبه.

الآن أصبحت فوقه، والمساحة ضيقة جداً.

حاول المخلوق توجيه ضربة خاطفة بمخلبه من الأسفل، لكنني كنتُ أسرع. استخدمتُ مظلتي للدفاع عن رأسي، ثم وجهتُ سلسلة من الضربات السريعة والدقيقة نحو وجهه المشوّه ونحوه صدره المفتوح.

كان كل ضربة بمثابة سكين حاد يخترق لحماً متعفناً. لم يستطع المخلوق الدفاع بفاعلية في هذا الوضع الضيق.

لكنه لم يستسلم. فجأة، بدأت الكتل اللحمية المنتفخة في ساقه وذراعه تتوهج بلون بنفسجي خافت، وبدأ جسده يهتز بعنف أكبر. شعرتُ بطاقة بيولوجية خام تتجمع داخله.

أدركتُ أن هذا المخلوق كان على وشك إطلاق قدرة قوية، ربما انفجار بيولوجي مدمر.

تراجع!

لم يكن لدي خيار سوى التراجع الفوري للحفاظ على سلامتي وسلامة المجموعة. قفزتُ للخلف صاعداً الدرج بسرعة، بينما تركيزي كله على المخلوق.

عاد المخلوق للوقوف ببطء، يحمل آلاماً واضحة، لكنه الآن أكثر شراسة. توهجت عينه الوحيدة الباقية بلون أحمر غاضب، وارتفعت يدُه ذات المخلب الضخم نحو الأعلى، استعدادًا لشن هجوم قادم لم أكن أرغب في رؤيته.

القتال لم ينته بعد. بل بدأ للتو، والمخرج لا يزال بعيداً جداً.

صعدتُ عدة درجات، مُحافظاً على مسافة أمان، بينما كان المخلوق يرتفع ببطء من مكانه. كان جسده يهتز، وتلك الكتلة اللحمية المنتفخة على فخذه الأيسر تتوهج بالبنفسجي الخافت. هذه لم تكن مجرد إصابة، بل كانت عملية شحن بيولوجي.

"تحركوا أسرع!" صرختُ على ماركو وقومه، الذين كانوا يتسلقون الدرج اللولبي بصمت، يتبعون تعليمات القائد.

انقضّ المخلوق. لم يعد يجري. لقد استخدم قفزاته القوية القصيرة التي ذكرتموها. قفز مباشرة للأعلى، قاطعاً ثلث الدرج في حركة واحدة، محاولاً سحقي تحت وزنه الهائل.

لم يكن لدي وقت لاستخدام أي حيلة معقدة. كانت ردة فعلي غريزية: دفعتُ جسدي بعيداً عن الجدار، واستخدمتُ حافة المظلة كنقطة ارتكاز لدفع نفسي إلى الخلف نحو مجموعة ريف وإليزابيث.

هبط المخلوق على الدرجة التي كنت أقف عليها للتو. كانت الضربة عبارة عن هجوم سحق قوي. تحطم الدرج تحت قدميه، وتطايرت شظايا الرخام والحديد في كل مكان. لو كنتُ قد تأخرت نصف ثانية، لكان جسدي قد تحول إلى عجينة.

"تباً!" تمتمتُ وأنا أعدل نظارتي.

لقد كشف عن نقطة ضعفه القتالية: الغرور والذكاء المحدود. هو يمتلك قوة خارقة، لكنه لا يفكر إلا في سحق الفريسة، وهذا يمكن استغلاله.

عدتُ إلى القتال. لكن هذه المرة، لم أكن على الدرج. انزلقتُ على حافة الجدار، مستخدماً مظلتي كنصل سحب لتعليق نفسي جزئياً في الهواء.

كان المخلوق يبحث عني في الظلال. رأيته يرفع يده اليمنى ذات المخلب القاتل، يستعد لتمزيق الهواء.

الآن.

دفعتُ نفسي بالكامل نحو الجانب الأيسر المكشوف من المخلوق. كان هذا هو الجانب الذي يحمل القلب المكشوف—نقطة ضعفه الرئيسية. لكن هذا الجانب أيضاً كان الأكثر تضخماً وتشويهاً.

استخدمتُ مظلتي كسيف قصير، موجهاً ضربة سريعة نحو تلك الكتلة الحمراء.

لكنه توقع الحركة! لم يكن غبياً تماماً. فجأة، وبسرعة مفاجئة، لفّ المخلوق جذعه الممزق حوله، محاولاً التقاطي بذراعه البشرية الباقية (رغم أنها مشوهة) وسحقي نحو صدره.

شعرتُ باليأس يهاجمني للحظة. لو أمسكني، انتهى الأمر.

في تلك اللحظة الحرجة، غيرتُ تكتيكي. بدلاً من الإصرار على الضرب بالرأس أو القلب، استخدمتُ المظلة كأداة قطع وصد. وجهت ضربة حادة وقوية نحو العضلات المفتوحة على جانبه الأيسر.

فيييش!

لقد أصدر المخلوق صرخة ألم مكتومة، لكنه لم يتوقف. دمه الأسود اللزج بدأ يتساقط على الدرج. استغليتُ ارتباكه للحظة، وقفزتُ بعيداً نحو أعلى الدرج.

أدركتُ أنني لن أستطيع إنهاءه بضربة واحدة في هذا الوضع. يجب أن أستنزفه وأوجه ضربات غير مميتة أولاً.

أخذ المخلوق وضعية المفترس المُدرَّب. وقف على الدرجة المحطمة، وعيناه تضيئان باللون الأحمر. بدأ يتبعني ببطء، خطوة بخطوة. كانت حركته الآن أكثر انضباطاً، كأنه يستعيد ذاكرته المبرمجة.

"يا إلهي، إنه يتعلم." همس فيرتشايلد من الأعلى.

رفعتُ مظلتي، وقمتُ بتدويرها حول رأسي بسرعة عالية. قفزتُ في الهواء نحو الجانب الأيمن من الجدار، واستخدمتُ هجوم السحق الخاص به ضده: ضربتُ الأرض بقوة المظلة، مما أدى إلى انهيار جزء آخر من الدرج وتحرير سحابة من الغبار.

أُجبر المخلوق على التراجع لحظياً. لقد نجحتُ في إبطائه.

"ماركو! استمروا بالصعود! لا تتوقفوا!" صرختُ مرة أخرى.

عندما تبدد الغبار، رأيتُ المخلوق قد أصبح أكثر غضباً. الآن بدأ يستخدم الذراع البشرية في الدفاع، بينما يحتفظ بـالمخلب للهجوم الساحق. كان ذكاءه البدائي يتطور بفضل الانضباط المبرمج القديم.

شن هجوماً واسعاً بمخلبه القاتل. كان الهدف هذه المرة ليس السحق، بل تمزيق الجوهر. رأيتُ المخالب تقطع الهواء أمامي.

تجنبتُ الضربة بأعجوبة. المخلب لم يصبني، لكنه أصاب طرف مظلتي، ممزقاً قطعة صغيرة من القماش الأسود.

هذه هي فرصتي.

أثناء سحب المخلوق لذراعه الضخمة، كنتُ قد انزلقتُ تحتها بالفعل، مستخدماً سرعة لا تقل عن تنفس البرق، لكني اعتمدت فقط على قوة جسدي.

وجهتُ ضربتين متتاليتين:

* الضربة الأولى (الخداع): اخترقتُ جانبه الأيمن المتضخم (القوي)، لكن مظلتي سُحبت للخلف بسرعة قبل أن يتمكن من الإمساك بها. الهدف هو جعله يركز على هذه النقطة.

* الضربة الثانية (الهدف): قمتُ بتدوير المظلة بسرعة، وحولتها إلى خطاف معكوس. وجهتُ الضربة بشكل مائل تحت ضلوعه الممزقة، نحو نقطة تقع بالقرب من عظمة الترقوة اليسرى.

كانت الضربة الثانية دقيقة جداً. شعر المخلوق بألم حاد. أصدر صرخة مدوية هذه المرة، وبدأ يتراجع خطوة.

لقد أصبتُ شرياناً أو وريداً حيوياً. بدأ الدم الأسود يتدفق بغزارة، لكن المخلوق لم يسقط. قدرة تحمله مذهلة.

كان يلهث بصعوبة، يرفع مخلبه نحو الأسفل ببطء، وعيناه الحمراوتان تلخصان غضبه الوحشي. لقد أصبح هجومه القادم هو الضربة النهائية.

تراجعتُ إلى الدرجة التالية، ألهث

لقد أصبتُ المخلوق مرتين بعمق، لكن الضربات لم تكن كافية لإنهاء حياته. كان الدم الأسود يتساقط بغزارة من كتفه وصدره، لكنه لم يسقط. على العكس، أصبح غضبه مركزًا وخالياً من أي أثر للذكاء المبرمج؛ أصبح نقيًا كغرائز صيد بدائية.

كنتُ ألهث. كانت إليزابيث، فيرتشايلد، وماركو وقومه يبتعدون ببطء شديد، كل بضع درجات صعود تستغرق جهداً مضنياً. يجب أن أصمد هنا.

نظر المخلوق إلي بعينه الوحيدة السليمة. ثم، وبدلاً من الانقضاض، بدأ يهتز بطريقة مختلفة. اهتزاز عنيف ومجنون، كأن شيئاً ما يغلي داخله. الأنسجة اللحمية الممزقة على صدره بدأت تتضخم وتتصلب بشكل مخيف، والكتل البنفسجية على فخذه انفجرت صامتة، تاركة عضلات سميكة وقاتمة.

كان هذا هو التحول الأخير.

في غضون ثوانٍ، أصبح المخلوق أكثر شراسة، أسرع، وقوته تضاعفت. ذراعه المخلبية لم تعد مجرد عظام حادة، بل أصبحت مغطاة بطبقة كيراتينية صلبة، وكأنها درع طبيعي. لقد تحوّل إلى ما يشبه الطاغية (Super Tyrant)، نموذج الفشل البيولوجي في ذروته.

عاد للانقضاض. هذه المرة، لم يستخدم القفزات الطويلة. كان يركض بخطوات واسعة ومرعبة، مُستخدماً سرعة مفاجئة لم تتناسب أبداً مع حجمه.

كان عليّ أن أعتمد على تكتيك جديد. لا يمكنني تبادل الضربات معه الآن.

بمجرد أن اقترب مني مسافة ثلاثة أمتار، أطلقتُ المظلة نحوه مرة أخرى. لكن هذه المرة، لم يكن الهدف إصابته، بل كان الهدف هو استخدامها كعصا قفز.

أمسك المخلوق بالمظلة في يده المخلبية، محاولاً سحقها. لكنني كنت قد قفزتُ في الهواء بالفعل، مستخدماً حافتها كنقطة دفع. تحولت حركتي إلى دوران سريع حول جسده الضخم، مستغلاً ضيق المكان.

هذا التكتيك أرغمه على لف جسده بشكل حرج.

هدف الدوران: الوصول إلى ظهره.

بمجرد أن أصبحتُ خلفه مباشرة، استعدتُ مظلتي. كان المخلوق يرتكب خطأً قاتلاً في الدفاع عن مؤخرته.

ضربتُ بقوة مظلتي نحو العمود الفقري في نقطة حساسة. كانت الضربة حادة ومُركّزة.

دّف!

تشنج المخلوق مرة أخرى. لكن تحمله كان هائلاً. هذه المرة، لم يصرخ، بل أصدر هديراً منخفضاً، والتفت نحوي بجنون.

لقد أدرك الآن أنني أستغل ضيق الدرج ضده. فجأة، رفع مخلبه العملاق وبدأ بتمزيق الجدران حولنا، مُنشئاً فجوات كبيرة في البنية، محاولاً توسيع مساحة القتال.

تراجعتُ بسرعة، متجنباً قطع الأسمنت المتطايرة. الآن أصبحت المساحة أوسع، ولقد أصبح لـالطاغية مجالاً لاستخدام كامل قوة ذراعه المخلبية.

كان الهجوم التالي بمثابة عاصفة من المخالب. لم تكن ضربات عشوائية، بل سلسلة من الضربات المبرمجة لتمزيق أي شيء يقف في طريقها. أصبحت مظلتي مجرد دفاع هش.

انزلق بابادوك. كان عليّ تفادي الضربات بالانحناء، والقفز، والتدحرج. ضربات الطاغية كانت قريبة جداً من وجهي، وشعرتُ بالتيار الهوائي الساخن المنبعث من عضلاته.

رأيتُ فرصة. في منتصف هجومه، كانت حركته تحتوي على دورة بطيئة للحظة واحدة.

استغللتُ هذه الدورة. اندفعتُ للأمام، ليس بعيداً، بل قريباً جداً من جسده. كان هذا جنوناً، لكنه التكتيك الوحيد الذي يضمن السرعة.

استخدمتُ مظلتي لصد ذراعه اليسرى (الأضعف)، وثبّتُ نفسي بقدمي على ركبته الضخمة.

كان الهدف الآن هو وجهه المشوّه.

دفعتُ نفسي بقوة من ركبته، مستخدماً قفزة أخيرة. وجهتُ ضربة مظلتي نحو عينه الوحيدة السليمة، محاولاً إعمائه.

لكن الطاغية كان سريعاً بشكل غير متوقع. في اللحظة الأخيرة، حرك رأسه بعيداً عن المسار، وضربت مظلتي عظامه الصلبة حول جمجمته.

كّلاك!

كانت ضربة قوية، شعر بها الطاغية. أصدر صرخة ألم عالية، وتراجع خطوة إلى الوراء.

تراجعتُ أنا أيضاً، ألهث بعمق. لقد أرهقني هذا القتال جسدياً وعقلياً أكثر من أي شيء واجهته. لقد أصبح قلبه المكشوف يمثل مخاطرة هائلة الآن، لأنه محمي بنبضات عضلاته المتضخمة وسرعته.

ما زلنا في منتصف الدرج. ما زال القتال مستمراً. وما زال بابادوك صامداً.

تراجعتُ، أشعر بحرقان في كل عضلة من جسدي. كان الطاغية يقف على بعد أمتار مني على الدرج المنهار، يتنفس بصعوبة، وعينه الحمراء الوحيدة تحدق بي بتركيز شديد. لقد تجاوزنا الآن مرحلة الغضب الأعمى؛ دخلنا مرحلة الصراع الإرادي بين ذكائي وقوته المطلقة.

أدركتُ أنني لا أستطيع أن أوجه ضربة مباشرة نحو قلبه المكشوف. السرعة كانت ضده، والتحمل كان لصالحه. يجب أن أعود إلى أصل المشكلة: البيئة والمكان المبرمج فيه هذا الكائن.

بدأ الطاغية هجوماً جديداً، لكنه كان تكراراً محسناً لهجومه الأول. رفع مخلبه العملاق في محاولة لسحقي مرة أخرى.

كان هذا هو الخطأ الذي أبحث عنه.

بدلاً من الهروب، اندفعتُ نحوه مباشرة. هذه المرة، لم أحاول تفادي المخلب، بل استخدمتُ مظلتي كخطاف معدني، لأشابكها حول قاعدة الذراع المخلبية قبل أن يتمكن من إكمال ضربته.

لقد نجح الأمر. أصدر المخلوق هديرًا مفاجئًا وهو يشد قبضته.

"ماركو! الآن!" صرختُ بأقصى صوتي نحو مجموعة "ريف" في الأعلى. "استخدموا كل ما لديكم! أي شيء ثقيل على تلك الذراع!"

كان ماركو مستعداً. لم يتردد للحظة. أصدر أمراً سريعاً بلغة لا أفهمها، وبدأ قوم "ريف" بإلقاء قطع الركام وقضبان الحديد الممزقة التي وجدوها على الدرج المنهار.

انهال وابل من الحطام المعدني والخرساني على ذراع الطاغية المخلبية. كان الهدف ليس إيذاءه، بل تثبيت ذراعه وجعلها ثقيلة.

شعر المخلوق بالعبء. كان يحاول تحرير ذراعه، لكنني كنتُ مُعلقاً عليها بقوة بواسطة المظلة. بدأتُ أشعر بضغط هائل على كتفي، وكأن عظامي ستُسحق، لكنني صمدت.

هذه هي الفرصة الأخيرة.

لقد أصبح القلب المكشوف هو الهدف. لكنني ما زلتُ بحاجة إلى الوصول إليه.

أطلقتُ المظلة من يدي فجأة. فقد المخلوق نقطة تثبيته، لكن ذراعه كانت مُثقلة بالحديد. استغللتُ اللحظة، وانزلتقتُ على حافة الدرج المنهار، مستخدماً حركتي السريعة للاختفاء عن مجال رؤيته.

ظهرتُ على الجانب الأيمن، وهو الجانب الذي كان لا يزال يحمل آثار تحطم الجدار الذي أحدثه سابقاً. كانت هناك حافة معدنية حادة ومُسننة بارزة من الجدار.

اندفعتُ نحو المخلوق. كان قد التفت، لكنه كان أبطأ بسبب العبء على ذراعه.

لم أهاجم باليد. لقد استخدمتُ جسدي بأكمله كقوة دفع أخيرة. مسكتُ بيده اليسرى البشرية المشوهة. وبكل ما أوتيتُ من قوة، دفعتُه بقوة كاملة نحو الحافة المعدنية المُسننة.

لقد كان تكتيك "سلاح الطاغية ضده".

كراااااااك!

لم يستطع الطاغية التوقف. دفعته الحافة المعدنية بقوة هائلة نحو جسده الأيسر. لقد اخترقت الحافة القلب المكشوف مباشرة.

كان التأثير فورياً ومروعاً.

تشنج جسد المخلوق الضخم بالكامل، ثم أصدر صرخة مدوية اهتزت لها أركان المخبأ. انفجر مصدر الدم الأسود، وتدفق السائل القاتم بغزارة.

ترنح الطاغية خطوة إلى الوراء، ثم خطوة أخرى، قبل أن يسقط على الدرج بضربة مدوية أيقظت صدى الموت في الأعماق.

لقد سقط. لم يتحول إلى غبار أو رماد. بقي كـكتلة ضخمة صامتة وميتة على الدرج المنهار.

كنتُ أقف ألهث. ملابسي كانت ممزقة، وعظامي تؤلمني، لكنني نجوت.

نظر ماركو إليّ، وتوسعت عيناه تحت قرنيه. كانت نظرة تقدير عميق.

"أيها البش... أيها الدووك،" قال ماركو بصوت غير مصدق. "لقد فعلتها."

"لقد فعلنا،" صححتُ له بصوت خشن. "لولا مساعدتكم في تثبيت الذراع، لكان هذا المخلوق قد سحقني."

"أنا بخير يا دووك، هل أنت بخير؟" جاء صوت إليزابيث الهادئ من الأعلى. كان القط الأزرق يقف بجانبها، ولا يزال صامتاً.

"أنا بخير، يا إليزابيث." قلتُ. "تعبتُ قليلاً. لنذهب."

كانت أصعب مرح

لة قد انتهت. القتال الأخير في أعماق الجحيم البيولوجي قد انتهى لصالحنا.

الآن، بقي التحدي الأخير: الخروج من المخبأ المنهار، والوصول إلى مدينة شنغهاي المليئة بالفوضى، والعثور على الإلهام لكاتب خائف

2025/10/29 · 2 مشاهدة · 4804 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025