ريبيكا تشامبرز جلست على الصخرة الباردة في قلب الغابة، أنفاسها تتصاعد كأعمدة بخار خفيفة في الهواء الندي قبل الفجر. كانت يدها اليمنى لا تزال ممسكة بمقبض مسدسها، أصابعها متجمدة حول المعدن البارد، بينما اليسرى تضغط على جرح إدوارد ديي في ذراعه، حيث يتسرب الدم ببطء متزن عبر الضمادة المؤقتة المصنوعة من قميصه الممزق. كان إدوارد فاقدًا للوعي تمامًا، صدره يرتفع ويهبط بإيقاع غير منتظم،
وجهه شاحب كورقة قديمة تحت ضوء القمر الخافت الذي يتسلل بين أغصان الصنوبر العالية. الغابة حولها صامتة بشكل مخيف، كأنها تحتضن أنفاسها، لا طيور، لا حشرات، فقط صوت قطرات الندى المتساقطة من الأوراق على الأرض الرطبة، وأحيانًا حفيف خفيف يشبه خطوات بعيدة ثم يتلاشى.رفعت ريبيكا رأسها ببطء، عيناها تتفحصان الظلام خلف الأشجار. كانت قد سمعت الصوت قبل دقائق – خطوات ثقيلة، غير منتظمة، كأن شيئًا يجر قدميه عبر الأوراق المتساقطة. الآن، عاد الصمت، لكنها شعرت به، ذلك الشعور البدائي في أسفل عمودها الفقري، كأن عينين تراقبانها من مكان ما في الظلال. أمسكت بمسدس إدوارد الاحتياطي، الذي كان ملقى بجانبه، ووضعته في حضنها، أصابعها تتحسس الزناد بحذر. "استيقظ، إدوارد... من فضلك"، همست لنفسها أكثر مما له، صوتها يرتجف قليلاً في البرد.ثم جاءت الرائحة. لم تكن رائحة الغابة الطبيعية – تلك التراب الرطب والصنوبر – بل شيء آخر، عفن، حديدي، كرائحة لحم قديم يتحلل تحت أشعة الشمس لأيام. ريبيكا شمّتها بوضوح الآن، قادمة من اتجاه القطار الذي تركته خلفها قبل ساعات. وقفت ببطء، جسدها متأهب، عضلات ساقيها مشدودة كأنها على وشك الركض.
"من هناك؟"، نادت بصوت منخفض لكنه حازم، مسدسها موجه نحو الظلام. لا إجابة، فقط حفيف آخر، أقرب هذه المرة.من بين الأشجار، خرج الشكل ببطء. كان د. روبرت كينغ، أو ما تبقى منه. الرجل الذي رأته في القطار قبل ساعات، يرتدي معطفه الأبيض الممزق الآن، ملطخًا ببقع داكنة جافة. وجهه كان شاحبًا بشكل مرضي، عيناه غائمتان كزجاج متجمد، فمه مفتوح قليلاً مع لعاب يتساقط ببطء. كان يجر قدمه اليمنى، التي بدت ملتوية بزاوية غير طبيعية، ويده اليسرى تتدلى بجانبه كأنها غير متصلة تمامًا. توقف على بعد عشرة أمتار، رأسه يميل جانبًا كأنه يستمع إلى شيء لا تسمعُه ريبيكا."دكتور كينغ؟"، قالت ريبيكا، صوتها يحمل مزيجًا من الر надеж والاشمئزاز. لم يرد. بدلاً من ذلك، أصدر صوتًا منخفضًا، غرغرة رطبة كأن شيئًا يغلي في حلقه. ثم بدأ يتقدم، خطوة بطيئة،
ثم أخرى، ذراعاه ترتفعان ببطء كأنهما تسبحان في هواء كثيف. ريبيكا رفعت مسدسها، "توقف! توقف الآن!"، لكن الكلمات بدت فارغة حتى في أذنيها. كان يقترب، والرائحة تزداد قوة، الآن مختلطة برائحة الكيماويات القديمة، كرائحة مختبر مغلق منذ سنوات.أطلقت النار. الطلقة الأولى أصابت كتفه، مزقت القماش واللحم، لكن الدم الذي خرج كان أسود، لزج، يتساقط ببطء كالقطران. لم يتوقف. الطلقة الثانية في صدره، فتحت ثقبًا واسعًا، لكن الجسد استمر في التقدم كأن الألم غير موجود. ريبيكا تراجعت خطوة، قلبها يدق بعنف، ثم أطلقت الثالثة مباشرة في الرأس. الرصاصة اخترقت الجبهة، خرجت من الخلف مع رذاذ من المادة الرمادية، والجسد انهار أخيرًا، يسقط على وجهه في التراب الرطب. بقي ساكنًا، لكن ريبيكا لم تتحرك، مسدسها لا يزال موجهًا، أنفاسها سريعة.ثم سمعت الصوت من القطار مرة أخرى، لكن هذه المرة أعلى، خطوات متعددة، ثقيلة، غير منتظمة. استدارت ببطء، عيناها تتسعان. من بين العربات المقلوبة، بدأت الأشكال تخرج. أولاً رجل أمن في زيه الأسود، خوذته مائلة، وجهه مشوه بجرح عميق عبر الخد. ثم امرأة في معطف مختبر، شعرها الأشقر متشابك، عيناها فارغتان. وخلفهما، أشكال أصغر، أطفال. كانوا يرتدون ملابس قديمة، باهتة، كأنها من عصر آخر، أجسادهم نحيلة بشكل مرضي، جلدهم رمادي، عيونهم غائرة. كانوا يتحركون بنفس البطء، نفس الغرغرة، أيديهم الصغيرة ممدودة كأنهم يطلبون شيئًا فقدوه منذ زمن.ريبيكا شعرت بالغثيان يعلو في حلقها. تراجعت نحو إدوارد،
الذي كان لا يزال فاقدًا للوعي، جسدها يرتجف الآن. "لا... هذا غير ممكن"، همست. لكن الأشكال استمرت في التقدم، عبر الأرض الرطبة، أقدامهم الحافية تترك آثارًا في الطين. كان هناك عشرة، خمسة عشر، ربما أكثر، يخرجون من القطار كأنهم استيقظوا من نوم طويل. بعضهم كان يحمل أدوات قديمة – حقنة مكسورة، دفتر ملاحظات ممزق – كأنها جزء من حياة توقفت فجأة.فجأة، توقفت ريبيكا. كانت قد وصلت إلى جذع شجرة مقطوعة، ظهرها يصطدم بها. الأشكال كانت على بعد مترين الآن، الرائحة خانقة، مزيج من التعفن والكحول الطبي القديم. رفعت مسدسها مرة أخرى، لكن يدها كانت ترتجف بشدة، الزناد يبدو ثقيلاً. أطلقت النار على الأقرب، طفل صغير لا يتجاوز الثانية عشرة، رصاصة في الصدر أسقطته، لكن الآخرين لم يتوقفوا. استمروا في التقدم، أيديهم تمتد نحوها، أصواتهم الغرغرة تملأ الهواء كجوقة مشوهة.ثم جاء الصوت من الخلف، خطوات سريعة، بشرية. استدارت ريبيكا بسرعة، مسدسها موجه، لكن الشكل كان سريعًا جدًا. يد قوية أمسكت بمعصمها، تدفعه لأسفل، وصوت هادئ لكنه حازم: "لا تطلقي النار، تشامبرز. لن يفيد ذلك." كان بيلي كوان، وجهه ملطخ بالعرق والتراب، عيناه حادتان كالصقر. كان يحمل بندقيته في يده الأخرى، لكنه لم يرفعها. "اركضي. الآن."لم تناقش. أمسكت بإدوارد من تحت إبطه، تسحبه معها بينما بيلي يغطي الخلف. ركضوا عبر الغابة، الأغصان تخدش وجوههم، الأرض الرطبة تزحلق تحت أقدامهم. خلفهما، الأشكال كانت تتبعهم، بطيئة لكن مستمرة، أصواتهم الغرغرة تتردد بين الأشجار. وصلوا أخيرًا إلى كهف صغير، مدخله مخفي جزئيًا بجذور متدلية. دفع بيلي ريبيكا وإدوارد إلى الداخل، ثم أشعل قنبلة يدوية صغيرة، رماها خلفه. الانفجار هز الأرض، أسقط بعض الأشجار، وملأ المدخل بالدخان والغبار.داخل الكهف، كان الظلام كاملاً تقريبًا، فقط ضوء خافت من فتحة صغيرة في السقف. ريبيكا جلست على الأرض الباردة،
أنفاسها متقطعة، إدوارد بجانبها لا يزال فاقدًا للوعي. بيلي وقف عند المدخل، يراقب الخارج، بندقيته جاهزة. "سيستغرق الأمر وقتًا حتى يجدوا الطريق"، قال بهدوء، صوته لا يحمل أي ذعر. "لكننا بحاجة إلى خطة."ريبيكا نظرت إليه، عيناها مليئتان بالأسئلة. "ماذا كان ذلك؟ أولئك الأطفال... كيف...؟" توقفت، صوتها ينكسر. بيلي هز رأسه ببطء. "لا أعرف. لكنني رأيت أشياء مشابهة في القطار. شيء ما حدث هناك، شيء أسوأ من مجرد حادث." أشعل عود ثقاب، أضاء مصباحًا يدويًا صغيرًا وجده في جيبه، الضوء الخافت يكشف عن جدران الكهف الرطبة، مغطاة بطبقة من الطحالب.بعد ساعة، كان إدوارد قد استعاد وعيه جزئيًا، يئن من الألم، لكن جرح ذراعه كان ينزف ببطء أقل. ريبيكا غيرت الضمادة مرة أخرى، يداها أكثر ثباتًا الآن. بيلي كان يجلس مقابل المدخل، ينظف بندقيته بقطعة قماش قديمة. "الراديو ميت"، قال فجأة، بعد محاولة فاشلة للاتصال. "لا إشارة. نحن معزولون." ريبيكا أومأت، عيناها على إدوارد. "فريق ألفا كان يفترض أن يصل قبل ساعات. شيء ما حدث."الصمت خيم عليهم لدقائق طويلة، فقط صوت تنفسهم وقطرات الماء المتساقطة من السقف. ثم بدأ بيلي يتحدث، صوته منخفض كأنه يروي قصة قديمة. "كنت في الشاحنة العسكرية، تلك التي وجدها فريقكم. لم أقتل الحراس، كما يقولون. شيء آخر فعل ذلك. شيء خرج من القفص." توقف، عيناه على الأرض. "كان هناك صندوق، مغلق، مكتوب عليه تحذيرات.
ثم انفتح فجأة، وخرجت... ديدان. ديدان سوداء، كبيرة، تتحرك كأنها تعرف ما تفعل."ريبيكا استمعت دون مقاطعة، عقلها يعيد ترتيب القطع. "في القطار، وجدت عينات مجمدة. د. كينغ كان يحملها. قال إنها لأغراض بحثية." بيلي هز رأسه. "ليس بحثًا عاديًا. أمبريلا... لديهم أسرار هنا، في هذه الجبال. أماكن لا يفترض أن نعرف عنها." أشار إلى الخارج، حيث كان الدخان لا يزال يتصاعد من موقع الانفجار.مع مرور الوقت، بدأ الضوء الخارجي يزداد، الفجر يقترب. ريبيكا نهضت، اقتربت من المدخل بحذر. الغابة كانت صامتة مرة أخرى، لا أشكال، لا أصوات. لكن الأرض كانت مليئة بالآثار – بصمات أقدام صغيرة، كبيرة، غير منتظمة، تؤدي في اتجاهات متعددة. "يجب أن نتحرك"، قالت، صوتها أكثر حزمًا الآن. "إذا بقينا هنا، سنجدهم يعودون." بيلي أومأ، ساعدها في رفع إدوارد، الذي كان يستطيع الآن الوقوف بمساعدة.خرجوا من الكهف بحذر، الشمس الأولى تطل من خلف الجبال، طلاء الغابة بضوء ذهبي باهت. لكنهم لم يذهبوا بعيدًا. على بعد مائة متر، وجدوا الباب. كان مدفونًا جزئيًا تحت التراب والجذور، باب معدني قديم، عليه شعار أمبريلا باهت، وكتابة محفورة: "القطاع 7 – ممنوع الدخول." بيلي دفع الباب بكتفه، يفتح بصوت صدأ حاد. درج يؤدي إلى الأسفل، مظلم، رطب، رائحة الكيماويات القوية تتصاعد منه.نزلوا ببطء، خطوة بخطوة، المصباح اليدوي يضيء الطريق. الجدران كانت خرسانية، ملطخة ببقع داكنة، بعضها يبدو كدماء جافة منذ سنوات. في الأسفل، وصلوا إلى ممر طويل، أبواب جانبية مغلقة، بعضها مفتوحة جزئيًا. دخلوا أول غرفة، كانت غرفة تعذيب. الجدران ملطخة بالدماء القديمة، سلاسل معلقة من السقف، أدوات صدئة على طاولة معدنية. في الزاوية، هيكل عظمي صغير، مربوط إلى كرسي، رأسه مائل كأنه نائم. ريبيكا غطت فمها، عيناها واسعتان.في الغرفة التالية، وجدوا الملفات. أدراج مفتوحة، أوراق متناثرة على الأرض. بيلي التقط واحدة، قرأ بصوت منخفض: "تجربة على الأطفال، الفوج الأول، 1978. الموضوعات: أيتام من راكون سيتي. الهدف: اختبار فيروس البروجينيتور." ريبيكا التقطت أخرى، صورة قديمة لأطفال يقفون في صف،
وجوههم خائفة، خلفهم رجل طويل في معطف أبيض – جيمس ماركوس. "كان هنا هنا"، همست. "قبل عشرين عامًا."في الطابق السفلي الأدنى، وجدوا الزنازين. أبواب حديدية صدئة، داخل كل واحدة جثة أو هيكل عظمي. بعضها لأطفال، ملابسهم القديمة لا تزال معلقة عليهم، وجوههم محفوظة بشكل مرعب بسبب البرد الدائم. في إحداها، وجدوا رسالة محفورة على الجدار بأظافر: "سبنسر كذاب. سرق عمل ماركوس. فيروس تي ليس له." كان هناك نزاع، واضح الآن، بين ماركوس وأوزويل سبنسر، الرجل الذي يدير أمبريلا من الظلال.بيلي وقف ساكنًا، عيناه على الرسالة. "هذا ليس مجرد تسرب. هذا انتقام." ريبيكا أومأت، يدها على مسدسها. من بعيد، في أعماق الممر، سمعوا صوتًا – خطوات ثقيلة، بطيئة، تقترب. لم يكن زومبي عاديًا. كان شيئًا أكبر، أثقل، يجر شيئًا خلفه. استدارا، يركضان نحو الدرج، الظلام يبتلعهما مرة أخرى، لكن هذه المرة، كانوا يعرفون أن الماضي لم يمت، بل كان يزحف نحوهم ببطء، حاملاً معه عشرين عامًا من الألم والخيانة.
ريبيكا وبيلي ركضا في الممر السفلي، أقدامهما تدوي على البلاط المتشقق، المصباح اليدوي في يد بيلي يهتز مع كل خطوة،
يلقي بظلال متماوجة على الجدران الملطخة. الهواء كان ثقيلاً، مشبعاً برائحة الصدأ والرطوبة القديمة، مختلطة الآن بشيء آخر، رائحة حية، كرائحة جلد رطب وعفن يتحرك. الخطوات الثقيلة التي سمعاها قبل لحظات لم تعد بعيدة، بل كانت تقترب من الخلف، بطيئة لكن منتظمة، كأن شيئاً ضخماً يسحب وزنه عبر الأرضية."إلى اليسار!"، صاح بيلي، يدفع ريبيكا نحو ممر جانبي ضيق، ذراعه تدور حول كتف إدوارد ليحمله معهما. كان إدوارد يعرج بشدة الآن، وعيه يعود ويذهب، لكنه استطاع أن يضع قدمه على الأرض بمساعدة. دخلوا غرفة التعذيب التي مروا بها سابقاً، الباب المعدني الصدئ لا يزال مفتوحاً، السلاسل تتدلى من السقف كأذرع ميتة، الطاولة المعدنية في الوسط ملطخة ببقع بنية جافة، والكرسي في الزاوية لا يزال يحمل الهيكل العظمي الصغير، رأسه مائل كأنه يراقبهم.توقفوا للحظة، أنفاسهم متقطعة. بيلي أغلق الباب خلفهم ببطء، يدير المزلاج الصدئ بصوت حاد، ثم وضع ظهره عليه، يستمع. الصمت خيّم لثانية، ثم جاءت الضربة الأولى. شيء ثقيل اصطدم بالباب من الخارج، هزّه في إطاره، لكن المزلاج صمد. ضربة ثانية، أقوى، جعلت الغبار يتساقط من السقف.
"ليس زومبي"، همس بيلي، عيناه على الباب. "شيء أكبر."ريبيكا كانت تتفحص الغرفة بسرعة، عيناها تبحثان عن مخرج. لم يكن هناك سوى نافذة صغيرة في الأعلى، مغطاة بقضبان حديدية صدئة، وفتحة تهوية ضيقة في الجدار. "لا مخرج"، قالت، صوتها منخفض لكن حازم. ثم سمعت الصوت الآخر، ليس من الباب، بل من الأرضية. اهتزاز خفيف، كأن شيئاً يتحرك تحت البلاط. استدارت ببطء، مسدسها موجه نحو الأرض.من بين الشقوق في البلاط، بدأت الأشكال الصغيرة تظهر. لم تكن ديداناً كبيرة كالتي في القطار، بل كائنات أصغر، بحجم الكف، سوداء لامعة، بأرجل متعددة تنتهي بمخالب حادة. كانت تخرج بسرعة، عشرات، ثم مئات، تتسلق الجدران، تسقط من السقف، تتحرك بنظام غريب، كأنها تتبع أمراً. "الرجل الغامض"، همست ريبيكا، تذكرت كلماته في الغابة. "هذه وحوش ماركوس."بيلي أطلق النار أولاً، رصاصتان في الأرض، سحقا عددًا من الكائنات،
لكن البقية استمرت في التقدم، تتسلق ساقيه، ذراعيه. ريبيكا أطلقت النار أيضاً، لكن الكائنات كانت سريعة، تتفادى الرصاص، تتحرك كموجة سوداء. واحدة قفزت على كتف إدوارد، لدغته في رقبته، فسقط على ركبتيه، يصرخ من الألم. بيلي ركله بعيداً، لكن المزيد كان يأتي.ثم جاءت الضربة الكبرى. الباب انفجر إلى الداخل، شظايا معدنية تتطاير، ودخل الكائن. كان ضخماً، أكثر من مترين، جسده مغطى بطبقة لحمية سوداء، ذراعاه طويلتان تنتهيان بمخالب منحنية، وجهه مشوه، عيناه صفراوان تتوهجان في الظلام. لم يكن زومبي، بل شيئاً مصمماً، تجميعاً بين إنسان وحشرة، يتحرك بخفة غير متوقعة لحجمه. تقدم نحو ريبيكا مباشرة، فمه يفتح ليكشف عن صفوف من الأسنان الحادة.تراجعت ريبيكا، مسدسها فارغ الآن، ظهرها يصطدم بالطاولة المعدنية. الكائن رفع ذراعه، مخلبه يومض في ضوء المصباح، ثم هجم. لكن بيلي كان أسرع. قفز بينهما، بندقيته تطلق ثلاث رصاصات في صدر الكائن، لكنها لم توقفه. المخلب ضرب بيلي في جانبه، ألقاه على الأرض، دم يتساقط من جرح عميق. الكائن استدار نحو ريبيكا مرة أخرى، لكنها كانت قد التقطت سكيناً صدئاً من الطاولة، طعنته في ساقه، مزقت اللحم الأسود.الكائن زأر، صوتاً عميقاً هز الغرفة، ثم هجم مرة أخرى. هذه المرة، أمسك بذراع ريبيكا، أسنانه تغرز في كتفها. الألم كان فورياً، حارقاً، كأن ناراً تسيل في عروقها. سقطت على ركبتيها، الكائن لا يزال ممسكاً بها، دمها يتساقط على الأرض. ثم حدث ذلك، الأرضية تحت أقدامهما اهتزت بعنف،
شقوق تظهر في البلاط، ثم انهارت تماماً.سقطت ريبيكا والكائن معاً، في حفرة عميقة، الظلام يبتلعها. كانت تسقط، الهواء يصفر بجانب أذنيها، جسدها يدوب في الفراغ. ثم شعرت بيد قوية تمسك بمعصمها، تسحبها بقوة. كان بيلي، معلقاً على حافة الحفرة، ذراعه الأخرى ممدودة، وجهه مشدود من الجهد. "أمسكي!"، صاح، صوته يخترق الضجيج. الكائن سقط تحتها، يصطدم بالأرض في الأسفل بصوت مكتوم، ثم صمت.بيلي سحبها ببطء، عضلاته ترتجف، الدم يتساقط من جرحه. ريبيكا ساعدته، أصابعها تتشبث بمعصمه، قدماها تبحثان عن دعامة. وصلا أخيراً إلى الحافة، يتدحرجان على الأرض المتشققة، أنفاسهما متقطعة. إدوارد كان قد زحف إلى الزاوية، يضغط على جرح رقبته، عيناه واسعتان من الرعب.نظروا إلى الحفرة. كانت عميقة، ربما عشرة أمتار، جدرانها خرسانية متآكلة، وفي الأسفل، كان الكائن لا يزال يتحرك، ببطء، يحاول الوقوف. لكن شيئاً آخر كان يتحرك هناك أيضاً، أشكال صغيرة، سوداء، تتسلق جسده، تدخل الجروح، كأنها تتغذى أو تعيد بنائه. "علينا الخروج"، قال بيلي، ينهض بصعوبة، يسحب ريبيكا معه. كتفها كان ينزف بشدة الآن، الألم ينتشر في جسدها، لكنها لم تشتكِ.خرجوا من الغرفة، يركضون في الممر مرة أخرى، الكائنات الصغيرة تتبعهم، لكن الحفرة أبطأتها. وصلوا إلى درج آخر، يؤدي إلى الأعلى، لكن الباب في الأعلى كان مغلقاً. بيلي ضرب المزلاج بكتفه، مرة، مرتين، حتى انفتح بصوت حاد. خرجوا إلى ممر آخر، هذه المرة أوسع، مضاء بمصابيح طوارئ حمراء تومض بشكل متقطع.توقفوا للحظة، يلهثون. ريبيكا جلست على الأرض، تضغط على كتفها، الدم يتسرب بين أصابعها. بيلي مزق قطعة من قميصه، لفها حول الجرح، يربطها بإحكام. "ستكونين بخير"، قال، لكن صوته كان متردداً. ريبيكا أومأت، لكنها شعرت بشيء آخر، حرارة غريبة تنتشر من الجرح، كأن شيئاً يتحرك داخلها.
من بعيد، سمعوا الصوت مرة أخرى، الغناء. نفس النغمة الغريبة التي سمعاها في الغابة، لكن هذه المرة أقرب، تأتي من مكبرات صوت قديمة في الجدران. "هو هنا"، همست ريبيكا. "الرجل الغامض." بيلي وقف، بندقيته جاهزة. "إذن نجده. وننهي هذا." لكنهما كانا يعلمان أن الأمر لم ينتهِ، بل بدأ للتو.
ريبيكا جلست على الأرضية الباردة في الممر المضاء بالأحمر المتقطع، ظهرها يستند إلى الجدار الخرساني المتشقق، يدها اليمنى لا تزال تضغط على الضمادة المؤقتة حول كتفها. الدم توقف عن التسرب بسرعة، لكن الحرارة الغريبة استمرت تنتشر من الجرح، كأن نبضاً خفيفاً يتحرك تحت الجلد. أنفاسها كانت ثقيلة، لكن عيناها حادتين، مثبتتين على بيلي الذي كان يقف أمامها، يتفحص الممر في الاتجاهين، بندقيته معلقة على كتفه، أصابعه تتحسس المزلاج."كفى، بيلي." صوتها كان منخفضاً، لكنه قاطع، كأنها تقطع خيطاً رفيعاً من الصمت. "أخبرني الحقيقة. الآن."بيلي لم يستدر فوراً. ظل واقفاً، ظهره لها، عيناه على الظلال في نهاية الممر. ثم تنهد، تنهيدة عميقة،
كأنه يخرج شيئاً كان محبوساً لسنوات. استدار ببطء، جل ساقيه، جلس على ركبتيه أمامها، عيناه تلتقيان بعينيها لأول مرة منذ بدء الهروب. "أي حقيقة بالضبط، تشامبرز؟""كل شيء." رفعت ذقنها قليلاً، رغم الألم. "أنت لست مجرد سجين يُنقل إلى مصحة نفسية. وحدتك البحرية، القتل الـ23، الشاحنة... كل هذا لا يجتمع. أخبرني لماذا أنت هنا حقاً."بيلي نظر إلى الأرض للحظة، أصابعه تتحسس مقبض البندقية بلا وعي. ثم بدأ يتكلم، صوته هادئ، لكنه يحمل ثقلاً كأنه يحمل ذكرياته على كتفيه."كنت في وحدة استطلاع بحرية خاصة، فرع 141. مهمات سرية، غابات، صحارى، أماكن لا توجد على الخريطة. قبل ثلاث سنوات، أُرسلنا إلى غابة في وسط أفريقيا. مهمة رسمية: استعادة عينات بيولوجية من مختبر مهجور تابع لشركة أدوية. غير رسمية: تدمير أي دليل على وجودنا هناك."توقف، عيناه تبتعدان، كأنه يرى المكان الآن. "وصلنا ليلاً. القرية كانت صغيرة، عشرون كوخاً، لا كهرباء، لا طرق. لكن المختبر كان تحتها، مدفون. قائدنا – الرائد كولينز – تلقى أوامر جديدة عبر الراديو. 'تطهير المنطقة'. قال إن القرويين ملوثون، حاملون لفيروس، وإن علينا إطلاق النار على الجميع لمنع التس
رب."ريبيكا لم تتحرك، لكن عيناها ضاقتا قليلاً. "وفعلتم؟""لا."
صوته كان صلباً الآن. "رفضت. لم أرفع سلاحي. رأيت الأطفال يركضون، النساء يحملن أطفالهن... لم يكن هناك فيروس. كانت كذبة. المختبر كان فارغاً، لكن الشركة – أمبريلا – أرادت أن تختفي القرية لأنها كانت فوق مدخل سري. قائدي أمر بإطلاق النار. أنا وثلاثة آخرون رفضنا. قُتل اثنان على الفور. أنا هربت."نظر إليها مباشرة. "بعد أسبوع، أُلقي القبض عليّ في كينيا. اتهموني بقتل 23 شخصاً – عدد سكان القرية بالضبط. قالوا إنني جننت، قتلت الجميع، ثم هربت. وحدتي تم حلها، السجلات محيت، وأنا أصبحت الذئب الوحيد. لتغطية الفضيحة."ريبيكا لم تقل شيئاً للحظة. كانت تستمع، عقلها يعيد ترتيب القطع. "وأمبريلا؟""هم من أعطوا الأوامر. ليس مباشرة، لكن عبر وسطاء. كانوا يختبرون شيئاً في تلك الغابة، شيئاً يشبه ما نراه هنا. فيروسات، طفيليات... نفس اللعبة." أشار إلى جرحها. "نفس الوحوش."نهض ببطء، مد يده ليساعدها. "لهذا السبب أنا هنا.
ليس لأنني قتلت 23 شخصاً. بل لأنني رفضت."ريبيكا أمسكت بيده، نهضت، رغم الألم. "إذن نحن في نفس القارب. أمبريلا تريدنا أمواتاً... أو أحياء لأغراض أخرى."بيلي أومأ، عيناه تعودان إلى الممر. "الآن، نخرج من هنا. معاً."لكن قبل أن يتحركا، جاء الصوت مرة أخرى – الغناء. أقرب هذه المرة، يتردد في الجدران، كأنه يخرج من كل زاوية. ثم توقف فجأة. وفي الصمت، سمعوا خطوة واحدة. ثقيلة. قريبة. من خلف الباب في نهاية الممر.كان الرجل الغامض قد وصل.
في الطابق العلوي، بعيدًا عن الممر الأحمر المتقطع، كان هناك غرفة تحكم صغيرة، جدرانها مغطاة بشاشات قديمة تُظهر صورًا متذبذبة من كاميرات الدوائر المغلقة، بعضها أسود تمامًا، وبعضها يعرض ممرات فارغة، وأخرى تُظهر أشكالًا بطيئة تتحرك في الظلام. الهواء كان باردًا، مشبعًا برائحة الدوائر المحترقة والمعادن الساخنة، وصوت مروحة تبريد قديمة تدور ببطء، كأنها تُحتضر.جلَس ألبرت ويسكر على كرسي التحكم الرئيسي، نظارته الشمسية السوداء لا تزال في مكانها رغم الإضاءة الخافتة، أصابعه تتحرك بسرعة على لوحة مفاتيح قديمة، شاشة خضراء تُظهر رموزًا وأوامر تتدفق كشلال. كان معطفه الأبيض مفتوحًا، وتحته قميص أسود ضيق، يُبرز عضلاته المشدودة. لم يكن يبدو متعبًا، بل في حالة تركيز حاد،
كأن كل خلية في جسده مُفعّلة.بجانبه، وقف ويليام بيركين، يداه في جيوب معطفه الأبيض، عيناه تتجولان بين الشاشات. وجهه شاحب، لكنه لم يكن خائفًا، بل متوترًا، كأن عقله يحسب كل احتمال، كل نتيجة. كان يُمسك بملف ورقي قديم، صفحاته ممزقة، مليئة بملاحظات بخط يده، وبعض الصور الفوتوغرافية الباهتة لأشكال غير واضحة."لقد تأكدتُ من الإشارة الصوتية،" قال ويسكر بهدوء، صوته لا يحمل أي عاطفة. "النغمة تتطابق مع تسجيلات ماركوس من عام 1987. نفس التردد، نفس الإيقاع. إنه هو... أو ما تبقى منه."بيركين أومأ ببطء، عيناه على شاشة تُظهر الممر الذي كانت فيه ريبيكا وبيلي قبل دقائق. "ليس ماركوس بالضبط. ليس الجسد. لقد مات في الانفجار. لكن البروجينيتور... لقد فعل شيئًا. أعد بناء الوعي، أو على الأقل، نسخة منه. الغناء هو مفتاح التحكم. يُفعّل الطفيليات، يُحرّك الجثث، يُعيد تشغيل الوحوش."ويسكر استدار في كرسيه، يواجه بيركين. "إذن نحن نتعامل مع كيان مبعوث. ليس إنسانًا، ليس زومبي، بل نظام دفاعي آلي، مبني على ذكاء ماركوس المُعاد برمجته. يريد الانتقام، ويستخدم كل ما تركه هنا: الأطفال، الحراس، الديدان، حتى الهيكل العظمي في غرفة التعذيب."بيركين ألقى الملف على الطاولة، فتساقطت بعض الأوراق. "لقد حذرتُ سبنسر. قلتُ له إن إغلاق المختبر بهذه الطريقة سيُسبب كارثة. لقد أغلقوه، لكنهم تركوا كل شيء: العينات، الأجهزة، حتى الجثث. والآن، ماركوس يستيقظ، ويأخذ ما هو له."ويسكر ابتسم ابتسامة خفيفة، باردة. "سبنسر لا يهتم. طالما أن البروجينيتور آمن في أركنساس. لكننا هنا، ونحن من سيُمسح. إذا خرج هذا الكيان، سيتتبع كل من عمل مع أمبريلا. بما في ذلك نحن."بيركين مشى بضع خطوات، يتوقف أمام شاشة تُظهر مدخل المنشأة.
"لدينا خياران. الأول: نُطلق النار على كل شيء، نُحرق المكان، لكن ذلك لن يوقف الغناء. الثاني: نُفعّل نظام التدمير الذاتي. القنابل الحرارية في الطوابق السفلية، ستُذيب كل شيء، بما في ذلك الطفيليات، والجثث، والذكريات."ويسكر نهض، يضع يده على كتف بيركين. "نختار الثاني. لكن يجب أن نُخرج تشامبرز وكوان أولاً. إذا ماتا هنا، ستبدأ التحقيقات. أمبريلا لا تريد أسئلة."بيركين هز رأسه. "لا وقت. الغناء يقترب. إذا انتظرنا، سيُغلق علينا الأبواب. يجب أن نُفعل النظام الآن."ويسكر نظر إليه للحظة طويلة، ثم أومأ. "حسنًا. لكن نُعطيهم فرصة. نُرسل إشارة تحذير عبر مكبرات الصوت. ثلاث دقائق. ثم نُغلق كل شيء."جلس ويسكر مرة أخرى، أصابعه تتحرك على لوحة التحكم. شاشة حمراء ظهرت: SELF-DESTRUCT SEQUENCE INITIATED. صوت إنذار منخفض بدأ يتردد في المنشأة بأكملها، ليس صاخبًا، بل عميقًا، كأنه نبض قلب يتباطأ. "ثلاث دقائق،" قال ويسكر. "إذا لم يخرجوا، فهذا قدرهم."في الأسفل، في الممر الأحمر، سمع بيلي وريبيكا الصوت فجأة. إنذار عميق، يتردد في الجدران، ثم صوت ويسكر، هادئ، واضح، يخرج من مكبرات الصوت المخفية:"إلى كل من لا يزال حيًا في القطاع 7: نظام التدمير الذاتي مُفعّل. لديكم ثلاث دقائق للوصول إلى السطح عبر المصعد الرئيسي. بعد ذلك، ستُغلق الأبواب، وستُذاب المنشأة. لا تترددوا."ريبيكا نظرت إلى بيلي، عيناها واسعتان. "ثلاث دقائق؟!"بيلي أمسك بذراعها، يسحبها. "نركض!"ركضا في الممر، أقدامهما تدوي على الأرضية، الإنذار يتردد في رأسيهما. كان المصعد في نهاية الممر، باب معدني كبير، مغلق. بيلي ضرب الزر بقوة، لكن لا استجابة. "مغلق!" صاح.ريبيكا نظرت حولها، ثم رأت لوحة تحكم صغيرة على الجدار. "كود الطوارئ!" اقتربت، أصابعها تتحرك بسرعة على الأرقام: 0-7-1-9-8-7 –
تاريخ إغلاق المختبر. الباب انفتح ببطء، صوت معدني حاد.دخلا المصعد، بيلي ضرب زر السطح. الأبواب أغلقت، والمصعد بدأ يتحرك، ببطء في البداية، ثم بسرعة. الإنذار استمر:
"دقيقتان وثلاثون ثانية..."في غرفة التحكم، كان ويسكر وبيركين يرتديان معاطفهما، يتجهان نحو باب جانبي. "المروحية جاهزة على السطح،" قال ويسكر. "نخرج الآن."بيركين توقف عند الباب، نظر إلى الشاشات. رأى ريبيكا وبيلي في المصعد، يتحركان للأعلى. "سيصلون،" قال بهدوء."ربما،" رد ويسكر. "لكن لا يهم. المنشأة ستُمحى. ماركوس سيُمحى. ونحن نستمر."في المصعد، كانت الأرقام تنزل: دقيقة وخمس عشرة ثانية...ريبيكا جلست على الأرض، تتنفس بصعوبة، جرحها ينبض. بيلي وقف بجانبها، يده على الباب. "سنخرج،" قال. "ثم نجد ويسكر. ونُنهي هذا."الإنذار استمر: دقيقة...المصعد توقف فجأة. الأبواب انفتحت على السطح، ضوء الشمس الصباحية يخترق الظلام. كانت هناك مروحية، محركاتها تدور، وويسكر وبيركين يقفان بجانبها.لكن قبل أن يتحركا، جاءت النغمة. الغناء. عالياً، واضحاً، يخرج من كل مكبرات الصوت في المنشأة. ثم توقف الإنذار فجأة.الشاشة في غرفة التحكم أظهرت رسالة جديدة: SELF-DESTRUCT SEQUENCE OVERRIDDEN.ويسكر استدار ببطء. "ماركوس..." همس.من تحت الأرض، بدأت الأرض تهتز. لم يكن انفجارًا. كان شيئًا أكبر. شيئًا يصعد.
الشمس كانت قد ارتفعت قليلاً فوق قمم الجبال، لكن ضوءها لم يكن دافئاً؛ كان شاحباً، يتسلل عبر الغيوم الرمادية كأنه يتردد في لمس الأرض. ريبيكا وبيلي خرجا من فتحة المصعد الجانبية التي فتحها ويسكر عن بُعد قبل أن يختفي في المروحية مع بيركين. لم يكن هناك وقت للكلام، لا تحية، لا تفسير. فقط أمر صامت: "اتبعوا الخريطة". الخريطة كانت عبارة عن ورقة ممزقة ملقاة على الأرض، مطبوع عليها خطوط حمراء تؤدي عبر الغابة إلى نقطة واحدة مُعلّمة بصليب أسود: كنيسة القديس نيكولاس –
القطاع 7B.ركضا. الأرض كانت موحلة، جذور الأشجار تتعثر بها أقدامهما، والريح تحمل رائحة الدخان من المنشأة التي بدأت تهتز تحت الأرض، كأن قلباً عملاقاً ينبض في أعماقها. كانت ريبيكا تشعر بالحرارة في كتفها تنتشر ببطء، لكنها لم تتوقف. بيلي كان يحمل إدوارد على كتفه، الرجل شبه فاقد للوعي، خطواته تترنح، لكن إرادته لا تزال تحركه.وصلوا إلى الكنيسة بعد عشرين دقيقة من الركض المتواصل. كانت مهدمة، جدرانها الحجرية متصدعة، سقفها مائل، والنوافذ مكسورة منذ عقود. الصليب الخشبي في الأعلى مائل كأنه يوشك على السقوط. الباب الرئيسي مفتوح، يتأرجح ببطء مع الريح، وداخل القاعة الرئيسية، كانت المقاعد مكدسة في زوايا، مغطاة بالغبار والعنكبوت. لكن في وسط الأرضية، كانت هناك فتحة دائرية، باب معدني مفتوح، درج حلزوني ينزل إلى الظلام."مختبر ماركوس السري،" قال بيلي بهدوء، يضع إدوارد على مقعد مكسور. "كان يُخفى هنا منذ السبعينيات. سبنسر لم يعرف به إلا بعد سنوات."ريبيكا أضاءت مصباحها اليدوي، الضوء يقطع الظلام كسكين. "فيروس تي بدأ هنا. ليس في أركنساس. هنا."نزلا الدرج ببطء، خطوة بخطوة، الجدران رطبة، مغطاة بطبقة خضراء من الطحالب، والهواء ثقيل، مشبع برائحة الكيماويات القديمة والتعفن. في الأسفل، وصلوا إلى ممر طويل، أرضيته معدنية، جدرانه زجاجية في بعض الأجزاء، خلفها غرف مظلمة، أنابيب مكسورة، أجهزة متوقفة. كانت الإضاءة الطارئة حمراء، تومض ببطء، كأن المكان يتنفس.الغرفة الأولى التي دخلوها كانت غرفة العمليات. طاولة معدنية في الوسط، مغطاة بطبقة من الدم الجاف، أدوات جراحية متناثرة، مناشير عظمية، مشارط، أنابيب شفط مكسورة. على الطاولة، جثة مشوهة، ليست بشرية تماماً. كانت امرأة، أو كانت كذلك. ذراعاها ممدودتان، مربوطتان بأساور حديدية، صدرها مفتوح، الأضلاع مكسورة ومفتوحة كجناحي فراشة، والقلب مفقود. الوجه محترق جزئياً، لكن العينين مفتوحتين، زجاجيتين، محدقتين في السقف. بجانبها، دفتر ملاحظات مفتوح:
"الموضوع 47 –
استجابة ضعيفة لفيروس تي. رفض الاندماج. الحصاد: الكبد، الكلى، الطحال. الباقي للدراسة."ريبيكا غطت فمها، لكنها لم تتقيأ. كانت قد رأت الكثير، لكن هذا كان مختلفاً. كان شخصياً.تقدما. الغرفة التالية كانت المشرحة. طاولات معدنية مكدسة، ثلاث طبقات، كل واحدة تحمل جثة أو أجزاء من جثة. كانت الأجساد صغيرة، مراهقين، أجسادهم نحيلة، عظامهم بارزة. بعضهم مفتوح من الصدر إلى البطن، الأعضاء مفقودة، تجاويف فارغة. على الجدار، لوحة كبيرة مكتوب عليها بخط ماركوس اليدوي:
"الفشل ضروري. كل جثة خطوة نحو الكمال."في الزاوية، براميل معدنية كبيرة، مكتوب عليها "نفايات بيولوجية – سامة". بعضها مفتوح، سائل أخضر يتسرب منه، يلتصق بالأرضية، يُصدر فقاعات بطيئة. ريبيكا تجاوزتها بحذر، لكن رائحتها كانت خانقة، كرائحة الجثث المحترقة.ثم وصلا إلى غرفة الكبسولات.
صفان من الأنابيب الزجاجية الطويلة، مغمورة بسائل أزرق باهت، داخل كل واحدة جثة محفوظة. كانوا أطفالاً ومراهقين، أجسادهم عارية، أنابيب متصلة بأفواههم، أعناقهم، بطونهم. بعضهم كانت أطرافه مفقودة، ذراع أو ساق، الجرح مغلق بغراء طبي. عيونهم مغلقة، لكن وجوههم لم تكن ساكنة – كانت تتحرك ببطء، عضلات الوجه ترتعش، كأنهم يحلمون. على قاعدة كل كبسولة، لوحة صغيرة:
"الموضوع 112 – عمر 15 – حصاد: الرئتين. الحالة: مستقرة."
"الموضوع 89 – عمر 13 –
حصاد: القلب. الحالة: فشل."ريبيكا توقفت أمام كبسولة واحدة. الطفل داخلها كان فتاة، شعرها الأسود طويل، يطفو في السائل. كانت ذراعها اليسرى مفقودة من الكتف، والجرح مغلق بطبقة شفافة. عيناها فتحتا فجأة. لم تكن ميتة. كانت تنظر إلى ريبيكا مباشرة، ببطء، كأنها تستيقظ من نوم عميق. فمها تحرك، لكن لا صوت. ريبيكا تراجعت خطوة، قلبها يدق بعنف."لا نستطيع تركهم،" همست."لا نستطيع إنقاذهم،" رد بيلي بهدوء. "الوقت ينفد."لكنهما تقدما. في نهاية الممر، وجدا غرفة التحكم الفرعية. شاشات قديمة، كراسي مكسورة، وفريق تحقيق. خمسة أشخاص، يرتدون بدلات بيضاء، لكن الآن كانوا زومبي. كانوا يتحركون ببطء، أذرعهم ممدودة، وجوههم شاحبة، عيونهم بيضاء. على الأرض، علامات مواجهة عنيفة: دماء متناثرة، رصاصات في الجدران، سلاح آلي مكسور، دفتر ملاحظات ممزق. أحدهم كان لا يزال يرتدي خوذة، لكن نصف وجهه مفقود.بيلي رفع بندقيته، أطلق النار بهدوء، رصاصة في الرأس لكل واحد. لم يكن هناك صراخ، لا مقاومة.
فقط أجساد تسقط ببطء.ريبيكا التقطت الدفتر الممزق. كانت صفحاته مليئة بملاحظات بخط مضطرب:
"ماركوس حي. سمعناه يغني. الجدران تنزف. الأطفال ينظرون. لا نستطيع الخروج. الباب مغلق. الله يستر."ثم صفحة أخيرة، مكتوبة بالدم:
"هو ليس ماركوس. هو فيروس تي. هو الكل."من بعيد، جاءت النغمة. الغناء. ليس من مكبرات الصوت هذه المرة. من الجدران نفسها. من الأرض. من الكبسولات.الأرض اهتزت. لم يكن انفجاراً. كان شيئاً يتحرك. شيئاً كبيراً.بيلي أمسك بذراع ريبيكا. "نخرج. الآن."لكنهما كانا يعلمان أن المختبر لم ينتهِ. لم يكن ماركوس ميتاً. كان فيروس تي قد استيقظ. وكان ينظر إليهم من كل كبسولة، من كل جثة، من كل قطرة دم على الأرض.كانوا في قلبه.
الطابق السفلي كان أكثر هدوءًا مما ينبغي.
لم يكن هناك إنذار، لا إضاءة حمراء تومض، لا صوت خطوات ثقيلة. فقط صمت ثقيل، كأن الهواء نفسه يحبس أنفاسه. الأرضية معدنية، مبللة، تعكس ضوء المصباح اليدوي في برك صغيرة من الماء الراكد. الجدران مغطاة بطبقة من الصدأ والعفن، وكل بضعة أمتار توجد أنابيب مكسورة تتسرب منها قطرات بطيئة، تُصدر صوتًا يشبه نبضًا خافتًا. ريبيكا وبيلي تقدما بحذر، أقدامهما لا تُصدر صوتًا تقريبًا على الشبكة المعدنية. إدوارد كان يسير بينهما، مدعومًا بذراع بيلي، خطواته بطيئة، لكنه كان واعيًا الآن، عيناه مفتوحتان، يتفحصان الظلام كأنه يبحث عن شيء مفقود. وصلوا إلى غرفة صغيرة في نهاية الممر. كانت مكتبًا قديمًا، مكتب ماركوس الشخصي. الطاولة خشبية، متصدعة، مغطاة بطبقة من الغبار السميك.
فوقها، جهاز تسجيل شريطي قديم، وملفات ورقية مكدسة، وصندوق معدني صغير مغلق. على الجدار، لوحة كبيرة، صورة بالأبيض والأسود لمجموعة من العلماء، يقفون أمام مبنى المختبر في السبعينيات. بيلي اقترب من الصورة. ضوء المصباح وقع على وجه أحدهم. كان شابًا. عشرينيًا، شعره أشقر قصير، عيناه حادتين، ابتسامة خفيفة على شفتيه. كان يرتدي معطفًا أبيض، ويده في جيبه، كأنه يخفي شيئًا. بيلي تجمد. "ماذا؟" همست ريبيكا. اقتربت. نظرت إلى الصورة. ثم إلى بيلي. ثم إلى الصورة مرة أخرى. كان الشبه مذهلاً. نفس خط الفك، نفس النظرة، نفس الابتسامة الجانبية. حتى الندبة الصغيرة فوق الحاجب اليمنى. "هذا... أنت؟" سألت، صوتها يرتجف قليلاً. بيلي لم يرد فورًا. اقترب أكثر، أزال الغبار بأصابعه. تحت الصورة، كتابة بخط ماركوس:
"جيمس ماركوس الابن – مساعد أول – 1976". "ابنه؟" قال بيلي بهدوء، كأنه يقرأ لنفسه. ريبيكا نظرت إليه. "أنت... حفيده؟" بيلي هز رأسه ببطء. "لا أعرف. لم أسمع بجيمس ماركوس الابن. أمي قالت إن جدي مات في حادث مختبر قبل ولادتي. لم تذكر أمبريلا أبدًا." التقط الصورة، قلبها. خلفها، ملاحظة صغيرة مكتوبة بالحبر الأزرق:
"إذا قرأت هذا، فأنت تحمل الدم. لا تثق بأحد. الغناء ليس لك. هو لي." ريبيكا شعرت بقشعريرة. "هذا يفسر لماذا لم يهاجموك الوحوش مباشرة. ربما... يعرفون." بيلي أعاد الصورة إلى مكانها. "لا يهم الآن. نخرج." تحركا نحو الباب الجانبي. كان مفتوحًا، يؤدي إلى ممر ضيق، في نهايته منصة معدنية، وعربة كابل معلقة على سكة تحت الأرض. كانت العربة قديمة، صدئة، لكن المحرك لا يزال يعمل، صوت خافت يصدر منه. "هذه الطريق الوحيد للخارج،" قال بيلي. "تؤدي إلى نفق تحت الجبل. ثم إلى السطح." ساعدا إدوارد في الدخول. ريبيكا جلست في المقعد الأمامي، بيلي في الخلف، يُشغّل لوحة التحكم. العربة اهتزت، بدأت تتحرك ببطء على السكة، الظلام يبتلعها. كانت السرعة تزداد تدريجيًا. الجدران تمر بسرعة، أنابيب، كابلات، أحيانًا جثث معلقة على الجدران، أجساد قديمة، محنطة، كأنها جزء من الديكور. ثم جاءت الضربة. من السقف، سقط الشيء. كان إليمينيتور. ليس الصغير. ليس الذي رأوه في القطار. هذا كان أكبر. ثلاثة أمتار، جسده مغطى بدرع عظمي، ذراعاه طويلتان، مخالب منحنية، فمه مفتوح، صفوف من الأسنان الحادة. عيناه صفراوان، تتوهجان في الظلام. هبط على سقف العربة، مخلبه يخدش المعدن، يُصدر صوتًا حادًا. بيلي أطلق النار فورًا. الرصاصات أصابت الدرع،
ارتدت. الوحش زأر، ضرب العربة بذراعه، هزها بعنف. ريبيكا أمسكت بمقبض الباب، حاولت فتحه. "نقفز!" لكن العربة كانت تتحرك بسرعة الآن، والأرض تحتها مجرى ماء أسود، عميق، يتدفق بقوة. الإليمينيتور ضرب مرة أخرى. هذه المرة، اخترق السقف، مخلبه يمر بجانب رأس بيلي. بيلي دفع ريبيكا جانبًا، أمسك بقنبلة يدوية من حزامه، سحب الدبوس، رماها في فم الوحش. الانفجار كان داخليًا. الرأس انفجر، الدم الأسود يتناثر، لكن الجسد لم يسقط. استمر يتحرك، ذراعاه تتحسسان، كأنه لا يزال يبحث. العربة انحرفت. السكة اهتزت. ثم انكسرت. العربة سقطت. بيلي أمسك بيد ريبيكا، دفعها نحو الباب. "اقفزي!" ريبيكا قفزت. هبطت على حافة المجرى، تدحرجت، جسدها يصطدم بالمعدن البارد. بيلي لم يلحق. العربة سقطت في المجرى، الوحش معها، والماء الأسود ابتلع كل شيء. ريبيكا صرخت. "بيلي!" لكن الصوت ابتلعه الماء. كانت وحدها الآن. في الظلام. تحت الأرض. والغناء بدأ يعلو مرة أخرى. ليس من بعيد. من الماء.
الظلام كان كاملاً تقريبًا، فقط ضوء مصباح ريبيكا اليدوي يقطع الفراغ كسيف رفيع، يرتجف مع كل خطوة. كانت تمشي في النفق الرطب، قدماها تغوصان في الطين الممزوج بالدماء والمواد الكيميائية المتسربة. رائحة الحديد والعفن تملأ أنفها، وصوت قطرات الماء المتساقطة من السقف يتردد كإيقاع جنائزي. لم تكن تعرف كم مرّ من الوقت منذ سقوط بيلي في المجرى، لكن قلبها كان يدق بنفس السرعة، كأن كل نبضة تُذكّرها بأن الوقت ينفد.كانت الخريطة الممزقة لا تزال في جيبها، تلك التي ألقاها ويسكر. الخط الأحمر كان يؤدي إلى نقطة واحدة: مصنع الكيماويات – القطاع 8. لم يكن مصنعًا عاديًا. كان واجهة. تحت الأرض، كان NEST، مختبر بيركين السري، حيث يُجرى البحث عن فيروس جي، وكل ما هو أسوأ من تي.وصلت إلى الباب المعدني الضخم في نهاية النفق. كان مفتوحًا جزئيًا، منحنيًا كأن شيئًا ضخمًا قد ضربه. على الأرض، بقايا ديدان عملاقة، أجسادها ممزقة، أشلاء سوداء لزجة، بعضها لا يزال يتحرك ببطء. كان الهجوم قد حدث مؤخرًا. ريبيكا رفعت مسدسها، خطت فوق الجثث، ودخلت.المصعد القطاري كان في انتظارها. عربة صغيرة، معلقة على سكة، محركها يصدر همهمة خافتة. دخلت، ضغطت الزر الأحمر الوحيد. الأبواب أغلقت، والعربة بدأت تنزل، ببطء، ثم بسرعة، الجدران تمر كشريط أسود. كانت تنزل إلى أعماق لم يكن يفترض أن يراها أحد.عندما توقفت، فتحت الأبواب على ممر مضاء بضوء أزرق بارد. كانت NEST. الجدران زجاجية، خلفها غرف بحث، أنابيب، شاشات، أجهزة. لكن كل شيء كان مدمرًا. الزجاج مكسور، الأرض مغطاة بالدماء، الأوراق متناثرة. وفي الهواء، صوت. ليس الغناء. صوت خطوة."تشامبرز؟"
التفتت بسرعة. كان إنريكو ماريني، قائد فريق برافو، يقف في نهاية الممر. كان متسخًا، معطفه ممزق، بندقيته في يده، عيناه واسعتان بالصدمة."كيف وصلت إلى هنا؟" سأل، صوته منخفض، لكنه مليء بالقلق."من النفق تحت الكنيسة،" قالت ريبيكا، تقترب. "وبيلي... سقط. أنا أبحث عنه."إنريكو هز رأسه ببطء. "الفريق... اختفى. ريتشارد، فورست... لا أعرف. تسللت عبر نفق المترو، لكن المكان... ميت. كل شيء ميت."نظر حوله، ثم إليها. "علينا العودة. الآن. هذا المكان ليس آمنًا. NEST... بيركين كان يعمل هنا. إذا كان فيروس تي قد تسرب، فكل شيء انتهى."ريبيكا وقفت مكانها. "لا. لن أعود بدون بيلي."إنريكو اقترب خطوة. "ريبيكا، اسمعيني. بيلي كوان مات. سقط في المجرى. حتى لو نجا من السقوط، فالماء ملوث. الديدان، الطفيليات... لا يمكن إنقاذه. لا يمكن إنقاذ أحد.""أنا لست متأكدة،" قالت، صوتها هادئ لكنه صلب. "وجدنا صورة. بيلي... قد يكون حفيد ماركوس. الدم. ربما هو مفتاح. ربما الغناء لا يؤثر عليه بنفس الطريقة."إنريكو نظر إليها للحظة طويلة. "حتى لو كان كذلك، فماذا؟ هل ستدخلين إلى قلب NEST لوحدك؟ بيركين هنا. ويسكر هنا. وإذا كان ماركوس قد استيقظ، فهو ليس جد بيلي. هو شيء آخر. شيء يستخدم الدم، يستخدم الذكريات، يستخدم كل شيء."ريبيكا لم ترد. نظرت إلى الممر خلفه، حيث كانت الأبواب مفتوحة، والهواء يحمل رائحة الكيماويات الحارقة."أنا ذاهبة،" قالت أخيرًا. "إذا أردت العودة، ارجع. لكنني لن أترك بيلي."إنريكو تنهد، عيناه تتجهان إلى الأرض. "أنتِ عنيدة، تشامبرز. دائمًا كنتِ كذلك." رفع عينيه إليها. "لكن اسمعيني جيدًا. إذا وجدتِ بيلي، وكان لا يزال... هو، أخرجيه. لا تثقي بأحد. لا بيركين، لا ويسكر، لا حتى S.T.A.R.S. هذا المكان... يغير الناس."مد يده، وضع خريطة صغيرة في يدها. "هذا الطريق يؤدي إلى غرفة التحكم الرئيسية. إذا كان بيلي حيًا، فهو هناك. لكن إذا سمعتِ الغناء... اركضي."ريبيكا أومأت. "شكرًا، قائد."إنريكو ابتسم ابتسامة حزينة. "لا تقلقي. سأعود إلى السطح. سأحاول الاتصال بفريق ألفا. لكن إذا لم تخرجي خلال ساعة..." توقف. "سأفترض أنكِ اخترتِ مصيرك."استدار، بدأ يمشي نحو المصعد القطاري. توقف عند الباب، التفت. "ريبيكا... إذا رأيتِ ويسكر، لا تثقي به. ليس بعد الآن."ثم اختفى.ريبيكا بقيت وحدها. نظرت إلى الخريطة. الخط الأحمر كان يؤدي إلى قلب NEST.رفعت مسدسها.وتقدمت.
الظلام في قلب NEST كان مختلفاً عن أي ظلام آخر. لم يكن مجرد غياب الضوء، بل كان كثيفاً، لزجاً، كأنه يلتصق بالجلد ويُثقل التنفس. ريبيكا كانت تمشي في ممر طويل، جدرانه زجاجية مكسورة، خلفها غرف فارغة، أنابيب متشققة، وأجهزة محترقة تُصدر شرارات متقطعة. كانت خريطة إنريكو في يدها، لكنها لم تعد بحاجة إليها؛ الطريق إلى غرفة التحكم الرئيسية كان واضحاً الآن، ممر واحد، باب واحد، في نهايته.كانت تسمع الغناء. لم يكن عالياً، لكنه كان هناك، يتسلل من الجدران، من الأرض، من الهواء نفسه. نغمة بسيطة، طفولية، كأنها أغنية مهد منذ زمن بعيد. لكنها لم تكن تُهدئ. كانت تُحرّك شيئاً. تُوقظ شيئاً.وصلت إلى الباب. كان ضخماً، معدنياً، مغطى بطبقة من الصدأ وال
دماء الجافة. على اللوحة بجانبه، كتابة محفورة: "T-001 – غرفة الاختبار الرئيسية".
دفعته بكتفها، وانفتح بصوت حاد، كأن المفصلات تصرخ.داخل الغرفة، كان الظلام أعمق. لكن هناك ضوء. أحمر. خافت. يأتي من كبسولة زجاجية في الوسط، طولها ثلاثة أمتار، مملوءة بسائل أخضر كثيف. داخلها، كان T-001. النموذج الأولي للتيرانت. كان عملاقاً. أكثر من مترين ونصف، جسده مغطى بعضلات مشوهة، جلده رمادي، متجعد، عروق سوداء تنبض تحته. ذراعاه طويلتان، تنتهيان بمخالب حادة، ورأسه ممدود، عيناه مغلقتان، لكن فمه مفتوح، يُظهر أسناناً حادة كالسكاكين. كان معلقاً في السائل، أنابيب متصلة بظهره، صدره، رقبته. لكن الكبسولة كانت مكسورة. الزجاج متشقق، السائل يتسرب ببطء، والأنابيب مقطوعة. ثم فتح عينيه. كانتا صفراوين، خاليتين من أي إنسانية. ريبيكا تراجعت خطوة، مسدسها مرفوع. "لا..." من الظلال، خرج الرجل الغامض. كان يقف في الزاوية، معطفه الأسود ممزق، وجهه شاحب، عيناه غائمتان، لكن ابتسامته كانت واسعة، مرضية. "أهلاً، تشامبرز. لقد أتيتِ في الوقت المناسب. T-001 يحتاج إلى اختبار أخير. وأنتِ... ستكونين الخصم."رفع يده. لم يكن هناك جهاز، لا زر. فقط إشارة. الكبسولة انفجرت. السائل الأخضر تناثر، والتيرانت سقط على الأرض بثقل هز الغرفة. وقف ببطء، رأسه يميل، عظامه تُصدر صوت تكسير.
ثم زأر. صوت عميق، حيواني، ملأ الغرفة.ريبيكا أطلقت النار. الرصاصات أصابت صدره، ذراعه، لكنها لم تُوقفه. كان الجلد سميكاً، والعضلات كثيفة. تقدم نحوها، مخلبه يخدش الأرض، يترك خدوشاً عميقة."لن يموت بالرصاص!" صرخ الرجل الغامض، صوته ممتلئ بالنشوة. "هو الكمال! هو ما أراده ماركوس!"ريبيكا ركضت. قفزت فوق طاولة معدنية، تدحرجت تحتها، بينما مخلب التيرانت يضرب الطاولة، يُقسمها نصفين. استدارت، أطلقت النار على ركبته. الرصاصة أصابت المفصل، أبطأته قليلاً. لكن ليس بما يكفي. كان يقترب. نظرت حولها. الغرفة كانت مليئة بأنابيب غاز، براميل متفجرات، أجهزة كهربائية. على الجدار، لوحة تحكم، مكتوب عليها: "نظام الطوارئ – إطلاق النيتروجين السائل".ركضت نحوها. التيرانت لحقها. مخلبه مر بجانب رأسها، قطع خصلة من شعرها. وصلت إلى اللوحة. كسرت الزجاج، ضربت الزر الأحمر.
صوت صفير عالٍ. من السقف، انفجر النيتروجين السائل. سحابة بيضاء باردة ملأت الغرفة. التيرانت زأر، جسده يتجمد تدريجيًا. الجلد يتصلب، العضلات تتقلص، الحركة تبطئ. لكن لم يمت. كان لا يزال يتحرك. ببطء. لكن يتحرك. ريبيكا ركضت إلى الزاوية، التقطت أنبوب غاز، فتحته، رمت به نحو التيرانت. ثم أخرجت قنبلة يدوية من حزامها – آخر قنبلة لديها. "وداعاً." رمت القنبلة. الانفجار كان هائلاً. النار امتزجت بالنيتروجين، والتيرانت تجمد ثم انفجر من الداخل. أشلاء لحمية، عظام، دم أسود تناثرت في كل مكان. ريبيكا سقطت على ركبتيها، تتنفس بصعوبة. الرجل الغامض كان لا يزال واقفاً. لم يتحرك. لم يمتأثر. "جيد،" قال بهدوء. "لكن هذا ليس النهاية. T-001 كان مجرد بداية. ماركوس يعيش. في الدم. في الغناء. في بيلي."ثم اختفى. كأنه لم يكن موجوداً. ريبيكا نهضت ببطء. كانت الغرفة مدمرة. التيرانت ميت. لكن الغناء استمر. وكان يقترب. من الأسفل. من حيث سقط بيلي. رفعت مسدسها. واتجهت نحو الباب. كانت تعرف أن المعركة لم تنتهِ. لكنها الآن تعرف أنها تستطيع الفوز.
ريبيكا تسلقت الدرج الحلزوني الصدئ المؤدي إلى مصنع معالجة المياه، قدماها تغوصان في الماء الراكد الذي يصل إلى كاحليها، والرائحة – مزيج من الكلور الحارق واللحم المتعفن
تخنقها حتى قبل أن تصل إلى الأعلى. الجدران كانت مغطاة بطبقة خضراء لزجة، والأنابيب العملاقة تُصدر صوتاً مستمراً كأنها تتنفس. كانت الإضاءة خافتة، مصابيح طوارئ تومض بالأصفر، وفي كل مكان، أصوات: قطرات، حفيف، غرغرة من بعيد.عندما وصلت إلى القاعة الرئيسية، توقفت.كان بيلي هناك.ممدد على منصة معدنية في وسط بركة ماء سوداء، جسده مغطى بالطين والدماء، ملابسه ممزقة، لكن صدره يرتفع ويهبط ببطء. كان حياً.ريبيكا ركضت نحوه، تتخطى الأنابيب المكسورة والأسلاك المتدلية. "بيلي!"لكن قبل أن تصل، تحرك شيء آخر.من الظلال، خرجوا. العمال.
كانوا خمسة، ستة، سبعة. يرتدون بذلات عمل زرقاء ممزقة، وجوههم شاحبة، عيونهم بيضاء، أفواههم مفتوحة، ومن بين أسنانهم، ديدان سوداء صغيرة تتحرك، تتساقط، تُعيد بناء الجلد الممزق. كانوا يتحركون ببطء، لكن بثبات، أذرعهم ممدودة، أصواتهم غرغرة رطبة.ريبيكا رفعت مسدسها، أطلقت النار.
رصاصة في الرأس. واحد سقط.
رصاصة ثانية. آخر.
لكن البقية استمروا.ركضت نحو بيلي، أمسكت بذراعه، سحبته. "استيقظ!"بيلي فتح عينيه ببطء.
كان وجهه شاحباً، لكن عيناه حادتين. "ريبيكا؟""نعم، أنا. انهض. الآن."ساعدته على الوقوف. كان يعرج، لكن قدماه تحركتان. نظر حوله، ثم إلى الأرض.تحت المنصة، في الماء الأسود، كانت الهياكل العظمية.عشرات.
مكدسة، متشابكة، بعضها صغيرة – أطفال.
الجماجم مفتوحة، الأضلاع مكسورة، العظام مغطاة بطبقة من الطحالب والديدان.
كان هناك سلاسل حديدية متصلة ببعضها، كأنها كانت تُستخدم لربط الجثث قبل رميها.بيلي تجمد.
"هذا... ليس حادث."نظر إلى الجدران. كانت هناك كتابات محفورة بالسكاكين أو الأظافر:
"ماركوس يعاقب."
"الدم في الماء."
"لا تشرب.""كان يرميهم هنا," قال بيلي، صوته منخفض، لكنه يحمل غضباً عميقاً. "الضحايا. الذين فشلوا. الذين رفضوا. الأطفال. الكل. كان يُغرقهم في النفايات، يترك الديدان تفعل الباقي."ريبيكا نظرت إلى العمال الزومبي. كانوا يقتربون.
"كان يُخفي الأدلة."بيلي أمسك ببندقيته، رغم أن يده ترتجف.
"ليس فقط يخفي. كان يُعيد استخدامهم. النفايات البيولوجية. الديدان. كل شيء يعود إلى النظام."أطلق النار.
رصاصتان. اثنان سقطا.
لكن المزيد كان يخرج من الأنابيب، من الظلام."نخرج," قال بيلي. "الآن."أشار إلى باب في الجدار الخلفي. "مخرج طوارئ – سطحي".ركضا.
العمال يتبعونهم، أقدامهم تغوص في الماء، أصواتهم تملأ القاعة.بيلي توقف عند الباب، فتحه بقوة.
"إذا كان ماركوس حياً... فهو هنا. في كل مكان."ريبيكا أومأت.
"ونحن سنوقفه."دخلا الدرج.
خلفهما، الغناء بدأ يعلو.
ليس من مكبرات الصوت.
من الماء.
من العظام.
من الديدان.من ماركوس.
الدرج الحلزوني كان يصعد ببطء، خطوة بخطوة، المعدن الصدئ يئن تحت أقدامهما، والماء يتساقط من الأعلى كمطر خفيف، يبلل شعرهما وملابسهما. ريبيكا كانت تتقدم، مسدسها مرفوع،
أنفاسها منتظمة رغم الإرهاق الذي يجعل عضلات ساقيها تحترق. بيلي خلفها، يعرج قليلاً، يده اليسرى تضغط على جانبه حيث جرح قديم من السقوط، لكنه لم يشتكِ. كان الصمت بينهما ثقيلاً، ليس خوفاً، بل ترقباً. كانا يعلمان أن ما ينتظرهما في الأعلى ليس مجرد مخرج.وصلا إلى منصة صغيرة، باب معدني كبير،
مغلق بمزلاج قديم. بيلي دفع المزلاج بكتفه، وانفتح الباب بصوت حاد، كأن شيئاً يُمزق. الهواء الذي خرج كان بارداً، رطباً، يحمل رائحة التراب والكيماويات القديمة. كانوا في قاعة واسعة، سقفها عالٍ، جدرانها خرسانية متشققة، وفي الوسط، بركة ماء كبيرة، سطحها أسود، غير عاكس، كأنه حفرة. حول البركة، أنابيب عملاقة تتدفق منها سوائل خضراء باهتة، وبعضها مكسور، يتسرب منه بخار أبيض.في نهاية القاعة، وقف الرجل الغامض.كان يقف على حافة البركة، معطفه الأسود يتأرجح ببطء مع الهواء، وجهه شاحب، عيناه غائمتان، لكن ابتسامته كانت ثابتة، كأنها منحوتة. لم يكن يحمل سلاحاً، لم يتحرك. فقط وقف، ينظر إليهما.ريبيكا رفعت مسدسها. "لا تتحرك."بيلي بجانبها، بندقيته جاهزة. "من أنت؟"الرجل لم يرد فوراً. رفع يده ببطء، أشار إلى البركة. "انظرا. هنا بدأ كل شيء. هنا انتهى."ريبيكا لم تنظر. عيناها مثبتتان عليه. "أجب."ابتسم أكثر. "أنا... الملكة. الدودة. ما تبقى من ماركوس."بيلي ضيق عينيه. "ماركوس مات. قُتل في 1988.""نعم," قال الرجل، صوته هادئ، لكنه يحمل صدى غريباً، كأنه يخرج من مكان عميق. "قُتل. بواسطة USS. أمر سبنسر.
كان يعرف أنني اقتربتُ كثيراً. فيروس تي لم يكن كافياً. أردتُ أكثر. أردتُ الكمال. لكن سبنسر خاف. أمر بإطلاق النار. أُصبتُ في الصدر، في الرأس. سقطتُ هنا. في البركة."أشار إلى الماء. "لكن الدودة كانت تنتظر. تجربة قديمة. 1988. أدخلتُها في نفسي. طفيلي. يعيش في النفايات. يأكل. يتعلم. عندما سقطتُ، دخلتْ جسدي. أكلتْ الدماغ. استهلكتْ الذكريات. أصبحتُ أنا."ريبيكا شعرت بقشعريرة، لكنها لم تتحرك. "أنت لست ماركوس
""أنا أفضل من ماركوس," قال، يخطو خطوة نحو الأمام. "أنا ماركوس المبعوث. الإلهي. الدماغ مات، لكن الروح استمرت. في الدودة. في الماء. في كل مكان. بيركين سرق بياناتي. ويسكر سرق أحلامي. لكنهم لم يسرقوا الحقيقة. أنا الحقيقة."بيلي أطلق طلقة تحذيرية، أصابت الأرض أمام قدميه. "كفى."الرجل لم يتزحزح. "لن تموتا بالرصاص. لن تموتا أبداً. ستصبحان جزءاً مني. الجحيم قادم. العالم سيغرق. الديدان ستأكل. الغناء سيملأ السماء."من البركة، بدأت الحركة.
الماء تحرك.
ثم ارتفع. ديدان.
ليس صغيرة.
عملاقة.
أجساد سوداء لزجة، طولها متر، متران، تخرج من الماء، تتسلق الجدران، تتدلى من السقف. عيونها صفراء، أفواهها مفتوحة، صفوف من الأسنان. ريبيكا أطلقت النار.
رصاصة، اثنتان، ثلاث.
الديدان انفجرت، سائل أسود يتناثر، لكن المزيد خرج. بيلي أطلق النار أيضاً، يتراجع خطوة بخطوة. "نحتاج إلى خطة!"ريبيكا نظرت حولها. على الجدار، لوحة تحكم، مكتوب عليها: "نظام التصريف – طوارئ".
ركضت نحوها.
الديدان تتبعها. وصلت، كسرت الزجاج، ضربت الزر. صوت صفير.
ثم انفجار. الأنابيب انفتحت.
ماء حار، كيماويات، نفايات، انفجر في القاعة. الديدان زأرت، جسدها يذوب، يتفكك. الرجل الغامض وقف مكانه.
لم يتحرك.
الماء يغطيه، لكنه لم يذب. "لن تموتا," قال، صوته الآن أعلى، يتردد في الجدران. "الجحيم قادم."ريبيكا وبيلي ركضا نحو الباب الخلفي.
فتحاه، دخلا ممراً ضيقاً. خلفهما، الغناء بدأ.
ليس من الرجل.
من الماء.
من الديدان.
من كل شيء. كان الجحيم قد بدأ.
الممر الضيق كان يهتز تحت أقدامهما، الجدران الخرسانية تتصدع، والماء الساخن يتدفق من الشقوق كأنه دماء من جرح عميق. ريبيكا وبيلي يركضان، أنفاسهما متقطعة، لكن لا وقت للراحة. خلفهما، صوت. ليس خطوات. ليس زئير. صوت تمدد، تمزق، لحم يتفكك ويعاد بناؤه. التفتا. الرجل الغامض لم يعد رجلاً. جسده انتفخ، تمزق المعطف، الجلد انشق، والديدان خرجت من كل مكان – من فمه، من عينيه، من صدره. أجساد سوداء لزجة، متشابكة، تندفع للأمام، تُشكّل كتلة واحدة. ثم نمت. متر، متران، ثلاثة. دودة عملاقة، طولها خمسة أمتار، قطرها متر، فمها دائري، صفوف من الأسنان تدور كمفرمة، عيونها صفراء، مئات، تتوهج في الظلام. زأرت.
الصوت هز الممر، أسقط قطعاً من السقف. ريبيكا أمسكت بيد بيلي. "اركض!" ركضا.
الدودة تتبعهما، جسدها ينزلق على الأرض، يخدش الجدران، يترك وراءه أثراً من السائل الأسود والديدان الصغيرة. وصلا إلى نهاية الممر. باب معدني كبير، مكتوب عليه: مصعد شحن – مستودع الهضبة.
بيلي دفع الباب، دخلا. المصعد كان واسعاً، أرضيته معدنية، جدرانه مغطاة بصناديق قديمة وبراميل. ريبيكا ضربت زر الصعود. الأبواب أغلقت ببطء. لكن الدودة وصلت.
مخلبها – ذراع دودية – اخترق الباب، حاول فتحه. بيلي أطلق النار.
الماغنوم في يده، الرصاصات أصابت الذراع، مزقتها، لكن الدودة لم تتوقف. المصعد بدأ يتحرك.
ببطء.
ثم بسرعة. الدودة زأرت، حاولت التسلل عبر الفتحة، لكن المصعد صعد، تركها خلفه. لكنها لم تتوقف.
سمعا صوتها يتبعهما، يخدش الجدران، يتبع الأنابيب. المصعد توقف.
الأبواب انفتحت على مستودع واسع، على هضبة الجبل. السماء فوقها مفتوحة، الشمس مشرقة، الريح قوية. المستودع كان قديماً، سقفه معدني قابل للسحب، جدرانه مفتوحة جزئياً، صناديق ومعدات متناثرة. ريبيكا نظرت حولها.
"الضوء. الديدان تكره الضوء." بيلي أومأ.
"السقف." ركضت نحو لوحة التحكم على الجدار. كسرت الغطاء، ضربت الزر الأخضر. السقف بدأ يتحرك.
ببطء، ثم بسرعة.
الضوء دخل، أشعة الشمس الحارقة، تملأ المكان. ثم جاءت الدودة.
من فتحة المصعد، انفجرت إلى الأعلى، جسدها يتخبط، يحاول الاختباء في الظلال. ريبيكا تراجعت.
بيلي رفع الماغنوم. "الفتحة!" صاحت. كانت هناك فتحة في الأرض، بين المصعد والمستودع، تؤدي إلى الأسفل – إلى المصنع، إلى المدرسة، إلى كل شيء. بيلي أطلق النار.
رصاصة، اثنتان، ثلاث.
أصابن عينيها، فمها، جسدها. الدودة زأرت، تراجعت، سقطت نحو الفتحة. لكنها لم تسقط وحدها. ريبيكا ركضت نحو اللوحة، ضربت زر الطوارئ. الأرض اهتزت.
انفجار من الأسفل.
ثم آخر.
ثم سلسلة. المصنع.
المدرسة.
كل شيء ينهار. الدودة سقطت في الفتحة، جسدها يتمزق، يحترق، يذوب. ريبيكا وبيلي تراجعا إلى الحافة، ينظران إلى الأسفل. النار تتصاعد.
الدخان يملأ السماء. الغناء توقف. كان الصمت. لأول مرة. صمت حقيقي. بيلي أمسك بيد ريبيكا.
"انتهى." هزت رأسها.
"ليس بعد." لكنها ابتسمت.
ابتسامة صغيرة. كانا على قيد الحياة. والشمس تشرق.
الشمس كانت في منتصف السماء الآن، حارقة، لا رحمة فيها، تضرب الهضبة العارية وتحول المعدن المكشوف إلى لوح نار. الدخان يتصاعد من الفتحة الكبيرة في وسط المستودع، أعمدة سوداء كثيفة، تحمل معها رائحة اللحم المحترق والكيماويات الذائبة. صوت الانفجارات المتتالية خفّ تدريجياً، كأن قلب عملاق تحت الأرض توقف أخيراً عن النبض. ريبيكا وبيلي وقفا على حافة الجرف، أنفاسهما لا تزال متقطعة، ملابسهما ممزقة، وجوههما مغطاة بالسخام والعرق والدم الجاف.ريبيكا رفعت يدها، حاجبة عينيها من الضوء.
أبعدت الدخان ببطء، ثم رأت. القصر. كان هناك، على التل المقابل، بعيداً بضعة كيلومترات، لكنه واضح تماماً تحت الشمس. أبراجه الحجرية الرمادية، نوافذه المكسورة، سقفه المائل، الغابة تحيط به من كل جانب كأنها تحرسه أو تخنقه. كانت تعرفه. كانت قد رأته في تقارير S.T.A.R.S، في صور الأقمار الصناعية، في كوابيسها. "القصر..." همست. "الطريق إلى الخارج. هناك ممر تحت الأرض. يؤدي إلى الطريق الرئيسي. إذا وصلنا، نستطيع الاتصال بفريق الإنقاذ."بيلي لم يرد فوراً. كان ينظر إلى يديه. الماغنوم فارغة، أنبوبها لا يزال يدخن. ألقاها جانباً، ثم مسح وجهه بكم قميصه. عيناه كانتا فارغتين، ليست خائفة، ليست حزينة، فقط... منهكة. "لن يصدقوكِ," قال بهدوء. ريبيكا التفتت إليه. "ماذا؟""إذا عدتِ، وقلتِ إنني معكِ... سيأخذونني. المحكمة العسكرية. الإعدام. الجرائم التي لم أرتكبها. لن يهتموا بالحقيقة. أنا متهم بقتل 23 جندياً. أنا الإرهابي. أنا الخائن."ساد صمت.
الريح وحدها تتحدث، تهب بقوة، تحرك الدخان، تحمل معها رائحة النار.ريبيكا نظرت إليه للحظة طويلة.
ثم اقتربت.
مدت يدها، أمسكت بقلادته العسكرية – العلامة المعدنية الصغيرة التي تحمل اسمه، رتبته، فصيلته. "بيلي..." قالت، صوتها هادئ، لكنه ثابت. "سأقول إنك متّ. سقطت في المجرى. انفجرت مع المصنع. لا أحد سيبحث. لا أحد سيجد الجثة. سأحتفظ بهذه. سأعلن وفاتك."بيلي نظر إلى العلامة في يدها.
لم يعترض.
لم يبتسم.
فقط أومأ ببطء."وأنتِ؟" سأل. "ماذا عنكِ؟""سأعود. سأكمل المهمة. سأجد إجابات. سأوقف ما تبقى. لكنك... أنت لن تكون جزءاً من هذا بعد الآن."أخذت نفساً عميقاً.
"أنت حر."بيلي نظر إلى الغابة أسفل الجرف.
كانت كثيفة، مظلمة، لا طريق واضح.
لكنها كانت حرة."سأذهب وحيداً," قال. "لا اسم. لا ماضي. لا أثر."ريبيكا لم تقل شيئاً.
وضعت العلامة في جيبها.
ثم مدّت يدها.بيلي أمسكها.
ضغطتين قويتين.
لا كلمات وداع.
لا دموع.
فقط فهم.استدار.
بدأ ينزل الجرف ببطء، يستخدم الجذور والصخور، جسده يتحرك بثبات رغم الإصابات. ريبيكا وقفت تشاهده.
حتى اختفى بين الأشجار. ثم استدارت.
نظرت إلى القصر. "الآن... دوري."بدأت تمشي.
خطوة بخطوة.
نحو القصر.
نحو الحقيقة.
نحو النهاية.وفي الغابة، بيلي كان يمشي.
لا ينظر خلفه.
لا يتوقف. الشمس كانت ترتفع.
والعالم... كان لا يزال يحترق. لكن لأول مرة،
كان هناك أمل. صغير.
لكنه موجود.