دخلتُ الشقة أنا ومونو ونيرو وذاك الرجل الذي كان قبل ساعات قليلة مجرد إنسان عادي ينزف على أسفلت شارع محترق، ثم تحول فجأة إلى كتلة عضلية خضراء تهز الأرض بضرباتها. لم تكن الشقة مهجورة كما توقعت

؛ كانت مجرد وحدة سكنية عادية في الطابق السابع من برج قديم في منطقة بودونغ، مفروشة بأثاث رخيص من إيكيا، جدران بيضاء باهتة تحمل بقع رطوبة خفيفة، وستائر قطنية رمادية ترفرف بلطف مع نسمة باردة تدخل من النافذة المفتوحة جزئيًا. رائحة القهوة القديمة والدخان المتصاعد من الشارع تمتزج مع رائحة الخشب المبلل، وصوت صفارات الإنذار البعيدة يتردد كخلفية مستمرة لكل شيء. المطبخ الصغير في الزاوية يحتوي على كوبين نظيفين وصحن به بقايا أرز بارد، وكأن صاحب الشقة غادر مسرعًا دون أن يعود.جلستُ على الأرضية الخشبية الباردة، ظهري يستند إلى الحائط، عيناي مثبتتان على الرجل الذي جلس الآن على الأريكة الوحيدة في الغرفة، جسده النحيل يبدو غريبًا بعد أن رأيته عملاقًا أخضر يسحق سرعوفًا بحجم مبنى. مونو جلست بجانب نيرو على الطاولة الصغيرة، كتاب "شمس المعارف" مغلق بين يديها كدرع، عيناها الذهبيتان تراقبان الرجل بحذر صامت، بينما نيرو تمسك بذراعها المصابة، تنفسها متقطعًا، وكأنها تخشى أن ينفجر الرجل مرة أخرى. الجوهرة الخضراء في عيني اليمنى كانت لا تزال تومض ببطء، لكن ليس بنفس الجنون الذي كان يصيبها في الشارع.الرجل – واسمه لا أعرفه بعد – كان ينظر إلينا بنفس الاستغراب الذي ننظر به إليه. عيناه الرماديتان تتجولان بيننا كأننا كائنات من عالم آخر، يده اليمنى ترتجف قليلاً وهو يمسح جبهته المغطاة بعرق بارد. كان يحاول أن يبدو طبيعيًا، لكن صوته كان يخرج مبحوحًا، وكأنه يخشى أن يثير شيئًا داخل جسده النائم. "أنتم... لستم من الجيش، صحيح؟" سأل بهمس، محاولاً كسر الصمت. لم أجب فورًا، فقط أومأت برأسي ببطء، عيناي لا تزالان مثبتتين عليه.قلتُ بهدوء، صوتي يخرج أكثر هدوءًا مما شعرت به داخلي: "من أنت، وما كانت تلك الهيئة؟"تنهد الرجل بعمق، كأنه يسحب الهواء من أعماق رئتيه، ثم جلس بشكل أكثر استقرارًا، ظهره يستند إلى وسادة الأريكة المتهالكة. "عندما تعرضتُ لأشعة غاما أثناء التجربة، لم تمت خلاياي كما كان متوقعًا. بل تكيفت. تحولت كل خلية في جسدي إلى وحدة طاقة متفاعلة تعتمد على الغاما كمصدر أساسي. لم يكن الأمر مجرد إشعاع عادي... كان فيروسًا بيولوجيًا مصممًا لتعزيز القدرات البشرية، لكنه خرج عن السيطرة."

نظرتُ إليه، ثم إلى مونو ونيرو. مونو رفعت حاجبها ببطء، بينما نيرو شدّت قبضتها على ذراعها. "وما الذي يفعله هذا التحول بالضبط؟" سألتُ، صوتي لا يزال هادئًا لكن فيه نبرة تحذير خفيفة.ابتسم الرجل ابتسامة مريرة، كأنه يتذكر شيئًا يؤلمه. "ببساطة، جسدي يعيد توزيع الطاقة الإشعاعية لتضخيم الكتلة العضلية، الكثافة العظمية، والقدرة العصبية. النتيجة هي زيادة هائلة في القوة والسرعة والتحمل. والغضب هو المحفز الأساسي. الانفعال العاطفي الشديد يطلق نشاطًا هرمونيًا يؤدي إلى تحفيز الخلايا الغامية. كلما ارتفع مستوى الأدرينالين، تتضاعف استجابة خلايا الغاما، فتزداد القوة بلا حد نظري. لكن... الثمن هو أنني أفقد السيطرة. أصبح شيئًا آخر."نظرتُ إليه للحظة طويلة، ثم إلى مونو ونيرو مرة أخرى. الجوهرة في عيني كانت تومض ببطء، كأنها تتأمل في كلامه. "هل أنت تشكل تهديدًا لنا؟" سألتُ، صوتي الآن أكثر حدة.هزّ الرجل رأسه بسرعة، عيناه مفتوحتان على وسعهما. "بالطبع لا! أقسم لك، أنا لا أؤذي من يساعدني. أنتم... أنتم من أنقذتموني. هربتُ من الجيش، كنتُ هاربًا منذ أشهر. كنتُ أحاول إخفاء هويتي، لكن..." توقف، نظر إلى النافذة حيث كان الدخان يتصاعد من بعيد. "الآن كل الأخبار تتحدث عني. عن 'هالك'. اكتشفوا موقعي. الجيش، الحكومة، الجميع يبحث عني."فأجأتنا نيرو، التي كانت صامتة حتى الآن، وقد قامت من الأريكة ببطء، عيناها الحمراوان تلمعان بمزيج من الخوف والامتنان. "على الأقل... لقد أنقذتنا من تلك الحشرة العملاقة.

لا نعرف كيف نرد الجميل.""ماذا!؟" قال الرجل، عيناه مفتوحتان على وسعهما.قمتُ أنا أيضًا، خطوة واحدة إلى الأمام، يدي مرفوعة بإشارة تهدئة. "لا تقلق. سوف نرد الجميل. سوف نحميك، وأي شخص يقترب منك سنحطمه. حسناً، لمدة من الزمن. حتى أتمكن من العثور على دووك وأكيهيكو.""بالمناسبة،" قال الرجل، وهو ينظر إلى النافذة مرة أخرى، "ما قصة ذلك السرعوف العملاق؟"نظرتُ إلى مونو، التي هزت رأسها ببطء. "أنا أيضًا لا أعلم من أين ظهر أو متى. لكن يبدو أن بابادوك وأكيهيكو متورطان في شيء كبير. وهناك العديد من المشاكل في المنطقة الشرقية من المدينة. انقطاع الاتصالات، الدخان، الصراخ... شيء ما يحدث.""وأيضًا،" قال الرجل، وهو يخرج هاتفه المكسور من جيبه، "لا توجد إشارة. لا إنترنت، لا شبكة، لا شيء. على الرغم من أننا في وسط المدينة."نظرتُ إلى السقف، كأنني أبحث عن إجابة في الشقوق الصغيرة. "هناك أمر ما يحدث بالفعل. يجب أن نجد بابادوك وأكيهيكو بسرعة." ثم نظرتُ إليه مباشرة، عيناي تلمعان بجدية. "إذن، هل ستساعدني، أيها السيد الغاضب؟"سكت الرجل للحظة طويلة، عيناه تتجولان بيننا، ثم تنهد بعمق. "نعم، بالطبع. في النهاية، لم يعد لدي شيء أخسره. اكتشفوا مكاني، وسيرسلون أشخاصًا للقبض علي. لكن لا تتوقعوا مني قوة جسدية الآن. أنا مجرد إنسان عادي... يتحول إلى وحش أخضر عند الغضب."ابتسمتُ ابتسامة خفيفة، أول ابتسامة منذ ساعات. "حسنًا، حسنًا. أنا بليك. وهذه مونو، ونيرو. وأنت...؟"مدّ يده ببطء، كأنه يمد يده إلى حلفاء جدد في حرب لم نختارها. "أنا... بروس بانر."

مع بزوغ الفجر الأول، حين يتلاقى ضباب شنغهاي الرطب بضوء برتقالي خافت يتسلل بين ناطحات السحاب الزجاجية، انزلقت دراجة نارية فخمة – هارلي ديفيدسون سوداء لامعة بمحرك يزمجر كوحش مكبوت – داخل زقاق ضيق في منطقة يووان القديمة. الجدران المغطاة بالطحالب الرطبة تعكس ضوء المصباح الأمامي الوحيد، وأكوام القمامة المبعثرة تتمايل بلطف مع نسمة باردة تحمل رائحة السمك المقلي من سوق ليلي قريب. الدراجة توقفت فجأة، إطاراتها تصدر صريرًا خفيفًا على الأرضية الرطبة، ثم انطفأ المحرك بصوت خافت يشبه تنهيدة عميقة.نزل صاحب الدراجة أولاً، خطواته الثقيلة تترك أثرًا على برك الماء الصغيرة. كان رجلاً في أواخر الثلاثينيات، شعره البني الفاتح قصير ومبعثر بأناقة طبيعية، كأن الريح هي من صففته. لحيته الخفيفة المتناسقة تبرز خط فكه الحاد، وعيناه الداكنتين تحملان نظرة حازمة لا تتزعزع. سترته الجلدية العنابية المحروقة مفتوحة من الأمام،

تكشف عن قميص رمادي بسيط يلتصق بجسده المشدود، وقلادة فضية صغيرة تتدلى حول عنقه – تميمة غامضة تشبه قفلًا قديمًا. سرواله الأسود الداكن يحمل آثار رحلة طويلة، ووضعيته المستقيمة، قبضتاه المضمومتان، كلها تعكس رجلاً اعتاد على الخطر كصديق قديم.خلفه، نزلت المرأة بخفة رشيقة، كأنها ظل يتحرك. شعرها الأسود الداكن مقصوص بأسلوب بوب أنيق، يلامس كتفيها بسلاسة، وملامحها الآسيوية الهادئة تخفي عاصفة داخلية. كنزتها الصوفية القرمزية الداكنة طويلة، تغطي أردافها، وتتناغم مع ليجنز أسود حالك يبرز حركتها الدقيقة. أحزمة جلدية سوداء تتقاطع على صدرها كشبكة عنكبوت تكتيكية، تحمل أغمدة مسدسات على فخذيها، وقفازاتها الجلدية السوداء تخفي أصابعًا اعتادت على الزناد. وقفت بجانب الدراجة، عيناها تجوبان الزقاق ببطء، كأنها تقرأ كل ظل.أما الرجل الثالث، فقد قفز من الخلف بنصف قرفصاء، جسده الشاب المشدود يتحرك كسيف مسلول. ملابسه الداكنة – أزرق نيلي عميق – ضيقة ومرنة، مع درع خفيف يلمع بلمعان خافت تحت ضوء الفجر. وشاح أسود يغطي جبينه ويتدلى على شعره الداكن القصير، وياقة عالية تخفي الجزء السفلي من وجهه، تاركةً عينين فقط تلمعان بتركيز حاد. في يده اليمنى، خنجر صغير يدور بين أصابعه بسلاسة، كأنه امتداد طبيعي لجسده. وقف بجانب المرأة، ظله يمتد على الجدار كشبح."حسنًا،" قال صاحب الدراجة، صوته خشن لكنه يحمل نبرة ساخرة خفيفة، "لقد أوصلتكما. ماذا تريدان الآن؟"ابتسم الرجل الشاب، ابتسامة جانبية لا تكشف الكثير. "شكرًا لك يا بليز على الرحلة الطويلة."هزّ بليز كتفيه، يمسح غبار الطريق عن سترته. "تسميها طويلة؟ لقد قطعت لكما شوطًا من أمريكا إلى هنا. عبر المحيط، عبر الحدود، عبر كل شيء."نظرت المرأة إلى الزقاق،

عيناها تتتبعان خطوط الجدران القديمة، ثم قالت بهدوء: "شنغهاي... لم أزرها منذ زمن طويل."التفت بليز إليها، ابتسامة ماكرة على شفتيه. "بدلًا من أن تتغزلي بالمكان، ما رأيك أن تتغزلي بي يا إدا؟"ضحكت إدا ضحكة خفيفة، لكنها لم تنظر إليه. "نحن جميعًا نعرف أنك لست هذا النوع من الرجال، أيها الشيطان الطيب.""لا يهم،" قال بليز، وهو يعود إلى دراجته. شغّل المحرك، الذي زأر مرة أخرى كوحش يستيقظ. رفع يده في تحية ساخرة، ثم انطلق، الدراجة تبتعد في الزقاق، صوتها يتلاشى تدريجيًا حتى غابت تمامًا، تاركةً وراءها رائحة بنزين خفيفة وذكرى رحلة لم تنته بعد.التفت الرجل الشاب إلى إدا، صوته منخفض لكنه واضح. "هل التنظيم له هدف هنا أيضًا؟"هزت إدا رأسها ببطء. "لا أدري، ولست مهتمة أن أعرف أو أن أختلط مع ذلك الرجل. خير أن هدفي واحد فقط هنا، يا ني يان."أومأ ني يان، عيناه تتجهان نحو الشرق حيث يبدأ الضوء في الانتشار. "حسنًا. أظن أن وقت الفراق قد حان. كانت رحلة ممتعة، يا إدا. أتمنى أن نلتقي مجددًا."ابتسمت إدا ابتسامة خفيفة، ثم استدارت، خطواتها الصامتة تبتعد في الاتجاه المعاكس. ني يان وقف للحظة، ينظر إلى الزقاق الفارغ، ثم استدار هو الآخر، يختفي في الظلال. كل منهما ذهب في طريقه، كأن الزقاق لم يكن سوى نقطة تقاطع عابرة في خريطة أكبر، مليئة بأسرار لم تُكشف بعد.الفجر يكتمل، والمدينة تستيقظ ببطء، غافلة عن الثلاثة الذين مروا من هنا، تاركين وراءهم فقط أثر إطارات دراجة نارية، وصمتًا ثقيلًا يحمل وزن أهداف لم تُعلن.

2025/11/08 · 16 مشاهدة · 1390 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025