114 - تدخل اثنين من مستعملي الستاند

كنتُ أمسك يدَها بين كفّي، أراقب كيف يعود الدفء إلى أصابعها ببطء مؤلم، كأن الحياة نفسها تتردد قبل أن تقبل العودة. كانت مونو مستلقية على العشب الأبيض الزجاجي، صدرها يرتفع ويهبط بصعوبة، لكن عينيها الذهبيتان قد فتحتا أخيرًا.نظرت إليّ طويلًا، ثم همست:«كدتُ أختفي تمامًا، أليس كذلك؟»شددتُ على يدها أكثر. «لا تتكلمي بهذا الشكل. أنتِ هنا الآن.»ابتسمت ابتسامة ضعيفة جدًّا، كأنها تخشى أن تنكسر لو كبرت. ثم قالت بصوت هادئ، صادق، لا يحتمل أي زيف:«كنتُ أتألم لأنني كدتُ أفقد الوجود نفسه. أنتم تعلمان أنني روحٌ مصطنعة، وأن جسدي هذا ليس سوى مانا مكثّفة. عندما أغلق أنڨالو المانا في عالمه، انقطع عني كلّ ما يُبقيني مادية. كان الأمر أشبه بقطع الهواء عن إنسان حيّ. لم يكن ألم جسد فحسب، بل إحساس بأنني أُمحى من الوجود، ذرة إثر ذرة.»نيرو جلست على ركبتيها بجانبنا، ووضعت يدها على كتف مونو بحنان نادر.«كنا نعلم أن هذا ممكن، لكننا لم نرَه يحدث بهذه السرعة أبدًا. عندما رأيتكِ تتلاشين، شعرتُ أن شيئًا داخلي ينهار أيضًا.»رفعت مونو عينيها إليها. «أنتِ أقوى مني، نيرو. دائمًا كنتِ كذلك.»هزّت نيرو رأسها ببطء. «لا. أنا فقط أعرف كيف أخفي الخوف أفضل منكِ.»نظرتُ إلى أنڨالو. كان لا يزال ملقى على ظهره في العشب، يتنفس بصعوبة،

الدم يتساقط من زاوية فمه، عيناه مفتوحتان على السماء البيضاء كأنه يبحث عن شيء فقده إلى الأبد.قلتُ بهدوء شديد: «تركيزه انكسر. هذا كل ما حدث.»استدارت مونو نحوي. «ماذا تقصد؟»«كان يمسك ملايين القوانين في وقت واحد. يتحكم في كل ذرة مانا، كل سطر في هذا العالم. لكن عندما ضربته كرتكِ الذهبية، تشوّش عقله. لم يعد قادرًا على الإمساك بكل شيء معًا. فانفلتت المانا من قبضته.»

نيرو أكملت الكلام بصوت بارد: «الكاتب الذي يظن نفسه إلهًا، اكتشف أن عقله البشري لا يستطيع كتابة عالم كامل دون أن ينهار.»ارتجف جسد أنڨالو فجأة. رفع رأسه بصعوبة، ونظر إلينا بعينين محمرتين بالدم واليأس.«كنتُ… كنتُ أسيطر على كل شيء… كل سطر… كل نفس… كيف… كيف تجرأتم؟»لم أجب فورًا. وقفتُ ببطء، وتقدمتُ نحوه خطوة واحدة.«لأنك لستَ إلهًا، أنڨالو. أنت مجرد متابعٍ متغطرسٍ، سرق مفتاحًا ظنّ أنه يفتح العالم كله.»ثم التفتُ إلى مونو ومددتُ يدي لها. أمسكتها بقوة، وقامت.كانت المانا تتدفق حولنا الآن كالنهر العارم بعد سنوات الجفاف.نظرت مونو إلى السماء البيضاء التي بدأت تتشقق بخيوط ذهبية رفيعة.وقالت بهدوء مميت:«الكتاب لا يزال مفتوحًا.لكن القلم الآن بأيدينا.»

كنتُ أمسك يد مونو، أراقب الدفء يعود إلى أصابعها ببطء يشبه عودة الشمس بعد ليلة طويلة، حين قطعت خطواتٌ واثقة صمت العالم الأبيض. رفعتُ عيني.شخصان يقتربان جنبًا إلى جنب، كأن الأرض نفسها تتراجع احترامًا.الرجل طويل القامة، نحيل البنية، شعره فضيٌّ طويل ينسدل حتى كتفيه، غرّة مرفوعة بوقاحة أنيقة،

عيناه ثقيلتا الجفون، نظرته تجمد الدم. قميصه الأسود مفتوح بعمق، مربوط بخيط زمردي متقاطع، وحزام ذهبي كبير يلمع في خصره كأنه خاتم ملك.بجانبه امرأة، شعرها الأشقر الليموني مربوط بعقدة عالية تشبه أذني قطة شرسة، خصلات خضراء تتسلل بين الذهب كالسم. عيناها مكحلتان بحدة، مكياجها يعلن الحرب قبل الكلام. ترتدي قميصًا قصيرًا يكشف بطنها، وبنطالاً أخضر داكنًا ممزقًا عند الخصر، خطوطه الجريئة تتحرك مع جسدها كأنها أفاعٍ. تقف وذراعها مرفوعة فوق رأسها بمرونة قاتلة.فجأة، انفجرت صرخة المرأة في الفضاء:«يا أنڨالو! حتى في عالمك الخاص أنت فاشلٌ ذلّيل!»ارتجف الهواء كله.

في طرفة عين، فتح أنڨالو عينيه.

اختفى التشويش.

اختفى الدم.

اختفت الجروح. رفع يده بهدوء مميت، فارتفعت الأرض تحته كمنصة عائمة، وابتعد بنا عشرات الأمتار في لمح البصر. وقف فوق جزيرته المرفوعة، ينظر إلينا من عل، كأننا عادنا إلى حجم النمل.صرخ بصوت صافٍ، متيقظ، قاتل:«يا جولين! يا أباكيو! ما الذي أتى بكما؟ أنا هنا، وأستطيع سحقهم بمفردي!»تقدم أباكيو خطوة، صوته هادئ كالموت نفسه:«جئنا لنمدّ يد العون. أنت زميلنا في فرقة الستاند.»فضحكت جولين ضحكة حادة كالشظايا، ورفعت ذراعها باستعلاء:«عون؟! أنا لم آتِ لأساعد أحدًا! جئتُ لآخذ كتاب «شمس المعارف» من أولئك المليارديرات النجس، وأرتقي. أما أنتم… فأنتم مجرد حصى في طريقي!»في تلك اللحظة، تبادلنا أنا ونيرو ومونو نظرة واحدة فقط.

لم نحتج كلمة.

فهمنا كل شيء.هذان ليسا حليفين.

هذان عدوّان جديدان، أشد خطورة من أنڨالو في أقوى حالاته.شددتُ قبضتي. الجوهرة في عيني التهبت بنار خضراء غامقة.«أنڨالو لي أنا.»خطوتُ خطوة إلى الأمام، ونظرتُ إليه في الأعلى مباشرة.«أنا من كسر تركيزك مرة، وسأحطمك إلى الأبد هذه المرة.»في اللحظة نفسها، تقدّمت مونو بخطوة واحدة هادئة، وقفت أمام أباكيو تمامًا. شعرها الأسود الطويل انسدل كستار ليلي، عيناها الذهبيتان تضيئان كنجمتين في ظلام دامس.«أنت لي.»ووقفت نيرو أمام جولين، ابتسامة الجنون الكاملة ترتسم على شفتيها، ختم الضعف يشتعل على جبينها بنار حمراء.«يا للسعادة… بنت تشبهني في الشر.

ستكونين لذة قبل أن أمزقك.»رفعت جولين حاجبها، وابتسمت ابتسامة لا ترحم:«تمزقيني؟ تعالي أيتها الصغيرة… دعيني أريكِ من هي جولين كوجو.»ارتفع التوتر حتى صار الهواء نفسه يئن.ثلاثة أعداء.

ثلاث جبهات.

ثلاثة أنياب مسمومة.رفعتُ يدي ببطء نحو أنڨالو، وقلتُ بهدوء يسبق العاصفة:«تعال أيها الكاتب الفاشل.

الآن… القلم بيدي.»واشتعلت الحرب من جديد

2025/11/11 · 18 مشاهدة · 744 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025