في أعماق الجبل، حيث كان مقر "الثمانية" مُحصَّناً بخطوط دفاع فولاذية ومنظومات مراقبة فائقة التطور، اجتمع الأعضاء الباقون حول طاولة اجتماعات ضخمة مصنوعة من الكوارتز الأسود. كانت الأجواء مشحونة بالاستياء والغضب الكامن؛ فخسارتهم لأربعة من عملائهم الأساسيين، وفشلهم الذريع أمام قوة بليك وتحالفه المتقلب، ثم الهزيمة المذلة التي لحقت بالجيش الأميركي أمام الهالك، كل هذا جعلهم على حافة الانهيار. كانت ليليان وونغ تُدخن سيجاراً كوبياً بهدوء مصطنع، بينما كان ليو تشنغ يقرع الطاولة بإيقاع عصبي.
انفتح الباب الفولاذي الضخم للقاعة ببطء وثقل، ليقف على العتبة كيان لم يكن بشرياً، رغم هيئته الآدمية. كان غيلثاندر، الأمير الشاب من مملكة ليونس، يرتدي درعه اللامع الذي يتلألأ بلون الفضة الباردة، وشعره الوردي الفاتح ينسدل على كتفيه بخيلاء. كان يحمل في يده اليمنى رمحاً مشرقاً كان يرتكز على الأرض بنقطته الحادة، مما خلق صوتاً رتيباً في هدوء القاعة.
تقدم غيلثاندر ببطء عبر الغرفة، وكانت عيناه الساطعتان تعبران عن قرار لا رجعة فيه. توقف أمام الطاولة مباشرة، ناظراً إلى القادة البشريين الجالسين دون أدنى احترام.
رفع ليو تشنغ رأسه، محاولاً إخفاء توتره خلف نظاراته السميكة، متحدثاً بصوت يحمل نبرة تهديد مغلفة بالكياسة: "أهلاً بك يا غيلثاندر. هل أتيت لتزويدنا بتقرير عن تحركات ذلك الكيان المزعج، ميليوداس؟ إن تحالفنا مع مملكة ليونس...".
قاطعهم غيلثاندر ببرود تام، وكأن كلمات ليو تشنغ كانت مجرد ضوضاء لا معنى لها. استند على رمحه ومال قليلاً نحوهم، متحدثاً بهدوء أشد خطورة من الغضب: "جئت لأخبركم بقرار. لا حاجة للتقارير بعد الآن، ولا أهمية لاستمرار هذا التحالف التافه".
تجمدت الأجواء. ألقت ليليان وونغ بسيجارها على الأرض ووقفت فجأة، وعيناها تضيقان بالغضب: "ما الذي تقوله أيها الأمير؟ نحن من وفر لك الموقع، ونحن من قدم لك التمويل والدعم في هذا العالم. ألا تدرك قيمة الموارد التي وضعناها تحت تصرفك لمطاردة أعدائك؟".
تنهد غيلثاندر تنهيدة خفيفة، لم تكن تنهيدة ملل، بل تنهيدة شخص يضطر لشرح بديهيات للأغبياء. "أنتم تتحدثون عن تمويل وأموال... عن خردة هذه الحضارة الفانية. هل نسيتم من أنا؟ أنا غيلثاندر، سيد المانا المُقدَّسة، وأمير مملكة ليونس. ما قدمتموه لا يساوي ذرة تراب من مملكتي. لقد قدمت لكم شيئاً واحداً فقط: حماية مؤقتة لقضاء مصالحكم التجارية الطفولية في مقابل استخدام أجهزتكم لمساعدتي في تحديد موقع ميليوداس في هذا البعد. هذا كان كل شيء".
تدخل فيكتور راموس، وهو يرفع حاجبيه الباهتين: "لكن... ألم تكن مطاردة ميليوداس هي هدفك الأساسي؟ لقد رأيته! إنه حي هنا على الأرض. ألم يكن ينبغي عليك الانقضاض عليه في هذه اللحظة، وهو ضعيف ومُصاب؟ نحن نملك القوة العسكرية للتحالف. يمكننا أن نُؤمن لكم القوة النارية اللازمة للقبض عليه".
ابتسم غيلثاندر ابتسامة باردة لم تصل إلى عينيه. كان الرمح في يده يُصدر وميضاً خافتاً، وكأنه يشاطره الازدراء.
"القبض عليه؟" سأل غيلثاندر، رافعاً صوته قليلاً بلهجة تحمل معنى السخرية القاتلة. "من أنتم لتتحدثوا عن القبض على ميليوداس؟ لقد خسرتم أربع قوى من عملائكم أمام ساحر طائش، وفشلت تحركاتكم العسكرية أمام وحش من الغاما. ألا ترون أنفسكم في مرآة الحقيقة؟ أنتم لستم سوى بائعي سلاح وعقارات. أما ميليوداس، فهو قائد الوصايا العشر. القتال معه ليس شيئاً يمكنكم أن تشاركوا فيه بأسلحتكم الفولاذية المحدودة".
ثم نظر غيلثاندر إلى الجدران كأنه ينظر عبرها إلى مملكته البعيدة، وعيناه تحملان نظرة انتصار قديم: "لقد وجدتُه. هذا كل ما يهم. لقد تأكد لي أن قائدي القديم، ميليوداس، موجود في هذا العالم الأرضي. هذا الكشف يُغير المعادلة بأكملها".
عادت ليليان وونغ إلى كرسيها ببطء، محاولة فهم المنطق الغريب للأمير. "كيف يُغير ذلك المعادلة؟ لقد أضعتم فرصتكم الذهبية للإمساك به وهو يقاتل تلك الفتاة الكونية. ما الذي تخطط له الآن؟".
"التخطيط انتهى"، أجاب غيلثاندر، ثم رفع رمحه نحو سقف المقر ببطء شديد، وكأن الحركة نفسها كانت إعلانًا نهائيًا. "أعود الآن إلى مملكة ليونس. ليس لأقاتله هنا، بل لأسحب القوة الكافية من الجسد الرئيسي لمملكتي لفتح بوابة مستقرة وكاملة الأبعاد. لن أذهب إليه. بل هو الذي سيأتي إليّ... إلى مملكة ليونس".
ساد صمت طويل، كان فيه صوت تنهد نظام تكييف الهواء هو الشيء الوحيد المسموع. كان هذا القرار غير متوقع وغامض.
سأل ليو تشنغ بتردد: "تقصد... أنك ستجبره على العودة؟ لكن ما الذي سيجعله يفعل ذلك؟ ما الذي تملكه مملكتك ويثير اهتمام قائد الشياطين إلى هذا الحد؟".
رفع غيلثاندر رأسه، واتسعت عيناه قليلاً، وكانت نبرته تحمل وعداً وتهديداً في آن واحد. "هذا سر مملكتي. لكن ثقوا تماماً بأن ميليوداس سيعود. هناك شيء وحيد في كل الأبعاد، شيء لا يمكنه أن يتركه خلفه، شيء يمثّل له الحياة ذاتها. إليزابيث. لقد أمنتُ على حمايتها في الغابة من أجل هذا اليوم. الآن، عليّ أن أجعل مكان حمايتها هو المكان الذي سيقاتل فيه... مملكة ليونس".
"ولكن ماذا عنا نحن؟" سألت زارا خان، التي ظلت صامتة حتى تلك اللحظة، بصوت مبحوح.
"ما مصير اتفاقنا الآن؟ إذا انهار تحالفنا مع ليونس، فستنتهي مصالحنا. نحن محاصرون بين بليك والجيش الغاضب!".
نظر إليهم غيلثاندر بنظرة شفقة حقيقية، كأنهم مجموعة من الأطفال يلعبون بالحصى في طريق فيضان عظيم. "أنتم؟ مصيركم لا يثير اهتمامي. لقد استنفدتم غرضكم. ولكن سأمنحكم نصيحة أخيرة أيها البشر الجشعون. تحركاتكم الأخيرة، خطف أخت ني يان وتعذيبها، هذا ليس ذكاءً استراتيجياً. إنما هو يأس أحمق".
أشار بيده نحو شاشة ضخمة كانت معلقة على الحائط وتعرض صورًا لـ لين المُعذَّبة والمُقيَّدة في زنزانة المقر.
"ني يان لديه دافع الآن"، تابع غيلثاندر ببطء قاتل. "والدافع يخلق القوة. لا تحاولوا أن تستفزوا كياناً فقد كل شيء ولم يبق له سوى شقيقته. سيأتي إليكم. وسيأتي معه بليك... ومونو... ونيرو... وغوست رايدر. وربما يعود الهالك مرة أخرى. اهتموا بأموركم المحلية، أيها المليارديرات. أما أنا، فـ الآن أنصرف".
بدون أن ينتظر رداً، استدار غيلثاندر وسار باتجاه الباب. عند وصوله، رفع يده اليسرى، ومرت ومضة فضية باهرة من المانا المُقدَّسة عبر الباب الفولاذي الضخم. اهتز الباب بعنف، ثم انفتح بهدوء تام، مُفسحاً له الطريق.
وقبل أن يخرج، توقف غيلثاندر عند العتبة ووجه كلمته الأخيرة إلى الثمانية الجالسين في صمت مذهول. "لا تحاولوا العبث مع إليزابيث. هي في حمايتي المؤقتة. وإذا تعرضت لأذى، فلن يكون بليك هو مشكلتكم... بل ستكونون أنتم الهدف التالي لقوات ليونس بأكملها".
ثم خرج غيلثاندر، وأغلق الباب الفولاذي خلفه بضجيج مدوٍّ كإعلان عن نهاية تحالفهم.
في قاعة الاجتماعات المظلمة، ظل أعضاء "الثمانية" جالسين في مقاعدهم، وقد تملكهم الذهول والصدمة بعد انصراف غيلثاندر. الضجيج المدوّي للباب الفولاذي وهو ينغلق كان بمثابة إعلان رسمي عن نهاية حماية عجزوا عن استغلالها.
تحدث ليو تشنغ أولاً، وكان صوته أشبه بهمس حاد بالكاد يخرج من حلقه: "هذا هو الوضع إذن. لقد غادرنا الأمير غيلثاندر. لقد قرر أن هذا العالم أصبح عديم القيمة بالنسبة له. نحن الآن بمفردنا في مواجهة هؤلاء الكيانات المتقلبة".
طوت ليليان وونغ ذراعيها بقوة، وكان وجهها يعكس مزيجًا من الغضب والكبرياء المجروح. "نحن لسنا وحدنا، ليو. لدينا تحالفات على مستوى أعلى من مجرد طاقة سحرية من بعد آخر. يجب أن نتواصل فورًا مع الجنرال روس. أين هو تقريره؟ لقد دفعنا ثمنًا باهظًا لضمان سحب القوات الأمريكية والهيئة العسكرية. يجب أن نعرف ما الذي حدث لبروس بانر".
في تلك اللحظة، رن صوت إلكتروني هادئ في القاعة. كان صوت الذكاء الاصطناعي الخاص بالمقر.
"تنبيه. وصول تقرير سري عاجل من القيادة المركزية للتحالف العسكري. تقرير حول الوضع في منطقة الاقتحام ونتائج المعركة الكونية".
ظهر على الشاشة الكبيرة، التي كانت لا تزال تعرض صورة لين المُعذَّبة، موجز نصوص مُشفرة بدأت تضيء بنور أبيض قارس. رفع ليو تشنغ يده وأشار ببطء: "اعرضوا الموجز. لا تضيعوا ثانية واحدة".
بدأ الذكاء الاصطناعي بعرض النقاط الأساسية، وكان الصوت الآلي الهادئ يتناقض بحدة مع خطورة المعلومات:
"المُدخل الأول: نجاح العملية العسكرية. تم تأمين هدف الغاما الحيوي. تم القبض على روبرت بروس بانر، أو ما يُعرف بـ 'الهالك'. الكيان حاليًا تحت التخدير العميق وتحت حراسة مشددة في منشأة عسكرية فائقة السرية تابعة للتحالف. تم استيعاب تقرير القضاء على الهالك. تم تصنيف الهالك كـ 'سلاح كوني مدمر' في تصنيف التهديدات الحالية".
تنهد فيكتور راموس بارتياح واضح، وارتسمت على وجهه ملامح أمل جديد. "إذن، على الأقل سقط تهديد الغاما. كانت هذه هي النقطة الأكثر إزعاجاً في التكتيكات الأخيرة لبليك".
تدخلت سيليا هارت، وهي امرأة ذات شعر أشقر متجمد النظرة، وكانت تتحدث بنبرة عملية جافة: "لا تفرحوا. القضاء على الهالك هو نقطة قوة عسكرية، ولكنها لا تزال لا تحل مشكلة بليك وفريقه. ما هي حالة القوى المتبقية؟".
أجابت الآلة على الفور: "المدخل الثاني: تقييم حالة التهديدات الأولية. تُشير تقارير المتابعة المستخلصة من بيانات استشعار الطيف الكوني وتركيز المانا المتبقي في منطقة الاشتباك، إلى أن جميع الكيانات المعادية التي اشتبكت مع كابتن مارفل تعرضت لاستنزاف مفرط في القوة. بليك يُعاني من انهيار في درعه السحري، وميليوداس (قائد الشياطين) مُصاب بجروح خطيرة في وضعه البشري والظلامي، ونيرو ومونو تُظهران مستويات مانا وطاقة ذهبية منخفضة للغاية. جميعهم في حالة إجهاد قصوى وفي وضع استعداد دفاعي بدلاً من الهجوم. التهديد، في هذه اللحظة، أصبح على وشك التلاشي".
ابتسم ليو تشنغ ابتسامة واسعة، وقد عادت إليه الثقة. "رائع. هذا هو الفارق الذي كنا ننتظره. إنهم منهكون. يمكننا الآن تفعيل خطتنا الثانية وتنفيذ الضربة النهائية دون خوف من التدخل الكوني أو تدخل الغاما. يجب أن نرسل عملاءنا الموثوقين فورًا لإتمام المهمة: استعادة كتاب شمس المعارف والقضاء على ني يان وأخته".
لكن قبل أن يُصدر ليو تشنغ أوامره، قطع صوت الآلة المشهد، وهذه المرة بنبرة تنبيهية أعلى وغير معتادة:
"تنبيه. مدخل ثالث: تسريب بيانات داخلي مُوثَّق وخيانة. اكتُشف دليل على خيانة داخلية من مستوى تنفيذي عالٍ. تم تتبع أنظمة تشفير بيانية تم تعديلها قبل ثلاثة أيام".
تجمد الجميع في مقاعدهم. الخيانة هي العدو الأسوأ للمنظمات السرية.
تابع الذكاء الاصطناعي بهدوء مدمر: "العميلان المتورطان هما: هاي يونغ، السكرتيرة التنفيذية لشركة 'وورلد بلوك فاينانشيال جروب' التابعة للمجموعة، وجو يون، مساعدها الأول في الشؤون اللوجستية. تشير البيانات إلى أن هاي يونغ وجو يون قاما بتسريب إحداثيات ومخططات دفاعية مُعقدة لمقر 'العرين' إلى جهة خارجية. تحليل الاتصالات الأخير يُشير إلى أن العميلين يتواجدان حاليًا في ناطحة سحاب مهجورة في الجانب الغربي من المدينة برفقة الهدف أكيهيكو".
صاحت ليليان وونغ بغضب جامح وهي تشد على قبضتيها: "هاي يونغ! لقد كانت على إطلاع بكل شيء! لقد كانت هي وجو يون يُديران جداولنا السرية! هذه خيانة مُدبرة مسبقًا! هل يعني هذا أن أكيهيكو، الذي افترضنا أنه مصاب ومهزوم، قد تحالف معهم؟".
هزت سيليا هارت رأسها بيأس: "الأمر واضح. لقد عولج أكيهيكو، وهاذان الخائنان، اللذان يعرفان كل نقاط ضعفنا الهيكلية، أصبحا في صفوفه. هذا يمنح بليك حليفاً جديداً قوياً مع معلومات داخلية دقيقة. الهجوم القادم سيكون مُستهدفاً بدقة".
"علينا نسيان أكيهيكو مؤقتاً"، قال ليو تشنغ بصرامة متزايدة. "الآن، لدينا تأكيد بأن فريق بليك سيأتي إلينا من الخلف باستخدام المعلومات المُسربة من الخائنين. هذا هو بالضبط ما كنا ينبغي أن نكون مستعدين له. يجب أن نُفعِّل خطة الطوارئ 'سكيلا' على الفور. لا يمكننا الاعتماد على القوات العسكرية وحدها".
لكن قبل أن يُصدر ليو تشنغ أوامره، قفز صوت الآلة بتنبيه جديد:
"تنبيه: مدخل رابع: حركة كيانات خارجية في الغابة. تم رصد كيانين غريبين يتسللان عبر الحدود الجنوبية للغابة القريبة من مكان وجود 'الريف' وإليزابيث. هما كيانان ليسا من ضمن قوات التحالف ولا من ضمن عملاء 'الثمانية' السابقين، يُحتمل أنهما مرتزقة".
ظهرت على الشاشة صورة حرارية مُشوشة لشخصين يتحركان بسرعة فائقة عبر الأشجار، يرتديان ملابس داكنة للغاية، لكن هيئتهما كانت غير واضحة.
"مرتزقة؟" سأل فيكتور راموس وهو يضغط على أسنانه. "أفترض أنهم أرسلوا للاستيلاء على 'الريف'. ما هي مهمتهما؟".
أجابت الآلة: "الكيانان يستهدفان بوضوح موقع تجمع قبيلة الريف الهاربة. الهدف المحدد هو أسر أو القضاء على تلك الكيانات الفضائية. لا يمكن تحديد شكلهم أو قوتهم، لكن تحركهم يشير إلى تدريب قتالي عالٍ".
شعرت ليليان وونغ بالقلق يزحف إلى داخلها، وتذكرت تهديد غيلثاندر الأخير. "إذا كان هؤلاء المرتزقة يستهدفون 'الريف' ووصلوا إلى إليزابيث، فإن هذا سيثير غضب غيلثاندر، وهو آخر شيء نحتاجه الآن! إنه تهديد لا يمكن تجاهله. لقد تعهد بحماية إليزابيث، وإذا ماتت، سنصبح الهدف لجيش ليونس بأكمله!".
"لا وقت لدينا للعب دور حماة الطفولة، ليليان"، قاطعها ليو تشنغ بحدة. "التهديد المباشر هو بليك الذي أصبح يعرف نقطة ضعفنا. دعوا ميليوداس يشغل غيلثاندر في مملكة ليونس، ولننتهِ من أزمة الكتاب هنا. لكن يجب أن نكون مستعدين لمواجهة أي شيء قد يجلبه بليك معه من طاقة سحرية بعد علمه بالخيانة".
"الآن، نصل إلى أهم نقطة"، تابع ليو تشنغ، وقد لمعت عيناه ببريق جنوني. "الورقة الرابحة. سكيلا ليست خطتنا الأخيرة".
طلب ليو تشنغ من الآلة عرض المدخل الخامس والأخير.
"المدخل الخامس: الورقة الرابحة البيولوجية. تُشير تقارير مختبر البحث والتطوير تحت الأرض إلى أن المشروع السري 'تي-سوبريور'، المعروف بـ 'بيو-جايانت'، قد وصل إلى حالة الاستقرار والتفعيل. الكائن أصبح جاهزًا للإطلاق".
ظهرت على الشاشة صورة مروعة وُضعت في خلفية سوداء: كانت عبارة عن هيكل ضخم، شبيه بالبشر، لكنه ذو بنية عضلية عملاقة وغير طبيعية، يطفو في سائل أميني أخضر كثيف داخل كبسولة احتواء ضخمة. كان الكائن مغطى بأنابيب وسلاسل معدنية لتثبيته.
تحدث ليو تشنغ بنبرة انتصار محمومة، وكأنه يرى خلاصهم: "هذا هو مصير من يحاول العبث معنا. هذا الكائن ليس سحراً، وليس مانا، وليس غاما. إنه كائن بيولوجي محض، تم إنشاؤه ليكون مضاداً لكل شيء خارج نطاق هذا العالم. لا يتأثر بالمانا ولا بالسحر الذهبي. لقد استنفد بليك قوته، وهو قادم الآن ليواجه شيئاً لا يستطيع فهمه. فعلوا نظام الإطلاق! فلنستعد لاستقبال زوارنا المرحب بهم بأقوى أسلحتنا على الإطلاق!".
انتهت قراءة الموجز، وبدأ ليو تشنغ بإصدار أوامر سريعة إلى فريقه المتبقي لتفعيل الإجراءات الأمنية القصوى، بينما كانت صورة الكائن البيولوجي العملاق تُغرق القاعة بنورها الأخضر الشرير، كإيذان ببدء المعركة الحقيقية على مستوى مختلف تمامًا.
في أعماق منشأة عسكرية أمريكية سريعة التجهيز، ضمن منطقة معزولة تماماً في ضواحي شنغهاي، استعاد بروس بانر وعيه ببطء. كان أول ما أحس به هو الألم الشديد في مؤخرة عنقه، ثم البرودة القاسية للمعدن المحيط به.
فتح بانر عينيه المنهكتين ليجد نفسه مستلقياً على أرضية عربة نقل عسكرية ضخمة ومُصفحة من الداخل. كان مقيداً بسلاسل معدنية ثقيلة ومتعددة، تتشابك حول صدره وذراعيه وساقيه بأحكام لا يُمكن الفكاك منه حتى في حال تحوله الجزئي. تم تثبيت رأسه بياقة فولاذية مُحكمة، مُتصلة بمستشعرات تخترق جلده، مُراقبة لأي ارتفاع في ضربات القلب أو موجات الغضب. كان جسده، حتى في حالته البشرية الضئيلة، مُثقلاً بالمانع الحيوي الذي تم حقنه به.
أمامه، جلس الجنرال ثاديوس "ثندربولت" روس، والد بيتي، على مقعد حديدي مُثبت في جدار العربة. كان روس يرتدي زيه العسكري الرسمي، وكان وجهه مُتجهمًا كقذيفة مدفع. كان يضع قفازات جلدية سوداء على يديه، ويُدخن سيجاراً برائحة قوية كالمعتاد، وعيناه الزرقاوان كانتا تخترقان بانر بنظرة قديمة من العداوة الممزوجة بالانتصار.
رمى روس سيجاره على الأرض وسحقه بحذائه العسكري، ثم تحدث بنبرة رتيبة، لكنها كانت محملة بكل ثقل سنوات من الصراع: "أهلاً بعودتك أيها الوحش. أو ربما ينبغي أن أقول، أهلاً بعودتك أيها العالم الهزيل. اعتقدتُ أن الهالك أقوى من أن يُسقط بلكمة ذكية من ذلك الغريب ذي المظلة. لكن ها أنت ذا، أسيرنا. تماماً كما توقعتُ دائماً".
حاول بانر تحريك ذراعيه، فاحتكت السلاسل ببعضها محدثة صوتاً مزعجاً. تحدث بصعوبة، وصوته كان ضعيفاً، يرتعش بسبب الألم المتبقي في جسده: "جنرال روس... ما... ما الذي... حدث؟ أنا... هل أذيت أحداً؟".
قهقه روس بمرارة. "هل آذيت أحداً؟ ألا تسأل سوى هذا؟ لقد دمرتَ نصف حي في شنغهاي، بروس. لقد سحقت دباباتنا وهدمت مبانينا. لقد أثبت للعالم، مرة أخرى، أنك وحش لا يمكن السيطرة عليه، وأن كل عبقريتك لا تساوي شيئاً أمام الغضب الأعمى. لكن لا تقلق بشأن المدنيين، فقد قام 'بابادوك' الخاص بك بإجلائهم. أنت، أيها البروفيسور، كنتَ مشكلتنا الكبرى".
نظر بانر إلى القيود حوله، ثم إلى وجه الجنرال. "أنا أفهم أنك تشعر بالاستياء، لكن هذا لم يكن أنا. كنتُ فاقداً للوعي البشري، كان الهالك هو المسيطر. أين هو بليك؟ وأين مونو ونيرو؟".
تكىء الجنرال روس إلى الأمام، مُقترباً من بانر، وصوته خفض إلى نبرة تهديد مكثفة: "دعك من أحبائك الجدد، أيها العالم. هُم مشغولون بمحاولة الهروب من عواقب أفعالهم. أنت الآن تحت وصاية الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف العسكري الدولي. هدفنا هنا ليس محاكمتك على الدمار الذي سببته، بل هو استغلالك. سنستخدم عبقريتك في الغاما لتطوير أسلحة ضد هؤلاء الكيانات المتقلبة الذين يجتاحون عالمنا. أنت إما ستكون جزءاً من الحل، أو سيتم تحويلك إلى سلاح تحت سيطرتنا الكاملة. لا خيار ثالث لك".
رفع بانر رأسه بصعوبة، وبدت في عينيه نظرة حادة، نظرة العالم الذي يرفض أن يُستخدم. "أنت تعرف أنني لن أتعاون في تطوير الأسلحة. كل ما فعلته هو محاولة القضاء على العنف، ليس توليده. وإذا حاولت استخدام القوة... أنا متأكد أن تأثير المانع لن يدوم إلى الأبد".
ابتسم روس ابتسامة ساخرة تجمّدتها سنوات من القسوة العسكرية. "يا لك من طفل ساذج! أنت لا تتعلم أبداً! لا تفكر في الهروب، بروس. هذه المرة، لن يُنقذك أي ساحر غريب، ولا أي مظلة سحرية، ولا حتى زوجتي...".
في تلك اللحظة، ارتطم باب العربة الخلفي بالهيكل الحديدي بعنف، ودخلت بيتي روس، ابنة الجنرال، مسرعة. كانت ترتدي ملابس مدنية بالكامل، وشعرها الأشقر كان فوضوياً، ووجهها كان شاحباً ومُتوتراً، لكن في عينيها كان هناك إصرار عاطفي لا يلين.
توقفت بيتي فجأة عندما رأت بانر مُقيداً بتلك الطريقة المُهينة. انبعث صوت أنين خافت من حنجرتها، ثم سارت خطوات مسرعة نحوه متجاهلة وجود والدها تماماً.
"بروس!" همست بيتي، وهي تضع يدها بحنان على جبينه، متفحصة الجروح الطفيفة التي كان يعاني منها. "يا إلهي، ماذا فعلوا بك؟ هل أنت بخير؟ هل تتذكرني؟".
شعر بانر بوميض من الدفء يمر عبر قلبه المُنهك عندما لمست يداها جبينه. "بيتي... نعم، أتذكركِ. أنا بخير، على قدر الإمكان. لكن... كيف أتيتِ إلى هنا؟ يجب ألا تكوني في هذا المكان".
تدخل الجنرال روس فجأة، مُقاطعاً اللحظة بتوتر عارم. وقف بين بيتي وبروس، محاولاً الفصل بينهما جسدياً.
"بيتي!" صاح روس بصوت عالٍ وغاضب. "ألم آمركِ بالبقاء في المعسكر؟ ماذا تفعلين هنا؟ هذا ليس مكانكِ. هذا عمل عسكري سري!".
نظرت بيتي إلى والدها نظرة تحدٍ لم ترتعش فيها عيناها، وهي تتشبث بذراع بانر. "أبي! كيف تتوقع مني أن أبقى في المعسكر وأنا أعلم أنه محتجز هنا كحيوان بري؟ إنه بروس! لقد رأيتك للتو على الشاشة! كان فاقدًا للوعي، والوحش الذي تتحدث عنه قد ذهب! لماذا لا تتركه وشأنه؟".
تنهد بانر بصوت حزين: "بيتي، لا تجادلي والدكِ. هذا لن يغير شيئاً. أنا أقدر اهتمامكِ، ولكن عليكِ المغادرة الآن".
رفضت بيتي أن تبتعد. "لا، لن أغادر. أبي، أنت تعرف أن بروس ليس شريراً. إنه ضحية! لقد رأيتَ كيف أن لحظة وعي بسيطة منحت ذلك 'بابادوك' فرصة للإمساك به. روحه الإنسانية ما زالت موجودة. إذا عاملته بهذه القسوة، فلن تُفعل سوى إطلاق العنان للوحش بداخله مجدداً. أرجوك، أعده إلى المنزل. يمكننا إيجاد علاج له معاً!".
تجمّدت عينا الجنرال روس بغضب مميت. لقد كانت بيتي تستخدم أضعف نقطة في درعه العاطفي.
"علاج؟" سأل روس، ونبرته تحمل تهكماً مُراً. "أنتِ تتحدثين عن علاج لشيء دمّر حياتكِ وحياتي! أنتِ تتحدثين عن وحش قتل والدته في طفولته، والآن يُهدد بقتل العالم! أنا لن أترك هذا الوحش يبتلع ابنتي مرة أخرى! أنتِ لا تفهمين شيئاً عن الواجب يا بيتي!".
مد الجنرال يده فجأة، وأمسك بذراع بيتي بقوة، ساحباً إياها بعنف بعيداً عن بانر.
"لا! اتركني يا أبي!" صرخت بيتي محاولة التحرر.
وجه الجنرال روس كلامه إلى بانر، وعيناه تحملان وعيداً قاسياً: "استمتع بآخر لحظات إنسانيتك، أيها البروفيسور. لأننا حين نبدأ العمل عليك، لن يتبقى سوى الغضب في جيناتك. سأحولك إلى سلاح وطني، وسأحرر ابنتي من وهم حبكِ الواهي!".
ثم وجه الجنرال كلامه إلى بيتي، وهو يجذبها نحو باب العربة: "اخرجي من هنا حالاً يا بيتي! هذا أمر مباشر! أنتِ ممنوعة من الاقتراب من هذا الكيان مرة أخرى!".
دفعت بيتي الباب وصرخت كلمة أخيرة تجاه بانر، الذي كان ينظر إليها بعجز وحزن بالغين. "بروس، لا تستسلم لهم! أرجوك، عد إليّ! سنقاتل هذا معاً!".
دفع الجنرال روس بيتي خارج العربة، وأغلق الباب الحديدي خلفها بضجيج عالٍ، مُطلقاً بعدها أمراً إلى الحراس في الخارج بألا يسمحوا لها بالعودة أبداً.
عاد الجنرال روس إلى مكانه، ونظر إلى بانر بنظرة منتصرة. "الآن، بعد أن انتهينا من الدراما العائلية، لنعود إلى أعمالنا يا بروس. لدينا الكثير لنناقشه حول قنبلة الغاما الخاصة بك، وكيف يمكن أن نُحولها إلى... سكيلا مضادة".
تنهد بانر تنهيدة طويلة ومؤلمة. أغمض عينيه، وحاول أن يبتلع الغضب الذي بدأ يشتعل في أعماقه، مدركاً أن أسوأ معركة، معركة السيطرة على روحه، قد بدأت للتو داخل تلك العربة العسكرية المُظلمة.
في تلك الأثناء، بعيداً عن صراعات السلطة والجنون العسكري، كان فريقه المُنهك يجد ملاذاً مؤقتاً فوق سطح مبنى مُنهار جزئياً، في قلب أحد الأحياء الفقيرة التي كانت قد نجت بالكاد من نيران المعركة الكونية الأخيرة.
كانت مونو تجلس القرفصاء في المنتصف، محاطة ببقية أعضاء الفريق الذين كانوا يحتاجون إلى شفاء عاجل. كانت أصابعها تُطلق وميضاً ذهبياً خافتاً، وكأنها خيوط سائلة من النور تنسج شبكة من التعويذات المُركَّزة. كانت تستخدم سحر الشفاء، وهو ليس تخصصها الأساسي، لكنه كان ضرورياً بعد المواجهة الساحقة مع كابتن مارفل، والقتال المُلتهب بين الهالك وبابادوك.
كانت نيرو هي أول من استعاد عافيته، فقد كانت إصاباتها سحرية بالدرجة الأولى، وعلاجها بالمانا الذهبية كان فعالاً. أما بابادوك، فكان لا يزال مغطى بالكدمات، يتكئ على الحائط بإنهاك، ويُصدر أنيناً خافتاً بينما كانت قوة مونو تُعيد بناء الأنسجة التي مزقتها لكمات الغاما العملاقة. غوست رايدر، في شكله البشري، كان يجلس بهدوء، يده تلمع بالنار الروحية التي تُصلح جسده، ولكنه سمح لسحر مونو أن يُساعد في تسريع العملية. كان ني يان وماركو وفيرتشايلد وقط الكذب أيضاً يتلقون لمسة الشفاء الأخيرة، استعداداً للحركة.
شعرت مونو بالضغط الهائل الذي تفرضه عليها هذه التعويذات. لم تكن طاقة الشفاء الذهبية مثل قذائفها المدمرة؛ فقد كانت تتطلب تركيزاً دقيقاً واستهلاكاً ضخماً من طاقتها الروحية. بدأت قطرات العرق تتجمع على جبينها، وتصبغ خيوط شعرها الرمادي الداكن.
في هذه اللحظة، اقترب منها بليك. كان قد انتهى للتو من وضع خطوط دفاع سحرية خفيفة حول المنطقة، وكان هو نفسه لا يزال يعاني من انهيار درعه السحري. جلس بجانبها بهدوء، ووضع يده على كتفها بحذر بالغ.
"كفى يا مونو، توقفي الآن"، قال بليك بهدوء، وعيناه الساحرتان تلمعان بقلق حقيقي. "لقد استنفدتِ أكثر من اللازم بالفعل. لقد أعدتِ لهم طاقتهم بشكل يكفي للتحرك والمقاومة. لا تفرطي في استنزاف المانا الذهبية. أنتِ تعرفين أننا نحتاج كل ذرة منها للمواجهة القادمة".
أبعدت مونو يدها، لكنها حافظت على تدفق طاقتها نحو بابادوك. "أعلم، يا بليك. ولكن إصابات بابادوك كانت عميقة جداً. لقد خاطر بروحه لإنقاذنا جميعاً من وحش الغاما. يجب أن أضمن أنه يستطيع الوقوف على قدميه عندما نبدأ الحركة. نحن نتقاسم الأعباء، أليس كذلك؟".
"لكنكِ تستهلكين ذخيرة المعركة الكبرى"، أصر بليك، مقترباً بوجهه قليلاً. "لقد رأيتِ ما حدث. أنتِ الوحيدة، يا مونو، التي تملكين القوة الذهبية القادرة على إحداث ضرر حقيقي في كابتن مارفل إن عادت. إذا عادت، ستواجهينها مجدداً، وأنتِ تعرفين ذلك جيداً. يجب أن تبقى طاقتكِ عند الحد الأقصى".
توقفت مونو عن بث طاقتها أخيراً، تاركة بابادوك يتنفس الصعداء. نظرت إلى بليك بعينين متعبتين، ولكن بنظرة مليئة بالود.
"أنت تقلق كثيراً، أيها الساحر"، قالت مونو، وهي تمسح العرق عن جبينها بكف يدها الصغيرة. "يبدو أن فتح البوابة إلى شقتنا واستخدام سحر تحويل الواقع قد سحب منك الطاقة الإنسانية والقدرة على الاسترخاء. أتعرف؟ سأظل قوية. أليس هذا ما تعلمته منكم؟ أن القوة لا تكمن فقط في حجم الانفجار، بل في القلب الذي يقف خلفه".
ابتسم بليك ابتسامة خفيفة نادراً ما كانت ترتسم على وجهه المنهك. "أجل، هذا صحيح. لكنني أرى أن قلبكِ الصغير أصبح ضخماً جداً، يا مونو. كوني حذرة، فإذا أصبح قلبكِ أكبر من اللازم، قد لا تستطيعين العودة إلى شقتنا مجدداً".
تدخلت نيرو من جانبها بابتسامة خبيثة: "لا تقلق، يا بليك. إذا لم تستطع مونو العودة، يمكنني أن أفتح لها بوابة إلى الثلاجة. هذا هو كل ما تحتاجه لتبقى سعيدة ومكتملة".
ضحكت مونو بصوت خفيف ومُتعب، ووجهت لكمة خفيفة إلى كتف نيرو. "أنتِ محقة. إذا لم يكن هناك طعام في الثلاجة، فلن يكون هناك قوة ذهبية لإطلاقها. ألا يجب عليك أن تتوقف عن الثرثرة وتركز على صقل أختامك، أيتها الساحرة الصغيرة؟".
نظر ني يان، الذي كان يستمع بصمت، إلى التفاعل بين الأصدقاء. تحدث بصوت أجش: "العلاقات بينكم غريبة جداً. أنتم تتحدثون عن معارك كونية وعن طاقة ذهبية ثم تنتقلون إلى الثلاجة. ألا تفكرون أبداً في... المأساة؟".
رد عليه بليك بهدوء عميق: "يا ني يان، لقد رأينا المأساة بما يكفي في كل بعد زرناه. لكنها ليست نهاية كل شيء. إننا نتحمل هذا الثقل معاً. وهذا هو سبب وجود الثلاجة، يا صديقي. إنها تذكرة بأن هناك حياة طبيعية تنتظرنا إذا نجحنا. إنها سبب القتال، وليست ضعفاً".
قام بليك وسحب مونو برفق إلى جانبه لترتاح، ووضع رأسه على كتفها وهو يتأمل الأفق المظلم لشنغهاي.
"سنأخذ قسطاً من الراحة الآن، يا مونو"، همس بليك. "عندما يبدأ الغسق بالاقتراب، سنتحرك. أنتِ تعرفين أن كل جزء من خطتنا الجديدة يعتمد على بقائكِ قوية".
أغمضت مونو عينيها، وهي تشعر بدفء كتف بليك. "أعلم، أيها الساحر. لن أخذلك. ولن أخذلك يا نيرو. سننقذ أخت ني يان وسنعيد الوحوش إلى مكانها. وسنعود إلى ثلاجتنا".
ساد الصمت مرة أخرى بين الفريق المنهك، لكنه لم يكن صمت يأس، بل صمت استعداد وشحذ للقوى. كانت الشمس تميل نحو الغروب، ملقية بظلال طويلة على الأنقاض، بينما كان فريق التحالف الغريب ينتظر اللحظة المناسبة لبدء الهجوم المضاد. كان الإجهاد يغلفهم، لكن روابطهم كانت هي الدرع الأخير ضد الكيانات الكونية والقوى العسكرية والعمالقة البيولوجيين التي تنتظرهم في قلب الجبل.
بعد أن استعادت مونو بعضاً من عافيتها، وبعد أن أعطت لبليك وفريقه الحد الأدنى من طاقة الشفاء الضرورية، حان وقت الانقسام. كانت مهمة الفريقين واضحة ومتباينة: فريق ني يان وغوست رايدر ونيرو ومونو سيخترقون مقر المليارديرات لإنقاذ لين، بينما سيتحرك بليك وبابادوك وفيرتشايلد وماركو وقط الكذب نحو الضفة الغربية، في مهمة لا تقل خطورة: إغلاق بوابات الوحوش.
وقف بليك عند حافة المبنى، يتأمل الخريطة السحرية المتلألئة في راحة يده. كانت الضفة الغربية تومض بلون أحمر قاني، دليلاً على تزايد تدفق الوحوش المعروفة باسم "سلابي" عبر البوابات القديمة. كانت هذه المخلوقات، التي وصفها فيرتشايلد بأنها مجرد "قاذورات كونية"، قد بدأت تشكل جيشاً ضخماً، والقضاء عليها يتطلب تضحية حاسمة.
استدار بليك نحو مجموعته الصغيرة التي سترافقه، والتي كانت تقف في وضع استعداد هادئ. كان بابادوك يقف شامخاً، وظله يتمدد حوله بثقة، وعلى كتفه يجلس قط الكذب الذي كان يحدق بعينيه الزجاجيتين نحو الأفق. فيرتشايلد وماركو وقفا جنباً إلى جنب، وكل منهما يمسك سلاحه السحري باحترافية.
نظر بليك إلى مونو ونيرو وغوست رايدر وني يان، الذين كانوا يشكلون الآن وحدة إنقاذ مصممة على الانتقام. كانت اللحظة ثقيلة، تكتنفها الكلمات غير المُنطوقة.
تحدث بليك بصوت عميق ورسمي، يخلو من أي مزاح، وكلماته كانت موجهة إلى الجميع، كوصية أخيرة: "لقد وصلنا إلى نقطة اللاعودة. مهمتنا على الضفة الغربية تتطلب منا التضحية بما تبقى من قوتنا لضمان عدم اجتياح هذه الوحوش الكونية للعالم. إنها مهمة إغلاق وإبادة، وسيكون القتال هناك وحشياً وفوضوياً. يجب أن نضغط على أقصى حدودنا لنتأكد من أننا نفعلها بشكل صحيح، لأنه لن تكون هناك فرصة ثانية".
تخطى بليك المسافة الفاصلة بينه وبين نيرو، ووضع يديه على كتفيها. "نيرو، أنتِ القائدة السحرية هنا. ثقي بسحركِ، وثقي بحدسكِ. أنتِ تعرفين كيف تتعاملين مع الأختام السحرية أفضل مني. حافظي على سلامة مونو وني يان. عودي بانتصار، وبيدكِ لين".
ردت نيرو على اللمسة بعينين متألقتين بالدموع المكتومة. "سأعود يا بليك. وسأحتفظ بحصصك من الطعام في الثلاجة حتى عودتك". حاولت أن تجعل نبرتها كوميدية، لكن صوتها انكسر قليلاً.
انتقل بليك إلى مونو، التي كانت تقف بصمت مثقل. كانت نظرة الوداع هذه تحمل معنى أعمق بينهما، معنى سنوات من الصداقة والمعارك المشتركة. "مونو. قوتكِ هي الأمل الأخير. لا تترددي في إطلاق العنان لها عندما تحتاجين. وإذا رأيتِ كابتن مارفل مرة أخرى... عليكِ أن تتذكري تدريباتكِ. لا تدعي اليأس يتسلل إليكِ".
رفعت مونو رأسها وابتسمت ابتسامة قوية رغم ارتعاش شفتيها. "سأقوم بدوري، يا بليك. فقط عد إلينا. لن تكون المغامرة ممتعة بدونك وبدون مزاحك الغريب".
ثم تقدم ني يان ووقف أمام بليك، وقد كان الغضب القديم في عينيه قد خفت ليحل محله احترام جديد. "شكراً لك. لكل ما فعلته، ولكل ما ستفعله. سأحرر أختي، وسأكون هناك لأقاتل بجانبك عندما تفتح البخارية القادمة".
أومأ بليك برأسه لني يان، ثم لغوست رايدر الذي لم ينطق بكلمة ولكنه نظر إليه بعمق. كانت عينا غوست رايدر تتحدثان بلغة العدالة الصامتة: لا تقلق، سأقوم بحماية فريقك.
تحدث بابادوك بصوته العميق والأجش، موجهاً كلامه إلى نيرو ومونو: "كونوا حكيمات أيها الصغار. لا تتركوا الغضب الأعمى يقودكم. هذه قد تكون آخر معركة لي في هذا البعد. لا أريد أن أسمع أنكما خسرتم بسبب تهور أحمق. أودعكما على أمل أن نلتقي مجدداً في حانة جيدة".
أطلق قط الكذب، الذي كان يشد على فرو بابادوك، مواءً حزيناً ومُتوتراً، كأنه يوافق على أن هذه الوداعات ليست إلا غطاء لواقع مرير.
كان فيرتشايلد أكثر صراحة. نظر إلى الجميع بجدية غير مسبوقة: "الأصدقاء. كل منا قد يكون قد كتب الفصل الأخير من حياته. إنها المرة الأولى التي يكون فيها الخطر كبيراً جداً، حيث لا يملك بليك خطة احتياطية قابلة للتطبيق. لذا، قاتلوا بشرف، وتذكروا ما نقاتل من أجله. إلى اللقاء".
مع تبادل النظرات الأخيرة، دون كلمات إضافية، اندفع فريق بليك نحو الضفة الغربية.
أطلق بليك تعويذة سحرية معقدة، فظهرت بوابة مظلمة من الطاقة الرمادية على بُعد خطوات منهم. كانت البوابة تومض وتصدر همهمة عميقة، وتكشف عن ضباب كثيف وعواصف رعدية في الجانب الآخر.
نظر بليك نظرة أخيرة إلى مونو، التي كانت تقف مع نيرو وني يان وغوست رايدر، وهم يراقبونهم بتوتر.
"إلى الضفة الغربية، أيها الأصدقاء!" صاح بليك، ثم انزلق بسرعة البرق داخل البوابة.
تبعه بابادوك بثقل، ثم قفز ماركو وفيرتشايلد عبر البوابة، حاملين أسلحتهما. كان قط الكذب يمسك بفرو بابادوك بإحكام حتى لا يفصله السفر عبر البوابة.
انغلقت البوابة خلفهم بضوضاء كالرعد البعيد، لتترك فريق الإنقاذ في صمت ثقيل. كان عليهم الآن أن يتحركوا.
نظرت نيرو إلى مونو وني يان وغوست رايدر، وعيناها مليئتان بالتصميم. "هيا بنا. لنستغل كل ثانية من الوقت الذي كسبه لنا بليك. لننتقم من الخونة ولنننقذ لين. ليس لدينا ما نخسره الآن. هدفنا هو مقر المليارديرات".
بدأ فريق الإنقاذ في التحرك، متجهين نحو مدخل الأنفاق الذي يوصل إلى المقر. كان الظلام قد بدأ يكتسح سماء شنغهاي، وبدا أن الليل الطويل
قادم سيحمل في طياته نهاية العالم أو بداية الانتصار.